الأساس الدستوري والتشريعي لتشكيل خلية الازمة في العراق
د. علي مهدي
2020-04-13 04:45
اثار انتشار وباء كورونا على مستوى العالم، حالة من الخوف والرعب بين مختلف السلطات وعلى كافة المستويات؛ لما لهذه الجائحة الكونية من تداعيات صحية واقتصادية وأمنية واجتماعية، تتطلب استنفار كل الامكانيات المتاحة لغرض الحد من مخاطرها وتطويق الخسائر الناجمة عنها، سابقة لا مثيل لها خلال التاريخ الحديث، تمثل خطر داهم من الصعب تداركه وفق الأساليب والإجراءات الاعتيادية، يتطلب سياقات غير اعتيادية وهذه الحالة تسمى بالظروف الاستثنائية.
والتي على أثرها تم اصدار الامر الديواني 55 لسنة 2020 والذي بموجبه تم تشكيل خلية الازمة برئاسة السيد وزير الصحة، والتي اتخذت بدورها جملة من القرارات والتوصيات ومن اهمها حظر التجوال والتنقل والسفر وغلق المنافذ الحدودية، وفرض قيود على وسائل النقل والمواصلات البرية والجوية والمائية، وفرض قيود على المحال العامة والتجارية والنوادي والجمعيات والنقابات والشركات والمؤسسات والدوائر، وفرض العقوبات لكل من يخالف الأوامر أو البلاغات أو البيانات أو القرارات التي تصدرها خلية الازمة.
ولما تبين أن لقرارات وأعمال خلية الأزمة أساس في الدستور والتشريع يستوجب بيانه من حيث الآتي:
المدلول القانوني للظروف الاستثنائية وشروطها
تميزت الدولة الحديثة بوضع القواعد القانونية التي تضمن الحريات العامة للأفراد، وتحديد ممارسة السلطات لوظائفها، ووضع الأطر العامة لدولة القانون، وسيادة مبدأ المشروعية، والتي تعني الخضوع للقانون، وأن هذا المبدأ ينعطف على الكافة سواء كانوا حكاماً أو محكومين، رؤساء أو مرؤوسين.
وبموجب هذه النظرية يجوز للدولة أو إحدى سلطاتها، وهي غالباً ما تكون السلطة التنفيذية الخروج عن أحكام الدستور أو القوانين إذا اقتضى ذلك ضرورة السلامة العامة للمجتمع أي: أنها تعفي السلطات من التقييد بأحكام الدستور أو أحكام القانون عند وجود الخطر الحال المباشر لكيان الدولة أو اقتصادها وسلامتها(1).
فإذا ما نشأت ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو السلامة العامة للمجتمع، كحالة الحرب او ظروف غير طبيعية قاهرة أو حالة التمرد والعصيان لابد من مواجهتها باتخاذ تدابير استثنائية، فحالة الضرورة هذه هي التي تجيز لإحدى هيئات الدولة ألا وهي السلطة التنفيذية متمثلة في رئيسها أن تعلق كل أو بعض نصوص الدستور، وتباشر بممارسة وظيفية التشريع خلال مدة من الزمن.
ويتبين إن الظروف الاستثنائية هي وضع غير عادي وخطير يحتم التصرف على وجه السرعة للمحافظة على المصلحة العامة، التي يتعذر معها تطبيق قواعد المشروعية في الظروف العادية، غير أن القضاء لم يترك النظرية عامة دون شروط لتطبيقها، وأهم تلك الشروط تتمثل في:
1. وجود ظرف استثنائي يمثل خطراً جسيماً يهدد النظام العام:
يعتبر هذا الشرط النقطة المركزية ودائرة عمل نظرية الظروف الاستثنائية، إذ بتوافره يبدأ التفكير جدياً في إعمال أحكام النظرية، ويرى بعض فقهاء القانون ان هذه الحالة يجب أن تكون شاذة غير مألوفة كحالة الحرب، فهي لست بالحالة المعتادة(2)؛ حيث يشترط لتعيين نظرية الظروف الاستثنائية بوجود تهديد بخطر جسيم حال موجه ضد الدولة أو النظام العام، ويتحدد هذا التهديد عن طريقة تحديد مصدره، الذي قد يكون نتيجة أزمة تتعلق بظروف استثنائية طبيعية، كالزلازل والفيضانات والاوبئة أو أزمة تتعلق بالنظام العام الداخلي للدولة لحدوث اضطرابات تهدد الأمن الداخلي، أو حدوث ظروف استثنائية تمس أمن الدولة واستقلالها من جهة الخارج كالحرب والمساس باستقلال الدولة.
2. تعذر مواجهة الظروف الاستثنائية وفق قواعد الشرعية العادية:
إن هذا الشرط يتمثل بتعذر التصرف طبقاً للقواعد العادية، أو عند عدم كفايتها للتصدي للإخطار، وبناءاً على ذلك فإن الإدارة تظل ملتزمة حتى في هذه الظروف بالوسائل التي ينص عليها القانون في الأحوال العادية، إلا إذا تعذر عليها مواجهة المواقف بهذه الوسائل لعدم كفايتها.
إن استحالة مواجهة التهديد بالخطر الجسيم والحال بالطرق الاعتيادية، وعن طريق المؤسسات المختصة هو شرط يجمع الفقه صراحة وضمناً، وهو يعني: أنه إذا وجدت وسيلة قانونية أو دستورية تستطيع أن تواجه المخاطر التي تهدد سلامة الدولة، فإنه يجب الرجوع إلى تلك الوسائل، أما إذا كانت هذه الوسائل عاجزة عن مواجهة تلك المخاطر، فإن الرجوع إلى نظرية الضرورة يصبح أمراً لا غنى عنه. وهي بمثابة الملجأ الأخير.
ان التصرف أو الإجراء الصادر لمواجهة هذا الظرف الاستثنائي يجب أن يكون بما تقتضيه الضرورة القصوى وفي حدودها، أي: أن الضرورة تقدر بقدرها فإذا تجاوزت الإدارة لهذا القدر، فإنها تعرض نفسها للمساءلة، وتكون قراراتها عرضة للطعن أمام القضاء بالإلغاء أو التعويض.
3. غاية الظروف الاستثنائية تحقيق المصلحة العامة:
إن السلطة التنفيذية وهي تمارس نشاطها ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة في الظروف الاعتيادية والاستثنائية، وحيث أن الأمر كذلك يجب أن يكون العمل الذي تأتيه السلطة التنفيذية في الحالات الطارئة والظروف الاستثنائية قد قصدت به حماية مصلحة عامة، ولا يكون المراد منها الوصول إلى تحقيق أغراض شخصية؛ إذ ليس كل خطر أو حالة شاذة أو ظرف استثنائي مهما كان نوعه وحجمه، يعتبر سبباً كافياً يبيح للإدارة تجاوز اختصاصاتها العادية، فلا بد أن يرقى الخطر إلى درجة تمثل تهديداً جدياً لمصلحة عامة، كتهديد لكيان الدولة أو سلامتها أو سير مؤسساتها الدستورية أو مرافقها العامة، وعلى هذا الاساس فإن الخطر الذي يهدد مصلحة خاصة لا يمثل حالة ضرورة.
الاساس الدستوري
ومن المجال العام للنظرية، ننتقل إلى التطبيق على ما حدث من ظرف استثنائي في العراق، نتيجة الجائحة التي عطلت مؤسسات الدولة ومرافقها العامة وفرض الشروط الاستثنائية المتعلقة بتقييد الحريات العامة، فأنه وبإمعان النظر في الدستور العراقي لسنة 2005، نجد أصل للظرف الاستثنائي في إعلان الحرب وحالة الطوارئ تبينه (المادة 61، البند تاسعاً)، حيث جاء فيها، يختص مجلس النواب بما يأتي:
أ- الموافقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلثين، بناءاً على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء.
ب- تُعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد، وبموافقةٍ عليها في كل مرة.
ج- يخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شئون البلاد خلال مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ وتنظيم هذه الصلاحيات بقانون، بما لا يتعارض مع الدستور.
د- يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب، الإجراءات المتخذة والنتائج، في أثناء مدة إعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهائها.
ومن الملاحظ إن المشرع العراقي قد دمج إعلان الحرب وحالة الطوارئ في مادة واحدة، وهذه سابقة لم تعهد بها الوثائق الدستورية العراقية، ماعدا القانون الاساسي لسنة 1925.
وقد اكدت الوثيقة الدستورية: ان يتم إعلان الحرب وحالة الطوارئ من خلال طلب مشترك من قبل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وهذا يلزم من ركني السلطة التنفيذية موقف مشترك حيال الظرف الطارئ، وبطبيعة الحال يكون الإعلان بـ(أمر) يصدر من رئيس مجلس الوزراء بعد موافقة رئيس الجمهورية ومجلس النواب بموافقة الثلثين من الحضور طبقاً للدستور وأمر الدفاع عن السلامة الوطنية(3).
جاء في النص ان يكون الطلب من قبل رئيس مجلس الوزراء وليس مجلس الوزراء، وهذا بعكس ما ورد في القانون الأساسي لسنة 1925؛ حيث اشترط اعلان حالة الطوارئ بموافقة مجلس الوزراء وليس رئيس مجلس الوزراء لوحده ولهذا كان من الأنسب أن يكون طلب إعلان حالة الحرب والطوارئ بقرار من مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية ويقدم الى مجلس النواب.
ومن الجدير بالملاحظة ان المشرع الدستوري في نصه لإعلان الحرب وحالة الطوارئ، لم يتطرق إلى حيثيات الظرف الاستثنائي والأسباب الموجبة له، وقد كان من المناسب ذكر ذلك، كما هو في العديد من الدساتير الاخرى. حتى لا يخضع هذا الاعلان للتقدير الشخصي لرئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء، ومما يشفع للمشرع العراقي بهذا النقص هو موافقة مجلس النواب لهذا الطلب بنسبة تعتبر عالية جداً.
ومن الشروط الضمنية برأينا هي مدة نفاذ حالة الطوارئ وتحديدها بأجل ثلاثين يوماً تتمدد كل مرة بعد موافقة مجلس النواب وتنتهي حالة الطوارئ بشكل تلقائي عند عدم موافقة مجلس النواب أو عدم تقديم الطلب بالتمديد، ومن الجدير بالذكر هذه أول مرة يُذكر فيها مدة زمنية لحالة الطوارئ، فلم يشر إلى ذلك، القانون الأساسي لسنة 1925 والدساتير المؤقتة في العهد الجمهوري، وهذا يُحسب للمشرع العراقي، وهو لصالح ضمان الحقوق والحريات، وبذلك انفرد الدستور العراقي بتحديده لمدة حالة الطوارئ بوقت زمني محدد(4)، وفي مجال تناسب النص الدستوري فقد ترك لرئيس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من إدارة شؤون البلاد خلال مدة إعلان حالة الطوارئ.
ومن هذا يتمتع رئيس الوزراء بالسلطات الاستثنائية اللازمة لمواجهة الخطر الجسيم الذي يهدد البلاد أو أي بقعة منها، حيث توضع بحوزته كل الوسائل والإمكانيات في الدولة بما في ذلك التشريعات اللازمة، وقد قيد المشرع العراقي أن تكون إجراءات رئيس الوزراء ضمن أحكام الدستور، وان لا تشكل أي مخالفة له، ولأجل عدم التوسع بتقدير الظرف الاستثنائي والتوغل بتقييد الحريات ؛ الزم النص الدستوري مجلس النواب بتشريع قانون ينظم صلاحيات رئيس الوزراء عند إعلان حالة الطوارئ، وبما لا يتعارض مع الدستور ؛ تحسباً لأي إساءة استعمال لها، وصرفها عن جادة الأهداف التي وضعت من أجلها، وحتى ذلك الحين يبقى العمل ساري بأمر السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 2004 رغم بعض الفقرات والمواد التي تجاوزها الدستور في نصوصه.
والأصل العام تبقى أعمال السلطة التنفيذية موقوفة إلا بعد عرض الإجراءات المتخذة والنتائج على مجلس النواب خلال فترة العمل بالسلطات الاستثنائية عند إعلان حالة الطوارئ، وحدد فترة زمنية أمدها خمسة عشر يوماً من تاريخ إنتهائها.
الاساس القانوني
صدر أمر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم (1) في 6/7/2004 بموجب قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية والملحق الخاص به لمعالجة حالة آنية وهي فترة الاوضاع الاستثنائية ما بعد الاحتلال الامريكي وتشكيل الحكومة المؤقتة، وقد صدر هذا الامر، بالرغم من وجود قانون السلامة الوطنية رقم 4 لسنة 1965،والذي ينظم اعلان الحرب وحالة الطوارئ.
فقد تضمن (13) مادة، وتطرق الأمر التشريعي إلى المبررات والأسباب الموجبة التي تدعو السلطة التنفيذية لطلب الموافقة على حالة الطوارئ وقد تم تحديدها بالاتي:
1- عند تعرض الشعب العراقي لخطر حال جسيم.
2- حملة مستمرة من العنف من أي عدد من الاشخاص.
إذ يجب أن يكون هنالك خطر، وهذا الخطر ليس محتملاً؛ بل هو حال أي واقع خطير جسيم، وهذا مما يسجل لصالح هذا القانون كونه نص على صفة الخطر بأنه حال وليس متوقعاً مما يقيد من سلطة إعلان حالة الطوارئ.
وبين الأمر طريقة الإعلان والمناطق المشمولة، مع تحديد المدد الزمنية لها وهي (60) يوما، وأجاز التمديد بصورة دورية كل ثلاثين يوم، وقد خول الأمر لرئيس مجلس الوزراء اتخاذ الإجراءات اللازمة لتدارك الاوضاع المحدقة لحالة الخطر: كفرض الحظر على التجوال والقيود على الاموال والاشياء وكذلك القيود السالبة للحريات والحقوق للافراد. مثل منع التنقل والسفر والإقامة واتخاذ إجراءات احترازية على الطرود والرسائل والبرقيات ووسائل وأجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية كافة، فرض قيود على وسائل النقل والمواصلات البرية والجوية والمائية في مناطق محددة ولفترة محددة، فرض قيود على المحال العامة والتجارية والنوادي والجمعيات والنقابات والشركات والمؤسسات والدوائر، ويمارس رئيس الوزراء السلطات الاستثنائية المنصوص عليها بموجب أوامر أو بلاغات أو بيانات تحريرية تنشر في وسائل الأعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة مع تحديد سريانها، وتتولى المحكمة الجنائية المركزية في العراق النظر في الجرائم الكبرى المرتكبة خلال مدة سريان حالة الطوارئ التي يحيل قضاياها القاضي المختص.
ومما يؤخذ على هذا الأمر التشريعي، انه قد اصبح يتعارض في بعض مواده مع بنود المادة الدستورية المعنية بإعلان الحرب وحالة الطوارئ.
مقترحات لتنظيم حالة الطوارئ
أن التنظيم القانوني لإعلان الحرب وحالة الطوارئ وبما يضمن اتخاذ الإجراءات المطلوبة، لابد من إعادة النظر في أمر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم 1 لسنة 2004، وكذلك مرسوم الطوارئ رقم 4 لسنة 1965، وذلك بإصدار قانون واحد لحالة الطوارئ يشمل جميع أنواع الأخطار التي تهدد النظام العام وكيان الدولة، وكذلك يتضمن تحديد الصلاحيات الاستثنائية المخولة لرئيس مجلس الوزراء خلال مدة حالة الطوارئ، وتضمينه نص على مسؤولية سلطة الطوارئ عن أعمالها غير المشروعة[5]، التي تلحق أضرارا بالغير، وكذلك إزالة التناقضات الواردة في التشريعات المنظمة لحالة الطوارئ مع ما ورد في النص الدستوري.