محكمة قتلة خاشقجي: مصداقية الحقوق أم مسرحية دولية؟

عبد الامير رويح

2019-02-07 04:20

تطورات جديدة تشهدها قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من أكتوبر تشرين الأول الماضي، حيث عادت إلى الواجهة مجدداً وكما نقلت بعض المصادر بعد ان اعلن مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عن تشكيل فريق تحقيق دولي مستقل، وقال المكتب في وقت سابق، إن فريقا مؤلفا من ثلاثة خبراء دوليين سيجري تحقيقا في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وقالت أجنيس كالامارد مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام الفوري والتعسفي إنها ستتوجه إلى تركيا لقيادة لتحقيق في مقتل خاشقجي.

واكد المكتب في بيان إن الفريق المستقل سيسعى للوقوف على ”طبيعة ومدى المسؤوليات الواقعة على دول وأفراد فيما يتعلق بالقتل“. والعضوان الآخران في الفريق هما المحامية البريطانية هيلينا كيندي ودوارتي نونو فييرا وهو خبير في علم الأمراض وأستاذ جامعي في قسم الطب الجنائي بجامعة كويمبرا في البرتغال. وتعتقد أجهزة المخابرات الأمريكية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمر بتنفيذ عملية قتل خاشقجي، الذي كان ينتقد ولي العهد ويكتب مقالات رأي في صحيفة واشنطن بوست، وتقول إن جثته قطعت ونقلت لموقع مجهول. وتنفي الرياض أي ضلوع لولي العهد في الأمر.

ويقتصر التحقيق الذي تجريه أجنيس كالامارد في تركيا على زاوية حقوق الإنسان وليس تحقيقاً جنائياً رسمياً من قبل الأمم المتحدة. وتعمل السيدة كالامارد مديرة لقسم حرية التعبير العالمية بجامعة كولومبيا في نيويورك، إلى جانب عملها مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام الفوري والتعسفي، وترفع تقارير إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف ولديها تفويض دولي في التحقيق في عمليات الإعدام.

ويذكر أنه بعد 18 يوماً من الإنكار والتفسيرات المتضاربة من قبل السعودية بشأن "مجزرة القنصلية" التي وقعت مطلع أكتوبر، أعلنت الرياض مقتل خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول زاعمة أن ما حدث وقع إثر "شجار" مع أشخاص سعوديين، وأنه تم توقيف 18 مواطناً في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة. وفي 5 ديسمبر الماضي، أصدر القضاء التركي مذكرة توقيف بحق أحمد عسيري النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية، وسعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان، للاشتباه في ضلوعهما في الجريمة. ويرى بعض الخبراء ان التحقيقات الحالية قد لا تاتي بجديد، خصوصا مع وجود تدخلات وضغوط مستمرة لابعاد اسم المشتبه الأول في جريمة خاشقجي هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

مزيد من المعلومات

وفي هذا الشأن قالت محققة الأمم المتحدة التي تقود تحقيقا في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركيا إنها لم تتلق بعد كل المعلومات التي تريدها لكنها ما زالت تأمل في إجراء تحقيق ناجح. وقُتل خاشقجي، الذي كان يكتب بصحيفة واشنطن بوست ويقيم في الولايات المتحدة، في الثاني من أكتوبر تشرين الأول في القنصلية السعودية باسطنبول.

وتعتقد وكالات الاستخبارات الأمريكية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمر بتدبير عملية قتل خاشقجي الذي كان ينتقده. وتقول تقارير إنه تم تقطيع جثة خاشقجي ونقلها إلى مكان مجهول. وتنفي الرياض أي دور لولي العهد في مقتل خاشقجي. وأجرت أنييس كالامار مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء والإعدام التعسفي محادثات في أنقرة واسطنبول مع وزراء ومسؤولين في المخابرات ورئيس مكتب الادعاء في اسطنبول. وتزور كالامار تركيا في مهمة في إطار التحقيق.

وقالت للصحفيين في اسطنبول ”عقدنا اجتماعات جيدة هنا.. لا زلنا نشعر ببعض خيبة الأمل من عدم قدرتنا على الحصول على كل المعلومات التي طلبناها فيما يتعلق بالتحقيق“. وأضافت ”لكن ما زلنا نأمل في أن تتمكن السلطات من الوفاء بالتزاماتها وتسليمنا بعض المعلومات المتعلقة بتحقيق الشرطة“ وأشارت إلى أنها تأمل في إجراء ”تحقيق شامل وناجح“. وذكرت محققة أن الرياض لم توافق بعد على طلب لدخولها قنصلية المملكة في اسطنبول ولقاء مسؤولين سعوديين. وقالت ”أردنا فحسب أن تتكون لدينا فكرة عن المكان“. وأفادت كالامار في حديثها خارج المبنى بأنها طلبت من الحكومة السعودية دخوله ولقاء السلطات السعودية في كل من تركيا والمملكة. وأضافت ”للإنصاف قدمنا الطلب متأخرا جدا، لذلك يتعين علينا أن نعطيهم وقتا أكثر قليلا لبحث طلبنا... نطالب السلطات بكل احترام أن تمنحنا حق الدخول خلال وجودنا هناك“.

وقال كينيث روث المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية إن كالامار تتحرى عن الأدلة التي تشير إلى مسؤولية الأمير محمد. كما دعا وكالة المخابرات المركزية إلى الكشف عن تسجيلات لوقائع الجريمة. وعقدت كالامار اجتماعات مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير العدل عبد الحميد جول ورئيس وكالة المخابرات الوطنية التركية. ولم يذكر المسؤولون الأتراك ما هي الأدلة التي أطلعها الثلاثة عليها. ومن المتوقع أن تجتمع كالامار مع النائب العام في اسطنبول الذي قاد التحقيق التركي في الجريمة. وقالت إنها قد تنشر تقريرها بحلول أواخر مايو أيار رغم أن من الممكن أن يتغير هذا الموعد. بحسب رويترز.

وقال متحدث باسم الادعاء العام في السعودية العام الماضي إن السلطات احتجزت 21 سعوديا فيما يتعلق بقضية خاشقجي وجهت اتهامات لأحد عشر فردا منهم وأحيلوا للمحاكمة. وأضاف الادعاء السعودي أنه يطالب بتطبيق عقوبة الإعدام على خمسة من المتهمين. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إنه حان الوقت لإجراء تحقيق دولي في مقتل خاشقجي.

تجاوزوا خاشقجي

من جهة اخرى فإذا كانت أنباء مقتل الصحفي جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين وما أثاره من ضجة عالمية قد فاتتك بشكل ما، فربما تعتقد أن السعودية هي الضيف الأثير لدى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. وبعثت المملكة بأحد أقوى وفودها على الإطلاق إلى المنتجع الجبلي السويسري وحشدت جداول أعمال كبار المسؤولين التنفيذيين لديها باجتماعات مع نظرائهم العالميين.

حتى أنها تمكنت من اجتذاب رجال أعمال غربيين كبار إلى جلسة نقاش بعنوان ”الخطوات القادمة للمملكة العربية السعودية“، حيث يجلس باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة النفط الفرنسية العملاقة توتال وجيمس جورمان رئيس بنك مورجان ستانلي بجانب وزيري المالية والاقتصاد السعوديين. واجتماع دافوس في جبال الألب السويسرية هو فرصة للسعوديين لطي صفحة أشهر من الانتقادات الحادة بشأن مقتل خاشقجي، الذي كان يوجه انتقادات لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، داخل القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر تشرين الأول.

وأثار مقتل خاشقجي على يد عملاء سعوديين حالة من الاشمئزاز واسعة النطاق ولطخ صورة ولي العهد السعودي، الذي كان في السابق محط إعجاب الغرب بسبب دفعه لإجراء تغييرات عميقة بما في ذلك تطبيق إصلاحات ضريبية وتنفيذ مشاريع بنية تحتية والسماح للمرأة بقيادة السيارات. وفي دافوس، هناك مؤشرات على أن مساعي الحد من الأضرار تؤتي ثمارها. وقال الرئيس السويسري أولي ماورر إن بلاده تمضي قدما، وتريد بناء علاقات قوية مع الرياض.

وقال ماورر لوكالة الأنباء السويسرية إس.دي.إيه ”تعاملنا منذ فترة طويلة مع قضية خاشقجي... اتفقنا على الاستمرار في الحوار المالي وتطبيع العلاقات مجددا“. ودعا حلفاء غربيون بما في ذلك بعض السياسيين الأمريكيين الرياض إلى محاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي. وطلب النائب العام السعودي تطبيق عقوبة الإعدام بحق خمسة متهمين، في الوقت الذي تسعى فيه المملكة لاحتواء أكبر أزماتها السياسية منذ جيل.

لذا كانت هناك شكوك بشأن وضع السعودية في دافوس، خاصة وأن عددا من المستثمرين العالميين الكبار قاطعوا مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي نظمه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أكتوبر تشرين الأول، والذي ألقى مقتل الصحفي السعودي بظلاله عليه. وبعد ذلك، وفي قمة مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى في بوينس أيرس، بدا القادة يتجاهلون الأمير محمد على المنصة خلال صورة جماعية، على الرغم من أن الكثيرين عقدوا اجتماعات ثنائية مغلقة معه بعد ذلك.

لكن في دافوس، قال وزير الاقتصاد السعودي محمد التويجري إن الوفد السعودي لديه عشرات الاجتماعات على جدول أعماله وإنه لم ينحسب منها أي مستثمر أجنبي. وقال التويجري ”العمل يسير كالمعتاد في السعودية على أساس يومي. وظيفتنا كحكومة ضمان أن تكون البنية التحتية وعلى الأخص القانونية مستقرة. آمل أن تجذب رحلة التحول هذه المستثمرين“. وأضاف أن التحقيق بشأن مقتل خاشقجي يحتاج وقتا.‭‭

‭ ‬وإن الرسالة التي سينقلها إلى ولي العهد هي الاستماع إلى آراء المستثمرين. وأبلغ وزير المالية محمد الجدعان شبكة تلفزيون سي.ان.بي.سي أن ”ما حدث لجمال أمر مؤسف للغاية“، لكنه اقترح أيضا انتظار نتائج التحقيق والمحاكمة. كما قال إن حقيقة أن طلبات الاكتتاب في سندات سعودية بقيمة 7.5 مليار دولار فاقت المعروض بكثير في وقت سابق تظهر عودة ثقة المستثمرين. وقال مصدر حكومي سعودي إن أحدث بيانات سعودية ستظهر أن تراخيص الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة تضاعفت العام الماضي إلى مثليها من 377 في 2017. واختار المنتدى الاقتصادي العالمي شركتين سعوديتين هما أرامكو وسابك لتكونا ضمن 100 شريك استراتيجي في 2019. بحسب رويترز.

وقال الرئيس التنفيذي لأرامكو إن شركة النفط العملاقة تخطط لإصدار سندات كبيرة هذا العام وتتطلع لشراء أصول غاز في الولايات المتحدة. ومستقبلا، ما زالت أرامكو تخطط لإدراج أسهمها بحلول وقت ما في 2021 فيما قد يصبح أكبر طرح عام أولي في العالم. وناقشت جلسة واحدة بشأن حرية الصحافة مقتل خاشقجي لكن لم يُشاهد بها أي مسؤول سعودي. وقال بيل براودر، وهو منتقد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نجح في تمرير بعض أقسى العقوبات الأمريكية ضد روسيا بسبب مقتل محاميه، في إجراء يعرف باسم قانون ماجنيتسكي، إن العقوبات نفسها يجب أن تُطبق على السعودية. وقال براودر”لا يمكن أن يسير العمل كالمعتاد مع السعودية، حتى يتحمل الأمير محمد بن سلمان المسؤولية عن هذه الجريمة“.

التستر على جريمة

في السياق ذاته رأى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن هناك "محاولات للتستر" على قضية الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، وأن هذه المحاولات من أجل المال. وقال جاويش أوغلو إن تركيا "تدرك جيدا الجهات التي تنادي بحرية الإعلام وتحاول في الوقت نفسه، التستر على جريمة مقتل خاشقجي من أجل المال". وأضاف أن "بعض الدول الغربية تحاول التستر على الجريمة، وتركيا تدرك أسباب محاولتهم هذه"، وفقا لما نقلته وكالة أنباء "الأناضول" التركية الرسمية. واعتبر جاويش أوغلو أن تركيا تعاملت مع القضية بالمبادئ، وقال: "اتخذنا خطوات استراتيجية وعقلانية، وتقاسمنا المعلومات المتوفرة لدينا مع الجميع، والذين ارتكبوا الجريمة هم الآن في السعودية".

من جانب اخر ذكرت مصادر غربية وعربية وسعودية على صلة بالديوان الملكي السعودي إن المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني الذي أقيل من منصبه فيما له صلة بمقتل الصحفي جمال خاشقجي لا يزال يتمتع بنفوذ ضمن الدائرة المقربة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وكان القحطاني عُزل من منصبه كمستشار لولي العهد، الحاكم الفعلي للمملكة، في أواخر أكتوبر تشرين الأول بعدما ذكرت مصادر بالمخابرات في المنطقة أنه أشرف على عملية قتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول بأن أعطى الأوامر للقتلة عبر تطبيق سكايب.

وقال مسؤول سعودي رفيع المستوى في ذلك الحين إن عزله ”قرار سياسي... بسبب التقصير في أداء الواجب والاشتراك في تسلسل الأحداث“ التي أفضت إلى واقعة القتل. بعد ذلك بأسابيع، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على القحطاني بسبب دوره. لكن ستة مصادر قالت إن القحطاني لا يزال يتصرف نيابة عن الديوان الملكي. وقال مصدران منهم إنه لا يزال على اتصال بولي العهد بينما قال ثلاثة آخرون إنه يواصل توجيه تعليمات لمجموعة صغيرة من الصحفيين السعوديين بشأن ما ينبغي أن يكتبوه عن سياسات المملكة.

وعندما كان رئيسا للمركز الإعلامي الخاص بالديوان الملكي حتى إقالته، كان القحطاني مسؤولا عن وحدة إعلامية إلكترونية مكلفة بحماية صورة المملكة، وتملي النهج الرسمي بشأن قضايا مختلفة من النزاع مع قطر وصولا إلى الأمن وحقوق الإنسان. وتقول المصادر إن الحصانة التي يتمتع بها القحطاني على ما يبدو تثير مخاطر تقويض التعهدات السعودية بمحاسبة المسؤولين. وكان ينظر إلى القحطاني على أنه الذراع اليمنى لولي العهد.

وأيد مجلس الشيوخ الأمريكي الشهر الماضي قرارا يحمل ولي العهد المسؤولية عن قتل خاشقجي ويطالب الرياض بإجراء تحقيق واف. ونفى مسؤول سعودي أن يكون القحطاني لا يزال يمارس أي دور في الديوان الملكي، وقال إنه لم يقم بأي عمل منذ عزله ولا يزال رهن التحقيق وممنوعا من السفر. وقالت مصادر مطلعة في الحكومة إن القحطاني، كان يتحكم في الاتصال بولي العهد وكثيرا ما كان يتحدث نيابة عنه قبل عزله.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي