في اليمن: أسلحة التجويع الشامل وشرعنة الموت في العراء
مسلم عباس
2017-11-28 06:32
قد يكون من المنطقي ان لا تخاف البشرية من المجاعة في ظل انتشار الأفكار الحرة، وسيادة سلطة وسائل الاعلام التقليدية والالكترونية على سلطات الدول والحكومات، وكما قال وزير الدفاع الامريكي الاسبق دونالد رامسفيلد فان المستقبل ستحكمه حروب المعلومات اكثر من الحروب العسكرية والأساطيل العظيمة.
قواعد الصراع هذه لا يمكن تطبيقها على اليمن، فلا معلومات تكفي لإدانة السعودية والإمارات على جرائمهما المتواصلة ضد الشعب واليمني، والمنظمات الدولية غير قادرة على تشكيل كتلة ضغط قوية تجبر تحالف الحرب لايقاف جرائمه او على الأقل فك الحصار عن شعب يموت امام انظار العالم وتحت منصات حقوق الإنسان.
قيل سابقا ان الصورة بالف كلمة، لدقة تعبيرها عن الواقع، لكن "اليمن الجريح" قد انشأ موسوعات من الصور التي لا تخرج من اطار المجاعة. هياكل الاطفال النحيلة تبدو واضحة للعيان وفي عز شبابهم احدودبت ظهورهم فداهمتهم الشيخوخة قبل ان تنتهي الحرب. لقد أدى الحصار إلى تعرض اليمنيين لمجاعة، وحتى قبل فرض الحصار كانت اليمن تعاني من التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأيضاً فإن العديد منهم لم يعودوا قادرين على الحصول على الإمدادات الغذائية. وبحسب بيان لشبكة الإنذار المبكر الخاصة بالمجاعة، وهي جماعة أسستها وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة، فإن معظم سكان اليمن سيعانون من المجاعة في غضون ثلاثة أشهر إلى أربعة.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أجابت عن تساؤل طرحته، حول الأسباب التي تجعل مما يجري في اليمن جريمة ضد الإنسانية، مبينة أن استخدام الغذاء كسلاح في أي معركة يعد من بين تلك الجرائم التي ترقى إلى أن تكون جرائم ضد الإنسانية. وقالت الحرب الجارية في اليمن بأنها "ليست مجرد مأساة وحسب، وإنما أيضاً جريمة ضد الإنسانية".
السعودية تخشى مواجهة ايران والاخيرة تخشى مواجهة السعودية، لكنها مستعدتان لحرق الشعب اليمني من اجل تحقيق الانتصار على بعضهما البعض، قذائف الطائرات السعودية المصنوعة في امريكا وبريطانية تنتقي ضحاياها من دون تفرقة بين عسكري او مدني ولا تحسب لطائفته الدينية اي حساب كما هو معمول به في ادبيات السياسة "القذرة".
الشعوب العالمية جميعا لا تريد تجويع الشعب اليمني لكن المشكلة الاكبر هي سياسة التعتيم الاعلامي والسياسي على هذه الجرائم، فسلطة الدولار لجمت جميع الافواه الدولية المعارضة بالمال اما بقطعه عن المنظمات الدولية كما فعلت مع الامم المتحدة او باعطاء الرشا لسياسيين وشخصيات نافذة مهمتهم الأساسية تبرير تلك الجرائم، في هذا الشأن كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، عن تلقي نواب بريطانيين رُشا من السعودية، بلغت قيمتها 133 ألف دولار أمريكي، وذلك في إطار حشد الدعم لسياستها وحربها في اليمن.
وبحسب الموقع فإن الرِّشا تضمنت الإقامة في فنادق فاخرة ورحلات طيران على درجة رجال الأعمال، ومبالغ أخرى رُصدت تحت بند "الضيافة". وشملت قائمة المصاريف أيضاً "ولائم فاخرة" مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وكبار المسؤولين. وأضاف: "31 نائباً محافظاً (حزب المحافظين) بمن فيهم الرئيس السابق لمجلس الشرق الأوسط، ليو دوكيرتي، قبلوا ضيافة مختلفة من السعودية تجاوزت 116 ألف دولار أمريكي، خلال 2017 فقط". وتوقع الموقع أن يكون هؤلاء النواب قد استخدموا نفوذهم من أجل تلميع سمعة الحكومة السعودية.
ويستدل "ميدل إيست آي" على ذلك بإحدى الزيارات التي أجراها نواب بريطانيون إلى السعودية، والذين حاولوا فور عودتهم إلى لندن، التأثير على حكومة تيريزا ماي؛ من أجل التسريع ببيع طائرات "تايفون" للرياض.
اما الولايات المتحدة الامريكية فتريد من اليمن ان تكون ساحة لحربها الكبرى التي تشنها على ايران ولا يهمها كم عدد المدنيين الذين سيقتلون جوعا او الاطفال الذين تفتك بهم الامراض، اذ تعتبر ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الساحة اليمنية افضل مكان للضغط على ايران من خلال اتهامها بالمسؤولية عن ما يحدث من جرائم ترتكب بحق الشعب هناك، وهي استراتيجية "سخيفة" كما انها لا تسهم بحل ازمة الغذاء بقدر ما تقدمه من خدمات سياسية للادراة الامريكية والسلطات السعودية فقط، فإلقاء اللوم على طهران قد يوفر ذريعة لعزلها على المستوى الدولي من خلال مجلس الامن والامم المتحدة.
الولايات المتحدة الامريكية قبل ايام تباكت على الشعب الكوري الشمالي لانه يموت جوعا في الوقت الذي يستخدم زعيمه اموال الدولة لتصنيع الصواريخ، لكن دموعها تجف حينما يتعلق الامر بحليفها السعودي الذي لم يسرق الاموال فقط وترك الشعوب تلقى مصيرها امام "مأساة" الجوع، انما تستخدم الاسلحة الامريكية لقتل الشعب اليمني، وفي هذا الوضع المأساوي لم نسمع بيان استنكار او قرار ادانة للجرائم التي تتواصل بشكل يومي.
العرب يتهافتون على اسرائيل من اجل التطبيع معها بحجة البحث عن السلام رغم اصرارها على تنفيذ احكام القتل اليومي ضد الفلسطينيين بالشوارع، لكنهم لا يتقبلون أي فكرة للتطبيع مع اليمنيين لانهم ارتكبوا اكبر جريمة بحق جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي وتحالفات السعودية الثلاثينية والاربعينية، جريمة اليمن هي الصمود وهنا تصبح الخيارات محدودة اما العيش تحت ذل الدكتاتوريات القمعية او الموت في العراء.