دور التدخل الدولي لحماية الشعوب من الإبادة الجماعية
د. صلاح جبير البصيصي
2017-11-22 05:50
تعد جريمة إبادة الجنس البشري من اخطر الجرائم الدولية وأشدها جسامة، وذلك لما تشكله من تهديد للإنسان في حياته وصحته وكرامته. وعلى الرغم من إقرار اتفاقية منع إبادة الجنس البشري والعقاب عليها عام 1948 وتصديق غالبية دول العالم (أكثر من 130 دولة)، إلا إن بعض الدول مازالت ترتكب هذه الجريمة أو تساعد أو تحرض على ارتكابها، وهذا ما ارتكبه النازيون من فظائع أثناء الحرب العالمية، وما يفعله الكيان الإسرائيلي في فلسطين، وهذا ما حصل في جرائم الإبادة في يوغسلافيا السابقة وراوندا، وهذا ما ترتكبه الجماعة الإرهابية "داعش" ضد بعض مكونات الشعبين العراقي والسوري لمجرد انتمائهم إلى دين أو مذهب أو عرق أو أفكار سياسية.
ويمكن القول بان الإبادة الجماعية مثلما تتحقق ماديا بقتل الشعوب، فإنها قد تتحقق معنويا وثقافيا عندما تستهدف الشعوب في لغتها وثقافتها.
أولاً:- تعريف جريمة الإبادة الجماعية
عرفت المادة الثانية من اتفاقية منع إبادة الجنس البشري والعقاب عليها عام 1948، الجريمة بأنها تعني ارتكاب أعمال معينة بنية الإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة قومية أو اثنية أو عنصرية أو دينية.
وتتحقق هذه الجريمة بتحقق ثلاثة أركان وهي:-
1- الركن المادي ويشمل الأفعال التالية:
أ- قتل أفراد الجماعة.
ب- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ت- إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية بقصد إهلاكها كليا أو جزئيا.
ث- فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.
ج- نقل أطفال الجماعة عنون أي جماعة أخرى.
كما نصت الاتفاقية في المادة الثالثة على خمس صور للسلوك الإجرامي لجريمة الإبادة وهي:
- إبادة الجنس البشري.
- الاتفاق أو التآمر على ارتكاب الجريمة.
- التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الجريمة.
- الشروع في ارتكاب الجريمة.
- الاشتراك في ارتكاب الجريمة.
2- الركن المعنوي:
ويتحقق في حال توافر القصد الجنائي، وهو ما يعني العلم والإرادة إلا إن القصد الجنائي العام لا يكفي هنا فقط لتحقيق الركن المعنوي، وإنما يلزم توافر قصد جنائي خاص لدى الجاني وهو ما يتمثل في قصد الإبادة، ويمكن إثبات ذلك من التصريحات أو الأوامر أو أعمال التدمير الموجهة للجماعات.
3- الركن الدولي:
وتتحقق الصفة الدولية بكون هذه الجريمة تمس مصلحة او مصالح وقيم المجتمع الدولي ولا يقتصر أثرها على دولة بعينها. وقد ترتكب هذه الجريمة بين دول مختلفة، كما انها قد ترتكب داخل الدولة نفسها بناء على دعم وتشجيع السلطة الحاكمة في الدولة ضد جماعة بشرية معينة، كما إنها قد ترتكب من احد موظفي الدولة او الأفراد العاديين.
ثانيا:- دور المجتمع الدولي في مواجهة جريمة الإبادة
لقد أناط ميثاق الأمم المتحدة بمجلس الأمن والجمعية العامة العمل على الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وان جعل المهمة الرئيسية في ذلك إلى مجلس الأمن، إذ بينت المادة (24) من الميثاق بأنه يعهد إلى مجلس الأمن التبعات الرئيسية في حفظ الأمن والسلم الدوليين وانه يعمل نائبا عن الدول عند ممارسة هذه التبعات. أما الجمعية العامة فإنها حسب المادة العاشرة من الميثاق، تملك مناقشة أية مسألة تتعلق بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، ولكن هذه الأخيرة لها صلاحية إصدار التوصيات والتي تفتقد القوة الملزمة، وعلى العكس من مجلس الأمن الدولي الذي يمتلك إصدار القرارات الملزمة والتي تشمل التدابير المؤقتة والتدابير غير العسكرية والتدابير العسكرية.
وبالرجوع إلى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية فإننا نجد إنها خولت أجهزة الأمم المتحدة باتخاذ التدابير الملائمة للوقاية من جريمة الإبادة، حيث أكدت المادة (8) من الاتفاقية بان لكل دولة متعاقدة أن ترفع الأمر المتعلق بأعمال الإبادة إلى الأجهزة المختصة التابعة للأمم المتحدة لاتخاذ ما يلزم من تدابير ملائمة للوقاية او العقاب على أفعال إبادة الجنس البشري، إذ تمارس الأمم المتحدة اختصاصاها الأصيل في حفظ السلم والأمن الدوليين من جانبين، الأول الجانب الوقائي باتخاذ التدابير المشتركة والملائمة لمنع الأسباب التي تهدد السلم العام والجانب الثاني، العلاجي والذي يتطلب اتخاذ إجراءات القمع كافة لإعادة الأمن الدولي إلى نصابه.
لقد توسعت الأمم المتحدة في مفهوم الأمن والسلم الدوليين فلم يعد مقتصرا على التهديد الذي يجري في العلاقات بين الدول، وإنما أصبح يشمل أي إخلال جسيم يتهدد الجماعات البشرية بمثابة تهديد الأمن والسلم الدوليين، ولذلك أصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات وفق الفصل السابع ضد جرائم الإبادة في جنوب أفريقيا أبان سياسة الفصل العنصري وكذلك ضد جرائم الإبادة في يوغسلافيا السابقة وراوندا.
كما انشأ مجلس الأمن الدولي محاكم جنائية خاصة في كل من يوغسلافيا السابقة وراوندا، أعقاب الأعمال الوحشية التي اندلعت في الدولتين خلال الحرب الأهلية فيهما، ولاحقا تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وفق نظام روما والذي دخل حيز التنفيذ في تموز من عام 2002، وقد عرفت المادة الخامسة من نظام روما الأساسي جريمة الإبادة بمثل تعريفها في اتفاقية منع الإبادة والمعاقبة عليها عام 1948، إلا إن هناك أحداثا ووقائع أخرى تعد من قبيل جرائم الإبادة الجماعية إلا إنها لم تلق إلا التجاهل والصمت من جانب المجتمع الدول ومرت بغير عقاب نتيجة هيمنة الدول الكبرى على مجلس الأمن الدولي وبالتالي عدم اتخاذه القرارات المناسبة وفق الاختصاصات المناطة به من اجل الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
ولعل الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب التي كانت ضحية أعمال الإبادة ومن دون صدور أي قرار من مجلس الأمن بإدانة الكيان الإسرائيلي، ويمكن لنا اليوم ان نشهد جرائم الإبادة واسعة النطاق تحدث في ماينمار ضد مسلمي الروهينغا دون تحرك فاعل لمجلس الأمن لإيقاف هذه الجرائم، ويمكن ان ينطبق القول هذا على ما يجري في اليمن من أعمال قصف عشوائي ضد مكونات اليمن وبشكل مناف لكل الاتفاقيات الدولية التي تدعو إلى حل النزاعات بالطرق السلمية وعدم اللجوء إلى القوة في تسوية النزاعات الدولية. ويمكن ان نشاهد هنا الانتقائية والنفاق الغربي، ففي الوقت الذي تتعالى أصوات الغربيين بالتنديد بأعمال الإرهاب وأعمال الإبادة التي تجري في بلدانهم، نجدهم يغضون النظر عن أعمال الإرهاب والإبادة التي تحدث في مناطق العالم الأخرى وبدوافع اقتصادية ومصلحية مع الدول التي ترتكب تلك الأعمال.
ويمكن القول أخيرا إن الفترة الاستعمارية السابقة للشعوب تعد من قبيل الإبادة المادية والثقافية والتي تتطلب مساءلة تلك الدول المستعمرة وبالتالي يمكن مطالبتها بالاعتذار والتعويض المادي والمعنوي، كما يمكن عد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقيات والمنظمات المهمة وذات العلاقة بحياة الشعوب من قبيل اتفاقية تغيير المناخ ومنظمة اليونسكو، أحد صور المساهمة في جريمة إبادة الجنس البشري لما سيسببه ذلك الانسحاب من أضرار خطيرة على شعوب العالم.
.....................................