في اليمن: عندما تنتج الحرب الغبية أخطر كارثة إنسانية
عبد الامير رويح
2017-11-19 06:02
كارثة إنسانية خطيرة هي الأكبر على مستوى العالم تهدد الشعب اليمني، بسبب العقوبات والإجراءات المتشددة وغير الإنسانية، التي تفرضها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، فبعد عامين من الحرب والدمار بات الملايين من البشر في هذا البلد الفقير على شفا مجاعة يضاف الى ذلك تفشي الأوبئة والإمراض التي تفاقمت بسبب الحصار المستمر، حيث سعت السعودية بعد إطلاق صاروخ بالستي من قبل جماعة الحوثي تم اعتراضه قرب مطار الرياض، الى تشديد اجراءاتها من خلال اغلاق جميع المنافذ والمطارات اليمنية، وهو ما اثار مخاوف وقلق العديد من المنظمات الانسانية والحقوقية التي انتقدت مثل هكذا قرارات انتقامية، وقبل فرض الحصار كانت وكالات الامم المتحدة تنقل المساعدات للداخل اليمني عبر موانئ الحديدة، والصليف، وعدن.
حيث انتقدت 15 منظمة انسانية الحصار المفروض على اليمن ما يعوق العمليات الانسانية في هذا البلد الذي بات على شفير المجاعة، داعية الى استئناف ارسال المساعدات "فورا" منعا لوقوع "كارثة". وفي بيان قالت تلك المنظمات وبينها منظمة العمل ضد الجوع، المنظمة الدولية للمعوقين، أطباء العالم، أوكسفام، المجلس الدانمركي للاجئين والمجلس النروجي للاجئين، انه "في السياق الحالي للأزمة الغذائية الحادة و(انتشار) وباء الكوليرا، فإن أي تأخير في استئناف المساعدات الإنسانية يمكن أن يودي بحياة نساء ورجال وفتيات وفتيان في كل أنحاء اليمن".
وعبرت تلك المنظمات عن "قلقها العميق" اثر قرار التحالف العسكري بقيادة السعودية ان يغلق موقتا كل المعابر في اليمن، معتبرة ان ذلك "يعزل البلاد" ومطالبة بـ"الاستئناف الفوري للعمليات الانسانية، وبإجابات واضحة حول المدة المتوقعة لاغلاق (المعابر) وحول شروط ايصال المعونة الانسانية".
وخلّف النزاع اكثر من 8650 قتيلا واكثر من 58 الف جريح منذ التدخل السعودي، بحسب ارقام الامم المتحدة، وتسبّب بانهيار النظام الصحي، وتوقف مئات المدارس عن استقبال الطلاب، وانتشار مرض الكوليرا، وأزمة غذائية كبرى. وصنفت الامم المتحدة اليمن في مقدم لائحة الازمات الانسانية، مع نحو 17 مليون يمني يحتاجون الى الغذاء وتعرض سبعة ملايين لخطر المجاعة فيما تسبب الكوليرا باكثر من الفي وفاة.
مجاعة تهدد الملايين
وفي هذا الشأن حذر مارك لوكوك مسؤول المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة من أنه إذا لم يسمح التحالف بقيادة السعودية بوصول المساعدات لليمن فإنه سوف يتسبب في ”أكبر مجاعة يشهدها العالم منذ عقود طويلة ضحاياها بالملايين“.
ومن المرجح أن يتسبب الإجراء، الذي جاء بعد اعتراض صاروخ أطلق صوب العاصمة السعودية الرياض في تدهور الأزمة الإنسانية في اليمن والتي تقول الأمم المتحدة إنها دفعت قرابة سبعة ملايين شخص إلى حافة المجاعة فضلا عن إصابة نحو 900 ألف بالكوليرا. وقدم لوكوك، الذي زار اليمن ، إفادة إلى مجلس الأمن الدولي خلف أبواب مغلقة بطلب من السويد.
وقال للصحفيين ”أبلغت المجلس أنه ما لم ترفع تلك الإجراءات... ستحدث مجاعة في اليمن. ستكون أكبر مجاعة يشهدها العالم منذ عقود طويلة ضحاياها بالملايين“. وأضاف أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطويو جوتيريش تحدث مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في وقت سابق يوم الأربعاء ودعا إلى الاستئناف الفوري لدخول المساعدات الإنسانية.
وقال لوكوك إن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يقدم مساعدات غذائية لسبعة ملايين شخص شهريا في اليمن. وأضاف ”ما نريده هو إنهاء الحصار... حتى يمكننا إنقاذ أرواح هؤلاء الناس“. وقال سيباستيانو كاردي سفير إيطاليا لدى الأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن في نوفمبر تشرين الثاني، بعد إفادة لوكوك إن المجلس عبر عن قلقه بشأن الوضع الإنساني.
وقال كاردي ”أكد أعضاء مجلس الأمن ... أهمية استمرار عمل جميع موانئ ومطارات اليمن، بما فيها ميناء الحديدة، باعتبارها شريان حياة مهما للدعم الإنساني وغيره من الامدادات الضرورية“. وكثيرا ما انتقدت الأمم المتحدة ومنظمات مساعدات دولية التحالف لعرقلته وصول المساعدات لا سيما إلى شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون المتحالفون مع إيران.
وقال لوكوك ”وصول المساعدات الإنسانية عبر الموانئ لم يكن كافيا حتى قبل الإجراءات التي أعلنت في السادس من نوفمبر“ مضيفا أنه لم يُسمح أيضا برحلات جوية تابعة للأمم المتحدة إلى اليمن. ويستهدف التحالف بقيادة السعودية الحوثيين منذ أن سيطروا على أجزاء من اليمن في 2015 منها العاصمة صنعاء وأجبروا الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار. بحسب رويترز.
ودعا لوكوك إلى الاستئناف الفوري لرحلات الأمم المتحدة وغيرها من رحلات المساعدات إلى صنعاء وعدن وضمانات من التحالف بعدم تعطيل الرحلات مجددا. كما دعا إلى السماح الفوري بالوصول إلى الموانئ لأغراض إنسانية وتجارية. ودعا أيضا التحالف إلى السماح لسفينة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بالتمركز قبالة عدن وضمانات بعدم تعطيل عملها مرة أخرى وطالب بالسماح لكل السفن التي تجتاز تفتيش الأمم المتحدة بتفريغ حمولاتها.
من جانب اخر حذرت السويد التي دعت الى محادثات في مجلس الامن حول الوضع الانساني في اليمن، من "العواقب الوخيمة" على الشعب اليمني في حال استمرار الحصار الذي فرضه التحالف العسكري الذي تقوده السعودية. وقال نائب الممثل السويدي لدى الامم المتحدة كارل "ان مستوى المعاناة هائل، والدمار شبه كامل، و21 مليون شخص في حاجة ملحة الى المساعدات الانسانية".
واضاف "نحن نشعر بقلق عميق إزاء تدهور الوضع الإنساني في اليمن. انها أسوأ حالة إنسانية في العالم. سبعة ملايين شخص على حافة المجاعة، وهناك طفل يموت كل عشر دقائق من المرض، وما يقرب من مليون مريض بالكوليرا". وتابع الدبلوماسي السويدي "ان البلاد تعتمد كليا على الواردات ولا يمكننا تخيل العواقب اذا استمر الحصار الحالي"، مشددا على اهمية ان يؤدي "مجلس الامن دورا نشطا" في حل هذه الازمة.
الوقود والمساعدات
الى جانب ذلك قالت مندوبة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في اليمن إن مخزونات البلاد من الوقود واللقاح ستنفد خلال شهر إذا لم يسمح التحالف العسكري بقيادة السعودية بدخول مساعدات عبر ميناء الحديدة ومطار صنعاء المغلقين. وفي حديث عبر الهاتف إلى صحفيين في جنيف قالت ميريتسيل ريلانو إن أسعار الوقود زادت 60 في المئة وإن هناك مخاوف ملحة من تفشي الدفتريا ومن نقص الغذاء بسبب إغلاق الميناء. وقالت ريلانو ”الوضع الذي كان كارثيا أصلا يزداد سوءا... الأثر لا يمكن تصوره فيما يتعلق بالصحة والأمراض“.
وأفادت بيانات لمنظمة الصحة العالمية أن معدل ظهور حالات جديدة من الإصابة بالكوليرا شهد تراجعا مستمرا في الأسابيع الثمانية الماضية. وقالت فضيلة شايب المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية في إفادة دورية بالأمم المتحدة في جنيف إن التقدم الذي تحقق في مكافحة مرض الكوليرا، الذي أدى إلى مقتل 2196 شخصا، قد يتبدد بسبب الحصار. وأضافت ”إذا لم يتم إنهاء عملية الإغلاق في الأيام المقبلة فقد نرى التقدم وقد توقف... قد نرى حتى حالات أكثر ووفيات أكثر نتيجة عدم تمكننا من الوصول إلى الناس“. بحسب رويترز.
وتسبب إغلاق ميناء الحديدة في منع سفينة تحمل 250 طنا من الإمدادات الطبية التابعة لمنظمة الصحة العالمية من الإبحار من جيبوتي. وقالت شايب ”إذا استمر القتال وظلت الموانئ مغلقة لن نتمكن من إجراء عمليات جراحية لازمة لإنقاذ حياة المرضى أو توفير الرعاية الصحية الأساسية“.
ومع إعاقة تدفق الإمدادات التجارية، ارتفعت بشكل حاد أسعار السلع الأساسية ومنها الغذاء والوقود، مما أدى إلى زيادة المعاناة والضغوط بالنسبة للسكان. في صنعاء على سبيل المثال أفيد بأن أسعار الوقود ارتفعت بنسبة 60%، أما سعر المياه المنقولة بالشاحنات فزاد بنسبة 133%. نتيجة لذلك شهد موظفونا وموظفو المنظمات الشريكة زيادة في عدد المدنيين الساعين للحصول على المساعدات. وقد تضرر من هذا الوضع بشكل خاص النازحون واللاجئون وطالبو اللجوء."
وقد تلقت مفوضية شؤون اللاجئين تقارير تفيد بأن عددا من النازحين غير القادرين على تحمل ارتفاع نفقات المعيشة، منذ إغلاق الحدود، بدأوا في ترك المراكز الحضرية في صنعاء والعودة إلى المحافظات الأخرى بما فيها الموجودة على الخطوط الأمامية للصراع. ويؤثر هذا الإغلاق على توصيل المساعدات الإنسانية، فلم تتمكن مفوضية شؤون اللاجئين من توصيل إمدادات جديدة للإغاثة الطارئة لنحو 280 ألف نازح.
وتأثر العاملون في المجال الإنساني أيضا بسبب هذا الإغلاق، إذ يبقى بعضهم خارج اليمن غير قادر على العودة ولا يتوفر لآخرين الوقود اللازم لتنقلاتهم. ودعت المفوضية إلى رفع الإغلاق المفروض على الحدود اليمنية بدون أي تأخير. وقالت إن هذا الإغلاق يفاقم الأزمة الإنسانية، ويهدد الملايين الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة. وقد أسفر الصراع الذي اندلع في اليمن في مارس/آذار عام 2015 عن أكبر أزمة إنسانية في العالم يتضرر منها 21 مليون شخص.
الكوليرا في اليمن
على صعيد متصل أعلنت منظمة الصحة العالمية أن حملة مكافحة وباء الكوليرا في اليمن معرضة ل"نكسات خطرة" اذا استمر الحصار على البلاد. وصرّحت المتحدثة باسم المنظمة فاضلة شعيب خلال مؤتمر صحافي في جنيف، "أحرزنا تقدما (في مجال معالجة الوباء) لكننا معرضون لنكسات خطرة اذا لم يتيسر وصولنا الى كل المناطق المتأثرة". واعتبرت أن "السيطرة على وباء الكوليرا تحد صعب جدا وإغلاق الحدود وكل سبل الوصول الى البلاد لن يساعد، لذلك ندعو السعوديين وكل الأطراف المعنية بهذا النزاع الى التفكير في الكوليرا التي لا تزال تنتشر بكثافة في البلاد".
وسجلت منظمة الصحة العالمية، في الفترة الممتدة من 27 نيسان/أبريل حتى 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، 913741 حالة يشتبه بأنها تعاني من الكوليرا و2196 حالة وفاة بسبب الكوليرا. وبدأت الاعداد تتراجع منذ أسابيع. وأشارت شعيب الى أن مصادر المنظمة على الأرض أصبحت "ضئيلة" بسبب الحصار لم تتمكن من "ارسال 250 طن من المعدات الطبية عبر البحر" لأن "المركب، الذي كان من المفترض أن ينطلق من جيبوتي، لم يتمكن من ذلك بسبب إغلاق مرفأ الحُديدة اليمني". بحسب رويترز.
وأشارت رئيسة منظمة اليونيسف في اليمن ميريتكسل ريلانو من جهتها، في مداخلة لها عبر الشاشة خلال المؤتمر الصحافي، إلى أنه في حال استمر الحصار، فإن مخزونات الوقود في البلاد "لن تكفي سوى حتى نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر ونحن بحاجة الى وقود لابقاء نظام الامداد بالمياه ومراكز العناية مفتوحة". وأكدت أن "عدم استيراد الوقود فورا سيؤثر مثلا على نظام الصرف الصحي الذي وضعته اليونيسف لمكافحة الكوليرا وهذا الأمر سيؤثر على حوالى 6 ملايين شخص يعيشون في محافظات معرضة لخطر الكوليرا". وطلب مجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة من التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، انهاء الحصار المفروض على البلاد المعرضة الى "أكبر مجاعة" في العقود الأخيرة.