الموصليون: بين نيران الحرب ورمضاء النزوح

عبد الامير رويح

2017-04-04 05:40

مع استمرار المعارك التي تخوضها القوات العراقية المشتركة، لتحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، والتي دخلت اليوم مرحلة مهمة وحساسة ازدادت بشكل كبير معاناة أهل هذه المدينة، خصوصا وان القتال وكما نقلت بعض المصادر، قد أصبح أكثر قوة وشراسة مع دخول القوات العراقية الى الجانب الأيمن من الموصل، المدينة القديمة ذات الشوارع والأزقة الضيقة والدور المليئة بالسكان، حيث يستخدمهم التنظيم الإجرامي كدروع بشرية للبقاء والمقاومة أطول فترة ممكنة أمام زحف القوات المسلحة العراقية التي أصبحت اقرب إلى النصر، وقد اكدت بعض التقارير إن أهل الموصل يواجهون اليوم إرهاب تنظيم داعش الارهابي، حيث يتعرضون للموت على أيديهم لأسباب كثيرة، بما في ذلك محاولة الهروب والنجاة بالنفس، وكذلك نتيجة استخدامهم دروعاً بشرية، إضافة إلى الجوع والحرمان والمرض والعيش في رعب دائم.

ويواصل آلاف المدنيين الفرار من الأحياء المحررة غربي الموصل، والتي تشهد معارك بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم داعش باتجاه المناطق الأكثر استقراراً. وأعلنت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، في وقت سابق ارتفاع أعداد النازحين من مناطق الجانب الغربي لمدينة الموصل إلى أكثر من 200 ألف مدني منذ انطلاق العمليات العسكرية الشهر الماضي.

وعلى مدى الأيام الماضية نزح آلاف المدنيين من أحياء وسط الجانب الغربي للموصل باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، لكن عملية إجلاء النازحين تواجه مشاكل كبيرة وتعقيدات، بحسب مسؤولين إغاثيين. وأمام تواصل تدفق النازحين، افتتحت وزارة الهجرة مخيماً جديداً جنوب الموصل يتسع لنحو 36 ألف نازح.

وقالت الوزارة في بيان، إنها "افتتحت مخيماً جديداً بناحية القيارة جنوب الموصل بواقع 6 آلاف خيمة ضمن خطة الوزارة لاستيعاب النازحين لمواجهة التزايد السريع في أعداد النازحين". وتفيد التقارير المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان بأن المدنيين يعيشون أوضاعاً إنسانية قاسية نتيجة الحصار المفروض منذ أشهر، وشح الغذاء ومياه الشرب، فضلاً عن انعدام شبه تام للخدمات الأساسية الأخرى مثل الكهرباء والمرافق الصحية.

بين الهروب والعودة

وفي هذا الشأن يغص شارع بغداد في غرب الموصل بآلاف العراقيين الفارين من آخر أكبر معاقل الجهاديين في شمال العراق حاملين القليل من حاجياتهم على ظهورهم، في حين يقطع آخرون الطريق نفسه عائدين رغم المعارك. وشارع بغداد هو الممر الرئيسي الذي يسلكه المدنيون الهاربون من القتال بين تنظيم داعش والقوات الحكومية، وهو أيضا نقطة الدخول الرئيسية للنازحين الذين يختارون العودة إلى منازلهم التي غادروها في الأيام الأولى من العملية العسكرية في هذا الجزء من ثاني أكبر مدن في العراق.

وتتقاطع طريق الخارجين والعائدين في صمت يخرقه بين الحين والآخر صوت صفارة سيارة إسعاف تنقل مدنيين او مقاتلين جرحى إلى أقرب مستشفى. ويقول غانم أحمد العائد إلى الموصل مع عائلته إن الذين يرحلون "يفرون من المناطق التي لم يتم تحريرها بعد". واضاف الرجل البالغ من العمر 48 عاما ويرتدي عباءة رمادية طويلة تقليدية "لكن نحن، سكان حي الرسالة، نشعر بالأمان الآن".

ويقف غيث لافي، الطالب البالغ من العمر 21 عاما، منذ أسابيع على "طريق النزوح" كما يسميه، بجانب عربته التي يبيع عليها ألواح الشوكولاتة والبسكويت. ويقول غيث "الطريق دائما مزدحم لأنه الاكثر أمانا ويعبره معظم الهاربين. أقف هنا، والنازحون الذين فقدوا كل شيء يأتون أحيانا إلي. أعطيهم اشياء مجاناً". وشنت القوات العراقية في 17 تشرين الاول/أكتوبر هجوما لاستعادة مدينة الموصل التي سيطر عليها تنظيم داعش في 2014، واستعادت الجزء الشرقي منها في كانون الثاني/يناير.

وخلافا لغيرها من المدن التي تمت استعادتها من ايدي الجهاديين، لم تفرغ الموصل في أي وقت من سكانها بالكامل، وأولئك الذين أجبروا على الفرار يحاولون العودة في أقرب وقت ممكن. وتؤمن وحدات النخبة في قوات مكافحة الإرهاب وقوات أخرى حماية ممر العبور، لكن قذائف هاون تسقط رغم ذلك فوق المدنيين وطائرات الهليكوبتر تقصف أهدافا جهادية في مكان قريب.

وتقول شتات محمد، وهي امرأة في الخمسين من عمرها، وهي تشير بإصبعها نحو السماء، بينما تسير مع عائلتها باتجاه المدينة رغم سحب الدخان المتصاعدة منها، "لماذا نخاف؟ بفضل الله نحن العراقيين لا نخاف طالما أن الله معنا". وكان يعيش في الموصل نحو مليون نسمة قبل العملية العسكرية. وشرد حوالي 300 الف منهم بسبب القتال لكنهم لم يلجأوا جميعهم الى المخيمات التي أقامتها الأمم المتحدة وسواها من المنظمات.

وانتقل كثيرون منهم ببساطة من حي إلى آخر مع تحرك خط الجبهة، محاولين قدر الامكان البقاء في أقرب نقطة الى منازلهم المهجورة. ويسير فيصل حامد بين المدنيين الفارين من المدينة، ولم يحمل معه شيئا من منزله عدا شهادتي تدريب مهني. ويقول "سأعود إن شاء الله خلال يومين أو ثلاثة أيام. أبلغتنا قوات الأمن أن بامكاننا العودة عندما تصبح المنطقة آمنة". بحسب فرانس برس.

وغير بعيد عنه، كان عزيز علي (47 عاما) يسير في شارع بغداد للمرة الثالثة في غضون عشرة أيام. وكان غادر منزله مع أطفاله، وحاول العودة إلى دياره في وقت سابق، لكنه وجد أن المياه لا تزال مقطوعة عن الحي. وقرر عزيز اللجوء هذه المرة إلى شرق الموصل. ويقول "عمي يعيش هناك. آمل أن يتمكن أطفالي من الذهاب إلى المدرسة".

في قلب الموصل

من جانب اخر شعر أبو أيمن فجأة وهو جالس في بيته بالموصل بالأرض تهتز من تحته وكأن زلزالا ضربها عندما وقع انفجار هائل في الشارع الذي يسكن به وامتلأت غرفته بالغبار وحطام الزجاج. وأعقب ذلك الصراخ والعويل من البيت المجاور. ويصور ما رواه أبو أيمن مشاهد مروعة بعد الانفجار الذي ربما تجاوز عدد قتلاه 200 شخص في 17 مارس آذار مع تقدم الاشتباكات في معركة استعادة الموصل، ثانية أكبر مدن العراق، من تنظيم داعش عبر الأحياء المكتظة بالسكان في الشطر الغربي من المدينة.

ويروي أبو أيمن كيف هرع إلى الخارج ليشاهد عددا من بيوت الشارع وقد سويت بالأرض وأطرافا بشرية متناثرة وسط الركام. وتدافع السكان وقد انتابهم الهلع للبحث عن أقاربهم وانتشال من بقي منهم على قيد الحياة من تحت أنقاض البيوت المهدمة التي كانوا يختبئون فيها من القصف. قال أبو أيمن "جريت إلى بيت جاري وتمكنت مع آخرين من إنقاذ ثلاثة أشخاص لكن 27 شخصا آخر على الأقل في البيت نفسه قتلوا ومنهم نساء وأطفال أقارب هربوا من أحياء أخرى.

"انتشلنا بعضهم من بين الركام باستخدام مطارق ومعاول لرفع الحطام. لم نستطع أن نفعل أي شيء آخر لمساعدة الآخرين لأنهم كانوا مدفونين بالكامل تحت السقف المنهار." كان خطر وقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين في غرب الموصل كبيرا منذ بداية هجوم قوات الحكومة العراقية وحلفائها. فالآلاف محاصرون في البيوت في مختلف أنحاء المدينة القديمة حيث يقول الناس إن مقاتلي تنظيم داعش يستخدمونهم دروعا بشرية أو يسوقونهم إلى مبان يحتمون بهم فيها.

ويقول سكان محليون وشهود عيان إن مقاتلي التنظيم كانوا في حي الجديدة في اليوم الذي وقع فيه الانفجار ووقعت اشتباكات بينهم وبين القوات العراقية. وأضافوا أن الضربات الجوية بدأت لاستهداف مواقع التنظيم لتمهيد السبيل لدخول القوات. وحدثت عدة انفجارات في المنطقة الواقعة خلف المستشفى المحلي. وقال أبو أيمن "كنا محاصرين داخل بيوتنا والقصف يشتد. الضربات الجوية استهدفت أربعة شوارع خلف مستشفى الرحمة وجامع فتحي مباشرة. كان عدد قليل من المقاتلين يتنقلون من بيت إلى بيت مستخدمين فجوات أحدثوها في الجدران من قبل لتجنب اكتشافهم من الجو."

ويروي السكان ما حدث ساعة وقوع الانفجار الذي سوى بالأرض على الأقل مبنى واحدا كبيرا وتسبب في تهدم بيوت أخرى حول ستة أزقة ضيقة. وقال شاهد آخر اسمه أحمد عبيدة "كان يوم جمعة أسود. بدأ بانفجار هائل هز جدران بيتي وتبعته سلسلة من الانفجارات. انتظرنا ثلاث ساعات وبعد توقف القصف خرجت وشاهدت بيوتا كثيرة مدمرة. دخلنا بيتا وشاهدنا أشلاء من جثث بشرية، سيقان ورؤوس وسط الركام."

وقال مسؤول محلي وشاهد عيان إن الشواهد تشير إلى أن أسر وأقارب لها من أحياء أخرى تكدسوا في مبنى واحد لأن به دورا سفليا فسيحا يسع لعدد كبير من الناس. وقال أحد السكان "شاهدت أسرا هاربة تدخل البيت الكبير لتحتمي في الدور السفلي. كان منزلا من دورين وهو الوحيد في الحي الذي يوجد فيه دور سفلي كبير. وبدأنا نسمع الانفجارات تقترب وفجأة شعرت بأن بيتي على وشك الانهيار. كان الانفجار قويا جدا. لم أصدق أننا كنا لا نزال على قيد الحياة."

وقال حسن ياسين الذي فر من حي الجديدة مع آلاف من النازحين إن الانفجار وقع في منطقة مكتظة بالسكان بالقرب من مسجد فتحي. وأضاف "الناس كانوا يحتمون كلهم بالأدوار السفلى بحثا عن مكان للاختباء. وكان القصف عشوائيا." غير أن روايات أخرى من مسؤولين محليين تقدم صورة مختلفة لسبب تكدس السكان في مبنى واحد. فقد قال غزوان الداوودي رئيس مجلس نينوى لحقوق الانسان إن فريقا من المجلس قام بزيارة ميدانية ووجد أن المتشددين أرغموا السكان على التجمع في مخبأ وفتحوا النار على الطائرات الهليكوبتر الحربية لاستدعاء ضربة جوية من جانب التحالف. بحسب رويترز.

ووصف اثنان من شهود العيان كيف أن التنظيم أوقف شاحنة مليئة بالمتفجرات بجوار المبنى. وربما تكون الشاحنة قد انفجرت في غارة جوية الأمر الذي أدى إلى انهياره. وقال عبيدة مشيرا للتنظيم باسمه الشائع "أستطيع أن أوكد أن داعش أحضروا شاحنة ووضعوها في الشارع بجوار سيارتي. شاهدتها بعيني رأسي لكني لم أعتقد أبدا أنها محملة بالمتفجرات. شيء يمزق القلوب فعلا أن ترى الجيران يقتلون في لحظة. لماذا؟ ما الذي فعلوه ليستحقوا هذه النهاية المأساوية؟"

ضحايا من الأطفال

في السياق ذاته كان الصبي العراقي ابن التسعة أعوام يلعب كرة القدم في أرض خراب خلال فترة هدوء في معركة الموصل عندما سقطت قذيفة مورتر أطلقها مقاتلو تنظيم داعش بالقرب منه فأسفر انفجار القذيفة عن انتشار الشظايا بالجزء الأسفل من ساقيه وكاد أن يبترهما. أسرعت سيارة الإسعاف بالطفل إلى هذا المستشفى الميداني للطوارئ القائم على مسافة 20 كيلومترا شرقي المدينة فأدخله الأطباء إلى غرفة العمليات خلال الليل وبتروا قدميه.

ويرقد الصبي مخدرا الآن في سريره بوحدة العناية المركزة المقامة في خيمة ممسكا بكرة مطاطية بينما راحت الممرضة كريس المتطوعة من كاليفورنيا تربت على خده وتغني له أغنية خفيفة حتى ينام. وقالت كريس إنه لا يدرك على الأرجح حتى الآن أنه فقد قدميه. وسقط آلاف المصابين في صفوف المدنيين في الموصل خلال الهجوم الذي بدأته قبل خمسة أشهر القوات الحكومية لإخراج مقاتلي تنظيم داعش من معقلهم الرئيسي في العراق.

وقال مدير المستشفى بول أوستين الجراح القادم من هيوستون في الولايات المتحدة "الجروح التي نراها هنا هي وجه الحرب، وجوه الأطفال والأمهات. وهي تتجاوز الرعب. هي حالة من فقدان الإحساس." وازداد سيل المشوهين والمصابين مع اقتراب المعركة من الأحياء التي يسيطر عليها تنظيم داعش في الشطر الغربي من الموصل حيث يُعتقد أن أكثر من نصف مليون مدني محاصرون.

ويحارب مقاتلو التنظيم باستخدام مدافع المورتر والأسلحة النارية والسيارات الملغومة وفي كثير من الأحيان يختبئون بين المدنيين في بيوت تمتلئ بساكنيها في شوارع ضيقة. وتعرضت المنطقة للقصف في الضربات الجوية وبنيران المدفعية من القوات العراقية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وقد عالج هذا المستشفى المتنقل أكثر من ألف مريض كثيرون منهم من النساء والأطفال منذ افتتاحه في أوائل يناير كانون الثاني الماضي.

وقال عاملون في المستشفى إن الجروح تمثلت في إصابات بالشظايا وإصابات في تفجيرات وسقوط قنابل من طائرات بلا طيار وكذلك إصابات بالرصاص بما في ذلك نيران القناصة الذين يتعمدون استهداف المدنيين. وخلال النهار يمكن سماع ضجيج المعركة من الموصل عن بعد فيما يشير إلى وصول مزيد من الإصابات قريبا. وقال أوستين إن عدد المصابين الواصلين إلى المستشفى كان كبيرا.

وكان أحد الرجال موجودا في المستشفى بعد أن ظل محاصرا وسط الركام ثلاثة أيام. وأصيب طفل عمره 12 عاما بشلل في النصف الأسفل من جسمه بعد أن مزقت شظية بطنه. وكانت طفلة عمرها ست سنوات بكتلة كثيفة من الشعر فوق رأسها ترقد بعينين لامعتين وجرح عميق في ساقها. وكان سرير آخر خاليا إذ أحضر المسعفون إليه شابا بين الحياة والموت ظل ينزف حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

غير أن القرب من الصراع جعل المستشفى في وضع يسمح بإنقاذ الأرواح التي ربما كان من الممكن في السابق أن‭‭‭ ‬‬‬يكون الموت مصيرها. وقبل افتتاح المستشفى كان الجرحى ينقلون في كثير من الأحيان إلى أربيل على مسافة ساعة أو ساعتين بالسيارة حسب أحوال الطريق. وكان البعض يموت قبل أن يصل إلى المستشفى. وتدير هذا المستشفى المتنقل جماعة ساماريتان بيرس الخيرية المسيحية الأمريكية مع وزارة الصحة العراقية ومنظمة الصحة العالمية وقد تم نقله من نورث كارولينا وأقيم في سهول نينوى بالقرب من برطلة. بحسب رويترز.

وتضم خيام المستشفى وأكواخه غرفة للعزل الصحي وغرفتين للعمليات الجراحية ووحدة للرعاية المركزة بها أحدث المعدات الطبية وعنابر للاستشفاء. وكل الأطباء والممرضات وغيرهم من العاملين في المستشفى متطوعون من الولايات المتحدة في الأساس. ويؤدي العاملون العراقيون دورا مهما إذ يتولون الترجمة بين الأطباء والمرضى.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا