حلبجة في بغداد
د. بختيار شاويس
2017-03-20 09:13
قبل أسبوع من الذكرى الـ29 لفاجعة قصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية، وبناء على طلب من المحافظ ومنظمات المجتمع المدني، قمنا، ممثلي الكتل الكردستانية في مجلس النواب، بزيارة محافظة حلبجة، وكان الهدف الرئيس من الزيارة هو تفعيل المحافظة بصورة عملية، والتعامل معها على الصعد الادارية والمالية والقانونية، كأي محافظة أخرى في البلد.
وقبل الخوض في الحديث عن دور الحكومة الاتحادية في هذا المجال، ينبغي الاعتراف أن جزءا من المشاكل والنواقص تتعلق بالوضع الداخلي في الاقليم، فها هي حكومة الاقليم تقرر في ذكرى الفاجعة هذا العام، فصل مالية المحافظة عن محافظة السليمانية، كما توصي وزارة الداخلية برفع أسماء مرشحي مجلس المحافظة الى مجلس الوزراء، والذي تأخر لثلاث سنوات بسبب الخلافات السياسية، وتطالب وزير الداخلية بمفاتحة وزارة الداخلية الاتحادية، لتكون لمحافظة حلبجة (هوية الأحوال المدنية، الجنسية، البطاقة الوطنية، البطاقة التموينية، لوحات أرقام السيارات) الخاصة بها، وكان ينبغي المباشرة بكل هذه الاجراءات، منذ صدور المرسوم الرئاسي، على أقل تقدير.
وفيما يتعلق ببغداد عامة والحكومة الاتحادية على وجه التحديد، فإن خطوات الاهتمام بحلبجة ضعيفة وليست في المستوى المطلوب، حيث ان مسألة جعل المدينة محافظة والاعتراف بها كالمحافظة الـ19 في العراق، وكذلك الاعتراف بفاجعة حلبجة كجريمة إبادة جماعية، يتم الحديث عنها بخجل ولامبالاة كبيرة بصورة لاتجدر الاشارة اليها، وإلا فإنه على مدى الـ3 سنوات الماضية يصوت مجلس النواب على صرف مبلغ لإعمار حلبجة، يخجل الانسان من ذكر مقداره لقلته، ولكن حكومة العبادي لا تقوم بصرفه بحجة وجود مشاكل مع الاقليم وحجج أخرى.
ومن ناحية مسألة الاعتراف بالجريمة كإبادة جماعية (جينوسايد)، فإن السؤال الجوهري الذي يتبادر الى الذهن هو: الى أي مدى خدمت هذه المسألة محافظة حلبجة؟ وهل خففت بعضا من آلامها أو داوت جراح أحد المصابين من بقايا القصف الكيماوي؟
من جانب آخر فإن الحكومة العراقية تتمتع الآن بعلاقات وطيدة وودية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، ويمكنها اتخاذ خطوات عملية جادة للعثور على العدد الكبير من الأطفال المفقودين ابان حدوث الفاجعة، وإعادتهم الى موطنهم، حيث لجأوا عقب مأساة حلبجة الى ايران وتشردوا في مدنها المختلفة، ويعيشون حتى الآن على أمل العودة الى أحضان أهلهم، كما ان بعضا من أهالي هؤلاء فارقوا الحياة ولم تتحقق أمنيتهم هذه.
وعلى صعيد ذي صلة بمسألة تعريف مأساة حلبجة كجينوسايد، فإن الحكومة العراقية، وللأسف الشديد، لم تنفذ واجباتها الانسانية والاخلاقية والاجتماعية كما يجب. حيث لم تحاول الى الآن حل مشكلة قبول العراق عضوا في محكمة العدل الدولية، حتى تكتسب جميع الجرائم والكوارث التي حلت بالبلد على مر التاريخ وارتكبت بمساعدة جهات خارجية، مثل القصف الكيماوي لحلبجة والانفال وتجفيف أهوار الجنوب والوسط وغيرها، بعدا دوليا واجبار الدول ذات العلاقة على تعويض الضحايا العراقيين.
وفضلا عن كل ما سبق، فإن جانبا آخر من تقصير حكومة بغداد إزاء حلبجة، أنها لم تستطع استغلال العلاقات الدبلوماسية، حيث أغلبية دول العالم لها سفارات وقنصليات في العراق، للضغط على الشركات ورجال الأعمال والجهات المتورطة ببيع وإرسال الأسلحة الكيماوية الى نظام البعث الفاشي، وإحالتهم الى القضاء والعدالة وبالتالي إعادة الهيبة والثقل الى مواطنيها.
كل هذه الحقائق التي ذكرتها تأتي في وقت تتفق أغلبية القوى السياسية والمكونات الاجتماعية في العراق، باختلافاتها الدينية والقومية والمذهبية والطائفية والايديولوجية، على مظلومية حلبجة كرمز لوحشية صدام وعلي الكيماوي، وتعتبر هذه الفاجعة بداية لنهاية النظام البائد، ولكن حينما يأتي وقت العمل الميداني لخدمة المدينة، تبدو عليهم القصور والتشتت.
مع كل هذا، إن قامت حكومة بغداد بالعمل على تحقيق ولو جزء من المسائل التي ذكرناها خلال العام القادم، تكون قدمت خدمة جليلة لحلبجة، فبعد مرور 29 عاما على الفاجعة، لاتجدي دموع التماسيح حلبجة نفعا.