تضييق الخناق على المعارضة لم يعد مثارا للضحك في مصر

وكالات

2015-02-18 01:09

القاهرة (رويترز) - عندما طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من شعبه ألا يشكو وأن يحمد الله أن مصر ليست مثل العراق وسوريا بما فعلته فيهما الحرب ولدت من هذه الملاحظة نكتة تقول: جوازات السفر المصرية الجديدة يجب أن يكتب عليها "جمهورية اللي مش زي سوريا والعراق".

مثل هذه النكات أصبحت شحيحة في مصر هذه الأيام.

كانت الفكاهة واحدة من قنوات الاحتجاج القليلة في ظل حكام مصر المستبدين الذين اتهموا بسوء الإدارة والقمع والفساد. غير أن تشديد السيسي قبضته على السلطة لا يترك مجالا يذكر للمنتقدين والكتاب والإعلاميين الساخرين ورسامي الكاريكاتير.

فالآلاف من معارضي الحكومة يقبعون في السجون كما أن قانونا جديدا يكاد يحظر تنظيم الاحتجاجات وأصبحت الحكومة لا ترى شيئا مضحكا في السخرية منها.

وقال الكاتب الساخر محمود الغول "السيسي شخص ذكي لأنه لا ينتمي لحزب ولا لجماعة. ومن يعادي السيسي يعادي الوطن. ولذلك السخرية والنكتة السياسية تراجعت وبقى دمها تقيل عند بعض الناس."

وأضاف "النكتة السياسية لم تمت ولكنها جامدة."

في مقهى قرب ميدان التحرير مركز انتفاضة عام 2011 التي أدت إلى سقوط حسني مبارك يناقش مجموعة من الكتاب الساخرين ما آلت إليهم مهنتهم.

ويقول الغول إنه بعد 2011 كان لديه آمال كبيرة أن يتمكن ذات يوم من بيع كتابه الساخر الذي ينتقد طبيعة الزعماء المصريين.

غير أن من الصعب ترويج كتاب (الرئيس الحمار) في مصر هذه الأيام حيث وقفت وسائل الاعلام التابعة للدولة والخاصة وراء السيسي وصورت خصومه على أنهم خونة.

فلم يبد استعدادا لعرض الكتاب سوى عدد قليل من المكتبات رغم أنه لا يذكر رئيسا بالاسم. وأدرك الكتاب الساخرون أنهم أصبحوا هم أنفسهم النكتة بعد أن كانوا يعتبرون أنفسهم عنصرا من عناصر التغيير.

وبالمقارنة بالمناخ السائد حاليا يصف الكتاب الساخرون حكم الرئيس السابق محمد مرسي أول رئيس منتخب في انتخابات حرة والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بأنه العصر الذهبي للفكاهة.

ووجد الكتاب الساخرون ترحيبا واسعا بأعمالهم في الصحف ولم تتدخل الشرطة وأجهزة المخابرات التي ازدهر نشاطها في ظل حكم مبارك بل وكانت تعارض مرسي.

وقال رسام الكاريكاتير إسلام القوصي "النكتة بتعالج الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلد. النكتة والسخرية هي اللي خلت مرسي يمشي."

لكن الضحك لم يستمر كما أن صعود نجم السيسي الذي أطاح وهو قائد للقوات المسلحة بمرسي بعد احتجاجات شعبية واسعة على حكمه تزامن مع الخوف المتنامي من الانهيار الاقتصادي والعنف الذي مزق العراق وسوريا.

وقال القوصي "الناس خايفة وفي هاجس عند الناس اسمه استقرار البلد."

واشتهر المصريون في مختلف أنحاء العالم العربي بحسهم الفكاهي. كما تعرض قنوات التلفزيون في مختلف الدول العربية الأفلام الكوميدية المصرية منذ عشرات السنين.

وساعدت النكات المصريين على التأقلم مع الفقر وسوء شبكات الصرف الصحي والأحياء العشوائية التي تتكدس فيها أعداد كبيرة من الأسر.

غير أن المصريين نادرا ما يسخرون من السيسي الذي تحدق عيناه من وراء نظارة سوداء في صوره المنتشرة في المكاتب والمتاجر والبيوت بل والمصاعد في مختلف أنحاء البلاد.

وربما يكون من الأسباب وراء ذلك أن السيسي حقق قدرا من الاستقرار وأثار الآمال بأن تفتح عدة مشروعات عملاقة مثل قناة السويس الجديدة الباب لمزيد من الوظائف وإصلاح الاقتصاد.

ومن الأسباب أيضا أن أحدا لا يريد أن يوصم بالخيانة خاصة وأن الجيش يحارب إسلاميين متشددين في شبه جزيرة سيناء وفي ضوء قصف القوات الجوية لأهداف في ليبيا في أعقاب قتل 21 مصريا ذبحا على أيدي مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال رجل في مقهى متروبول العتيق بينما كان الزبائن يدخنون الشيشة بفتور "اعتاد بعض الاشخاص تأليف النكات القصيرة هنا. لم يعد أحد يريد النكت."

ويلخص اضطرار أشهر الاعلاميين الساخرين في مصر لوقف برنامجه في العام الماضي بسبب المناخ السياسي القمعي ما آلت إليه الأمور.

فقد سخر باسم يوسف مرارا من مرسي وأصبح معروفا في الخارج بأنه النسخة المصرية من الإعلامي الأمريكي الساخر جون ستيوارت.

ورغم جمهوره الكبير في مصر - بما في ذلك أربعة ملايين متابع على الاقل على موقع التواصل الاجتماعي تويتر - فقد قرر يوسف الانتقال إلى الولايات المتحدة حيث سيصبح زميلا مقيما بمعهد هارفارد للسياسة.

قال يوسف ساخرا في يونيو حزيران الماضي بعد إلغاء برنامجه "احنا عايشين أزهى عصور الديمقراطية في مصر ويتقطع لسان اللي يقول غير كده."

واحتلت مصر المركز 159 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لمنظمة صحفيون بلا حدود.

ويحاول ساخرون آخرون سد الفراغ لكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك لا عبر وسائل الاعلام العادية ما يحد من جمهورهم في بلد يتركز فيه استخدام الانترنت في المدن.

وحتى هذا النهج له مخاطره.

فقد قال الناشط السياسي أحمد أنور الذي يعمل موظفا بشركة سياحية "النكت موجودة على السوشيال ميديا (وسائل التواصل الاجتماعي) أكتر. حتى برامج التلفزيون بتاخد النكات من السوشيال ميديا."

وأضاف "أنا اتحكم عليا بست شهور (سجن) وغرامة عشرة الاف جنيه (ومازال) في استئناف بسبب قضية مرفوعة عليا علشان عملت فيديو ضد الداخلية ونشرته على اليوتيوب."

وبخلاف جو الحذر السائد بين المصريين يقول بعض الكتاب الساخرين إنهم يجدون صعوبة في العثور على مادة تصلح عندما يتعلق الأمر بالسيسي الذي كان مديرا للمخابرات الحربية في عهد مبارك.

وقال الكاتب الساخر محمد عاشور (32 عاما) السيسي نادرا ما يرتكب أخطاء يستطيع الكتاب الساخرون استخدامها. ووصفه بأنه رجل عسكري حذر يراقب كل خطوة من خطواته.

وفي غياب الجديد في الفكاهة والنكات يعاد ببساطة تدوير النكات القديمة مثل نكتة ترجع لأيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الستينات تبين أن مشاكل الأمس ما زالت صالحة في عالم اليوم.

تقول النكتة أن شخصا رأى رجلا وعلى أنفه ضمادة فسأله لماذا يضعها على أنفه. ويرد الرجل قائلا إنه خلع سنا. ويسأل الأول لماذا لم يخلع الثاني السن من فمه فيجيء رده في صورة سؤال مجازي عما إذا كان أحد يستطيع أن يفتح فمه في البلاد.

 

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا