إيران بعد رفسنجاني: بين ضعف القيادة الإصلاحية وسطوة القيادة المحافظة
دلال العكيلي
2017-02-02 10:25
ولد رفسنجاني عام ١٩٣٤ لعائلة ثرية وأصبح من اتباع آية الله الخميني منذ الستينات وتولى مهمة جمع التبرعات في إيران لصالح الحركة التي يقودها الخميني واحتل موقعاً مميزاً بالقرب من الخميني كواحد من أقرب اثنين من مستشاريه الى جانب احمد أصغر ابناء القائد تولى بعد الثورة منصب رئيس البرلمان لمدة تسع سنوات (٨٠-١٩٨٩) وقد أضفى وجوده في هذا المنصب قوة للأخير باعتباره ثاني أقوى منصب في إطار النظام وكان خلف جميع القرارات المهمة خلالها، بدءاً من إدارة الاقتصاد الى السياسة الخارجية.
وفي الثامن من يناير من العام 2017، لقي علي أكبر هاشمي رفسنجاني منيته وهو في الثانية والثمانين من العمر شغل رفسنجاني منصب الرئيس بين الأعوام 1989 و1997، وكان خلال العقود الماضية واحدًا من أقوى الشخصيات السياسية في إيران، ولا يفوقه في النفوذ سوى المرشد الأعلى روح الله الخميني، ومِن بعده المرشد الأعلى الحالي آية الله علي خامنئي جاءت منيته في وقت حرج بالنسبة للسياسة الإيرانية، التي تستعد لخوض غمار انتخابات رئاسية مهمة في مايو المقبل.
ظهرت قدرات المناورة السياسية لرفسنجاني في أجلى صورها عند اقتراب ساعة النهاية للقائد لم يكن من بين الموجودين في صدارة النظام من يمتلك كاريزما آية الله الخميني بما يؤهله للحلول محله قام رفسنجاني بالعمل على اجراء تعديلات دستورية تتضمن إلغاء منصب رئيس الوزراء بما يحصر مراكز القوة في موقعين فقط هما منصب قائد الثورة ورئاسة الجمهورية بعد منحه مزيداً من السلطة في إطار التعديل الدستوري.
حاول رفسنجاني فتح المجال امام الاستثمارات الأجنبية، كما عمل على جذب الامريكية منها بشكل خاص بناءاً على حساب يتعلق بمدى الضرر الذي لحق بإيران جراء الموقف العدائي الذي تتخذه من الولايات المتحدة وذلك على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسية كانت هذه المرحلة مرحلة انفتاح اقتصادي وكانت ايضاً مرحلة البدء في انغماس عائلة رفسنجاني في الفساد.
يتميز رفسنجاني بكونه سياسي ذو جذور تجارية، لذلك اتسم أداءه السياسي بتقديم المنفعة على الأيديولوجيا لم يكن من صديقاً للغرب ولكنه لكنه في أداءه السياسي فهم ماهي الضرورات التي تتمكن إيران بواسطتها التخلص من عزلتها ذه السياسة دفعت خصومه السياسيين باتهامه بانه انتهازي مع افتراض حسن النية او عميلاً للقوى الكبرى، مع افتراض العكس.
وحاول رفسنجاني العودة الى الحياة السياسية لكنه واجه هزائم عديدة جراء تدخل المرشد ومنها الهزيمة المهينة عام ٢٠٠٥ امام مرشح مجهول للرئاسة هو محمود احمدي نجاد في ام ٢٠٠٩ قدم رفسنجاني الدعم لمن قاموا بتحدي نتائج الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز احمدي نجاد وهو الحدث الذي تطور ليصبح ما يعرف بالثورة الخضراء التي قدم لها رفسنجاني دعمه الصريح هذا الموقف جعله هدفا لمعسكر خامنئي.
في ٢٠١٣ تعرض رفسنجاني للإهانة مرة ثانية عندما رفض مجلس صيانة الدستور، الذي يهيمن عليه خامنئي، الموافقة على ترشحه تحت ذريعة تقدمه في السن، وفي عام ٢٠١٥ اتخذ رفسنجاني موقف الدعم للصفقة النووية كما عارض موقف العداء للولايات المتحدة خلال السنوات الاخيرة بدأت عائلته بالتعرض للملاحقة من قبل اجهزة الامن والمخابرات وتم الزج بأبنائه في السجن.
بالرغم من جميع نقاط الخلاف بينه وبين جناح المتشددين فقد بقي رفسنجاني تحت مظلة نظام الجمهورية الاسلامية لم يقم مطلقاً بمهاجمة خامنئي، لكنه كف عن السعي للعودة الى الحياة السياسية بل أصبح يقوم بتقديم الدعم لأنصاره لقد اعتبر فوز روحاني، تلميذه القديم، بالرئاسة نصراً له.
بين مخالب الأزمات الداخلية والتهديدات الخارجية
استغلت الجماهير مناسبة التشييع في طهران لتحولها الى مظاهرات واسعة معارضة للنظام الإيراني ومطالبة بأطلاق سراح السجناء السياسيين وقادة الحركة الخضراء المسجونين منذ خمس سنوات وهذا يعني ان الحركة الخضراء والحراك السياسي من اجل الديمقراطية في إيران لم تندثر خلافا لمزاعم النظام الإيراني بل تبرز الى السطح اينما وجدت منفذا لتعبر عن استياءها وسخطها ازاء نظام ولاية الفقيه الشمولي.
وبعد الفراغ الناجم عن وفاة علي أكبر هاشمي رفسنجاني، يجب على المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي خامنئي المحاصر بين تنين الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل وافعى ترامب في الخارج ان يتخذ قرارا مصيريا وصعبا لأنها تتأهب لإلتهام بيت المرشد الذي ينخره الفساد والقائم بقوة حراب الحرس الثوري.
فوفقا لما ذكرت، على خامنئي ان يختار اللعب باي من الورقتين الاعتدال ام التشدد؟ ونحن نعلم انه الولي الفقيه المطلق وصاحب القرار والكلمة النهائية في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية الهامة وقد اجاد ولي الفقيه، اللعب على الورقتين منذ موافقته على ان يكون الاصلاحي محمد خاتمي رئيسا للجمهورية في الفترة 1997-2005 ومن ثم محمود احمدي نجاد في الفترة 2005-2013 وقد ضمن خامنئي بتلك اللعبة شبه الديمقراطية، استمرار النظام الذي يقوده والحيلولة دون اي تغيير ديمقراطي حقيقي في البلاد.
وعلى المستوى الخارجي هو الذي أمر بأجراء مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة في سلطنة عمان بعد ان شعر بوطأة العقوبات الاقتصادية الجسيمة المفروضة من قبل الدول الغربية وخطر الانهيار الاقتصادي للبلاد والسقوط السياسي للنظام غير انه اضاع الفرصة لتحسين علاقات بلاده مع الولايات المتحددة الاميركية في عهد الرئيس اوباما، رغم مطالبة الرئيس الراحل لمجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني والرئيس الإيراني حسن روحاني بذلك وهو يواجه حاليا افعى لا يمكن التكهن بسلوكه وتحركاته.
مستقبل معسكر الاعتدال في إيران بعد رفسنجاني
مركز ستراتفور في تقرير يحاول تسليط الضوء على الدور الحيوي لرفسنجاني داخل منظومة الحكم في إيران وداخل تيار المعتدلين، الذي يُشير المركز إلى أن رفسنجاني كان قطبَه الأقوى يرى التقرير أنه مع الحظر الإعلامي المفروض على الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وكذلك الإقامة الجبرية المفروضة على القائد الإصلاحي مهدي كروبي، مثَّل رفسنجاني القيادة الأيديولوجية لمعسكر المعتدلين داخل النظام الإيراني الأدهى من ذلك أنه كان بإمكانه تحدي رؤى مؤسسة الحكم في إيران بطريقة لم يُجاريها فيه أحد غيره؛ وذلك بسبب كونه أحد الآباء المؤسسين للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
سيجد المعتدلون في إيران صعوبة أكيدة في محاولة ملء الفراغ الذي تركه رفسنجاني برحيله يُشير التقرير إلى أنه خلال مسيرته الطويلة، مثَّل رفسنجاني التوازن بين أطراف المؤسسة السياسية الإيرانية المختلفة وبين إيران وخصومها السياسيين بالتحديد مجلس التعاون الخليجي والغرب في الحقيقة كان رفسنجاني هو أول من سعى لتحسين علاقة الجمهورية الإسلامية مع الولايات المتحدة في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي كان لدى رفسنجاني قدرة فريدة على التحدث بما في نفسه دون مواربة بسبب تفاعله وعلاقاته مع الأطراف السياسية المختلفة التي تشكل الطيف السياسي الإيراني.
في الثمانينيات أيضا حاز رفسنجاني على عدة أدوار رئيسية داخل هيكل النظام الإيراني إلى جانب علي خامنئي وبعد وفاة الخميني في 1989، رأى رفسنجاني أن خير مَن يخلُفه هو علي خامنئي، لكن مع هذا التقارب والتحالف فإن أفكار الرجليْن ورؤاهما بدأت في الافتراق في التسعينيات وأوائل الألفية الجديدة، لكن هذا الاختلاف ظل مخفيًا تحت طبقات من التعاون والاحترام المُتبادل.
يرى التقرير أنه بغض النظر عن شعبيته في أوساط الإصلاحيين الإيرانيين، فإن فترة حكم رفسنجاني لم تخلُ من الجدل خلال رئاسته دفع باتجاه إعادة اندماج إيران في النظام العالمي مثل ما يفعل الرئيس حسن روحاني الآن، وقام أيضًا بإجراء العديد من الإصلاحات الاقتصادية من بينها خصخصة جزء من القطاع العام الإيراني، وفتح المجال أمام بعض الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة الإيراني، وهو ما أدى إلى تأليب العديد من الإيرانيين ضده، خصوصًا بعد فشل هذه الخطط في محصلتها.
خلال حرب الخليج، التي أعادت وضع الولايات المتحدة كعدو أول لإيران، وأضرت بالاقتصاد الإيراني، فشل رفسنجاني في تحقيق ما كان يأمله من إصلاحاته الاقتصادية، وعندما حاول الترشح مجددًا للرئاسة في 2005، خسر خسارة فادحة أمام منافسه الشعبوي محمود أحمدي نجاد انطلق نجاد في حملته من أرضية نقده لدور رفسنجاني في تحرير الاقتصاد الإيراني مدَّعِيًا أن العديد من الصفقات انتهى بها الأمر في الدائرة المقربة والعائلية لرفسنجاني.
بعدها قام رفسنجاني بجهود حثيثة لإعادة بناء صورته معتمدًا بشكل كبير على الثورة الخضراء في 2009، التي أعادت إشعال المشاعر المعتدلة والمطالبة بالإصلاح خلال فترة نجاد الرئاسية في فبراير من العام 2016 فاز رفسنجاني بـ2.3 مليون صوت في انتخابات مجلس الخبراء، وهو دليل على شعبيته المتجددة في الأوساط السياسية في البلاد يختص مجلس خبراء القيادة في إيران بتعيين المرشد الأعلى المقبل للبلاد، لكن طرح رفسنجاني الفريد بتعيين مجلس للحكم بدلًا مش شخص واحد لقِي أصداء مختلفة داخل المجلس قدرة رفسنجاني على طرح مثل هذا الاقتراح دون الخوف من العواقب دليل على نفوذه النسبي داخل مؤسسة الحكم الإيرانية.
في هذا السياق، يشير التقرير إلى مقولة الخميني "إن الثورة حية مادام رفسنجاني حيًا" بينما لا يزال عدد كبير من الشخصيات المهمة القادرة على الحفاظ على رؤى الخميني الثورية على قيد الحياة، إلا أن موت رفسنجاني يدل على أن تغيير المواقع أمر لا مفر منه بالنسبة للسياسة الإيرانية خلال أربع عقود من عمر الثورة ظلت كثير من رموز نظام الجمهورية الإسلامية على قيد الحياة لإرشاد مسيرتها.
لكن خامنئي يبلغ من العمر الآن 77 عامًا، وتشير التقارير إلى إصابته بسرطان البروستات خلال العقد المقبل سيكون على السياسيين الإيرانيين من أمثال حسن روحاني وعلي لاريجاني وصادق لاريجاني ومحمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، أن يُديروا دفة الحكم في البلاد دون إرشاد الرموز الثورية من قبيل رفسنجاني وخامنئي الأمر الآخر، الذي يُشير إليه التقرير في هذا السياق، هو أنه بموت رفسنجاني قبل خامنئي يفقد مجلس خبراء القيادة صوتًا قويًا كان بإمكانه توجيه دفة الاختيار باتجاه شخصية أكثر اعتدالًا.
يرى التقرير أخيرًا أنه على الرغم من مكانة الدعم والاحترام المستحقة لروحاني كسياسي معتدل داخل النظام الحاكم، إلا أن مهمة ملء الفراغ الذي تركه رفسنجاني ستكون صعبة عليه في حين يستعد روحاني لخوض الانتخابات الرئاسية للفوز بفترة حكم ثانية سيكون عليه أن يُثبت أن بمقدوره إدارة فترة عدم اليقين في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وكذلك قدرته على إدارة الاقتصاد الإيراني المُتعافي، والحفاظ على المُثل والأفكار الثورية التي يتحمل القادة مسؤولية حمايتها. والآن، بعد رحيل رفسنجاني يُعاني المعسكر المعتدل من فراغ لا يبدو أن أحدًا سيملأه سوى روحاني من قَبيل الأمر الواقع.
أسئلة إيران الصعبة بعد رحيل رفسنجاني
غياب رفسنجاني فجر سؤالاً إلى أين تسير إيران؟، وما مصير الجمهورية الإسلامية؟ ومن سيخلف رفسنجاني ليس في مناصبه ومواقعه السياسية في مجمع تشخيص مصلحة النظام أو مجلس خبراء القيادة فقط، بل بدوره الوطني للحفاظ على التوازن بين الدفاع عن المصالح الوطنية دون تفريط في الالتزامات الأيديولوجية والثورية للنظام الإيراني؟ الأكثر من ذلك، فجر غياب رفسنجاني السؤال الأكبر، وهو من سيخلف خامنئي في موقع الزعامة؟، ومن الذي سوف يقوم بهندسة معالم الجمهورية الثالثة مع أفول حكم الجمهورية الثانية بغياب رفسنجاني ومؤشرات رحيل قد لا يطول لخامنئي؟
كانت كل الاعتقادات تقول إن رفسنجاني هو وحده سيكون المسؤول عن اختيار وتنصيب خليفة خامنئي عندما يحين الوقت على نحو ما فعل مع خامنئي نفسه عقب رحيل الخميني، لكن رفسنجاني رحل ورحلت معه كل عوامل الاطمئنان والثقة في "خلافة سياسية" مؤتمنة بعد رحيل خامنئي هذه المخاوف تتفاقم خصوصاً في ظل ما كشفت عنه جنازة رفسنجاني من انقسام قوي وحقيقي في صفوف القوى السياسية فالتيار الإصلاحي المكبوت الذي فرضت الإقامة الجبرية على قيادته.
خاصة مير حسين موسوي، ومهدي كروبي منذ عام 2011، وفرضت المقاطعة الرسمية على الرئيس الأسبق محمد خاتمي، قرر كسر كل القيود في جنازة رفسنجاني وأطلق شعارات كانت محرمة طوال السنوات الماضية، مثل: "وصية هاشمي دعم خاتمي" "ووداعا هاشمي سلاماً خاتمي"، شعارات تعلي من شأن زعماء التيار الإصلاحي، خصوصاً مع انتشار معلومات عن منع الرئيس خاتمي رسمياً من المشاركة في جنازة رفسنجاني، لكن ما هو أهم، أنها ترفع بطاقة حمراء في وجه المرشد علي خامنئي وتيار المتشددين: (المحافظون الأصوليون والحرس الثوري)، تقول إن غياب رفسنجاني لن يكون النهاية لتيار الإصلاحيين، بل سيكون إعلاناً لعودة قوية للإصلاحيين سوف يفرضونها في الانتخابات الرئاسية في مايو المقبل بدعم الرئيس حسن روحاني باعتباره خليفة رفسنجاني، ورمزاً للإصلاحيين.
إذا حاولنا قراءة المشاهد المحتملة لمرحلة ما بعد رحيل رفسنجاني، فإننا سنجد أن هناك اتجاهين مختلفين: الأول يرجح أن يؤدي رحيل رفسنجاني إلى إعادة التماسك بين تياري الإصلاحيين برموزهم المعروفة: محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي والزعامات الجديدة وتيار الاعتدال الوسطي الذي كان رفسنجاني أهم رموزه مع الرئيس حسن روحاني، في محاولة لملء فراغ غياب رفسنجاني، من خلال مبايعة روحاني زعيماً للتيارين بعد تقاربهما، وأن يتقوى موقف روحاني، ويخوض بقوة معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
الثاني، وهو الاتجاه الأقوى، يرى أن غياب رفسنجاني سيؤدي إلى إنهاء كل تقارب بين الإصلاحيين وتيار الوسط المعتدل لسببين: أولهما ضعف حسن روحاني وعدم وفائه بالتزاماته وتعهداته الإصلاحية، وإنهاء الحصار الإعلامي والسياسي المفروض على الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ثانيهما أن حسن روحاني أظهر في الأشهر الأخيرة ميلاً للتباعد عن رفسنجاني، والتقارب مع المرشد خامنئي والمحافظين الأصوليين حيث تعمد في الأشهر الأخيرة أن يرجع فوزه بالانتخابات الرئاسية إلى الإرادة الشعبية في إنكار ضمني لدور رفسنجاني وخاتمي.
هذا الاتجاه له ما يدعمه من أحداث وتطورات فرضت نفسها خلال السنة الماضية في أعقاب توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع "مجموعة 5+1" وظهور تحذيرات على لسان المرشد الأعلى خامنئي إلى جانب رموز المحافظين الأصوليين وقادة الحرس الثوري من أن يؤدي الانفتاح الاقتصادي على الاقتصادات الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص إلى انفتاح سياسي وثقافي يهدد التماسك الثوري والأيديولوجيا الثورية للجمهورية الإسلامية.
ومع الاستعدادات لخوض انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة؛ حيث كان المرشد والحرس الثوري والمحافظون الأصوليون أكثر تحفزاً لمنع فوز الإصلاحيين، وأكثر حرصاً على احتكار الفوز بالمجلسين لضمان وجود قيادات ثورية قادرة على أن تدافع عن الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يعني، أن المرشد ورجاله مع إعطاء الأولوية للأيديولوجية الثورية، الأمر الذي يعني أن رحيل رفسنجاني وغيابه عن المشهد السياسي سيكون فرصة مواتية للمحافظين الأصوليين والحرس الثوري ليسيطروا على السياسة والحكم في إيران.
هل أصبحت إيران في خطر؟
يعاني المجتمع الإيراني من تصدع حقيقي على صعيد الحريات العامة، وتخللت فترة حكم الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني اعنف موجة قمع للناشطين، قد يكون الوضع ليس على افضل حاله بالنسبة لخامنئي بعد تفاقم الحديث عن نسب الفقر وتردي الاوضاع المعيشية لشرائح واسعة ايرانية وانهيار العملة وانخفاض فرص العمل كذلك شددت الصحف الغربية على أن وفاة الرجل الثاني في ايران فتح ابواب الداخل على مصراعيه خصوصاً وان كلاماً يمر بين التحليلات الصحف الإيرانية المعارضة ترجح ان الرجل من الممكن ان يكون قد قُتل بما معناه انه لم يمت بشكل طبيعي.
إن اي تحرك شعبي في إيران بالمستقبل سيكون بدون ضوابط رفسنجاني وألعابه الخفية ما يعني ان اية محاولة تغيير اصلاحية ستكون نتائجها ضبابية قد يتخللها عنف داخلي لا يعرف أحد عواقبه.
سياسة إيران بعد رفسنجاني!
تحتاج بعض التعليقات والتحليلات المتداولة حول تأثير وفاة الرئيس الإيراني الأسبق علي هاشمي رفسنجاني، إلى الوقوف أمامها وربما تصويبها أيضاً، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وبالأخص تجاه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
المقلق هنا أن نعتقد (تحت ضغط المقارنة بين سياسة رفسنجاني "الإصلاحية" وسياسة المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي المحسوب على المتشددين) أن رفسنجاني كان الأفضل في التعامل مع الجوار الخليجي، وبالتالي فإن وفاته تظهر وكأننا فقدنا معها شخصاً لم تكن له طموحات سياسية في المنطقة، أو أنه كان يكبح تمدد المتشددين، وبالتالي نكون قد وقعنا في مشكلة، حيث يقودنا هذا التفكير إلى حالة من الاسترخاء السياسي حيال من يطلق عليهم الإصلاحيون، أو تمني وصول شخصية إيرانية بمواصفات رفسنجاني إلى سدة الحكم في إيران، اعتقاداً منا أنه سيكون أفضل تعاملاً مع دول الخليج العربية من زعيم ينتمي لتيار المحافظين.
هناك كلام متداول بشكل واسع، يصل إلى حد التعاطف أحياناً مع من يسمون "الإصلاحيين"، وهناك من يعتقد أن العالم خسر رفسنجاني باعتباره سياسياً إيرانياً كان دائماً على علاقة جيدة بالجوار العربي، بل عمل على تحسين العلاقات معه، وأن الكثير من سياسات الانفتاح على العالم الخارجي كانت تتم بضغوط منه بل هناك ما يشبه "قاعدة سياسية" يتداولها بعض المراقبون، مفادها أنه إذا وجدت السلوك النظام السياسي الإيراني يتميز بالتشدد مع الخارج، أو حتى مع الداخل الإيراني نفسه، فتأكد أنها إشارة واضحة إلى أن رفسنجاني مُغيَّب أو متراجع سياسياً، ومعنى ذلك أنه ينبغي علينا انتظار الأسوأ بعد وفاته.
سواء على مستوى الصراع بين التيارات داخل إيران أو على مستوى السياسة الخارجية الإيرانية، وكأن العالم العربي لم يعانِ في عهده من سياسات إيران مثل هذا الكلام بحاجة إلى مراجعة، ولا ينبغي أن ننسى أن التقسيم السياسي في إيران بين محافظين وإصلاحيين إنما هو للاستخدام الخارجي فقط، لكن الحقيقة هي أن طموح إيران إلى فرض نفوذها على المنطقة هو "استراتيجية فارسية" لا علاقة لها بالشخص، بل إن كثيراً من المشاريع السياسية الإيرانية الأكثر خطراً، مثل البرنامج النووي وغيره، إنما تمت حين كان الإصلاحيون في سدة الرئاسة، وإن كان الاعتراف بوجود البرنامج النووي خصوصاً قد تم في عهد أحمدي نجاد.
لا أحد يمكنه أن ينكر أن رفسنجاني زار السعودية وكانت مواقفه هادئة مع الخليج، وأن الانفتاح الاقتصادي الإيراني حدث في عهده، لكن ينبغي ألا ننسى أيضاً أن رفسنجاني لم يحلَّ أياً من الخلافات السياسية، بل كان في الواقع هو صاحب نظرية عدم التصادم المباشر مع العرب، لكنه لم يخرج في توجهه عن التوجه العام للسياسة الإيرانية، أي التناقض بين التصريحات والأفعال.
يعد رفسنجاني من أكثر السياسيين تأثيراً في القرار الإيراني، ومعروف عنه أنه "صانع الزعماء والرؤساء" لهذا من المهم قبل الحديث عمن يمكن أن يكون في صالح العرب، ألا ننسى أن رفسنجاني واحد من أبناء الثورة الإيرانية الذين وضعوا دستورها الذي يتبنى تصدير الفوضى إلى دول الجوار، وبالتالي لا يمكن للمراقب العادي أن يقلل من تأثير الأعمال السياسية التي قام بها رفسنجاني على الوضع الجيوسياسية.
فراغ سياسي إيران بعد موت رفسنجاني
يعتبر آية الله الخامنئي، القائد الأعلى لإيران، محقًا بشأن قلقه من خسارة واحد من أعضاء قادة التنظيم الديني في عام الانتخابات وقال الخامنئي "بخسارة رفسنجاني لا أعلم من الشخصية الأخرى، التي كان يمكن أن أتعلم من خبرته الطويلة في هذه الحقبة التاريخية" وسيتم افتقاده أيضًا من قبل الرئيس حسن روحاني، الذي يواجه سباقًا انتخابيًا في يونيو المقبل، مع عزم متشدد على تهميش إنجازاته في الاتفاق النووي مع الغرب ويذكر أنه فاز بانتخابات 2013، بمساعدة رفسنجاني.
رحيل رفسنجاني قد يُضعف أيضًا حركة الإصلاح بإيران، التي اتخذت شكلًا جديًا منذ انتخابات 2009 الرئاسية واختلف مع الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، خلال عصر الإصلاح من 1997 حتى 2005 لكن منذ تظاهرات 2009 الضخمة، أثبت رفسنجاني أنه يقف بجانب الإصلاحات، التي تنادي بحريات أكبر وفعل ذلك ما أدى لخلافه مع القائد الأعلى، بالتالي تم اتهامه بالتحريض على الفتنة، ومنع من قيادة صلوات الجمعة.
وعلى الرغم من اختفائه لتهدئة الوضع، فإن عملاءه أعطوا دعمًا قويًا، وتسببوا في فوز روحاني بانتخابات 2013 في انتخابات البرلمان بالعام 2016، تمكن من دفع العشرات من الإصلاحيين والمعتدلين في البرلمان والآن بوفاته، أصبح الأمر في يد قادة الإصلاح، مثل خاتمي، مهدي كروبي ومير حسين موسوي، لمحاولة الحفاظ على الزخم وقد يكون ذلك صعبًا، بسبب صمت الثلاثة شخصيات، وبقاء كروبي وموسوي تحت الإقامة الجبرية وقيل إن خاتمي مُنع من حضور جنازة رفسنجاني.
وهو ما يترك روحاني، القائد السياسي المعتدل الوحيد، الذي يمكنه ملئ هذا المركز السياسي الحاسم، الذي يوازن بين اليمين الذين عمل بالقرب منهم كأمين عام للمجلس الأعلى للأمن القومي عام 1989 حتى 2005 وبين الإصلاحيين من الجهة الأخرى، وهم أصدقاؤه الجدد شعاراته الخاصة بالاعتدال يمكن أن تليق بهذا الطريق، إذا تحرك بحكمة، فيمكنه الحفاظ على القرب من القائد الأعلى، واستغلال الفراغ الذي تركه رفسنجاني برحيله.
هل الإصلاح في إيران ممكنًا بعد وفاة رفسنجاني؟
بموت هاشمي رفسنجاني، يكون التيار الإصلاحي في إيران قد فقد أبرز الموالين له بين النافذين في منظومة الحكم بالجمهورية الإسلامية، حيث كان يملك نفوذًا متجذرًا في أجهزة الحكم الإيرانية، ما يجعل الإصلاحيين في إيران يخسرون إحدى مراكز القوة لديهم في تنافسهم مع المحافظين على السلطة.
يحمل التيار الإصلاحي في إيران العديد من الرؤى المتقدمة للحكم مقارنة مع المحافظين، إذ يشجعون مشاركة المرأة في الحياة العمومية ويدعمون الصحافة، ويدعون إلى الانفتاح مع محيطهم الدولي، بالإضافة إلى تحيزهم لسيادة القانون والانتخاب على حساب الشريعة، وكان الرئيس الإصلاحي السابق خاتمي يؤكد بأن "سيادة القانون لا رجعة فيه وعلى المجتمع التأكد من أنه ليس خاصًا بالسلطة التنفيذية فحسب، وإنما سيطبق على السلطتين القضائية والتشريعية، وفي جميع الإدارات وعلى الصحف وفي كل مكان".
لكن لا يبدو أن هذه الحركة الإصلاحية حققت نتائج ملموسة تنعكس على حياة الإيرانيين، حتى في ظل حكم الإصلاحي الحالي حسن روحاني، إلا أن سطوة المحافظين على الحكم تحول دون ذلك، إذ تسيطر نظرتهم المتشددة على أجهزة الحكم في إيران ويعتقد بعض الباحثين أن هذه البنية الشديدة المحافظة للدولة الإيرانية، بدأت مع آية الله الخميني، الذي قاد الثورة الإسلامية، وكانت له كاريزما عالية تجذب الجماهير، مكنته من رسم هياكل الدولة التي ينشدها، وفق نظرته الدينية المتشددة، المبنية على المذهب الشيعي، ومنذ ذلك الحين ظهر حكم ولاية الفقيه بإيران، وهو مستمر إلى الآن.
ويهيمن المحافظون على مجلس الخبراء المكلف بانتقاء مرشحي الرئاسة، كما يسيطرون على الحرس الثوري والأمن، علاوة على احتفاظهم الدائم بمنصب المرشد الأعلى، الذي تتفوق سلطاته الدينية على صلاحيات الرئيس المنتخب نفسه، بالإضافة إلى ذلك فإن نظام الحكم في إيران، كما يشير إليه الدستور الإيراني، هو نظام ديني وليس مدني ومن ثمّة تفشل أي محاولة للإصلاح من داخل النظام في إيران، وإن كان الإصلاحيون الإيرانيون يحققون بعض المكاسب على حساب المحافظين، لكنها تظل محدودة بالمقارنة مع نفوذ رؤية المحافظين على الحياة السياسية والاجتماعية في إيران.
رصد هذا التقرير الخاص بالمركز الوثائقي لشبكة النبأ بعض الآراء التي تناولتها بعض المواقع الالكترونية والصحف حول إيران ما بعد وفاة رفسنجاني وما ستؤول اليه أحوال إيران الداخلية والخارجية وعلاقتها مع دول الجوار التي كان لرفسنجاني دور كبير في تهدئتها فمع غياب هكذا شخصية مهمة في تاريخ إيران سوف تكون له انعكاسات حتمية على السياسة الإيرانية.