الهدنة في سوريا والتمهيد لسلام بارد بنكهة النفوذ

عبد الامير رويح

2016-09-17 09:58

اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في سوريا، ما يزال محط اهتمام واسع خصوصا وان العديد من الخبراء قد اكد على ان هذا الاتفاق الذي جاء بعد مفاوضات مهمة ومطولة بين امريكا وروسيا، قد ينهي الحرب السورية المستعرة منذ خمسة سنوات، ويساعد في ايجاد حلول سياسية لأنهاء الازمة، تتضمن الاتفاقات بين الطرفين كما نقلت بعض المصادر على وقف الأعمال القتالية في سوريا لمدة 48 ساعة، ثم تتبع بمدة مماثلة، ثم توضح الأسس التي تمدد بها على الدوام. وفي غضون سبعة أيام من دخول الاتفاق حيز التنفيذ يتم تأسيس "مركز تنفيذي مشترك" يضم عسكريين وممثلين عن الأجهزة الاستخبارية الروسية والأميركية، هدفه التمييز والفصل بين الجماعات الإرهابية من جانب، والمعارضة السلمية والمعتدلة من جانب آخر. هذا بالاضافة الى تحديد المناطق التي ستُخاض فيها الحرب على التنظيمات الإرهابية بمشاركة "حصرية" من سلاحي الجو الروسي والأميركي دون مشاركة طيران الحكومة السورية، مع توضيح الاجراءات الواجبة للرد على منتهكي اتفاق وقف إطلاق النار. وأخيرا تم الاتفاق على توضيح آليات توصيل المساعدات الانسانية والبعثات الإغاثية للمناطق المنكوبة.

ويعد الاتفاق الروسي الأمريكي غير مسبوق على مستويات عدة، فبداية هو أول اتفاق واضح ومعلن بين الطرفين الروسي والأميركي، واللذين يمثلان طرفي النزاع في الأزمة السورية.

ويرى بعض المراقبين انه وعلى الرغم من اهمية هذا الاتفاق الذي استقبلته العديد من الأطراف بالترحيب وعقد الآمال، ربما لن يطول بسبب تعدد اطراف الصراع في سوريا وعدم وجود مشروع موحد بسبب تضارب المصالح واختلاف الآراء وغياب الثقة بين الاطراف المتصارعة، حيث تبادلت روسيا وامريكا الاتهامات من جديد بخصوص اتفاق الهدنة رغم صموده، فـ (واشنطن تعتبر أن روسيا لم تقدم الجهد الكافي، فيما موسكو تؤكد أن الجماعات المدعومة من أميركا هي من تخرق الهدنة) وهذا سجال يوضح أن الحل يحتاج إلى جهد أكثر.

والهدنة الحالية هي ثاني محاولة تقوم بها الولايات المتحدة وروسيا هذا العام لوقف الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات. وروسيا داعم رئيسي للرئيس السوري بشار الأسد في حين تدعم الولايات المتحدة بعض فصائل المعارضة التي تحارب لإسقاطه، ولا تشمل الهدنة الجماعات المتشددة مثل تنظيم داعش وجبهة فتح الشام التي كانت تحمل من قبل اسم جبهة النصرة وكانت فرع تنظيم القاعدة في سوريا إلى أن قامت بتغيير اسمها في يوليو تموز.

العنف في سوريا

وفي هذا الشأن قال ستافان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا إنه حدث هبوط كبير في العنف في سوريا منذ بدء سريان اتفاق لوقف إطلاق النار. وأضاف أنه رغم وقوع بعض العنف بعد إلا أنه بحلول الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء الماضي صمتت الأسلحة بشكل شبه كامل ومن المنتظر أن يكون بمقدور شاحنات المساعدات التابعة للأمم المتحدة التحرك قريبا جدا.

وأبلغ دي ميستورا الصحفيين في جنيف "اليوم يبدو أن الهدوء ساد في أرجاء حماة واللاذقية ومدينة حلب وريف حلب وإدلب مع بعض الاتهامات فقط بحوادث متقطعة ومنعزلة جغرافيا." وأضاف "قالت مصادر على الأرض لها قدر من الأهمية بما في ذلك داخل مدينة حلب أن الوضع تحسن بشكل كبير في غياب الضربات الجوية." كما شهدت دمشق ووسط سوريا هدوءا لكن بعض التقارير أفادت بوقوع اشتباكات بين قوات الحكومة والمعارضة حول حرستا وقتال في القنيطرة بين قوات حكومية وجبهة النصرة إحدى الجماعات التي لا يشملها وقف إطلاق النار والتي أعادت تسمية نفسها جبهة فتح الشام.

والجزء الأكثر تعقيدا في الاتفاق هو تفادي إتساع نطاق القتال والتفرقة بين جماعات المعارضة المسلحة التي تحترم الهدنة عن تلك التي لا تتقيد بها وخصوصا جبهة فتح الشام المسلحة المتشددة القوية. وقال دي ميستورا إن هذا العمل يحتاج إلى أسبوع وهو ما سيشكل "تحديا فعليا". وأضاف دي ميستورا أنه إذا صمدت الهدنة فمن المتوقع أن تصل مساعدات الأمم المتحدة قريبا جدا وأن يكون بوسع السوريين التطلع إلى "توقف القنابل وتدفق الشاحنات." وقال "لكن الشيء الذي ما زال مفقودا هو خطابات السماح الشهيرة من الحكومة. لم نتلق بعد خطابات السماح تلك لكننا لدينا أمل قوي ونتوقع أن تصدرها الحكومة قريبا جدا."

ولم تعلن تفاصيل الاتفاق الذي توسط فيه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف بعد محادثات مطولة يوم الجمعة. وقال دي ميستورا إن الاتفاق لم يتضمن أي شيء يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين والذي قالت المعارضة في السابق إنه أحد مطالبها الرئيسية مع وجود عشرات أو ربما مئات الآلاف من الأشخاص في السجون. وأضاف قائلا "يمكنني أن أخبركم إنه لا توجد إشارة في هذا الاتفاق بشأن قضية المعتقلين التي تبقى مسألة مهمة للغاية والتي أعتقد أنها يجب معالجتها في سياق مختلف."

من جانب اخر قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن التقارير الأولية تشير إلى بعض التراجع في العنف في سوريا منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا حيز التنفيذ. وقال للصحفيين في وزارة الخارجية "التقارير الأولية هي أن هناك بعض التراجع في العنف فضلا عن تقارير قليلة عن قتال هنا وهناك برغم أن من السابق لأوانه استخلاص نتيجة قاطعة."

وأضاف قائلا "ستكون هناك بلا شك تقارير عن انتهاكات هنا أو هناك لكن هذه هي طبيعة بدء وقف إطلاق النار دائما تقريبا." وذكر كيري أنه ينبغي أن يبدأ تدفق المساعدات الإنسانية بشكل عاجل بما في ذلك إلى جميع مناطق حلب. وقال "لا أعتقد أنني بحاجة لتوضيح مدى الحاجة الشديدة لهذه المساعدة.. هي في بعض الحالات تعني حرفيا الفرق بين الحياة والموت لعشرات الآلاف من الأشخاص."

واستشهد بتقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن مناطق الصراع الرئيسية في سوريا سادها الهدوء بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وأضاف كيري أنه ما إن تكون هناك فترة متواصلة من الهدوء وزيادة وصول المساعدات الإنسانية على مدى سبعة أيام ستبدأ الولايات المتحدة وروسيا في تنسيق الضربات العسكرية. وقال "بمجرد أن تبدأ الضربات الأمريكية والروسية سيمنع النظام السوري من إرسال طائراته في مهام قتالية فوق مناطق توجد بها المعارضة الشرعية." بحسب رويترز.

وطالما قالت الولايات المتحدة إنه ينبغي وقف تحليق القوات الجوية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد لكنها بدت في الأسابيع الأخيرة وكأنها تتراجع عن هذه الدعوة قائلة إن بوسع قوات الأسد توجيه ضربات بمناطق تنشط فيها جماعة مرتبطة بالقاعدة وتنظيم داعش ولا توجد بها جماعات معارضة معتدلة. وأضاف كيري أن هذا من شأنه أن يمنع القوات الحكومية من أن تقصف مناطق المدنيين أو جماعات المعارضة وتتذرع بأنها تستهدف جماعات متشددة. وذكر كيري أن الهدنة تهدف لتمكين الأطراف المتحاربة من استئناف المفاوضات بشأن انتقال سياسي في سوريا. وقال "هذا يهدف لجمع الناس على طاولة التفاوض في جنيف."

الجماعات المعارضة

الى جانب ذلك قال مسؤولان من المعارضة السورية أن فصائل المعارضة أبلغت الولايات المتحدة في خطاب بأنها "ستتعاون بشكل إيجابي" مع بنود وقف إطلاق النار لكنها أبدت تحفظات على بعض تفاصيله. وجاء بنص الخطاب الذي أكده مسؤولون من المعارضة "إن الفصائل الثورية المسلحة تؤكد من جديد موقفها الثابت بالتعامل بإيجابية مع فكرة الهدنة."

لكن في مؤشر على عمق المخاوف لدى فصائل المعارضة من تفاصيل الاتفاق أشارت الرسالة إلى تحفظات "ترتبط ببقائنا واستمرارنا كثورة". وعبر الخطاب عن القلق لخلو اتفاق وقف إطلاق النار من ضمانات أو آليات للمراقبة أو عقوبات على من ينتهك بنوده وقال إن غياب مثل هذه الآليات سمح للحكومة بإجهاض اتفاق سابق. كما عبر عن القلق مما قال إنها عبارات في الاتفاق تشير إلى أن طائرات الحكومة السورية لن تمنع من التحليق حتى زهاء تسعة أيام بعد بدء تنفيذ وقف إطلاق النار. وقال الخطاب "كما تعلمون فإن هذه الفترة الزمنية (حوالي عشرة أيام) ستعطي الطيران الحربي للنظام الفرصة الكافية لإحداث أضرار جسيمة في المناطق المدنية وضد قواتنا العسكرية."

وأضاف الخطاب أن استبعاد جبهة فتح الشام -التي كانت في السابق على صلة بتنظيم القاعدة- من الاتفاق وعدم استبعاد ميليشيات تدعمها إيران يمثل ازدواجا في المعايير ويقلل من فرص نجاحه وحذر من أن روسيا والحكومة السورية ستستخدمها ذريعة لمهاجمة جماعات معارضة أخرى. وأشار الخطاب إلى أنه بينما لم تقم جبهة فتح الشام -النصرة سابقا- بأي أنشطة خارج حدود سوريا فإن "الميليشيات الطائفية" التي تقاتل إلى جانب الحكومة تعمل عبر الحدود. وتدعم الحكومة السورية ميليشيات شيعية من العراق ولبنان وإيران. بحسب رويترز.

وقال الخطاب إن الاتفاق تجاهل المناطق المحاصرة ولم يقدم ضمانات ضد الحكومة التي تفرض اتفاقات محلية على المناطق المحاصرة مثلما حدث مؤخرا في بلدة داريا قرب دمشق. ومما يعكس قلقها من أن الاتفاق يركز فقط على حلب قالت جماعات المعارضة "نصر على ضرورة إدخال المساعدات إلى جميع المناطق المحاصرة دون استثناء."

مصير الهدنة والمساعدات

من جانب اخر قالت روسيا والمرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجيش السوري بدأ الانسحاب من طريق الكاستيلو المؤدي إلى حلب وهو شرط أساسي لاستمرار جهود السلام الدولية في حين تبادلت الحكومة والمعارضة الاتهامات بانتهاك الهدنة. لكن جماعات المعارضة المتواجدة في حلب قالت إنها لم تر أي مؤشر على انسحاب الجيش وأكدت أنها لن تنسحب من مواقعها قرب الطريق حتى تسحب الحكومة قواتها.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنه لا يمكن تأكيد تقارير أفادت بانسحاب قوات الحكومة لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر قال إن وقف إطلاق النار صامد على وجه العموم مضيفا أن واشنطن وموسكو تعتقدان أن الأمر يستحق الاستمرار. وتصاعدت حدة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين بوقوع انتهاكات إذ قال مصدر عسكري سوري إن المعارضة مسؤولة عن العشرات من الانتهاكات منها إطلاق نيران مدافع رشاشة وصواريخ وقذائف مورتر في دمشق وحلب وحماة وحمص واللاذقية. وقالت المعارضة إن طائرات الجيش السوري قصفت حماة وإدلب وإن الجيش استخدم المدفعية قرب دمشق.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إنه وثق وقوع هجمات من كلا الجانبين وعلى الرغم من أن الهدوء كان سائدا في معظم المناطق بين المعارضة والجيش فقد سقط أول قتلى مدنيين منذ بداية الهدنة. وأضاف المرصد أن المدنيين اللذين قتلا كانا طفلين في منطقتين تسيطر عليهما الحكومة إحداهما في حلب والأخرى في جنوب غرب سوريا. وبالإضافة إلى ذلك أودت غارات جوية ضد مسلحي تنظيم داعش في بلدة الميادين قرب دير الزور بحياة ما لا يقل عن 23 مدنيا. بحسب رويترز.

وتسيطر القوات الحكومية وقوات المعارضة على طريق الكاستيلو وأصبح جبهة رئيسية في الحرب المستعرة منذ خمسة أعوام. وقال رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا اللفتنانت جنرال فلاديمير سافتشينكو في تصريحات بثت على التلفزيون الرسمي “إن الجيش السوري …بدأ السحب المرحلي للمركبات والأفراد من طريق الكاستيلو لضمان وصول المساعدات إلى شرق حلب دون عوائق".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا