روسيا وامريكا في سوريا: عندما تخفي ازمات الشرق الاوسط صفقة تقاسم النفوذ
عبد الامير رويح
2016-09-10 07:57
شهدت العلاقات الامريكية الروسية في ظل التحولات العالمية المختلفة، العديد من المتغيرات والتطورات المهمة، خصوصا بعد ان سعت روسيا وكما تنقل بعض المصادر، الى استعادة مكانتها ودورها كقوة كبرى قادرة على الدفاع عن مصالحها وفرض إرادتا, بعد انفراد الولايات المتحدة الامريكية بالنظام الدولي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد عمدت موسكو في السنوات الاخيرة الى اعتماد خطط واساليب جديدة من اجل فرض نفسها من جديد، وذلك من خلال بناء تحالفات قوية مضادة لأمريكا، في عدة مناطق من العالم ومنها منطقة الشرق الاوسط، التي تعاني اليوم من ازمات ومشاكل امنية واقتصادية كبيرة، هذه التحركات والخطط الناجحة جعلت روسيا لاعب رئيسي في إدارة العديد من الملفات المهمة ومنها ملف الأزمة السورية، التي عدها البعض بداية الانكسار الأمريكي وانتهاء لهيمنتها على الساحة الدولية والإقليمية، كما ان هذه التحركات اجبرت الولايات المتحدة على تغير مواقفها السابقة وسعت الى ايجاد طرق جديدة لدعم
التقارب مع روسيا، إلى أنه ما زال لدى الأوساط السياسية الروسية شكوك وقلق من تحركات الولايات المتحدة, التي لا تزال بحسب رأيهم تحت تأثير بقايا الحرب الباردة, خصوصا وان بعض المواقف والتحركات والمناورات الامريكية تثبت ذلك بوضوح، فهي تحاول إبقاء النظام الدولي الأحادي القطبية، بينما تسعى روسيا لتصبح شريك في ادارة الشؤون الدولية.
وفيما يخص بعض تطورات هذا الملف فقد نددت الولايات المتحدة بما اعتبرته اعتراضا "خطيرا" قامت به مقاتلة روسية فوق البحر الأسود لطائرة دورية بحرية أمريكية، من جهتها أعلنت موسكو أن المقاتلات الروسية اعترضت طائرات تجسس "بما يتفق تماما مع القواعد الدولية". وذلك خلال محاولتها مراقبة تدريبات للجيش الروسي. وأعلنت وزارة الدفاع في بيان أنها أرسلت مقاتلات سوخوي 27 في اتجاه طائرات بوسيدون بي-8 لأنها "حاولت مرتين الاقتراب من الحدود الروسية فوق البحر الأسود دون تشغيل الراديو".
وتابعت "في وقت باتت المقاتلات الروسية على مقربة من طائرات التجسس لتأكيد الأمر بالعين المجردة ولتحديد أرقام (اللوحات) الموجودة على أجنحتها، بدلت الطائرات الأمريكية اتجاهها في شكل مفاجئ وغادرت". وقالت إن "الطيارين الروس تحركوا بما يتفق تماما مع القواعد الدولية للتحليق". من جهتها، نددت الولايات المتحدة بما اعتبرته اعتراضا "خطيرا" قامت به مقاتلة روسية فوق البحر الأسود لطائرة دورية بحرية أمريكية. وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية لم يشأ كشف هويته إنه خلال عملية الاعتراض التي استمرت نحو 19 دقيقة، اقتربت المقاتلة الروسية على مسافة حوالي ثلاثة أمتار من الطائرة الأمريكية "ما يعتبر خطيرا وغير مهني".
الملف السوري
الى جانب ذلك ابدى وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر استعداد الولايات المتحدة للتعاون مع روسيا لانهاء النزاع السوري، اذا ما حصل مسبقا "وقف فعلي للاعمال العسكرية". وقال كارتر "اذا ما تم التوصل الى اتفاق، فسيكون نتيجة عدد كبير من المراحل، ولاسيما منها وقف الاعمال العسكرية الذي يمكن ان يؤدي في النهاية الى مزيد من التعاون بين الولايات المتحدة والجيش الروسي". واعلنت وزارة الخارجية الروسية ان سيرغي لافروف ونظيره الاميركي جون كيري سيجريان محادثات في جنيف لكن وزارة الخارجية الاميركية لم تؤكد ذلك.
وقد ناقش لافروف وكيري خلال محادثة هاتفية "تفاصيل الاتفاق على تعاون روسي-اميركي من اجل التصدي للمجموعات الارهابية في سوريا وتمديد المساعدة الانسانية واطلاق العملية السياسية"، كما ذكرت وزارة الخارجية الروسية. وذكر كارتر بأنه عندما اعلنت روسيا عن تدخلها في سوريا، قالت انها تريد القيام بذلك "لمحاربة الارهاب ومحاولة انهاء الحرب الاهلية عبر عملية انتقال سياسي". واضاف "هذا ما لم تفعله حتى الان. لقد اججت الحرب الاهلية والعنف، ولم تساعدنا على الاقتراب من حل سياسي يقضي باستقالة بشار الاسد وتشكيل حكومة جديدة تضم المعارضة المعتدلة لخلافته". بحسب فرانس برس.
وقال وزير الدفاع الاميركي "في نهاية المطاف، لا يمكن ان يتوقف العنف في سوريا قبل حصول انتقال سياسي. وللروس دور اساسي في هذا المجال، وقالوا انهم جاءوا من اجل ذلك. ويجب ان يقفوا الى الجانب الجيد من الامور، وليس الى الجانب السيء". وكرر القول ان الولايات المتحدة تريد ان يستقيل بشار الاسد "في اقرب وقت ممكن".
وتدعم كل من موسكو وواشنطن طرفين متضادين في النزاع. وفشلت جولات متتالية من المفاوضات الدولية في إنهاء النزاع الذي خلف أكثر من 290 ألف قتيل، وشرد الملايين داخل البلاد وخارجها ما أدى إلى تدفق مئات عشرات الآلاف منهم إلى أوروبا. وروسيا هي من أكبر الداعمين للنظام السوري فيما تدعم واشنطن ائتلاف المعارضة الرئيسي وبعض الفصائل المسلحة، كما أن دولا وقوى أخرى ضالعة في النزاع.
قال متحدث باسم الكرملين إن روسيا والولايات المتحدة لم ينتهيا بعد من وضع اللمسات الأخيرة على مسودة تحظى بقبول الجانبين لحل الأزمة السورية وإن الأمر يتطلب حلولا وسطا بشأن بضع قضايا. وقال المتحدث ديمتري بيسكوف "يجري الحديث بالفعل عن نوع ما من الاتفاق.. وثيقة ما ذكرها الرئيس (الروسي) ولم يتم الانتهاء منها بعد لأن بعض القضايا ما زالت بحاجة للاتفاق بشأنها." وأضاف أن الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي باراك أوباما عقدا اجتماعا مفصلا بشأن سوريا خلال قمة العشرين في الصين. وتابع "لم يتم بعد التوصل لحل وسط بشأن بضع مسائل عالقة" دون أن يقدم تفاصيل.
تحذير امريكي
في السياق ذاته حذر وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر روسيا من التدخل في "العمليات الديمقراطية" الغربية واتهم موسكو بانتهاج سلوك عدواني يهدف لتقويض النظام العالمي. ولم يخض كارتر في تفاصيل بشأن ما تحاول روسيا عمله أو إن كان يشير إلى هجمات التسلل الإلكتروني التي استهدفت منظمات تتبع الحزب الديمقراطي قبل انتخابات الثامن من نوفمبر تشرين الثاني. وألقى مسؤولون وخبراء في مجال أمن الإنترنت مسؤولية بعض هذه الهجمات على متسللين يعملون لصالح الحكومة الروسية. ونفى الكرملين أي صلة له بالهجمات.
وقال كارتر في كلمة أمام طلاب جامعة أوكسفورد "لا نسعى لاستعداء روسيا. لكن تأكدوا أننا سندافع عن حلفائنا وعن النظام الدولي القائم والمستقبل الإيجابي الذي يحمله لنا جميعا." وتابع قوله "سنتصدى لمحاولات تقويض أمننا الجماعي. ولن نتجاهل محاولات التدخل في عملياتنا الديمقراطية." بحسب رويترز.
كما اتهم وزير الدفاع الأمريكي روسيا في وقت سابق، ببث بذور عدم الاستقرار في العالم، مشيرًا إلى أن استمرار موسكو في تأييدها نظام الرئيس بشار الأسد جعلت الموقف في سوريا أكثر خطورة وعنفًا. وأضاف أن تأييد موسكو لدمشق أدى إلى خلق ما أسماه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخرًا فجوات من عدم الثقة بين الولايات المتحدة وروسيا. وإن الأخبار التي تخرج من سوريا الآن غير مشجعة والخيار في أيدى موسكو وعليها أيضا تقع المسئولية عن هذا الخيار. وطالب روسيا بالتعاون مع واشنطن من أجل الوصول إلى مرحلة انتقال في سوريا، وذلك رغم شعوره بعدم التفاؤل بهذا الصدد.
وتكتسب إدارة العلاقة مع روسيا بالطرق الدبلوماسية أهمية أيضا بينما يحاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التعاون مع موسكو لوضع نهاية للحرب السورية. وبدا كارتر متشائما بشأن المساعي الدبلوماسية بين البلدين للتوصل لاتفاق لوقف لإطلاق النار ودفع الحكومة السورية نحو عملية انتقال سياسي لإنهاء الصراع. وقال "الأنباء اليوم من سوريا ليست مشجعة. الكرة في ملعب روسيا.. والعواقب ستكون مسؤوليتها."
صواريخ وتحرشات
من جهة اخرى اعلنت روسيا في وقت سابق انها نشرت احدث طراز من منظومات اس-400 الدفاعية المضادة للطيران والصواريخ في شبه جزيرة القرم الاوكرانية التي ضمتها في 2014 حيث تصاعد التوتر في الفترة الاخيرة. وكانت اوكرانيا اتهمت روسيا بإثارة اضطرابات في اراضيها, فيما يبدي المجتمع الدولي قلقه من التوتر بين البلدين على خلفية شبه جزيرة القرم.
وقال فرع الاستخبارات في وزارة الدفاع الاوكرانية على موقع فيسبوك ان "العدو يعتزم القيام باستفزازات واسعة على طول خط الجبهة في شرق اوكرانيا، يعقبها اتهام الجانب الاوكراني بعدم احترام اتفاقات مينسك".
ووضعت اوكرانيا قواتها في حال تأهب على طول خط التماس مع القرم وشرق البلاد بعدما اعلنت روسيا انها احبطت "اعتداءات" خططت لها كييف في شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو العام 2014. وعلى الاثر، اعربت الولايات المتحدة عن "قلقها البالغ" ودعت الجانبين الى تفادي اي "تصعيد". بدوره، شدد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت على "اهمية ان تعالج اوكرانيا وروسيا عبر الحوار التوتر الاخير بالنسبة الى الوضع في القرم".
وقال الممثل الخاص للحكومة الالمانية في روسيا غرنورت ايرلر "انها خطوة جديدة نحو الخروج من منطق العملية السياسية وخطوة نحو منطق المواجهة العسكرية". واضاف "كل ذلك يثير قلقا شديدا". ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغربيين الى تحذير كييف "من اجراءات خطيرة يمكن ان تكون لها اسوأ العواقب".
الى جانب ذلك أعلن الجيش الأمريكي أن سفينة حربية روسية اقتربت بشكل كبير من طراد أمريكي، في حادث جديد في البحر المتوسط ، منددا بـ"انعدام المهنية" لدى السفينة الروسية. وقال الجيش الأمريكي إن الطراد قاذف الصواريخ "يو أس أس سان جاسينتو" كان في المتوسط في إطار عملية "التصميم الحازم" لضرب مواقع داعش. وقالت قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا، في بيان إن الفرقاطة الروسية باروسلاف مودري "ناورت باتجاه" الطراد سان جاسينتو حتى وصلت إلى نقطة "قريبة بلا مبرر" من السفينة الأمريكية. بحسب فرانس برس.
وبعد ذلك بدلت السفينة الروسية وجهتها وناورت في محيط الطراد الأمريكي الذي "لم يواجه أي تهديد بهذه المناورات الخاطئة"، بحسب البيان. وأضافت القيادة أن تحركات الفرقاطة الروسية تكشف عن "نقص في المهنية". وقال الجيش الأمريكي "نشعر بالقلق في كل مرة تجري فيها مناورات تفتقد إلى المهنية في البحر". وأضاف أن "هذه الأفعال يمكن أن تؤدي إلى تصعيد غير مبرر للتوتر بين الدول وإلى أخطاء خطرة في الحسابات أو حوادث". وكان الروس والأمريكيون تبادلوا الاتهامات بالقيام بتحركات خطرة في حادث وقع في المنطقة نفسها، بين السفينة الروسية "ياروسلاف مودري" والسفينة الحربية الأمريكية "يو أس أس غريفلي".