حرب اليمن.. بؤرة الصراع الايراني السعودي
عبد الامير رويح
2016-05-21 12:38
الحرب في اليمن التي أسفرت وبحسب تقارير الأمم المتحدة عن مقتل أكثر من 6200 شخص وشردت الملايين في أفقر دول شبه الجزيرة العربية، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية التي تعرضت لانتقادات كثيرة بسبب انتهاكاتها المتواصلة لقوانين الحرب، التي أسهمت بتدهور الأوضاع الإنسانية وتسببت بتفاقم المشكلات والأزمات الأمنية،التي استفادت منها بعض التنظيمات الإرهابية في اليمن، وهو ما أثار مخاوف دول المنطقة بما فيها السعودية، التي أدركت بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها حجم المخاطر التي سببتها هذه الحرب لذا فهي اليوم تبحث عن مخرج خاص يجنها الحرج، حيث استغل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة الحرب لتوسيع نفوذهما وكسب المزيد من المؤيدين في بلد على أعتاب السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم. وهو ما اجبر بعض الأطراف الى التحرك من اجل الوصول الى تسوية سياسية سريعة، من خلال إجراء محادثات خاصة لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع، وبحسب بعض المصادر اليمنية، فان الأطراف اليمنية في مفاوضات الكويت، اقتربت من الحل، بعد حالة من الانسداد السياسي.
و نقلت وكالة خبر المقربة من الرئيس السابق صالح عن مصدر سياسي يمني على اطلاع بكواليس مفاوضات الكويت، إن الإنفراجة جاءت عقب لقاء جمع وفد أنصار الله “الحوثيين” بالسفير السعودي. ونوهت الوكالة إلى أن المصدر لم يشر لحضور وفد المؤتمر اللقاء مع السفير السعودي، لافتة إلى أنه تم التفاهم مع السفير السعودي على محددات لاتفاق شامل. وأفادت الوكالة، بأنه تم الاتفاق بين الجانبين على إبقاء عبدربه منصور هادي رئيساً بلا صلاحيات (لأشهر معدودة و دون العودة إلى صنعاء) على أن يبدأ الحوار السياسي، و يزمن انتهائه، و إقرار الانتخابات.
وحسب الوكالة، أبدى السفير السعودي التأكيد والالتزام بعدم تدخل هادي في اللجان العسكرية والسياسية، التي تتمتع بصلاحيات تسليم السلاح والانسحاب، ويتم تشكيلها من الطرفين. و طبقا لما أوردته الوكالة، تم الاتفاق على أن تكون الحكومة توافقية بين الأطراف .. على أن يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بكل ما سيتم الاتفاق حوله .. و من يخالف ذلك يعتبر معطلاً.
الفوضى في اليمن
ربما ساهمت محاولات تنظيم داعش لاستغلال الفوضى في دفع القوات التي تدعمها السعودية وجماعة الحوثي المؤيدة لإيران للتقارب في مباحثات سلام ترمي إلى إنهاء الحرب الأهلية في اليمن لكن ليس من المرجح أن يتوصل الطرفان لاتفاق لتجنب تحول البلاد إلى دويلات مسلحة متناحرة. وأحبط الصراع المحتدم على الحدود الشمالية لليمن بين السعودية والحوثيين محاولتين سابقتين لإحلال السلام. لكن الاتفاق على هدنة هذا العام وإتمام عملية لتبادل الأسرى يعني أن الآمال باتت أكبر في الجولة الثالثة من مباحثات السلام.
وقد يدفع الخطر الذي يمثله عدو مشترك الجانبين إلى تحفيز جهودهما. فالواضح أن داعش هي المسؤولة عن تصعيد مروع في الهجمات الانتحارية كما يواصل مقاتلو تنظيم القاعدة سيطرتهم على مساحات كبيرة من اليمن المتاخم للسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن بلاده تسعى لإعطاء الأولوية لقتال المتشددين في اليمن على معركتها مع الحوثيين.
وأضاف الجبير عبر تويتر أنه بغض النظر عن الاتفاق مع الحوثيين أو الاختلاف معهم فإنهم يظلون جزءا من النسيج الاجتماعي لليمن. وتابع أن الحوثيين هم جيران للسعودية بينما القاعدة وداعش كيانات إرهابية. وهدأ الصراع في اليمن إلى حد كبير لكن ورغم الهدوء النسبي خلال المباحثات فقد تواصلت العمليات القتالية. فالسعودية نفذت عشرات الغارات الجوية ضد أعدائها بينما رد الحوثيون بإطلاق صاروخين باليستيين.
وإذا استغل الطرفان الفرصة فسيسود وضع جديد غير مألوف تعتمد فيه السعودية والحوثيون على بعضهم البعض طلبا للسلام. وقال آدم بارون الزميل الزائر للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "قد يعني هذا إعادة ترتيب هائلة للهيكل السياسي اليمني ولقد أفرز الصراع حتى الآن بعض الرفقاء على غير المتوقع." وأطاح الحوثيون بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في 2014 واعتبروا ذلك ثورة لكن دول الخليج العربية السنية اعتبرته انقلابا لصالح إيران الشيعية.
وبدأت السعودية في مارس آذار 2015 حملة عسكرية من خلال تحالف بقيادتها قصفت خلالها الحوثيين والموالين لهم داخل الجيش اليمني بالغارات الجوية وسرعان ما أرسلت قوات برية أجبرت العدو على التراجع إلى صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون. وبسبب ما يشبه الحصار المفروض من قبل التحالف والجبهات القتالية التي تشمل قرى وبلدات حُرم قرابة 20 مليونا من أصل 25 مليون يمني من إمدادات المياه النظيفة وأصبح أكثر من ذلك العدد في حاجة للمساعدات الإنسانية.
ومن بين الدول التي اندلعت فيها احتجاجات الربيع العربي في 2011 وانتهت بالانزلاق لقتال مباشر تبدو عملية السلام اليمنية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة الأكثر قربا لتحقيق نتيجة إيجابية. فعلى عكس ليبيا وسوريا فإن ممثلي الأطراف المتناحرة في اليمن يلتقون يوميا في الكويت ويتباحثون حول كيفية تطبيق قرارات مجلس الأمن وتقاسم السلطة. لكن ورغم الإنجاز المتمثل في استمرار المناقشات بين الأطراف اليمنية كل هذا الوقت فإن إقناعهم بالعيش سويا في صنعاء وتقاسم السلطة يظل حلما بعيدا.
واتهم وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي الحوثيين بعدم تنفيذ قرار مجلس الأمن الصادر في أبريل نيسان الماضي لنزع السلاح والانسحاب من المدن الرئيسية. وقال المخلافي إن هناك فجوة كبيرة في المناقشات وإن الحكومة تبحث عودة الدولة بينما ينحصر تفكير الحوثيين في السلطة ويطالبون بحكومة توافقية. وقال محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين في صفحته بموقع فيسبوك إن الحل في اليمن يجب أن يكون عبر حوار سياسي توافقي وليس إملاءات أو طرح شروط للاستسلام. بحسب فرانس برس.
لكن مصدرا دبلوماسيا في الكويت قال إنه وسط كل هذه الكلمات الرنانة تم التوصل إلى الخطوط العريضة لقرار. وأضاف المصدر "هناك اتفاق على الانسحاب من المدن وعلى أن يسلم الحوثيون أسلحتهم وعلى تشكيل حكومة تضم جميع الأطراف والإعداد لانتخابات جديدة. الخلاف الآن محوره من أين نبدأ." وستكون جميع الأطراف واعية بخطر التحول إلى دويلات متناحرة والذي يتعاظم يوما بعد يوم. ويحكم الحوثيون سيطرتهم على ما تبقى من الدولة الممزقة التي استولوا على عاصمتها في 2014.
تسوية الازمة
من جانب اخر اعلن موفد الامم المتحدة الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد ان الاطراف اليمنية المتنازعة وافقت على تشكيل فرق عمل مشتركة لبحث سبل تسوية الازمة وانهاء الحرب التي تعصف بهذا البلد منذ اكثر من عام. وافاد بيان للامم المتحدة ان وفود "الحكومة اليمنية وأنصار الله والمؤتمر الشعبي العام (..) ناقشت افضل السبل لمقاربة الشقين السياسي والامني. وتم اقتراح توزيع المشاركين الى فرق عمل تركز على المسار الامني والسياسي وقضية السجناء والمعتقلين". وتهدف المفاوضات الصعبة الى انهاء النزاع الذي اودى خلال اكثر من سنة بنحو 6400 قتيل، واكثر من 30 الف جريح بالاضافة الى 2,8 مليون نازح في افقر دول شبه الجزيرة العربية، وفقا لتقديرات الامم المتحدة.
من جانبه أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني أن دول المجلس والولايات المتحدة ستنشر دوريات مشتركة لـ"منع تهريب الأسلحة الإيرانية" إلى اليمن. وأدلى الزياني بالتصريحات، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، بعد اجتماع الوزير الأمريكي بنظرائه في دول المجلس. ويضم المجلس في عضويته السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات وعمان. وتنفي إيران اتهام دول خليجية عربية لها بتهريب الأسلحة لليمن، حيث تشارك دول المجلس في حملة عسكرية ضد الحوثيين المتحالفين مع طهران.
كما منعت الحكومة السويسرية تصدير معدات عسكرية للشرق الأوسط بقيمة نحو 19 مليون فرنك (19.7 مليون دولار) للاشتباه في أنه قد ينتهي بها الأمر للاستخدام في اليمن. ووافقت الحكومة على صادرات عسكرية للشرق الأوسط بقيمة نحو 185 مليون فرنك أغلبها أجزاء ومكونات لأنظمة دفاع جوي في مصر والبحرين والسعودية والإمارات وقالت إن من غير المرجح أن تستخدم في اليمن. بحسب فرانس برس.
لكن مجلس الوزراء السويسري قال في بيان إنه رفض طلبات شركات سويسرية لإرسال أسلحة صغيرة وذخائر وقطع غيار و25 ألف قنبلة يدوية وأكثر من ثمانية آلاف قذيفة إلى المنطقة. وأضاف أنه منع أيضا إرسال ناقلة جند مدرعة إلى قطر لاختبارها ورفض كذلك تصدير كميات كبيرة من الذخيرة ذات العيار الصغير وقاذفات إلى الإمارات. وأودى الصراع في اليمن بحياة 6200 شخص على الأقل وسبب أزمة إنسانية ودفع سويسرا لتشديد الرقابة على صادرات الأسلحة إلى الدول المشاركة في القتال هناك.
طرد الشماليين
في السياق ذاته انتقدت الحكومة اليمنية عمليات طرد تعرض لها مئات من مواطني المحافظات الشمالية من مدينة عدن الجنوبية، اعتبرها الرئيس عبد ربه منصور هادي "مرفوضة"، بحسب وكالة انباء "سبأ" الحكومية. وقالت الوكالة ان رئيس الوزراء اليمني احمد بن دغر ناقش مع هادي "حادثة طرد المئات من المواطنين من ابناء المحافظات الشمالية من عدن ". واضافت ان رئيس الوزراء الذي يقيم، على غرار هادي، في الرياض نظرا لهشاشة الوضع الامني في عدن، "وجّه بوقف هذه الاعمال والممارسات غير الدستورية وغير القانونية والمنافسة لابسط حقوق الانسان"، وانه "امر على الفور بالسماح لهم بالعودة وممارسة اعمالهم بصورة طبيعية".
وألمح بن دغر بشكل غير مباشر الى مسؤولية عناصر في اجهزة الامن عما جرى، علما ان العديد من المنتسبين الى هذه الاجهزة يناصرون "الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال وعودة استقلال الجنوب. ودعا بن دغر، بحسب "سبأ"، محافظ عدن ومدير الامن فيها الى "ضبط عمل كل الاجهزة التي تعمل تحت مسؤوليتهم، ومنعها من القيام بأية اعمال تخل بحقوق المواطنة، ومنها كرامة الانسان اليمني".
وعكس هادي موقفا مشابها اذ اعتبر ان "الممارسات الفردية لترحيل المواطنين من ابناء تعز وغيرها مرفوضة". وتعز (جنوب غرب) هي ثالث كبرى مدن اليمن، وكانت جزءا من اليمن الشمالي قبل توحيد البلاد مطلع التسعينات من القرن الماضي. واعتبر هادي ان تعز "كانت وستظل العمق لعدن، فهي منا والينا وكذلك كل محافظات الوطن". واكدت مصادر محلية في عدن تعرض المئات من المواطنين الشماليين للطرد من المدينة حيث يقيمون.
ولا يزال العديد من سكان الجنوب ينظرون بريبة الى الشماليين المقيمين في مناطقهم، ويعتبرون انهم نالوا حظوة ومراتب حكومية واستملكوا اراض وعقارات بطرق غير قانونية، تعود الى السلطات الجنوبية السابقة. وكان هادي المدعوم من التحالف العربي بقيادة السعودية، اعلن عدن عاصمة موقتة للبلاد بعيد سقوط صنعاء في ايلول/سبتمبر 2014، بيد الحوثيين وحلفائهم من الموالين للرئيس السابق علي عبد صالح. بحسب فرانس برس.
واستعادت قوات هادي عدن واربع محافظات جنوبية اخرى منذ تموز/يوليو الماضي، بدعم من قوات التحالف. الا ان الحكومة اليمنية لم تتمكن من فرض سلطتها الكاملة في المدينة الساحلية التي عرفت وضعا امنيا هشا وتناميا في نفوذ الجماعات المسلحة وبينها تنظيمات جهادية. وبقي اليمن الجنوبي دولة مستقلة حتى العام 1990. ورغم ان "الحراك الجنوبي" حمل السلاح الى جانب القوات الحكومية ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم، الا انه عاود مؤخرا المطالبة بالانفصال. وتظاهر الآلاف من انصار "الحراك" في نيسان/ابريل للتذكير بهذا المطلب، قبيل انطلاق مباحثات السلام بين اطراف النزاع اليمني التي ترعاها الامم المتحدة في الكويت، ولم تحرز حتى الآن اي تقدم.