السعودية في مصر.. اعادة رسم الخريطة وبسط النفوذ
مسلم عباس
2016-04-12 01:01
زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الى مصر اثارت جدلاً كبيراً بين الاوساط السياسية والاعلامية في مصر، فالبعض اتهم حكومة السيسي بالتنازل عن الموقع المحوري لمصر مقابل الحصول على المزيد من الاموال والاستثمارات السعودية فيما اتهمت السعودية بالتعاون مع اسرائيل من اجل بناء جسر سلمان الذي سيربط بين السعودية ومصر.
واستهلت الزيارة بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية ما اثارت جدلا كبيرا في مصر ما بين مؤيد ومعارض خاصة بعدما أقرت القاهرة بتبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة بعدما كانتا تخضعان للسيطرة المصرية منذ فترة طويلة.
ووقعت الدولتان الاتفاقية على هامش زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للقاهرة. وقالت مصر في بيان أصدره مجلس الوزراء إن الرسم الفني لخط الحدود أسفر عن وقوع جزيرتي صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للسعودية.
وعقب ذلك الإعلان سرعان ما اشتعلت المعارك الجدلية بين معارضي حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومؤيديها على مواقع التواصل الاجتماعي واستعان كل طرف بما يراه دليلا على صحة موقفه.
ودشن منتقدو الاتفاقية وسما (هاشتاج) على تويتر وفيسبوك يقول #عواد_باع_أرضه وذلك في إشارة إلى أغنية شعبية مصرية تندد بكل من يفرط في أرضه وتشير معاني كلماتها إلى أن من يبيع أرضه لا يقل في الجرم عمن يفرط في عرضه. ونشر المعارضون نسخا لوثائق تاريخية وملفات تدعم وجهة نظرهم من بينها تسجيل صوتي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر يقول فيه إن "مضايق تيران مياه إقليمية مصرية".
وفي المقابل دافع مؤيدو السيسي عن الاتفاقية وقالوا إن السيسي لم يفرط في أرض مصر ولم يبيعها مشيرين إلى أن الجزيرتين سعوديتان في الأساس وكانتا تخضعان فقط للحماية المصرية وليس للسيادة المصرية.
وانتقل الجدل من الانترنت إلى شاشات التلفزيون منذ مساء السبت، وقالت هايدي فاروق المستشارة السابقة برئاسة الجمهورية لقضايا الحدود الدولية والثروات العابرة للحدود في مداخلة تليفونية مع قناة (أون تي.في) الفضائية صباح يوم الأحد إن "الجزيرتين مصريتان مئة في المئة." وأضافت المستشارة التي شاركت في لجنة لترسيم الحدود السعودية اليمنية عام 1999 إنها سلمت وزوجها السفير مدحت القاضي للحكومة المصرية أكثر من سبعة آلاف وثيقة من عام 2006 وحتى عام 2008 ومن بينها وثائق تثبت أحقية مصر في جزيرتي تيران وصنافير.
اما اللواء المتقاعد عبد المنعم سعيد رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الأسبق فقال في مقابلة مع محطة (دريم) الفضائية إن الجزيرتين "مصريتان مئة بالمئة." وأضاف أنه حين تخرج من الكلية الحربية عام 1955 كانت للجيش المصري نقطتا حدود في جزيرة تيران فضلا عن مهبط لطائرات الهليكوبتر. وأشار سعيد الذي شغل أيضا منصب محافظ جنوب سيناء في السابق إلى أن للجزيرتين أهمية عسكرية وإستراتيجية لمصر لأنهما تقعان في مدخل خليج العقبة المؤدي لميناء إيلات الإسرائيلي. وقال إن جزيرة تيران تقع على بعد ثمانية كيلومترات تقريبا من منتجع شرم الشيخ وهو ما يشير إلى أنها تقع في نطاق المياه الإقليمية المصرية.
من جانبه دافع السفير حسام قاويش المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري عن الاتفاقية وقال في تصريحات تلفزيونية يوم الأحد "ليس هناك أي شك في أن الجانب المصري حريص على كل شبر في حدوده سواء كانت في البر أو في البحر ولا يمكن أبدا التفريط في هذه الجزر." وأضاف أن اللجنة القومية المعنية بترسيم الحدود البحرية المصرية تعمل في هذا الملف منذ ست سنوات وأنها استخدمت "أساليب علمية دقيقة لتحديد هذه النقاط وحساب المسافات".
وقال المحامي والناشط الحقوقي خالد علي في تصريح لوكالة رويترز إنه أقام دعوى قضائية ضد الاتفاقية معتبرا أنها تمثل خرقا للدستور. وأضاف علي أن الاتفاقية انتهكت المادة الأولى والمادة 151 من الدستور. إذ تنص المادة الأولى على أن مصر "موحدة لا تقبل التجزئة ولا يُنزل عن شيء منها". فيما تنص المادة 151 على أنه "يجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة. ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة".
اتفاقيات اقتصادية
زيارة الملك السعودي لم تقتصر على ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين بل شملت توقيع اتفاقيات اقتصادية كثيرة لتأكد دعم الرياض لحكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ اعلن الملك السعودي الجمعة في اليوم الثاني من زيارته عن الاتفاق على تشييد جسر يربط بين البلدين لزيادة حجم التبادل بينهما، كما تم توقيع 17 اتفاقا تشمل مجالات انمائية.
وعقد السيسي والعاهل السعودي جلسة مباحثات موسعة الجمعة بحضور وفدي البلدين، اعقبها توقيع 17 اتفاقا بين مسؤولي البلدين في مجالات الاسكان والكهرباء والصحة والتعليم والزراعة والمالية، حسب التلفزيون الرسمي. وفي مؤتمر صحافي بين الزعيمين في قصر الاتحادية الرئاسي في شرق القاهرة اعلن العاهل السعودي "اتفاق مصر والسعودية على تشييد جسر يربط بين البلدين".
وقال الملك سلمان "هذه الخطوة التاريخية متمثلة في الربط البري بين القارتين الافريقية والاسيوية وتعد نقلة نوعية، إذ ترفع التبادل التجاري بين القارتين لمستويات غير مسبوقة وتدعم صادرات البلدين". وتابع ان الجسر "سيشكل منفذا دوليا للمشاريع الواعدة بين البلدين ومعبرا رئيسيا للمسافرين من حجاج وسياح بالاضافة الى فرص العمل التي سيوفرها لابناء المنطقة".
وقلد الرئيس السيسي العاهل السعودي "قلادة النيل" اعلى وسام مصري " توثيقا لعرى الصداقة وتوكيدا لروابط الوداد" حسب ما اعلنت الرئاسة المصرية. وقال السيسي في كلمته ان زيارة العاهل السعودي "تأتي توثيقاً لأواصر الأخوة والتكاتف القائمة بين بلدينا وتُرسي أساساً وطيداً للشراكة الاستراتيجية بين جناحيّ الأمة العربية مصر والسعودية". واضاف انها "تفتح المجال أمام انطلاقة حقيقية بما يعكس خصوصية العلاقات الثنائية خاصة فى مجال العمل المشترك، وبما يسهم في مواجهة التحديات الإقليمية غير المسبوقة التى تواجهها الأمة العربية".
واعقب ذلك توقيع عدد من الاتفاقات بحضور الزعيمين، وشملت الاتفاقات مشروع تشييد تجمعات سكنية ضمن برنامج تنمية شبه جزيرة سيناء واخر للتنمية الزراعية في سيناء وايضا على انشاء جامعة الملك سلمان في مدينة الطور في جنوب سيناء. وبحسب وكالة فرانس برس فان السعودية ستمول اجمالا مشروعات بقيمة 1.5 مليار دولار في سيناء.
كما اتفق البلدان على انشاء محطة كهرباء غرب القاهرة بقيمة 100 مليون دولار وتطوير مستشفى القصر العيني احد اكبر المؤسسات العلاجية في مصر بقيمة 120 مليون دولار.
بالاضافة لاتفاق للتعاون فى الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، واتفاق للتعاون فى مجال النقل البحرى والموانئ، ومذكرة تفاهم فى مجال الكهرباء والطاقة، ومذكرة تفاهم فى مجال العمل، ومذكرة تفاهم فى مجال الاسكان والتطوير العقارى.
ووفقا لوكالة فرانس برس فقد اكد مسؤول مصري طلب عدم ذكر اسمه انه سيتم خلال الزيارة توقيع 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بينها 14 سيشهد توقيعها السيسي والعاهل السعودي.
توافق سياسي
وعلى الجانب السياسي دعا العاهل السعودي في كلمة القاها امام البرلمان المصري الى توحيد الجهود لـ"مكافحة التطرف ومحاربة الارهاب". وقال سلمان في كلمة قصيرة ان احدى المهام التي يتعين على مصر والسعودية ان تعملان على انجازها "سويا تتمثل في مكافحة التطرف ومحاربة الارهاب".
العاهل السعودي قال في كلمته أمام البرلمان المصري يوم الأحد إن بلاده ومصر تعملان على إنشاء قوة عربية مشتركة ودعا لتوحيد الجهود لمكافحة الإرهاب، وتؤكد دعوات الملك السعودي لاحياء فكرة القوة العربية المشتركة على ولعه الدائم بالتحالفات العسكرية بعد مشاركة بلاده فيما يسمى بالتحالف الدولي ضد داعش وانشائها التحالف العربي ضد الشعب اليمني وكذلك انشاء ما يسمى بالتحالف الاسلامي.
وقال الملك سلمان إن "المهمة الأخرى التي ينبغي أن نعمل عليها سويا تتمثل في مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب الذي تؤكد الشواهد بأن العالم العربي والإسلامي هو أكبر المتضررين منه." وتتناقض هذه التصريحات مع استمرار بلاده بدعم الجماعات التكفيرية في سوريا بالإضافة الى تبني الفكر الوهابي المتطرف ودعم المدارس الدينية التي تروج له في مختلف البلدان الاسلامية والاوربية .
الحكومية المصرية استغلت الزيارة لإثبات الدعم للسعودية في صراعها على النفوذ في المنطقة مع إيران، إذ قالت الخارجية المصرية إنها "منزعجة" من تقارير تشير إلى ضبط شحنات أسلحة إيرانية أثناء تهريبها إلى اليمن على مدى الأسابيع الماضية .
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن أحمد أبو زيد المتحدث باسم وزارة الخارجية قوله إن هذه التقارير التي تأتي في وقت تبذل فيه جهود إقليمية ودولية للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن "تؤكد مجدداً دواعي القلق المصري تجاه سلوك إيران الإقليمي." وأضاف أن الأمر "يثير علامات استفهام حول التناقض بين المواقف الرسمية الإيرانية وممارساتها الفعلية التي لا تسهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة بل تعكس استمرار سياسة التدخل غير البناء في الشأن العربي."
وجاءت تصريحات المتحدث المصري بعد ساعات قليلة من وصول العاهل السعودي للقاهرة وهو ما يثير الشكوك حول هذه التصريحات والتي يعتقد انها جاءت كضريبة للحصول على المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية
وفي اطار جولته التي تستمر خمسة ايام في مصر زور العاهل السعودي الجامع الازهر السبت في اليوم الثالث من زيارته لمصر في اول زيارة لعاهل سعودي للازهر الذي يعد اهم سلطة مرجعية السنة في العالم.
واطلع العاهل السعودي خلال الزيارة على أعمال الترميم داخل صحن الجامع الأزهر وخارجه، وشهدت الجولة وضع حجر الأساس لمدينة البعوث الإسلامية الجديدة التي يتم إنشاؤها بمنحة من العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والتي خصص لها الرئيس عبد الفتاح السيسي 170 فدانا لتكون مدينة متكاملة لخدمة الطلاب الوافدين للدراسة في الأزهر.
إذن فان زيارة العاهل السعودي لمصر قد اتضحت اهدافها بغض النظر عن الاهداف المعلنة والتي ركزت على مكافحة الارهاب والتعاون العربي المشترك، ويمكن ان تكون هذه الزيارة بداية ارتماء مصر في احضان المال السعودي وهو ما اكدته مصادر بالمخابرات المصرية بإن السيسي يريد أن تسهم زيارة الملك سلمان للقاهرة في جذب المزيد من الاستثمارات السعودية وطمأنة الرياض بشأن دعم القاهرة لموقفها ضد إيران.