جدل جنيف3 ومصير الاسد.. مماطلة سياسية تفرضها مصالح براغماتية
عبد الامير رويح
2016-03-29 08:12
محادثات جنيف 3 حول الأزمة السورية وعلى الرغم من تدخل روسيا والولايات المتحدة، المباشر في مسار هذه المحادثات والاتفاق على وقف الاعمال القتالية، قد لا يكتب لها النجاح بسبب المواقف المتباينة والمتعارضة بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة، كما يقول بعض الخبراء الذين اكدوا على أن الخلافات الإيديولوجية والميدانية بين الأطراف السورية لا تزال عميقة جدا، وستمنع التوافق بينها، الا أن حقيقة الأمور تؤكد أن كافة الأطراف تعتمد بشكل كامل على داعميها، وهي مضطرة للاذعان لمطالبهم. ولعل مصير الرئيس السوري بشار الأسد لايزال أهم نقاط الخلاف، ففي الوقت الذي تشدد فيه دمشق على أن الأسد "خط أحمر"، أكدت المعارضة على لسان كبير المفاوضين السلفي محمد علوش أن المرحلة الانتقالية في سوريا لا تبدأ إلا برحيل الأسد أو بموته، حيث يرى بعض المراقبين ان بعض الاطراف المعارضة تسعى الى تنفيذ مطالب ومقترحات اطراف ودول خارجية اهمها رحيل الاسد وهو امر تطالب به المملكة العربية السعودية وهو ما اكده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في اكثر من مناسبة، حيث قال إن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل في بداية العملية الانتقالية وليس في نهايتها. هذه التحركات الخارجية ربما قد تكون سببا في افشال جميع الجهود والمبادرات الدولية التي تهدف الى انها هذه الحرب المستمرة منذ خمسة أعوام. وتراجعت الولايات المتحدة وحكومات غربية كانت تدعو من قبل لرحيل الأسد مبكرا عن مطلبها بعد أن تعزز موقفه بالتدخل الروسي في سوريا منذ سبتمبر/أيلول.
كيري في الكرملين
في هذا الشأن وصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى موسكو سعيا للحصول على إجابات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أسئلة تتعلق برؤية روسيا لتحول سياسي يتكشف في سوريا خاصة فيما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد. وقال مسؤول من وزارة الخارجية الأمريكية إن كيري يريد الآن بعد تنفيذ هدنة هشة في سوريا وبعدما بدأت الأطراف المتحاربة محادثات سلام في جنيف "الوصول إلى صلب الموضوع" فيما يتعلق بالأسد.
وتم ترتيب الاجتماع بعد إعلان بوتين المفاجئ يوم 14 مارس آذار سحب القوات الروسية جزئيا من سوريا. وأضاف المسؤول أن الهجمات التي تعرضت لها بروكسل أكدت بدرجة أكبر الحاجة إلى مواجهة التهديد الذي يشكله مقاتلو تنظيم داعش. وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته "الوزير يريد الآن حقيقة أن يسمع أين وصل الرئيس بوتين في تفكيره.. بشأن التحول السياسي" في سوريا.
وتابع "أجروا بعض الاتصالات مع (الرئيس) الأسد في الأسابيع القليلة الماضية ومن الواضح إذا كان وقف العمليات القتالية سيسفر عن تحول حقيقي في سوريا فإن ذلك سيتضمن الوصول إلى صلب الموضوع فيما يتعلق بالشكل الذي سيكون عليه هذا التحول." وقالت روسيا مرارا إن الشعب السوري وحده هو الذي يمكن أن يقرر مصير الأسد عن طريق صناديق الاقتراع واعترضت بشدة على أي حديث عن تغيير النظام.
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إنه كان من المتوقع دوما أن تكون محادثات السلام السورية الجارية في جنيف طويلة وصعبة وإن من السابق لأوانه الحديث عن نفاد صبر أي جانب في المفاوضات. وبعد صراع مستمر منذ خمس سنوات أودى بحياة أكثر من ربع مليون شخص وتسبب في أسوأ أزمة لاجئين في العالم رتبت واشنطن وموسكو اتفاقا لوقف القتال وتقديم مساعدات إنسانية مطلوبة بشدة للمناطق المحاصرة. وقال المسؤول من وزارة الخارجية إن الاجتماعات بين بوتين ووزير الخارجية الأمريكي تهدف إلى تقييم وضع وقف القتال "الذي يسير بشكل أفضل مما توقع الكثيرون رغم الانتهاكات الكبيرة التي تحدث كل يوم."
وأضاف أنها ستحاول كذلك "تقريب وجهات النظر" بشأن إنهاء الانتهاكات وزيادة المساعدات الإنسانية. وهددت روسيا بالعمل بشكل منفرد ضد الذين ينتهكون وقف القتال في سوريا ما لم تتوصل موسكو وواشنطن إلى اتفاق على إجراءات لرصد انتهاكات الهدنة ووقفها. واتهمت المعارضة السورية قوات الحكومة بتجديد حصار مناطق وتصعيد حملة القصف بالبراميل المتفجرة في مختلف أرجاء البلاد. بحسب رويترز.
وفي جنيف حيث تجري الأطراف المتحاربة محادثات لإنهاء الصراع رفض مسؤولون حكوميون أي مناقشة تتعلق بمصير الأسد الذي يقول زعماء المعارضة أنه يجب أن يرحل في إطار أي تحول. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا إنه يأمل أن تعطي الاجتماعات الأمريكية الروسية قوة دفع لمحادثات السلام التي تعطل مسيرتها مسألة التحول السياسي الحاسمة. لكن المسؤول هون من شأن توقعات بأن تحدث الاجتماعات أثرا فوريا على محادثات السلام قائلا "لا أتطلع لعناوين كبيرة بهذا الخصوص." وأضاف "من الواضح أن ما نتطلع إليه وما كنا نتطلع إليه هو كيف يمكن أن نحول سوريا بعيدا عن قيادة الأسد."
المرحلة الانتقالية وصراع الحكومة والمعارضة
الى جانب ذلك اعلن رئيس وفد الحكومة السورية الى مفاوضات جنيف رفضه الانخراط في محادثات مباشرة مع ممثلين عن المعارضة قبل ان "يعتذر" كبير مفاوضيها محمد علوش عن تصريحات قال فيها ان المرحلة الانتقالية تبدأ برحيل الرئيس السوري او موته. وقال مندوب سوريا لدى الامم المتحدة بشار الجعفري بعد اجتماع مع الموفد الدولي الخاص الى سوريا ستافان دي ميستورا، ان "كبير مفاوضي وفد السعودية ارهابي، ينتمي الى فصيل ارهابي"، في اشارة الى علوش، القيادي البارز في فصيل "جيش الاسلام" المقاتل.
واضاف "لا يشرفنا على الاطلاق ان ننخرط في مفاوضات مباشرة مع هذا الارهابي بالذات. لذلك، لن تكون هناك محادثات مباشرة ما لم يعتذر هذا الارهابي عن تصريحه ويسحبه من التداول ويحلق ذقنه". وجاء موقف الجعفري من المحادثات المباشرة ردا على سؤال حول اعلان متحدث باسم الوفد المعارض استعداد الوفد لبدء مفاوضات مباشرة مع الوفد الحكومي بوساطة دي ميستورا في المرحلة المقبلة اذا حققت المفاوضات تقدما.
وكرر الجعفري مطالبته بتوسيع تمثيل المعارضة في جنيف، معتبرا انه "لا يستطيع فصيل من فصائل المعارضة ان يحتكر الصفة التمثيلية لجميع الفصائل". وقال "نحن الان نتعامل مع معارضات وليس مع معارضة"، لافتا الى ان النقاش مع دي ميستورا ومساعديه تطرق الى ضرورة "ايلاء الاهمية الكافية لناحية ضمان تمثيل اوسع طيف من المعارضات السورية".
وقال محمد علوش، القيادي السلفي في وفد المعارضة السورية، في حديث مع مجموعة صغيرة من ممثلي وسائل الإعلام في جنيف، "نعتبر أن المرحلة الانتقالية تبدأ برحيل بشار الأسد أو بموته". وأضاف أن المرحلة الانتقالية "لا يمكن أن تبدأ بوجود هذا النظام أو رأس هذا النظام في السلطة".
وتصر الهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة من اجتماع الرياض التي تمثل أطيافا واسعة من المعارضة السورية، على إقامة سلطة مؤقتة تملك كافة السلطات التنفيذية دون الرئيس الأسد. واعتبرت عضو الوفد التفاوضي المعارض سهير الأتاسي لدى وصولها إلى جنيف برفقة عضوي الوفد جورج صبرا وفؤاد عليكو والمستشار نصر الحريري أنه "كان واضحا أن النظام لم يكن جديا كل الفترة الماضية في العملية السياسية، والمهم حاليا هو المعارضة التي جاءت لتطرح كيفية تنفيذ بيان جنيف". بحسب فرانس برس.
وحول اعتبار وزير الخارجية السوري أن الأسد "خط أحمر"، أكدت الأتاسي أن "المهم هو ما يقوله الشعب السوري. في كل التظاهرات الماضية كان الشعب يجدد العهد بالقول -الشعب يريد إسقاط النظام-. فالمهم فعليا هو إرادة الشعب السوري". ومصير الرئيس بشار الأسد "خط أحمر"، وفق ما تصريح لوزير الخارجية السوري وليد المعلم. الذي أعلن المعلم رفضه لتصريحات دي ميستورا بشأن الانتخابات الرئاسية، مشددا على أن "الانتخابات البرلمانية هو نص موجود في وثائق فيينا، أما الرئاسة فلا يحق له ولا لغيره كائنا من كان أن يتحدث عن انتخابات رئاسية (...) فهي حق حصري للشعب السوري".
وقال المعلم "نحن لن نحاور أحدا يتحدث عن مقام الرئاسة، وإذا استمروا في هذا النهج لا داعي لقدومهم إلى جنيف". وأكد المعلم أنه "ليس هناك شيء في وثائق الأمم المتحدة يتحدث عن مرحلة انتقالية في مقام الرئاسة، ولذلك لا بد من التوافق على تعريف المرحلة الانتقالية وفي مفهومنا هي الانتقال من دستور قائم إلى دستور جديد ومن حكومة قائمة إلى حكومة فيها مشاركة مع الطرف الآخر".
وأكد المعلم أنه "عندما يتحدث (دي ميستورا) عن دستور، هو يعرف أن حكومة الوحدة الوطنية التي ستناقش في المستقبل هي التي تعين لجنة دستورية لوضع دستور جديد أو تعديل الدستور القائم، ثم يتم الاستفتاء على ما تم التوافق عليه من قبل الشعب السوري، وبعد إقراره يصبح نافذا". وشدد المعلم على أنه "لا يحق" لموفد الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا التحدث عن انتخابات رئاسية في سوريا. وأعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا أن انتخابات رئاسية وتشريعية ستجرى في سوريا بإشراف الأمم المتحدة في غضون 18 شهرا.
إصرار دي ميستورا
من جانب اخر وكما نقلت بعض المصادر رفض القيادي في اتحاد القوى السورية، المشارك في مفاوضات جنيف فجر زيدان، إصرار مندوب منظمة الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، على مناقشة مصير الرئيس السوري بشار الأسد، تحت ستار خطوات الانتقال السياسي. وقال زيدان إن دي ميستورا يحاول أن يفرض على المفاوضات خط سير جديد، لم يكن مطروحا من قبل، فالعملية الانتقالية مطروحة بالفعل من خلال خطوات محددة سلفاً، ولكن مصير الرئيس بشار الأسد لن يطرح الآن، أو على الأقل قبل الانتهاء من الملف الأهم في سوريا، وهو محاربة الإرهاب.
وأوضح القيادي بـ"اتحاد القوى"، أن موقف رئيس الوفد المفاوض التابع للحكومة السورية الرسمية بشار الجعفري، كان منطقيا للغاية، فمقام الرئاسة لا يجب أن يطرح للنقاش في جلسة مفاوضات، ولا يجب أن يقرر المعارضون للأسد مصيره، وإنما الشعب السوري هو صاحب الكلمة في هذا الأمر، وإذا غادر الرئيس منصبه، فيجب أن يكون ذلك عبر انتخابات حرة مباشرة تحت إشراف دولي يضمن نزاهتها. ولفت إلى أن مصير الرئيس بشار الأسد ليس جزءاً من المفاوضات مع المعارضة، وأصر على أن جهود مكافحة الإرهاب لا تزال تمثل الأولوية بالنسبة لدمشق، على الرغم من كافة المحاولات من جانب دي ميستورا لطرح الأمر للنقاش على مائدة المفاوضات في جنيف.
وأضاف زيدان أنه كان على المفاوضين أن يهتموا أكثر بملف الإرهاب ويمنحوه المزيد من الاهتمام، لأن المفاوضات في شكلها الحالي تبدو وكأنها محاولة لاقتسام كعكة ليحصل كل على نصيب خاص، بدلاً من تجميعها لإقامة احتفال كبير يليق بوحدة سوريا، بعد القضاء على التنظيمات الإرهابية فيها. ووجه القيادي في اتحاد القوى السورية انتقادات عنيفة إلى تركيا وقطر والسعودية، بأنهم يسعون إلى تعزيز الانقسام الداخلي وليس إيجاد حل للصراع الدائر في سوريا منذ عدة سنوات، واتهم الدول الثلاث بتنفيذ مؤامرة واسعة، تهدف إلى تقسيم سوريا إلى مناطق منعزلة، تكون لكل منها سلطة على بعضها، ما يعني احتلالاً ناعماً بدون تكلفة عسكرية دائمة. وكان المندوب الأممي ستيفان دي ميستورا هدد الوفد الحكومي السوري في جنيف بأنه بدون البدء في حوار بشأن الانتقال السياسي، سيكون من الصعب الحفاظ على اتفاق وقف الأعمال القتالية وتسليم المساعدات، وهو ما رد عليه الجعفري بأنه "أمر لا يستحق عناء الرد، وملف الإرهاب أولوية لدى دمشق حاليا".
بعد عقد من الان؟!
من جانب اخر قال الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة "البايس" الإسبانية، إنه يريد أن يذكر بعد عشر سنوات بأنه هو "من أنقذ بلاده"، مرجحا بأن البلاد ستكون وقتها "بخير"، وأقر بأهمية المساعدة الروسية والإيرانية للجيش السوري. وأوضح الأسد الذي يحكم سوريا منذ عام 2000 "بعد عشر سنوات، أريد أن أكون قد تمكنت من إنقاذ سوريا، لكن ذلك لا يعني أني سأكون رئيسا حينها" متابعا "سوريا ستكون بخير وأنا سأكون من أنقذ بلاده".
وأضاف أنه بعد عشر سنوات "إذا أراد الشعب السوري أن أكون في السلطة فسأكون فيها، وإذا لم يرغب فلن أكون في السلطة". من جانب آخر أقر الأسد بأن "الدعم الروسي والإيراني كان بلا شك أساسيا" في تقدم القوات الحكومية. وأكد "نحن بحاجة إلى هذه المساعدة وذلك ببساطة لأن 80 دولة تدعم الإرهابيين بطرق مختلفة. بعضهم مباشرة بالمال والدعم اللوجستي والأسلحة والمقاتلين. والبعض الآخر يوفر لهم الدعم السياسي في مختلف المحافل الدولية". بحسب فرانس برس.
وينفذ الجيش الروسي منذ 30 أيلول/سبتمبر 2015 حملة مكثفة من الغارات الجوية ضد "أهداف إرهابية" ما أتاح للجيش السوري تحقيق مكاسب ميدانية. وقال الأسد إنه "على استعداد" لوقف إطلاق النار وإن كان يفضل الحديث عن "وقف للمعارك" لكن بشروط. ومن هذه الشروط "منع دول وخصوصا تركيا من إرسال مقاتلين وأسلحة و من تقديم أي دعم لوجستي للإرهابيين".
الى جانب ذلك نفى الرئيس السوري بشار الاسد وجود خلافات بين موسكو ودمشق، واصفا الانسحاب الروسي من سوريا بـ"التقليص"المنسق. وقال الأسد إن الرئيس الروسي بوتين أدار أمور العسكر والسياسة بشكل ماهر، مضيفا أن "تقليص القوات الروسية طال فائض القوة الاستراتيجي الذي استقدم عندما كانت هناك احتمالات عالية لمواجهة مع تركيا و(حلف شمال) الأطلسي".
وفي موضوع مباحثات الأزمة السورية، قال الأسد "إن لا رهان على حل مع المعارضة التي لا تمتلك قرارها"، لكنه قال أن التفاوض يجري مع من وصفهم بـ"أسياد" المعارضة. واعتبر أن "الانتصار على الإرهاب سيمهد الطريق أمام حل سياسي يستفتى عليه الشعب السوري". وقال الأسد أن "هناك 62 ألف عنصر فارين من وجه العدالة قبل الأحداث وجدوا في الفصائل الارهابية ملاذا لهم ونحاول استعادتهم عبر العفو العام".