كيف مات السلام في سوريا وسط النزاع السعودي الإيراني؟
عبد الامير رويح
2016-01-23 09:17
اتفقت القوى العالمية التي ادركت خطر الإرهاب المتنامي، في أعقاب الهجمات الدامية التي طالت العديد من دول العالم، على ضرورة ضرب تنظيم داعش الارهابي والاسراع بحل الأزمة السورية والعمل على انهاء هذه الحرب المدمرة، التي أودت بحياة أكثر من 250 ألف شخص، هذا الاتفاق وعلى الرغم من اهميته الكبيرة كما يقول بعض الخبراء هو امر صعب ومقعد، بسبب الضغوط والتدخلات الخارجية واختلاف الآراء والمصالح بين الاطراف الإقليمية ودولية، التي اثرت سلبا على قرارات الاطراف المتصارعة وعرقلت جميع الجهود الرامية الى ايجاد معالجة جدية لهذه الازمة.
ولعل تصاعد التوترات والخلافات الدبلوماسية الاخيرة بين إيران والسعودية، والتي اثارت المخاوف الدولية دليل واضح على اثبات هذه التوقعات، كون التصعيد الاخير جاء في وقت حساس للغاية وهو ما قد يؤثر بشكل مباشر على خطط السلام، خصوصا وان لكل من ايران والسعودية خطط خاصة وتأثير قوي على القوى الموالية لهما، وقد برزت هذه المخاوف من خلال تصريحات بعض المسؤولين ففي تصريح لصحيفة بيلد قال وزير الخارجية الألمانية فرانك ـ فالتر شتاينماير أتمنى أن ينتهي التوتر قريبا ويغلب العقل وتركز الرياض وطهران على ما هو مهم بالفعل وهو نزع فتيل الصراعات المسلحة والسعي إلى حلول سياسية في سوريا واليمن وغيرهما وبالتالي سحب البساط من تحت قدمي تنظيم داعش". وقبل هذا القول دعت الحكومة الألمانية الرياض وطهران إلى بذل كل ما في وسعهما "لاستئناف علاقاتهما" محذرة من أن برلين قد تفرض قيودا على صادرات السلاح للسعودية، هذا بالإضافة الى التصريحات والمخاوف والتحركات الاخرى.
ويرى البعض ان السعودية التي سعت الى دعم وتميل الجهات المعرضة، وبعد التحول الكبير في مجريات الحرب في سوريا التي اتت على خلفية التدخل العسكري الروسي المباشر يضاف اليها النصر الايراني المهم الذي تحقق بشان الملف النووي والعقوبات الدولية، اقدمت على تغير خططها واعتماد ورقة ضغط جديدة من خلال ما يسمى المعارضة السورية، التي تتبنى وبحسب بعض المراقبين افكار وخطط السلطات السعودية وتعمل على تنفيذها. وقد دعا الائتلاف السوري المعارض الذي يعمل في المنفى جميع الدول العربية لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعدما قطعت السعودية العلاقات مع طهران. يأتي هذا في الوقت الذي تحشد فيه السعودية حولها الحلفاء من السنة في خلافها الدبلوماسي المحتدم مع إيران في تطور يعمق الخلاف الطائفي في عموم الشرق الأوسط بعد إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.
وأعلن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ومقره تركيا دعمه لقرار الرياض ودعا "كافة الدول العربية والإسلامية لاتخاذ خطوة مماثلة" وانتقد ما قال إنه دعم إيراني لفصائل مسلحة في سوريا والعراق. وتؤيد إيران الرئيس السوري بشار الأسد الذي تخوض قوات حكومته بدعم من روسيا أيضا معارك ضد فصائل مسلحة تدعمها السعودية ودول أخرى في المنطقة.
عرقلة مساعي السلام
في هذا الشأن قال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن قطع العلاقات بين السعودية وايران يخفي وراءه خلافا بين الولايات المتحدة والمملكة ربما يعرقل مساعي الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإنهاء الحرب السورية. فقد كان قرار الحكومة السعودية إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر رغم تحذيرات أمريكية أبلغ تعبير عن حدود النفوذ الذي يمكن أن تمارسه الولايات المتحدة على المملكة.
كذلك فإن القرار السعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران بعد أن اقتحم محتجون ايرانيون السفارة السعودية في طهران وأشعلوا فيها النار يتعارض مباشرة مع المساعي الأمريكية الرامية لتعزيز التواصل بين الدولتين لاسيما فيما يتعلق بسوريا. وربما تكون أول ضحية للتوترات الأخيرة هي محاولة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لوضع نهاية للحرب الأهلية السورية الدائرة منذ ما يقرب من خمس سنوات وهي محاولة تبدو فرص نجاحها في الأصل ضعيفة.
وسلم مسؤولون أمريكيون بأن الخلاف الدبلوماسي السعودي الايراني يقلص فرص نجاح عملية السلام. وقال مسؤول طلب عدم نشر اسمه "ستزيد من صعوبتها بدرجة كبيرة." وقال مسؤول أمريكي كبير ثان "من الواضح أنها (عملية) هشة جدا." وقال المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون إنهم يعتقدون أن الرياض وواشنطن لهما مصالح مشتركة أكثر من أن تسمح بصدع كبير في العلاقات بينهما سواء من ضمان استمرار تدفق النفط ومحاربة تنظيم القاعدة وتنظيم داعش إلى استكمال تعاقدات السلاح الضخمة.
ويواصل المسؤولون الأمريكيون والسعوديون العمل في صفقة قيمتها 1.29 مليار دولار لبيع ذخائر أمريكية بالغة الدقة تمت الموافقة عليها في نوفمبر تشرين الثاني وذلك وفقا لما قالته مصادر عسكرية وصناعية. ومن المنتظر أن يتم خلال الأشهر المقبلة استكمال الصفقة التي تهدف في جانب منها لتزويد السعودية بذخائر تعوضها عما استهلكته في الحرب على الحوثيين في اليمن. وقالت المصادر إنه من المتوقع أيضا استكمال صفقة منفصلة قيمتها 11.25 مليار دولار تمت الموافقة عليها في أكتوبر تشرين الأول تشتري السعودية بمقتضاها من الولايات المتحدة أربع سفن حربية من صنع شركة لوكهيد مارتن.
وقال مايكل نايتس الباحث الزميل بمعهد سياسات الشرق الأدنى في واشنطن "العلاقات الدفاعية السعودية الأمريكية قوة هائلة. فقد بقيت على مر عهود عدد كبير من الرؤساء والملوك ومازالت مستمرة وهذا هو ما سيحدث هذه المرة." ورغم اعتماد السعودية على الضمانات الأمنية الأمريكية فقد أبدت المملكة في العام الأخير أكثر من مرة رغبة في التصرف بشكل مستقل عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضايا الأمن الوطني.
ولم تخطر السعودية الولايات المتحدة في مارس آذار الماضي بأنها ستشن مع حلفائها من الدول العربية ضربات جوية في اليمن ضد الحوثيين الذين تقول إن ايران تدعمهم إلا قبلها بفترة قصيرة. كما أعلنت المملكة تشكيل تحالف عسكري إسلامي من 34 دولة لمحاربة الإرهاب. ولم تكن الولايات المتحدة من الدول الأعضاء في هذا التحالف. ولم تخف الرياض معارضتها للاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع ايران واعتبر أبرز انجازات الرئيس الأمريكي في السياسة الخارجية. بحسب رويترز.
وقال محلل تربطه صلات عميقة بالمسؤولين السعوديين إن السعودية تتطلع فيما يبدو لما بعد أوباما وللعمل مع الرئيس الأمريكي الجديد لأن أوباما في عامه الأخير في البيت الابيض. وقال نواف عبيد الزميل الزائر بمركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد "لم يعد هناك ما يتوقع من هذه الإدارة. فالأمور ستبدأ من الصفر ما ان يرحل" أوباما.
لا يوجد حل عسكري للازمة السورية
على صعيد متصل اعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير رفضه لاي ضغط خارجي قد يمارس على المعارضة السورية التي تتخذ من الرياض مقرا، والتي حسب قوله ستشكل وفدها للمشاركة في محادثات السلام المقررة في نهاية الشهر الحالي. ويأتي كلام الجبير غداة اعلان للامم المتحدة يدعو القوى الكبرى الى الاتفاق سريعا على تشكيلة وفد المعارضة الذي يفترض ان يعقد محادثات مع وفد النظام السوري في جنيف في الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
وقال الوزير السعودي في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس في الرياض، حسب ما نقلت عنه وكالة الانباء الرسمية "ان المعارضة السورية هي الوحيدة التي تستطيع تحديد من يمثلها في المباحثات، واللجنة العليا المنبثقه من مؤتمر الرياض هي الجهة المعنية بتحديد من يمثلهم في المفاوضات، ولا يجوز لأي كان أن يفرض على المعارضة السورية من سيمثلها في المباحثات". وكانت القوى الكبرى مع دول اقليمية عدة وضعت في ختام اجتماع عقد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي خريطة طريق للخروج من الازمة السورية تتضمن محادثات بين المعارضة والنظام.
وكان فرحان حق مساعد المتحدث باسم الامم المتحدة اعلن ان الامم المتحدة ستوجه الدعوات لحضور محادثات جنيف "عندما تتفق الدول التي تقود العملية (فيينا) حول من ستوجه لهم الدعوة من المعارضة". وكان اكثر من مئة شخص من ممثلي ابرز تنظيمات المعارضة السياسية والعسكرية السورية اعلنوا في العاشر من كانون الاول/ديسمير في الرياض موافقتهم على المشاركة في المفاوضات مع النظام وطالبوا برحيل الرئيس بشار الاسد في بداية المرحلة الانتقالية.
من جانب اخر قال وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في منتدى دافوس الاقتصادي "لا يوجد حل عسكري للازمة. نحتاج الى حل سياسي". وايران لاعب رئيسي في منتدى دافوس لهذا العام والذي ياتي بعد ايام من البدء في تطبيق الاتفاق التاريخي بين طهران والدول الكبرى والذي انهى العقوبات التي فرضها عليها الغرب بسبب برنامجها النووي. الا ان قرار واشنطن باعادة فرض بعض العقوبات على ايران بشان برنامجها الصاروخي القى بظلاله على مجريات المنتدى، حيث وصف ظريف تلك الخطوة بانها غريبة.
وقال ظريف امام مجموعة من المصرفيين وكبار رجال الاعمال "اعتقد انه من الغريب ان تعرب الولايات المتحدة عن قلقها بشان برنامج الصواريخ الايراني لان هذا البرنامج دفاعي ولا ينتهك اية قوانين دولية حالية". كما دعا ظريف السعودية الى عدم اختيار النزاع مع تزايد التوترات بين البلدين. وقال "اعتقد ان على جيراننا السعوديين ان يفهموا ان المواجهة ليست في مصلحة احد". واضاف "لا اعتقد يا اصدقاءنا ان هناك سببا للذعر (..) فايران تسعى الى العمل معكم ولا تريد اقصاء اي طرف من هذه المنطقة".
الخلاف لن يؤثر
من جانب اخر قالت السعودية وإيران ان النزاع المتصاعد بينهما لن يؤثر على الجهود الدولية الرامية الى إنهاء الحرب في سوريا بينما شككت جماعة معارضة مسلحة سورية كبيرة في عملية السلام التي تقودها الامم المتحدة. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا في بيان صدر بعد اجتماع في طهران مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن إيران أكدت له أن خلافها الدبلوماسي مع السعودية لن يؤثر على محادثات السلام السورية المقرر أن تعقد في وقت لاحق.
ويقوم دي ميستورا بجولة في المنطقة لتعزيز الدعم للمفاوضات المزمع عقدها في جنيف في اطار خطة تبناها مجلس الامن الدولي لوضع حد للحرب الاهلية في سوريا المستمرة منذ خمس سنوات تقريبا والتي أسفرت عن مقتل ما يقدر بنحو 250 ألف شخص وتشريد الملايين. وقال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي حضر اجتماعا في جامعة الدول العربية لبحث الأزمة بين الدولتين إنه لا يتوقع أن يؤثر الخلاف الدبلوماسي على جهود السلام.
وعبر مسؤولون في المعارضة السورية عن تشككهم في محادثات السلام قائلين إنه يجب أن تتخذ الحكومة السورية إجراءات لإظهار حسن النية تشمل وقفا لإطلاق النار والإفراج عن معتقلين وإنهاء الحصار المفروض على عدد من المناطق قبل بدء المفاوضات. وقالت جماعة جيش الإسلام السورية المعارضة - وهي جزء من هيئة تأسست حديثا من المعارضة السورية للإشراف على المحادثات - في بيان إن من غير المقبول الحديث عن حل سياسي للحرب بينما يموت الناس من الجوع والقصف.
واعتبرت الجماعة أن "أفضل طريقة لإجبار النظام على القبول بالحل والالتزام به هو السماح للدول الشقيقة بتزويد الثوار بصواريخ مضادة للطائرات." وأكد البيان الذي أرسله المتحدث باسم جيش الإسلام أنهم سيضمنون ألا تصل هذه الصواريخ الى جهات قد تستخدمها بشكل "غير قانوني". ورغم أن حكومات أجنبية من بينها الولايات المتحدة والسعودية زودت المعارضة بالدعم العسكري فإنها تقاوم مطالب بالحصول على مثل هذه الصواريخ خشية أن ينتهي بها الأمر في أيدي جماعات متشددة مثل تنظيم داعش.
وتقول الحكومة السورية إن جيش الإسلام تنظيم إرهابي مثل كل الجماعات التي تقاتل للاطاحة بالرئيس بشار الأسد الذي يتلقى دعما كبيرا من روسيا وإيران. وأرسلت الدولتان قوات لمساعدة الأسد. وأبلغت الحكومة السورية دي ميستورا أنها مستعدة للمشاركة في المحادثات لكنها أكدت ضرورة الحصول على قائمة بأسماء شخصيات المعارضة التي ستشارك. بحسب رويترز.
وفي إشارة إلى تعقيدات محتملة أخرى أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم الحاجة لأن تحصل الحكومة على قائمة بالجماعات التي ستُصنف على أنها إرهابية كجزء من عملية السلام. وقال جيش الإسلام إن نجاح الحل السياسي "يعتمد على جدية المجتمع الدولي في الضغط على النظام المجرم لإيقاف القتل."
من جانب اخر قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن وزير الخارجية جون كيري تحدث مرارا خلال مع مسؤولين سعوديين وإيرانيين لتشجيع الحوار ويعتزم الاتصال بمسؤولين آخرين في المنطقة. ويهدد الخلاف بين السعودية وإيران بتقويض جهود كيري الرامية للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ نحو خمس سنوات. وقال جون كيربي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن كيري أكد في اتصالاته التي شملت محادثات مع ولي ولي العهد السعودي ووزيري خارجية السعودية وإيران على أهمية المضي قدما من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بخصوص سوريا.
وقال كيربي "أحد الأمور الرئيسية في ذهن كيري هي نزع فتيل التوتر واستعادة بعض من الشعور بالهدوء والتشجيع على الحوار والمشاركة بين هذين البلدين .. والتأكيد أيضا على أن هناك قضايا أخرى ملحة في المنطقة." وتابع يقول "من بين ما يتصدر قائمة اهتماماته أيضا عدم السماح بتعثر أو تراجع عملية فيينا" في إشارة إلى محادثات بالعاصمة النمساوية شارك فيها مسؤولون سعوديون وإيرانيون لمحاولة إنهاء الحرب السورية.