في حرب اليمن.. جرائم ضد الانسانية ببصمة سعودية
عبد الامير رويح
2016-01-20 09:16
يتزايد القلق الدولي ازاء استمرار الهجمات العشوائية والقصف الجوي، الذي تشنه قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، خصوصا وان العديد من التقارير الخاصة بالمنظمات الانسانية، قد اكدت قيام السعودية بارتكاب انتهاكات خطيرة وجرائم الحرب بحق المدنيين العزل في هذا البلد الفقير الذي تعرض لدمار كبير، وهو ما اسهم بتفاقم الأزمة الإنسانية، وتقود السعودية تحالفا عسكريا عربيا كان قد بدأ حملة عسكرية ضد الحوثيين وأنصار صالح في اليمن في 26 من شهر مارس/آذار العام الماضي.
ومع بدء العمليات العسكرية وكما تنقل بعض المصادر، قيل أن الحرب لن تزيد على ثلاثة أشهر، لأن إطالة أمدها ليس من مصلحة اليمنيين في المقام الأول والذين يعانون أصلا من مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية متعددة، ولا من مصلحة دول التحالف لأن الإطالة ستجعل اليمن مستنقعا للسعودية يصعب عليها الخروج منه، وهو ما تحقق اليوم بحسب بعض الخبراء الذين اكدوا على صعوبة الموقف السعودي في اليمن.
خصوصا وان هذه العمليات العسكرية التي تكاد تقارب عامها الأول، قد اضافت أعباء اقتصادية كبيرة في ظل تناقض الموارد السعودية؛ بفعل انخفاض أسعار النفط. حيث تشير التقديرات إلى أن العملية العسكرية تتكلف قرابة 200 مليون دولار يوميا. إضافة إلى ما يرتبط به طول أمد العمليات من أخطار تزايد الهجمات التي يشنها الحوثيين على الحدود السعودية. هذا سوى مخاطر زيادة عدد القتلى السعوديين في اليمن، والذين قدرتهم الإحصاءات بنحو 122 قتيلا ونحو ألف جريح حتى يوليو/ تموز الماضي.
من جانب اخر اكد بعض المراقبين ان السعودية وبسبب خسائرها المتزايدة اصبحت تتصرف بشكل جنوني وغير مقبول، من خلال تكثيف ضرباتها الجوية واستخدام الاسلحة محرمة واستهداف البنى التحتية وغيرها من المركز المهمة، الامر الذي اثار استياء وقلق العديد من الجهات والمنظمات العالمية، التي ادانت هذه الهجمات واعتبرتها انتهاك صارخ للمواثيق والقرارات الدولية.
جرائم حرب
في هذا الشأن فقد اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" التحالف العربي بقيادة السعودية باستخدام قنابل عنقودية أمريكية الصنع تعود إلى عدة عقود فوق أحياء سكنية في اليمن، مما يشكل جريمة حرب بحسب المنظمة. وتضمن تقرير المنظمة صورة لجزء من تغليفة قنبلة عنقودية من طراز "سي بي يو-58"، قال إنها تظهر أن القنبلة تم تصنيعها في ولاية تينيسي الأمريكية في العام 1978. وتابع تقرير المنظمة أن القنابل العنقودية أسقطت فوق أحياء سكنية في صنعاء وخلفت في مبان سكنية عدة فجوات تشير إلى انفجار العديد من القنابل الصغيرة.
وقال ستيف غوس مدير برامج الأسلحة لدى "هيومن رايتس ووتش" إن "استخدام قوات التحالف المتكرر لقنابل عنقودية في وسط مدينة مزدحمة يدل على نية لإيذاء المدنيين، وهو جريمة حرب". من جهتها، قالت الولايات المتحدة أنها على علم بالتقرير وأنها ستواصل العمل عن كثب مع حلفائها لحثهم على تبني أساليب تحول دون مقتل أبرياء. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي "نواصل حث كل أطراف النزاع بمن فيهم التحالف بقيادة السعودية على اتخاذ إجراءات استباقية للحد من الأضرار في صفوف المدنيين وللتحقيق في أي ادعاءات ذات مصداقية بتعرض مدنيين للأذى".
وتابع كيربي "لقد تناقشنا في السابق حول تقارير أشارت إلى استخدام التحالف قنابل عنقودية وشددنا على عدم استخدامها في مناطق مأهولة من مدنيين". والولايات المتحدة حليف مقرب للسعودية وتزودها بقسم كبير من الأسلحة التي تستخدمها قواتها المسلحة، إلا أنها لم تصدر قنابل عنقودية من الطراز الذي عثر عليه في صنعاء منذ سنوات عدة. وأعربت الأمم المتحدة وغيرها من المراقبين عن قلق متزايد حول ارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين في اليمن والأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد.
في السياق ذاته اكدت منظمة العفو الدولية ان لديها أدلة على ان التحالف العربي بقيادة السعودية القى مجددا قنابل عنقودية (انشطارية) على العاصمة اليمنية صنعاء الامر الذي نفاه التحالف قبل فترة قصيرة. وقالت المنظمة انها "جمعت ادلة تؤكد في الظاهر معلومات بان قوات التحالف الذي تقوده السعودية القت قنابل انشطارية اميركية الصنع في 6 كانون الثاني/يناير 2016 على العاصمة صنعاء".
واضافت في بيان ان الهجوم اسفر عن مقتل شاب عمره 16 عاما واصابة ستة مدنيين على الاقل في منطقة معين في غربي العاصمة "وانتشار القنابل الانشطارية في اربعة أحياء سكنية" في المنطقة. واكدت المنظمة انها جمعت شهادات ومعلومات من السكان وعائلات الضحايا وضابط امني ومصورين. وكتبت المنظمة ان "التحالف هو الطرف الوحيد في النزاع الذي لديه القدرة على القاء قنابل من الجو" داعية التحالف الى "الكف عن استخدام القنابل الانشطارية" التي تحرمها اتفاقية 2008 الدولة المتعلقة بهذه الاسلحة.
وكتبت "حتى وان لم توقع الولايات المتحدة واليمن والسعودية وغالبية اعضاء التحالف على هذه الاتفاقات" فان هذه الدول ملزمة بموجب القانون الانساني الدولي بعدم استخدام هذه القنابل "التي لا تزال تشكل تهديدا للمدنيين". ونفى المتحدث باسم التحالف العميد ركن احمد عسيري القاء قنابل انشطارية على صنعاء. وقال ان التحالف "ينفي استخدام القنابل العنقودية في صنعاء" التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون وحلفاؤهم منذ ايلول/سبتمبر 2014.
وسبق لمنظمات حقوقية دولية ان اعربت مرارا عن قلقها من استهداف غارات التحالف لمناطق مدنية، وهو ما ينفيه الاخير بشكل دوري. وتضم الذخائر العنقودية عادة كميات كبيرة من القنابل الصغيرة التي لا ينفجر العديد منها بعيد سقوطها على الارض، ما يجعلها اشبه بألغام. وبموجب اتفاقية تعود الى العام 2008، يحظر استخدام القنابل العنقودية في النزاعات العسكرية، الا ان الولايات المتحدة والسعودية ليست من ضمن 116 دولة وقعت هذه الاتفاقية. بحسب فرانس برس.
وبدأ التحالف شن ضربات جوية دعما لقوات الرئيس عبد ربه منصور هادي في آذار/مارس، ووسع خلال الصيف عملياته لتشمل تقديم دعم ميداني مباشر لها من خلال ارسال قوات ومعدات، والقيام بتدريب المقاتلين. واوقعت اعمال العنف في اليمن بين منتصف اذار/مارس واواخر كانون الاول/ديسمبر 2015، نحو ستة الاف قتيل بينهم 2795 مدنيا ونحو 28 الف جريح ضمنهم نحو خمسة الاف مدني، وفقا لاجهزة الامم المتحدة.
الامم المتحدة
من جانبه حذر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون من ان استخدام القنابل العنقودية لقصف المناطق السكنية في اليمن "يمكن ان يعتبر جريمة حرب". وكانت الامم المتحدة اعلنت انها تلقت "معلومات مثيرة للقلق" عن استخدام هذا النوع من القنابل خلال قصف قام به التحالف العربي الداعم للحكومة اليمنية على صنعاء الواقعة تحت سلطة الحوثيين. وقال بان، بحسب المتحدث باسمه، انه "قلق جدا لتكثيف الغارات الجوية للتحالف" العسكري العربي بقيادة السعودية وخصوصا "معلومات عن غارات مكثفة على مناطق سكنية ومبان مدنية في صنعاء" بينها غرفة التجارة ومعهد لفاقدي البصر.
واعتبر بان ان "استخدام قنابل عنقودية في مناطق ماهولة يمكن ان يشكل جريمة حرب". ودعا "كافة اطراف" النزاع الى احترام القانون الدولي والسكان المدنيين وضمان نجاح الجولة القادمة من مباحثات السلام "في اقرب وقت ممكن". واشارت المفوضية العليا لحقوق الانسان في تقرير حديث الى الاشتباه باستخدام التحالف العربي قنابل عنقودية في محافظة لحج المحاذية للمملكة السعودية. بحسب فرانس برس.
وعثر فريق من المفوضية العليا في احدى قرى المحافظة على شظايا 29 قنبلة من هذا النوع. والقنبلة العنقودية عبارة عن عبوة تقذف بعد انفجارها قذائف اخرى صغيرة تنفجر لاحقا. وهي سلاح فعال يزرع الموت على شعاع واسع ويعتبر فتاكا ومحظورا بموجب اتفاقية دولية تعود الى 2008.
الى جانب ذلك أفاد مسؤول في الأمم المتحدة أن الحكومة اليمنية أعلنت أن ممثل المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، الفلسطيني جورج أبو الزلف، "غير مرغوب فيه" على أراضيها، متهمة إياه بـ"عدم الحياد". وندد الأمين العام المتحدة بالقرار مجددا ثقته في أبو الزلف. وأوضح المتحدث ستيفان دوجاريك أن الأمم المتحدة لا تزال تنتظر تأكيدا رسميا، معتبرا أنه "تطور مؤسف للغاية".
وأكد أن أبو الزلف، وهو فلسطيني يترأس مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في اليمن، "قام بعمل ممتاز". ولم يحدد الأسباب التي قدمتها السلطات اليمنية لطرده. وأورد مسؤول أممي آخر أن الأمم المتحدة أبلغت بالقرار اليمني في شكل غير رسمي. وفي بيان مقتضب، اعتبرت وزارة الخارجية اليمنية أن الممثل الأممي لم يكن "محايدا" في إبلاغه عن وضع حقوق الإنسان في اليمن من دون أي توضيح إضافي.
وتتلقى الحكومة اليمنية المعترف بها منذ آذار/مارس 2015 دعم تحالف عسكري تقوده السعودية ضد الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق عدة في البلاد. من ناحيته، ندد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشدة بقرار الحكومة اليمنية. وأكد أن له "كل الثقة" بجورج أبو الزلف. وحض الحكومة اليمنية على "إعادة النظر بموقفها من عملية طرده".
واعتبر بان كي مون أن "الحكومة باعتراضها على عمل الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان لا تحترم التزاماتها، وهذا الأمر قد يترك أثرا سلبيا على عودة السلام والاستقرار إلى اليمن". وأضاف "لا يجوز أبدا أن يتعرض طاقم الأمم المتحدة للتهديد أو العقوبة بسبب قيامه بعمله الذي يقوم على أساس شرعية الأمم المتحدة"، معربا عن "قلقه العميق على أمن الطاقم المحلي والدولي للأمم المتحدة الذي ما زال موجودا على الأرض
استهداف المنشآت الصحية
على صعيد متصل استهدف صاروخ للمرة الثالثة خلال ثلاثة أشهر في اليمن مرفقا طبيا تابعا لمنظمة "أطباء بلاحدود" في منطقة يسيطر عليها الحوثيون، ما أسفر عن مقتل نحو 4 أشخاص على الأقل وجرح عشرة آخرين، ولم يعرف بعد مصدره. وقالت المنظمة في بيان "أصاب صاروخ إحدى المستشفيات التي تدعمها منظمة أطباء بلا حدود في شمال اليمن ما أدى على الأقل إلى مقتل أربعة أشخاص وجرح عشرة آخرين وانهيار مبان عدة في المرفق الطبي". ومن بين المصابين ثلاثة أفراد من المنظمة، اثنان منهم "في حال حرجة".
وأوضحت أن الصاروخ أصاب "مستشفى شهارة" في مديرية رازح بمحافظة صعدة، معقل المتمردين الحوثيين، وأنه "يمكن لأعداد الضحايا أن تزداد خاصة وأنه قد يكون هناك أشخاص لا يزالون عالقين" تحت الركام. وأشارت إلى أن "طائرات شوهدت تحلق فوق المرفق وقت الهجوم، كما أن صاروخا واحدا آخر على الأقل سقط قرب المستشفى". وقالت مديرة عمليات المنظمة راكيل إيورا "يتم بشكل دوري إبلاغ جمع الأطراف المتحاربة بما فيها التحالف الذي تقوده السعودية بالإحداثيات الجغرافية للمواقع الطبية التي تعمل فيها منظمة أطباء بلا حدود".
وأضافت "لا يمكن البتة لمن يملك القوة لشن ضربات جوية أو إطلاق صواريخ أن يجهل بأن مستشفى شهارة كان مرفقا صحيا يعمل ويقدم الخدمات الطبية الأساسية وتدعمه المنظمة". ودان الاتحاد الأوروبي قصف المستشفى، مؤكدا في بيان أنه "هجوم غير مقبول"، ومذكرا بأن "استهداف عمليات إنسانية ومدنيين أمر يحظره القانون الدولي الإنساني". وهي المرة الثالثة خلال بضعة أشهر التي يطال فيها قصف مركزا لمنظمة "أطباء بلا حدود".
الى جانب ذلك اتهم الحوثيون قوات التحالف، بقيادة السعودية، بشن غارات على مستشفى السوادية، في محافظة البيضاء، جنوب شرقي اليمن وتدميره بالكامل. ووصف الحوثيون "هذا القصف" بأنه "يدل على تخبط من وصفوها دول العدوان". وتنفي قوات التحالف قصفها منشآت صحية، بينما تتهم منظمات إغاثة محلية الحوثيين باستخدام منشآت صحية وتعليمية كمقرات لمسلحيهم ولتخزين الأسلحة فيها ما يعرضها للقصف الجوي، وهو ما ينفيه الحوثيون وحليفهم علي عبد الله صالح. بحسب بي بي سي.
وجددت مقاتلات التحالف قصف، ما يقول التحالف إنه مواقع ومخازن أسلحة يسيطر عليها الحوثيون في تل النهدين، المطل على المجمع الرئاسي ومخازن الصواريخ البالستية في تل عطّان غربي العاصمة، ومواقع أخرى في محيط صنعاء والمناطق التي تشهد قتالا مع القوات الموالية للحكومة في ريف صنعاء. كما أغارت طائرات التحالف على مركز النور لرعاية وإيواء المكفوفين في العاصمة اليمنية صنعاء. ويأوي المركز نحو 100 طالب من المكفوفين. وأصابت الغارات الدور الثالث من مبنى السكن الخاص بهم مما سبب حالة خوف ورعب بين الطلاب وتشريد العشرات بعد اخلاء المركز من الطلاب. ويتكون المركز من أربع مبان تضررت جميعها بعد أن تساقط الزجاج بفعل قوة الانفجار.
الاطفال ضحايا الحرب
في السياق ذاته قالت منظمة "يونيسف" وكما نقلت بعض المصادر، إن هناك حوالي عشرة ملايين طفل يمني يكابدون الألم والمعاناة. وذكر ممثّل المنظمة في اليمن، جوليان هارنس، إنَّ "القصف المتواصل وقتال الشوارع المستمر، يجعل الأطفال وأسرهم عرضةً لمخاطر العنف والمرض والحرمان". ونقل في بيان، أنَّ إحصاءات صادرة عن الأمم المتحدة تشير "إلى أنَّ 747 طفلاً لقوا حتفهم، في حين أصيب ألف و 108 آخرون منذ آذار العام الماضي، وأنَّ 724 طفلاً أجبروا على الانخراط بشكل أو بآخر في أعمال مسلّحة، وهذا ليس سوى جزء من المأساة، وهو بحدّ ذاته أمر صادم بما فيه الكفاية".
و أشار إلى أنّ "آثار العنف تمتدّ على المدنيين الأبرياء إلى أبعد من ذلك، فالأطفال يشكّلون ما لا يقلّ عن نصف النازحين الذين بلغ عددهم 2.3 مليون شخص، والنصف أيضاً من 19 مليون شخص يكافحون يومياً للحصول على حصصهم من المياه". ووفقا للمنظمة الدوليّة، فإنَّ خطر سوء التغذية الحادّ، والتهابات الجهاز التنفسي، يهدّد حوالي 1.3 مليون طفل دون سن الخامسة، وهناك مليونا طفل على الأقل باتوا غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة.
وذكرت "يونيسيف" أنَّ : الخدمات العامة كالصحة والمياه والصرف الصحي، تضرّرت وباتت غير قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان المنهكين، وأنَّ قليلاً من الأطفال البالغ عددهم 7.4 مليون طفل ممّن هم بحاجة إلى الحماية (بما في ذلك الدعم النفسي لمساعدتهم على التعامل مع آثار العنف الذي تعرضوا له) سيحصلون على تلك الخدمات".