أمريكا وإيران لا تريدان حربا اختيارية
شبكة النبأ
2023-10-26 06:12
قال مسؤولون لرويترز إن الجيش الأمريكي يتخذ خطوات جديدة لحماية قواته في الشرق الأوسط مع تزايد المخاوف من هجمات تشنها جماعات مدعومة من إيران، وأضافوا أنه يترك الباب مفتوحا أمام إمكانية إجلاء عائلات العسكريين إذا لزم الأمر.
وذكر المسؤولون، الذين تحدثوا بشرط عدم نشر هوياتهم، أن الإجراءات تشمل زيادة الدوريات العسكرية الأمريكية، وتقييد الوصول إلى مرافق القواعد التي تضم القوات، وزيادة جمع المعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك باستخدام الطائرات المسيرة وعمليات المراقبة الأخرى.
وقال المسؤولون إن الجيش الأمريكي يعزز أيضا المراقبة من أبراج الحراسة بالمنشآت العسكرية، ويعزز الإجراءات الأمنية عند نقاط الوصول إلى القواعد، ويكثف العمليات لمواجهة الهجمات المحتملة بالطائرات المسيرة والصواريخ والقذائف.
ولم ترد تقارير من قبل عن الحزمة الجديدة من تدابير حماية القوات.
وقال الجنرال مايكل "إريك" كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية في بيان لرويترز "مع زيادة عدد الهجمات ومحاولات الهجوم على مواقع عسكرية أمريكية فإن المراجعة المستمرة لإجراءات حماية قواتنا أمر بالغ الأهمية".
وقال كوريلا، الذي يشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، إن الخطوات التي تم اتخاذها بالفعل لزيادة إجراءات حماية القوات، وكذلك نشر أصول عسكرية أمريكية إضافية في المنطقة في الأيام الأخيرة "حالت دون وقوع المزيد من الخسائر الخطيرة في صفوف قواتنا في مسرح العمليات".
وقال أحد المسؤولين إن القوات الأمريكية في العراق وسوريا تعرضت للاستهداف بشكل متكرر منذ بدء الصراع بين إسرائيل وغزة في السابع من أكتوبر تشرين الأول. وتسببت الهجمات في إصابات طفيفة لأربعة عسكريين أمريكيين حتى الآن وخمسة مقاولين يعملون مع الجيش الأمريكي، عادوا جميعا إلى الخدمة.
وفي الأسبوع الماضي، قبالة سواحل اليمن، أسقطت سفينة حربية أمريكية أكثر من اثنتي عشرة طائرة مسيرة وأربعة صواريخ كروز أطلقها الحوثيون المدعومون من إيران.
وجعلت التوترات المتزايدة الأفراد الأمريكيين في حالة تأهب دائم. وتوفي مقاول مدني إثر إنذار كاذب في قاعدة الأسد الجوية بالعراق يوم الخميس إثر سكتة قلبية.
ولم يذكر مسؤول عسكري أمريكي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، على وجه التحديد ما الذي قد يؤدي إلى إجلاء عائلات العسكريين الأمريكيين الذين تم نشرهم في مواقع بالشرق الأوسط بما في ذلك البحرين حيث يتمركز الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
وقال المسؤول لرويترز "نراجع الأمر بشكل مستمر وإذا وجدنا أن التهديد يتصاعد إلى مستوى يهدد عائلات أفراد خدمتنا في (المنطقة)، فسنخطئ إذا لم نتوخ الحذر".
وحذر كبار المسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن لا سيما وزير الدفاع لويد أوستن من خطر حدوث تصعيد كبير في الهجمات على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن إيران قد تسعى إلى توسيع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع لمراسلي البنتاجون "نرى احتمالا لتصعيد أكبر بكثير ضد القوات والأفراد الأمريكيين على المدى القريب ودعونا نكن واضحين بشأن ذلك، الطريق يؤدي إلى إيران".
وأمر أوستن بنشر دفاعات جوية جديدة في الشرق الأوسط لحماية القوات، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي (ثاد).
كما أرسلت الولايات المتحدة سفنا حربية وطائرات مقاتلة إلى المنطقة لمحاولة ردع إيران والجماعات المدعومة من طهران، بما في ذلك حاملتا طائرات.
لا تسافروا إلى العراق
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الوزير أنتوني بلينكن حث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على ملاحقة المسؤولين عن الهجمات والتهديدات التي تتعرض لها القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق.
وأضافت الوزارة أن بلينكن رحب بإدانة بغداد للهجمات في المكالمة بينهما. وناقش الجانبان أيضا الصراع بين إسرائيل وحماس والوضع الإنساني في غزة.
وطالبت وزارة الخارجية الأمريكية المواطنين الأمريكيين بعدم السفر إلى العراق بعد الهجمات التي تعرضت لها القوات والأفراد الأمريكيين بالمنطقة في الآونة الأخيرة.
وورد في تحذير السفر "لا تسافروا إلى العراق نظرا للإرهاب والاختطاف والصراع المسلح والاضطراب المدني ومحدودية قدرة البعثة في العراق على تقديم الدعم للمواطنين الأمريكيين".
وتزايدت الهجمات على القوات الأمريكية في العراق وسوريا منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة. وأسقطت سفينة حربية أمريكية قبل أيام أكثر من 12 طائرة مسيرة وأربعة صواريخ كروز أطلقتها من اليمن جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان أن تحذير السفر يأتي عقب صدور أمر بالمغادرة لأفراد الأسر والموظفين الحكوميين من غير العاملين في حالات الطوارئ من السفارة الأمريكية ببغداد والقنصلية العامة بأربيل "نظرا لتزايد التهديدات الأمنية ضد الموظفين الأمريكيين والمصالح الأمريكية".
وأضاف البيان أن الفصائل المسلحة المناهضة للولايات المتحدة "تهدد المواطنين الأمريكيين والشركات الدولية" في أنحاء العراق.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية "نظرا لدواع أمنية، نوجه موظفي الحكومة الأمريكية في بغداد بعدم استخدام مطار بغداد الدولي".
وأرسلت الولايات المتحدة قوة بحرية كبيرة إلى الشرق الأوسط في الأسابيع القليلة الماضية، تشمل حاملتي طائرات وسفن دعم لهما ونحو 2000 من قوات مشاة البحرية.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنها سترسل منظومة الدفاع الجوي الصاروخي (ثاد) المضاد للأهداف على ارتفاعات كبيرة ومنظومة باتريوت للصواريخ الاعتراضية إلى الشرق الأوسط.
من جهته نقل متحدث عسكري عن الحكومة العراقية أنها ترفض الهجمات على القواعد العسكرية التي تستضيف مستشاري التحالف الدولي، وأضاف في بيان أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وجه الأجهزة الأمنية بتتبع العناصر المنفذة للهجمات.
جاء بيان المتحدث بعد تصاعد الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على القواعد العسكرية العراقية التي تستضيف قوات أمريكية وقوات دولية أخرى في الآونة الأخيرة.
وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء قوات خاصة يحيى رسول عبد الله "نؤكد كذلك رفضنا الهجمات التي تستهدف القواعد العراقية والتي تضم مقرات مستشاري التحالف الدولي المتواجدين في العراق، بدعوة رسمية من قبل الحكومة".
وخلال أقل من أسبوع، تعرضت ثلاث قواعد عسكرية لهجمات بصواريخ كاتيوشا وطائرات مسيرة، هي قاعدة عين الأسد في غرب العراق، وقاعدة عسكرية بالقرب من مطار بغداد الدولي، وقاعدة حرير في مدينة أربيل بشمال العراق.
ويقول مسؤولون أمنيون عراقيون إن رئيس الوزراء أمر بتعزيز الإجراءات الأمنية الوقائية لمنع وقوع المزيد من الهجمات على القواعد العسكرية العراقية الثلاث التي تستضيف قوات أمريكية ودولية.
وهددت جماعات مسلحة عراقية متحالفة مع إيران باستهداف المصالح الأمريكية بالصواريخ والطائرات المسيرة إذا تدخلت واشنطن لدعم إسرائيل ضد حركة حماس الفلسطينية في غزة.
وللولايات المتحدة 2500 جندي في العراق و900 جندي في سوريا المجاورة في مهمة لتقديم المشورة والمساعدة للقوات المحلية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر في عام 2014 على مساحات واسعة من أراضي البلدين.
هذا وقال مصدران أمنيان لرويترز إن صاروخين سقطا داخل قاعدة عين الأسد الجوية العراقية التي تستضيف قوات أمريكية ودولية أخرى غربي بغداد.
وأوضح أحد المصدرين أن الصاروخين كانا كبيرين وأنه عُثر على قاذفة الصواريخ التي أطلقتهما على بعد 50 كيلومترا جنوب شرقي القاعدة.
وتقع قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار بغرب العراق.
وقال مصدر أمني لوكالة فرانس برس فضّل عدم الكشف عن هويته إن "طائرتين مسيرتين" هاجمتا قاعدة عين الأسد الواقعة في محافظة الأنبار في غرب العراق، وفي حين "تمّ اعتراض الأولى وإسقاطها"، فإن "الثانية سقطت بسبب خلل فنّي داخل المعسكر بدون أن تتسبب بأضرار".
وقال مصدر عسكري لفرانس برس، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن "مسيّرة سقطت داخل القاعدة بدون أضرار".
وتبّنت "المقاومة الإسلامية في العراق" عبر قنوات تلغرام تابعة لفصائل شيعية موالية لإيران، هجوماً بطائرة مسيّرة على قاعدة عين الأسد ظهر السبت.
لكن البنتاغون أفاد أنه ليس على علم بأي هجوم من هذا النوع.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية طلب عدم كشف هويته "لم تردنا أي تقارير عملياتية تؤكد" وقوع هجوم السبت.
ومنذ الأربعاء، تعرّضت قواعد تضمّ قوات أميركية وقوات من التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين في العراق، هي عين الأسد وحرير في إقليم كردستان في شمال العراق ومعسكر قرب مطار بغداد، لخمسة هجمات.
وكانت فصائل عراقية موالية لإيران اتّهمت اسرائيل والولايات المتحدة بارتكاب "مجزرة" في غزة، من بينها كتائب حزب الله - أحد أبرز فصائل الحشد الشعبي - التي شددت في بيان على ضرورة "مغادرة هؤلاء الأشرار البلاد" في إشارة إلى الأميركيين، وتوعّدتهم في حال لم يفعلوا ذلك "بأنّهم سيذوقون نار جهنّم في الدنيا قبل الآخرة".
حتى العام الماضي، تعرضت القواعد التي تضمّ قوات أميركية للعديد من الهجمات الصاروخية وبطائرات مسيرة. ومنذ صيف 2022، توقفت هذه الهجمات فيما شهد العراق استقراراً نسبياً. ولم تتبنّ أي جهة تلك الهجمات حينها، لكنّ الولايات المتحدة تنسبها إلى فصائل عراقية موالية لإيران.
وأواخر 2021، أعلن العراق أنّ وجود قوات "قتالية" أجنبية في البلاد انتهى وأنّ مهمة التحالف الدولي باتت استشارية وتدريبية فقط. وفي هذا الإطار، لا يزال 2500 جندي أميركي وألف جندي من التحالف، منتشرين في ثلاث قواعد عسكرية عراقية.
أمريكا وايران لا تريدان حربا
وقال كيربي "نعلم أن إيران تراقب هذه الأحداث عن كثب، وفي بعض الحالات تسهل بشكل فعال هذه الهجمات وتحفز الآخرين الذين قد يرغبون في استغلال الصراع لمصلحتهم الخاصة ولمصلحة إيران".
وقال مسؤولون أمنيون إيرانيون لرويترز إن استراتيجية إيران تتمثل في قيام وكلاء في الشرق الأوسط مثل حزب الله اللبناني بشن هجمات محدودة على أهداف إسرائيلية وأمريكية مع تجنب تصعيد كبير قد يجر طهران.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن الولايات المتحدة لم ترصد أي أمر مباشر من الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بمهاجمة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك في أعقاب موجة من الهجمات في العراق وسوريا نفذتها قوات يشتبه بأنها مدعومة من إيران.
وأضاف المتحدث باسم البنتاجون البريجادير جنرال باتريك رايدر للصحفيين "لا نرى بالضرورة أن إيران أمرتهم صراحة بتنفيذ مثل هذه الهجمات".
وبعد الإلحاج عليه للتحدث حول الموضوع، مضى قائلا "لم نرصد أمرا مباشرا على سبيل المثال من المرشد الأعلى يقول اخرجوا وافعلوا هذا".
ومع ذلك، قال رايدر إن الولايات المتحدة تحمّل إيران في النهاية المسؤولية عن مثل هذه الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة "بناء على حقيقة أنها مدعومة من إيران".
وحذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من أن واشنطن ستتصرف بسرعة وحسم إذا هاجمت إيران أو وكلاؤها أفرادا أمريكيين في أي مكان.
وقال بلينكن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران. لا نريد اتساع نطاق هذه الحرب. لكن إذا هاجمت إيران أو وكلاؤها أفرادا أمريكيين في أي مكان، لا يساروكم شك في أننا سندافع عن شعبنا، سندافع عن أمننا، بسرعة وحسم".
وقال بلينكن "ندعو جميع الدول الأعضاء إلى نقل رسالة حازمة وموحدة، إلى أي دولة أو جهة غير حكومية تفكر في فتح جبهة أخرى في هذا الصراع ضد إسرائيل أو قد تستهدف شركاء إسرائيل، بمن فيهم الولايات المتحدة، مفادها لا تفعلوا ذلك. لا تصبوا الزيت على النار".
وقال سفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني لمجلس الأمن في وقت لاحق اليوم إن بلينكن مخطئ في محاولته إلقاء اللوم على إيران في الصراع بين إسرائيل وحماس وإن طهران ترفض رفضا قاطعا "مزاعمه التي لا أساس لها".
وأضاف "التزامنا بالسلام والاستقرار الإقليميين يظل ثابتا.. الولايات المتحدة هي التي أججت الصراع بانحيازها العلني إلى المعتدي على حساب السكان الفلسطينيين الأبرياء".
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وهو واقف إلى جانب نظرائه العرب، للصحفيين في الأمم المتحدة إن احتمال انتشار الصراع يشكل خطرا حقيقيا.
وقال "نحن جميعا نبذل كل ما في وسعنا لمنع ذلك. هناك احتمال توسع هذا إلى الضفة الغربية وإلى لبنان وإلى جبهات أخرى. لا أحد منا يريد ذلك، نحن جميعا نتصدى لذلك".
معضلة إيران في الحرب
أصدرت إيران في 15 أكتوبر تشرين الأول تحذيرا علنيا وحادا لعدوها اللدود إسرائيل عندما قال وزير خارجيتها: أوقفوا هجومكم على غزة وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراء.
وبعد ساعات فقط، خففت بعثة الجمهورية الإسلامية لدى الأمم المتحدة لهجتها المتشددة، وطمأنت العالم بأن قواتها المسلحة لن تتدخل في الصراع ما لم تهاجم إسرائيل مصالح إيران أو مواطنيها.
ووفقا لتسعة مسؤولين إيرانيين على اطلاع مباشر على طريقة التفكير داخل المؤسسة الدينية الحاكمة فإن إيران، الداعمة منذ فترة طويلة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة، تجد نفسها أمام معضلة بينما تحاول إدارة الأزمة المتفاقمة.
وأوضح المسؤولون الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المناقشات في طهران أن الوقوف موقف المتفرج وقت أي اجتياح بري إسرائيلي واسع لقطاع غزة من شأنه أن يقوض بشكل كبير الاستراتيجية التي تتبعها إيران منذ أكثر من أربعة عقود والمتعلقة ببسط نفوذها وتعزيزه إقليميا.
لكن أيضا من الممكن أن يكبد أي هجوم كبير ضد إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة إيران خسائر فادحة ويثير غضبا شعبيا ضد المؤسسة الدينية الحاكمة في دولة تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية، حسبما قال المسؤولون الذين استعرضوا مختلف الأولويات العسكرية والدبلوماسية والداخلية التي تعمل المؤسسة على الموازنة بينها.
وقال ثلاثة مسؤولين أمنيين إنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بين كبار صناع القرار في إيران في الوقت الحالي على إعطاء مباركتهم للضربات المحدودة التي يشنها حزب الله اللبناني عبر الحدود ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، على بعد أكثر من 200 كيلومتر من غزة، فضلا عن هجمات ضيقة النطاق تشنها جماعات أخرى حليفة في المنطقة على أهداف أمريكية، مع تفادي أي تصعيد كبير من شأنه أن يجر إيران نفسها إلى الصراع.
ونقلت وسائل إعلام رسمية إيرانية عن وحيد جلال زاده رئيس لجنة الأمن القومي بالبرلمان قوله يوم الأربعاء "إننا على اتصال مع أصدقائنا حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله... وموقفهم هو أنهم لا يتوقعون منا تنفيذ عمليات عسكرية".
ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب للتعليق على طريقة تعامل البلاد مع الأزمة، كما رفضت السلطات العسكرية الإسرائيلية التعليق.
ويبدو الأمر لإيران أشبه بالسير على خيط رفيع.
فقد أوضحت المصادر أن خسارة قاعدة قوة أسستها إيران في القطاع الفلسطيني عبر حماس وجماعة الجهاد الإسلامي على مدى ثلاثة عقود من شأنها أن تحدث صدعا في خطط إيران التي قامت ببناء شبكة جماعات مسلحة تعمل بالوكالة في أنحاء الشرق الأوسط، من حزب الله في لبنان إلى الحوثيين في اليمن.
وقال ثلاثة من المصادر إنه يمكن أن يُنظر إلى التقاعس الإيراني على الأرض على أنه علامة ضعف من جانب تلك الجماعات الحليفة، التي تمثل سلاح نفوذ ظهران الرئيسي في المنطقة منذ عقود. وتابعوا أن هذا قد يؤثر أيضا على مكانة إيران التي طالما دافعت عن القضية الفلسطينية وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعتبرها محتلا خسيسا.
وقال آفي ميلاميد المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية والمفاوض خلال الانتفاضتين الأولى والثانية "يواجه الإيرانيون معضلة ما إذا كانوا سيرسلون حزب الله إلى القتال من أجل محاولة إنقاذ ذراعهم في قطاع غزة أو ربما سيتركون هذه الذراع ويتخلون عنها".
وتابع "الإيرانيون في هذه النقطة... حساب المخاطر".
البقاء هو الأولوية القصوى
تواجه الأهداف الاستراتيجية الإيرانية اعتبارات عسكرية آنية، إذ تقوم إسرائيل منذ الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول وأسفر عن مقتل 1400 في إسرائيل بشن ضربات جوية غير مسبوقة على قطاع غزة أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 4300 حتى الآن.
ويعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل صاحبة القوة العسكرية الكبرى لديها ترسانة نووية، رغم أنها لا تؤكد هذا أو تنفيه، كما أنها تتمتع بدعم من الولايات المتحدة التي نشرت حاملتي طائرات وطائرات مقاتلة في شرق البحر المتوسط لأسباب من بينها توجيه تحذير لإيران.
وقال دبلوماسي إيراني كبير "بالنسبة لكبار القادة في إيران، خاصة الزعيم الأعلى (آية الله علي خامنئي)، فإن الأولوية القصوى هي بقاء الجمهورية الإسلامية".
وأضاف "ولهذا السبب تستخدم السلطات الإيرانية لهجة قوية ضد إسرائيل منذ بداية الهجوم، لكنها تمتنع عن التدخل العسكري المباشر، على الأقل حتى الآن".
ومنذ السابع من أكتوبر تشرين الأول تبادل حزب الله إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية في اشتباكات أسفرت عن مقتل 14 من مقاتلي الحزب.
وقال مصدران مطلعان على تفكير حزب الله إن هذه الدرجة المنخفضة من العنف تهدف إلى إبقاء القوات الإسرائيلية منشغلة دون فتح جبهة جديدة كبيرة، ووصف أحدهما هذا التكتيك بأنه كشنّ "حروب صغيرة".
ولم يلق زعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي عادة ما يطلق تهديدات ضد إسرائيل في خطاباته، أي كلمة علنية منذ اندلاع الأزمة.
وقالت ثلاثة مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى ومصدر أمني غربي لرويترز إن إسرائيل لا تريد مواجهة مباشرة مع طهران، وأنه على الرغم من قيام الإيرانيين بتدريب حماس وتسليحها فإنه لا يوجد مؤشر على أن الجمهورية الإسلامية كانت على علم مسبق بهجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول.
ونفى الزعيم الإيراني الأعلى خامنئي تورط إيران في الهجوم، لكنه أشاد بما تسبب فيه من أضرار لإسرائيل.
وقالت المصادر الأمنية الإسرائيلية والغربية إن إسرائيل لن تهاجم إيران إلا إذا تعرضت لهجوم مباشر من قبل قوات إيرانية من إيران، لكنها حذرت من أن الوضع قابل للاشتعال وأن أي هجوم على إسرائيل يتسبب في خسائر فادحة من جانب حزب الله أو وكلاء لإيران في سوريا أو العراق يمكن أن يقلب هذه المعادلة.
وأضاف أحد المصادر الإسرائيلية أن أي سوء تقدير من جانب إيران أو أي من الجماعات المتحالفة معها لنطاق أي هجوم بالوكالة سيكون كفيلا بتغيير نهج إسرائيل.
أوضح مسؤولون أمريكيون أن هدفهم هو منع تفاقم الصراع وردع الآخرين عن مهاجمة المصالح الأمريكية مع إبقاء الخيارات متاحة أمام واشنطن.
وفي طريق عودته من زيارة إلى إسرائيل، نفى الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل قاطع تقريرا إعلاميا إسرائيليا ذكر أن مساعدي الرئيس الأمريكي أوضحوا لإسرائيل أنه إذا بدأت جماعة حزب الله حربا، فإن الجيش الأمريكي سينضم إلى نظيره الإسرائيلي في قتال الجماعة اللبنانية.
وقال بايدن للصحفيين في أثناء توقفه للتزود بالوقود في قاعدة رامشتاين الجوية الألمانية بخصوص التقرير الإسرائيلي "هذا غير صحيح... لم يُصرح بذلك قط".
وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي مجددا أن واشنطن تريد احتواء الصراع.
وقال كيربي للصحفيين في أثناء التزود بالوقود "لا توجد نية لنشر قوات أمريكية على الأرض في القتال".
وقال جون ألترمان، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية والذي يرأس الآن برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن القادة الإيرانيين سيشعرون بالضغط لإظهار دعم ملموس لحركة حماس وليس مجرد إطلاق خطابات رنانة، لكنه حذر من احتمال تطور الأحداث وخروجها عن السيطرة.
وأضاف "بمجرد دخولك هذه البيئة، تحدث أشياء وتكون هناك عواقب لم يكن أحد يريدها... الجميع في حالة تحفز".
وزادت الأزمة أيضا من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية في الولايات المتحدة وخارجها، مما عزز الطلب على أصول "الملاذ الآمن" مثل الذهب والسندات الحكومية الأمريكية والفرنك السويسري. ولا يزال رد فعل السوق ضعيفا حتى الآن لكن بعض المستثمرين يحذرون من أن ذلك قد يتغير تغيرا جذريا إذا تصاعدت حرب غزة وتحولت إلى صراع أوسع في المنطقة.
وأدى اتفاق المصالحة الذي توسطت فيها الصين بين إيران والسعودية إلى تعقيد الأمور بالنسبة للقادة في طهران الذين يريدون تجنب تعريض هذا "التقدم الهش" للخطر، وفقا لمسؤول كبير سابق مقرب من كبار صناع القرار في إيران.
وفي الوقت نفسه، يمكن للشعب الإيراني نفسه أن يلعب دورا في الأحداث التي تتكشف في أنحاء المنطقة.
وقال مسؤولان في تصريحات منفصلة إن حكام إيران لا يستطيعون تحمل تبعات التدخل المباشر في الصراع بينما يواجهون صعوبة في تهدئة وكبح معارضة متصاعدة في الداخل بسبب المشكلات الاقتصادية والقيود الاجتماعية. وشهدت البلاد اضطرابات لعدة أشهر في أعقاب وفاة شابة إيرانية في أثناء احتجاز شرطة الأخلاق لها العام الماضي وبسبب حملة القمع المستمرة التي تشنها الدولة على المعارضة.
وقد دفعت المشكلات الاقتصادية الناجمة بشكل رئيسي عن العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة عددا كبيرا من الإيرانيين إلى انتقاد السياسة المستمرة منذ عقود والمتمثلة في إرسال أموال إلى وكلاء طهران لتوسيع نفوذ الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط.
ولسنوات، أصبح شعار "لا غزة ولا لبنان.. أضحي بحياتي من أجل إيران" شعارا رائجا في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، مما يسلط الضوء على شعور الناس بالإحباط من نهج المؤسسة الدينية الحاكمة في تخصيص موارد البلاد.
وقال المسؤول الإيراني الكبير السابق "يؤكد موقف إيران المعقد على التوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بين المصالح في المنطقة والاستقرار الداخلي".