مأساة تجسد محنة لبنان: أم ترى ابنها لأول مرة منذ انفجار مرفأ بيروت

وكالات

2022-09-04 06:50

تمكنت اللبنانية ليليان شعيتو من رؤية ابنها لأول مرة منذ عامين، إذ أنها كانت في المستشفى منذ انفجار مرفأ بيروت وكانت تنتظر أيضا إجراءات قضائية في نزاع أسري مطول مع زوجها، ولم تغادر ليليان المركز الطبي للجامعة الأمريكية في بيروت منذ الرابع من أغسطس آب 2020 الذي دخلته يومها وهي تعاني من كدمات ونزيف بعد الانفجار الضخم في المرفأ الذي وقع بسبب سوء تخزين مواد كيماوية. بحسب رويترز.

أصيبت ليليان إصابة بالغة في الفص الجبهي من الدماغ مما تسبب في إصابتها بالشلل وفقدان القدرة على الكلام، وقالت شقيقتان من شقيقاتها الأربع لرويترز إن زوجها حسن علي حدرج منعها من رؤية ابنهما علي البالغ من العمر الآن عامين خلال إقامتها في المستشفى. ورفعت أسرة ليليان في 2020 شكوى إلى السلطات الدينية سعيا لإلزام الأب بالسماح للابن بزيارة والدته المصابة، وقال إقبال شعيب وهو محام يمثل الأب إن موكله منع ابنه علي من الذهاب للمستشفى لأنه كان يخشى أن يرى الطفل أمه في تلك الحالة. والوالدان متزوجان، وزار علي والدته ليليان في المستشفى للمرة الأولى بعد أمر من المحكمة الشيعية في لبنان التي تنظر في قضايا الأحوال الشخصية بما يتضمن حضانة الأطفال.

وقالت نوال شعيتو شقيقة ليليان "طلعت المحكمة قرار نهائي أمس لصالحنا ولزيارات أسبوعية واليوم الصبح اجتمع والدنا ومحامينا مع المفتي قبلان"، والشيخ أحمد قبلان هو مفتي الشيعة وأرفع رجل دين شيعي في لبنان، وأظهرت صورة نشرتها الأسرة ليليان وهي على سرير المستشفى وتمد يدها اليسرى للطفل مجعد الشعر الذي يرتدي قميصا أسود وقالت الأسرة إنه علي البالغ من العمر عامين.

وقالت نوال لرويترز "ما شالت عينها عنه لثانية" وأضافت أنها تأمل في أن تمثل الزيارات دفعة معنوية لليليان تسرع من تعافيها وتماثلها للشفاء، وتمكنت ليليان في الشهر الماضي من نطق أول كلمة في نحو عامين وقالت "ماما" وهو ما فهمته شقيقاتها على أنه مناشدة منها لرؤية طفلها، وقالت الشقيقات لرويترز من قبل إن ليليان تمثل "فجيعة" الأزمات المتعددة في لبنان، الذي اجتمعت فيه تبعات انفجار مدمر على أسر مكلومة، مع المعاناة اليومية التي يواجهها كثير من المواطنين للبقاء ومواصلة العيش في بلد يئن تحت وطأة اقتصاد منهار.

امرأة تجسد الانهيار الكامل للبنان

ظلت ليليان شعيتو تتنفس بصعوبة إلى أن وصلت ممرضة إلى سريرها في المستشفى، إذ قضت الشابة البالغة من العمر 28 عاما العامين الماضيين كلهما تقريبا في معاناة صامتة بعد انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، وباستخدام آلة شفط، أفرغت الممرضة رئتيها من البلغم المتراكم وهدأ صدر شعيتو أخيرا.

لكن القاعات الهادئة في المركز الطبي التابع للجامعة الأمريكية في بيروت- حيث تعيش منذ انفجار الرابع من أغسطس آب 2020- لم تجعلها محمية من الانهيار الذي يعاني منه لبنان، فقد أصبحت ليليان وعائلتها محاصرين وسط أزمات بلدهم المتعددة- من قطاع صحي متدهور لم يعد بإمكانه علاجها، إلى المؤسسات الحكومية المشلولة والبنوك التي حالت دون وصولهم إلى مدخراتهم، وقالت شقيقتها الكبرى نسمة لرويترز "ليليان تمثل معاناة الشعب اللبناني لأنها تعاني من كل هذا".

كانت ليليان قد أصيبت بأضرار بالغة في فصوص دماغها الأمامية تركتها في غيبوبة استمرت لأشهر وتطلبت خضوعها لثلاث عمليات جراحية، وفي يوليو تموز، نطقت بأول كلمة لها منذ ما يقرب من عامين- "ماما"- فهم أشقاؤها أنها صرخة نداء لطفلها الصغير علي، الذي لم تره منذ الانفجار بسبب نزاع على الحضانة مع زوجها.

ولا تزال ليليان مشلولة تقريبا، حيث تتواصل عن طريق إغماض عينيها لتأكيد أمر ما أو إدارة رأسها المغطاة بالضمادات بعيدا لرفضه، وفي أفضل أحوالها، يمكنها أن تلوح تلويحة مرتعشة بيدها اليسرى، الموصولة بمحاليل طبية تمدها بنحو ستة أنواع من الأدوية.

ويشمل ذلك مسكنات للألم وعلاجا للصرع تقول شقيقاتها إنه غير متوفر في لبنان، حيث عرقل الانهيار المالي على مدى ثلاث سنوات استيراد العديد من الأدوية، وتطلب شقيقاتها من الأصدقاء والمعارف القادمين من الخارج إحضار الأدوية، وتدفع ثمنها بالدولار الأمريكي الذي يصعب الوصول إليه مع استمرار انخفاض قيمة العملة اللبنانية.

وتقيم ليليان في غرفة خانقة في الطابق التاسع، بها مروحة صغيرة غير قادرة على تبديد رطوبة الصيف. ومثل العديد من المنازل والمكاتب في جميع أنحاء لبنان التي تكافح من أجل التعامل مع التخفيضات في طاقة شبكة الكهرباء الحكومية والارتفاع الشديد في أسعار الوقود، يقوم المستشفى بترشيد إمدادات الديزل الخاصة من خلال الحد من ساعات عمل تكييف الهواء المركزي.

فقد أبلغ المركز الطبي بالجامعة الأمريكية في بيروت العائلة في فبراير شباط أن المنظمة الخيرية التي تغطي تكاليف إقامتها لم تعد قادرة على تحمل ذلك، وأنه سيتعين عليها الانتقال إلى مركز إعادة تأهيل متخصص لمتابعة علاجها.

وقالت نسمة "تلك المراكز الخاصة تطلب المال، وللأسف لا نستطيع تحمل ذلك- ولا حتى جزء منه- لأن أموالنا في البنوك"، وتملك شقيقتهما الكبرى نوال حوالي 20 ألف دولار ادخرتها في حساب بالعملة الأمريكية في بنك عودة وتريد استخدامها في علاج ليليان، لكن منذ اندلاع الأزمة المالية في عام 2019، منع العديد من البنوك اللبنانية العملاء من سحب مدخراتهم بالعملة الصعبة من خلال ضوابط غير رسمية على رأس المال.

وتفرض البنوك سقفا على عمليات السحب النقدي الشهرية بالدولار الأمريكي وتسمح بسحب مبالغ محدودة أخرى بالليرة اللبنانية بسعر أقل بكثير من سعر السوق الموازية، وتقول البنوك إن القيود تمنع تدفق العملاء لسحب الودائع، لكن بعض الناس يقولون إنها لا تنطبق على الأغنياء وذوي النفوذ، وتركت الحكومات المتعاقبة الانهيار المالي يتفاقم حتى مع تسببه في انزلاق غالبية السكان في أتون الفقر، ويُلقى باللوم على نطاق واسع في عرقلة الحلول على مصالح الطوائف الحاكمة التي تمكنت من الحفاظ على قبضتها على السلطة في انتخابات مايو أيار، وتزعم عائلة ليليان ومحاميها أن القيود تعرقل تعافيها لأن سحب الأموال بسعر البنك المنخفض سيقلل من قيمتها، وقال فؤاد دبس، الشريك المؤسس لرابطة المودعين اللبنانيين، إن ذلك سيمثل في نهاية المطاف خفضا غير رسمي في القيمة بأكثر من 80 بالمئة، وأضاف لرويترز "نوال ادخرت المال وهي الآن بحاجة للمال لتنفقه على ليليان لكن البنك ... لا يسمح لها بسحب المال"، وردا على أسئلة عبر البريد الإلكتروني من رويترز، قال متحدث باسم بنك عودة إن القيود تفرضها الأزمة اللبنانية وليس بنك عودة.

وذكر المتحدث أن البنك حريص بشكل عام على تقديم دعم استثنائي بما في ذلك دفع تكاليف الرعاية الطبية، وقال إنه لم يمتنع أبدا عن تقديم أي دعم ممكن لليليان، لكنه لم يذكر ما إذا كان قد سمح للعائلة على وجه التحديد بعمليات سحب استثنائية لدفع تكاليف رعايتها.

ورفعت رابطة المودعين أكثر من 350 دعوى قضائية على بنوك لبنانية على مدى السنوات الثلاث الماضية، معظمها لعملاء يسعون للوصول غير المقيد إلى مدخراتهم من أجل دفع رسوم التعليم أو الرعاية الصحية، وكسب بعض العملاء القضايا لكن العديد لم يحصلوا على حكم بعد، وفي مثال آخر على كيفية تأثير الانهيار اللبناني على ليليان، فإن إضرابا مفتوحا في المحاكم جعل الرابطة غير قادرة على تقديم شكوى ضد بنك عوده خلال الشهر الماضي، وقال دبس "إنه انعكاس لانهيار النظام برمته".

انهيار صوامع إضافية من اهراءات بيروت

انهارت صوامع إضافية من إهراءات مرفأ بيروت تزامناً مع إحياء المئات في الشارع الذكرى السنوية الثانية للانفجار المروع الذي هزّ العاصمة اللبنانية في الرابع من آب/أغسطس 2020، وفق ما أفاد مراسلون لوكالة فرانس برس.

وذكرت وسائل اعلام محلية أن أربع صوامع انهارت بعدما كانت في وقت سابق قد انفصلت عن بقية المبنى المتصدع، ويأتي ذلك بعد أربعة أيام على انهيار صومعتين من الإهراءات التي امتصت، وفق خبراء القسم الأكبر من عصف الانفجار لتحمي بذلك الشطر الغربي من العاصمة من دمار مماثل لما لحق بشطرها الشرقي، وتحولت الإهراءات رمزا لانفجار مرفأ بيروت، الذي تسبب بمقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، ويأتي انهيار الصوامع بعد أسابيع على اندلاع حريق في القسم الشمالي منها نتج، وفق السلطات وخبراء، عن تخمر مخزون الحبوب مع ارتفاع درجات الحرارة ونسبة الرطوبة.

وحذرت السلطات اللبنانية الأسبوع الماضي من أن الجزء الشمالي المتصدّع جراء الانفجار معرّض لـ"خطر السقوط"، وسبق للحكومة أن أقرت في نيسان/أبريل هدم الإهراءات خشية على السلامة العامة، لكنها علّقت تطبيقه بعد اعتراضات من جهات عدة بينها لجنة أهالي الضحايا التي تطالب بتحويل الاهراءات الى معلم شاهد على الانفجار وتخشى تخريب موقع الجريمة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي