اللامساواة العالميّة

شبكة النبأ

2021-12-21 06:41

بقلم: مايكل روبرتس

أصبح العالم أكثر تفاوتاً في الدخل والثروة في السنوات الأربعين الماضية. هذا بحسب تقرير «اللامساواة العالمية 2022». تم إعداد التقرير من قبل World Inequality Lab، الذي يديره توماس بيكيتي ومجموعة تشمل أكثر من 100 محلّل اقتصادي من جميع أنحاء العالم. يتضمن التقرير أحدث البيانات وأكثرها اكتمالاً حول مختلف جوانب اللامساواة في جميع أنحاء العالم: اللامساواة في الثروة العالمية، والدخل، واللامساواة بين الجنسين، واللامساواة البيئية.

يشير التقرير إلى أنه في عام 2021، أي «بعد ثلاثة عقود من العولمة التجارية والمالية، لا تزال التفاوتات العالمية واضحة للغاية... تقريباً كما كانت في ذروة الإمبريالية الغربية في مطلع القرن العشرين». ورغم أن تقرير اللامساواة العالمي وجد أن التفاوتات بين الدول قد تراجعت منذ نهاية الحرب الباردة (ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع مستويات المعيشة في الصين)، إلا أنه لفت إلى أن عدم المساواة قد ازداد داخل معظم البلدان، وأصبح أكثر وضوحاً نتيجة جائحة كورونا على مدى العامين الماضيين.

التركّز العالمي للثروة الشخصية أصبح متطرّفاً. وفقاً للتقرير، يمتلك أغنى 10% من الراشدين في العالم ما بين 60% و80% من الثروة، بينما يملك النصف الأفقر أقل من 5% منها.

هذه نتيجة مماثلة للدراسة الاستقصائية المهمة عن التفاوت العالمي في الثروة التي ينتجها كل عام مصرف Credit Suisse. يخلص هذا التقرير إلى أن 1% فقط من الراشدين في العالم يملكون 45% من مجمل الثروات الشخصية، بينما لا يملك نحو 3 مليارات شخص أي شيء، نسبياً.

إن اللامساواة في الثروة أعلى بكثير من اللامساواة في الدخل. لكنّ التفاوت في الدخل لا يزال مرتفعاً للغاية. توصّل تقرير «اللامساواة العالمية» إلى أن أغنى 10% من سكان العالم يأخذون حالياً 52% من الدخل العالمي، مقارنة بحصة 8% فقط للنصف الأفقر من السكان. في المتوسط، حصل الفرد من شريحة الأعلى 10% من توزيع الدخل العالمي على 100 ألف و122 دولاراً سنوياً في عام 2021، بينما الفرد من النصف الأفقر من السكان حصل على ما معدّله 3920 دولاراً فقط في السنة، أي 30 مرّة أقل!

في الواقع، إن حصّة دخل النصف الأفقر من سكان العالم تبلغ نحو نصف ما كانت عليه في عام 1820، أي قبل الانفصال بين الدول الغربية ومستعمراتها. بعبارة أخرى، أدّى صعود الإمبريالية باعتبارها «المرحلة الأخيرة» من الرأسمالية، إلى زيادة اللامساواة في الدخل على مستوى العالم. حصّة الدخل الشخصي لأفقر 50% من الراشدين في العالم، أو نحو 3 مليارات شخص، هي نصف ما كانت عليه في عام 1820! هذا يجعل عبارة «التنمية المتساوية والمشتركة» بعد 200 عام من الرأسمالية، أمراً مثيراً للسخرية.

حصّة الدخل الشخصي لأفقر 50% من الراشدين في العالم هي نصف ما كانت عليه في عام 1820.

بالعودة إلى الثروة، يشير تقرير «اللامساواة العالمية» إلى أنه بينما «أصبحت الدول أكثر ثراءً أصبحت الحكومات أكثر فقراً». على مدى السنوات الأربعين الماضية، أصبحت البلدان أكثر ثراءً بشكل ملحوظ، لكن حكوماتها أصبحت أكثر فقراً في الوقت نفسه. إن حصّة الثروة التي تملكها الجهات العامة قريبة من الصفر، أو حتى سلبية، في البلدان الغنية، ما يعني أن الثروة الإجمالية هي في أيدي القطاع الخاص». بصفته المؤلّف الرئيسي للتقرير، قال لوكاس تشانسيل، من كلية باريس للاقتصاد، أن «ما نحتاج إليه لزيادة المساواة ومكافحة الأزمة المناخية وتهيئة الظروف لحياة كريمة للجميع، هو الاكتفاء الخاص والرفاهية العامة، ولكن ما كان يحدث هو العكس».

في القرن الواحد والعشرين، ازداد التفاوت في الثروة بشكل كبير. في الواقع، زادت ثروة أغنى 50 شخصاً على وجه الكرة الأرضية بنسبة 9% سنوياً بين عامَي 1995 و2001، كما ارتفعت ثروة أغنى 500 شخص بنسبة 7% سنوياً. ونما متوسط الثروة العالمي بأقل من نصف هذا المعدل، أي بنسبة 3.2% خلال الفترة نفسها. منذ عام 1995، استحوذ أغنى 1% من السكان على 38% إضافية من إجمالي الثروة العالمية في آخر 25 سنة، بينما استحوذ أفقر 50% على 2% إضافية منها فقط.

ازدادت حصة أغنى 0.01% من الراشدين من الثروة الشخصية العالمية من 7.5% في عام 1995 إلى 11% الآن. وازدادت حصة عدد السكان المليارديرات من 1% إلى 3.5%.

لقد أدى العامان الأخيران من الجائحة إلى تسريع وتيرة اللامساواة. خلال الموجات الأولى من الجائحة، نمت ثروة المليارديرات العالميين بقيمة 3.7 تريليونات دولار. وفقاً لشانسل، فإن هذا المبلغ «يعادل تقريباً إجمالي الإنفاق السنوي على الصحة العامة من قبل جميع الحكومات في العالم قبل الجائحة، أي نحو 4 تريليونات دولار». (بلغ إجمالي الإنفاق على الصحة من جميع المصادر 7.8 تريليونات دولار في عام 2017 وفقاً لمنظمة الصحة العالمية). ولكن في الفترة نفسها، وقع 100 مليون شخص إضافي حول العالم تحت خط الفقر المدقع نتيجة لتبعات الجائحة الاقتصادية.

إن الأثرياء هم من يصنعون أكبر قدر من انبعاثات الكربون (من خلال النقل والسفر) ويحصدون أكبر قدر من فوائد اللقاحات لتجنّب المرض والموت.

كل من جائحة كورونا والتغيّر المناخي يؤديان إلى زيادة حصة الأثرياء من الثروة والدخل. يقول لوكاس تشانسيل: «إن اللامساواة الاقتصادية العالمية تغذّي الأزمة البيئية وتجعل معالجتها أمراً صعباً. من الصعب أن نرى كيف يمكننا تسريع الجهود لمعالجة التغير المناخي من دون المزيد من إعادة توزيع الدخل والثروة». تتفق جميع الوكالات الدولية التي تتعامل مع التغير المناخي وجائحة كورونا مع تشانسيل. قال تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في جلسة خاصة لجمعية الصحة العالمية: «إن الأمن الصحي العالمي مهم للغاية بحيث لا يمكن تركه للصدفة أو النوايا الحسنة أو تغيير التيارات الجيوسياسية أو المصالح الراسخة للشركات والمساهمين». وفي الأسبوع الماضي، أصدرت مجموعة من 40 من المقرّرين الخاصّين في الأمم المتحدة، بياناً جاء فيه أن «معالجة الأزمة الصحية بشكل منصف يجب أن تأخذ في الاعتبار الأولوية على تعظيم أرباح الشركات وتخزين اللقاحات من قبل البلدان ذات الدخل المرتفع»، لكن لن يتم فعل أي شيء لمعالجة هذه التفاوتات في الثروة والدخل والصحة.

* نُشر هذا المقال على المدوّنة الخاصة بمايكل روبرتس Thenextrecession.wordpress.com.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا