اضطرابات لبنان: بين بريق الإصلاح وسوط الفساد
عبد الامير رويح
2021-03-23 03:46
يواجه لبنان ازمة اقتصادية خطيرة هي الأسوأ منذ عقود، تفاقمت حدتها بشكل كبير بعد والانفجار الهائل في مرفأ بيروت، في أغسطس 2020، الذي أدى إلى مقتل 211 شخصا وإصابة أكثر من 6000 آخرين. حيث اصبح الاقتصاد اللبناني وكما نقلت بعض المصادر، على حافة الانهيار بسبب الأزمات والمشكلات السياسية وتفاقم ظاهرة الفساد وجائحة كورونا. كما فقدت الليرة اللبنانية الكثير من قيمتها منذ كانون الثاني/يناير 2020، ناهيك عن احتياطي الدولار الأميركي الذي أصبح محدوداً لدرجة أن المصارف عمدت الى فرض قيود على عمليات السحب.
ويعتمد اقتصاد لبنان خلال العقود الثلاثة الماضية على السياحة والخدمات وفي مقدمتها الخدمات المالية. ومنذ نهاية الحرب الأهلية نهاية ثمانينات القرن الماضي لم يتمكن من تفعيل قطاعاته الانتاجية مجددا كالزراعة والصناعات التحويلية الخفيفة ومختلف الحرف اليدوية. وينحو اللبنانيون باللائمة في الوضع الكارثي الذي آل إليه اقتصاد بلادهم على عقود من الفساد وارتفاع أسعار المواد الغذائية ومعدلات البطالة. كما لجأت الحكومات المتعاقبة إلى وضع ضوابط للتحكم في رأس المال، ما حال دون تمكن اللبنانيين من سحب مدخراتهم من العملة الصعبة.
ويعيش أكثر من نصف السكان الآن في فقر وحرمان، وفقا للبنك الدولي، بينما تنذر أزمة سياسية مستعصية بمزيد من الانهيار. ويحصل الغالبية العظمى الموظفين على رواتبهم بالليرة اللبنانية، مما يعني أن دخولهم تنخفض أكثر بينما ترتفع الأسعار، وتتبخر المعاشات التقاعدية. وأثار ارتفاع سعر صرف الدولار سلسلة احتجاجات شعبية وقطع للطرق في كافة المناطق، كما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية وانخفاض القدرة الشرائية للبنانيين.
وسجل سعر صرف الدولار مقابل الليرة (العملة المحلية) ارتفاعاً بلغ 15 ألف ليرة، للمرة الأولى، ومنذ 3 أسابيع يشهد لبنان احتجاجات شعبية تندد بتردي الأوضاع المعيشية واستمرار تدهور سعر صرف العملة المحلية، في بلد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية. واستنزفت الأزمة ايضاً الاحتياطيات الأجنبية، ما أدى إلى تحذيرات شديدة من أن البنك المركزي لم يعد بإمكانه تمويل دعم بعض السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود.
انتقادات ومخاوف
وفي هذا الشأن قال وزير الخارجية الفرنسي إن الوقت ينفد أمام جهود منع انهيار لبنان وإنه لا يرى أي بادرة على أن السياسيين اللبنانيين يبذلون ما في وسعهم لإنقاذ بلادهم. وقادت فرنسا جهودا دولية لإنقاذ لبنان وحاولت استغلال نفوذها التاريخي لإقناع الساسة المتناحرين بتبني خارطة طريق للإصلاح وتشكيل حكومة جديدة تفتح الطريق أمام الحصول على مساعدات دولية.
وقال الوزير جان إيف لو دريان في مؤتمر صحفي في باريس "أميل لاعتبار السياسيين اللبنانيين مذنبين بعدم مساعدة بلد في خطر". وأضاف "جميعهم تعهدوا بالعمل على تشكيل حكومة لا تقصي أحدا كما تعهدوا بتنفيذ إصلاحات ضرورية. كان ذلك قبل سبعة أشهر لكن لم يحدث أي شيء. أعتقد أن الأوان لم يفت لكن لا مجال للتأجيل قبل الانهيار". وتقوم مجموعات من المحتجين بإحراق الإطارات يوميا لإغلاق الطرق منذ أن هوت العملة اللبنانية إلى مستوى جديد مما أدى إلى تفاقم الغضب الشعبي من الانهيار المالي.
وقال لو دريان "الأمر يعود للسلطات اللبنانية كي تقرر مصيرها بيدها وهي تدرك أن المجتمع الدولي يراقب بقلق ... ما زال هناك وقت للتحرك اليوم لكن غدا سيكون الوقت قد فات". وزاد تعقيد الأزمة الاقتصادية في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في أغسطس آب مما أسفر عن تدمير مناطق بأكملها في العاصمة وسقوط 200 قتيل. وأفضى الانفجار إلى استقالة حكومة رئيس الوزراء حسان دياب لكنها تواصل تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.
وحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار لبنان مرتين منذ انفجار المرفأ - بدون جدوى حتى الآن - الدفع في اتجاه تشكيل حكومة مستعدة للقيام بإصلاحات هيكلية لإخراج لبنان من أزمته السياسية والاجتماعية فيما أعدت المجموعة الدولية خطة مساعدة مرفقة ببعض الشروط بينها تشكيل حكومة. بدورها، أعربت الولايات المتحدة عن "قلقها" إزاء "التقاعس الواضح للزعماء اللبنانيين في مواجهة الأزمات العديدة الراهنة". ومنذ تسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة في كانون الثاني/يناير، أكّدت الولايات المتّحدة أنّها ستكون على نفس الخط مع فرنسا في مقاربة الملف اللبناني. بحسب فرانس برس.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين في واشنطن إنّ "اللبنانيين يستحقّون حكومة تنفّذ بشكل عاجل الإصلاحات اللازمة لإنقاذ اقتصاد البلاد الذي لا ينفكّ يتدهور" والذي "يمرّ بأزمة بسبب عقود من الفساد وسوء الحكم". وأضاف أنّه "يجب على القادة السياسيين في لبنان أن يضعوا جانباً مزايداتهم الفئوية وأن يغيّروا سلوكهم. يجب عليهم أن يعملوا في سبيل المصلحة العامّة للبنانيين".
رفع الدعم الحكومي
لتأمين قوت عائلتها، وجدت ساندرا الطويل نفسها مجبرة على بيع البراد والغسالة. لكن ما جنته لن يخدمها طويلاً في ظل ازمة معيشية خانقة، وتتخوف من رفع الدعم الحكومي عن سلع أساسية، ما قد يجعل تأمين قوت عائلتها مستحيلا. وشهدت الأسابيع الأخيرة ارتفاعاً جديداً في أسعار السلع والخدمات كافة، من الخبز والمواد الغذائية المستوردة بغالبيتها، مروراً بالبنزين وتعرفة سيارات الأجرة، وصولاً الى فاتورة المولّد الكهربائي وسط تقنين قاس في التيار. علما أن جزءا كبيرا من هذه السلع مدعوم من الدولة.
وعام 2019، اختارت ساندرا وزوجها الانتقال من دبي إلى بيروت حيث افتتحا صالون تزيين خاصا بهما. لكنّ الحلم الذي عملا طويلاً لتحقيقه اصطدم بانهيار اقتصادي غير مسبوق. وتقول ساندرا (40 عاماً)، وهي أم لطفلين، "وصلت الى درجة بعت غسالتي وبرادي حتى نؤمن قوتنا اليومي وإيجار المنزل". ثم تسأل بانفعال "نعيش أساساً حالة تقشّف. ماذا سنأكل إذا كنا غير قادرين على شراء الأرز والقمح والعدس؟". وتعتاش العائلة التي توقفت عن شراء اللحوم والدجاج، من مساعدات غذائية تقدمها جمعية "بيت البركة" غير الحكومية التي تتولى كذلك دفع الأقساط المدرسية للطفلين.
وعلى غرار ساندرا، وجد لبنانيون كثر أنفسهم تدريجياً خلال العام الماضي عاجزين عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، على وقع ارتفاع جنوني في الأسعار ارتبط أساساً بانهيار سعر الليرة التي خسرت أكثر من ثمانين في المئة من قيمتها مقابل الدولار. وأدّت الأزمة التي تفاقمت بفعل تفشي فيروس كورونا ثم انفجار المرفأ المروع، الى ارتفاع نسبة البطالة وإقفال مؤسسات وشح السيولة في ظل قيود مصرفية مشددة قائمة منذ أكثر من سنة.
في هذه الأثناء، بدأ احتياطي المصرف المركزي بالدولار يتضاءل، ما ينعكس سلباً على قدرته في استمرار دعم السلع الأساسية كالطحين والوقود والأدوية. وتدرس السلطات، بدفع من المصرف المركزي، منذ أشهر ترشيد أو رفع الدعم عن استيرادها، في خطوة يحذّر محللون من أثرها على الفقراء، وهم أكثر من نصف عدد السكان، وعلى معدل التضخم. وتتلقى جمعية "بيت البركة" مئات الرسائل يوميا طلباً للمساعدة. وتقول مؤسّستها مايا ابراهيم شاه "لاحظنا منذ أربعة أشهر تقريباً ازدياد الطلبات بشكل كبير".
وتساعد المنظمة حالياً نحو 226 ألف شخص شهرياً، عبر دفع أقساط مدرسية ورعاية صحية. كما تدير سوبرماركت مجانية في بيروت. وتوضح ابراهيم شاه "من نساعدهم حالياً كانوا كلهم من الطبقة الوسطى" التي يقول محللون إن الأزمة الراهنة قضت عليها. وتتوقّع ارتفاع عدد من سيحتاج المساعدة اذا تمّ رفع الدعم أو تخفيفه. وتشكل السلع المدعومة صمام أمان خصوصاً للعائلات الأكثر فقراً. وتسمح صيغة الدعم المعمول بها التي تصل قيمتها الى 437 مليون دولار شهرياً وفق البنك الدولي، بكبح أسعار نحو 300 سلعة أساسية بدأت الدولة تدفع جزءا من كلفتها منذ الصيف.
ويوفر المصرف المركزي الدولار للمستوردين وفق سعر الصرف الرسمي (1507 ليرات)، بما يغطي الجزء الأكبر من قيمة المواد التي يراد استيرادها، بينما يعود لهم تأمين 10 الى 15 في المئة من المبلغ المتبقي من السوق السوداء، حيث لامس سعر الصرف عتبة العشرة آلاف في معدل قياسي. وفي مقابلة في كانون الأول/ديسمبر، حذر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من أن المصرف يستطيع تمويل الدعم لشهرين إضافيين فقط. وقال في تصريح لاحق إن لديه ملياري دولار لتأمين الدعم. وفي شباط/فبراير، بلغ احتياطي الدولار 17,9 مليار، وفق موقعه الإلكتروني، 17,5 مليار منها هو احتياطي إلزامي يفترض عدم المس به.
وتنصّ خطة عمل أرسلها وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة على رفع تدريجي للدعم، مقابل تأمين مساعدات مالية مدروسة على مدار سنوات عدة. وبحسب الخطة، يتم أولاً رفع الدعم عن السلة الاستهلاكية المكونة من 300 سلعة، إضافة إلى الخبز والوقود. وتجري بعد ذلك مراجعة لأسعار كهرباء لبنان. في المقابل، يتلقى 80 في المئة من السكان خلال العام الأول دعماً مالياً بقيمة 50 دولاراً للشخص البالغ و25 دولاراً للطفل، على أن يتراجع بعد مرور عام عدد المستفيدين كما قيمة الدعم تدريجياً.
ويحذّر برنامج الأغذية العالمي من "آثار تضخمية كبيرة" إذا تم ترشيد الدعم، متوقعاً أنّ يرتفع سعر الخبز بين مرة ونصف إلى ثلاث مرات والوقود أكثر من أربع مرات. ويشدد البرنامج الذي قدّم العام 2020 مساعدات غذائية ومالية لـ417 ألف لبناني، ويستعد لدعم 50 ألف عائلة شهرياً في المرحلة المقبلة، على ضرورة "العمل فوراً لزيادة المساعدات الاجتماعية للفئات الأكثر فقراً" لتخفيف تداعيات رفع الدعم.
ووافق البنك الدولي مطلع العام على تقديم مساعدة طارئة بقيمة 246 مليون دولار على شكل تحويلات مالية وخدمات اجتماعية لنحو 786 ألف لبناني من الأسر الاكثر فقراً. وتمرّ الأيام ثقيلة على ناصر جمعة (56 عاماً) الذي يحاول تأمين قوت عائلته، فيما لا يجد ابنه (25 عاماً) عملاً. ويقول "سيكون رفع الدعم كارثياً"، مشككاً بقدرة الدولة على دعم الفقراء. ويضيف "هذا كله مجرد كلام، لا نثق بالدولة". ويعمل الرجل كسائق خاص براتب قيمته 1,6 مليون ليرة، أي 160 دولارا بعدما كان يعادل أكثر من ألف دولار قبل الأزمة. ويقول "سنصل إلى يوم نعجز عن شراء ما نأكل ونشرب".
الجيش وقوات الأمن
على صعيد متصل تتنامى مشاعر الاستياء في صفوف قوات الأمن اللبنانية بعد أن تآكلت قيمة رواتبهم بفعل انهيار العملة، في وقت تتصاعد فيه الاضطرابات وتتفشي الجريمة. وفي تعليقات صريحة على نحو غير معتاد، قال قائد الجيش العماد جوزيف عون إن تحذيراته من أن الضغط المادي والمعنوي على الجنود ربما يؤدي إلى "انفجار" لم تجد آذانا صاغية.
وانهارت الليرة وفقدت 85 في المئة من قيمتها منذ أواخر 2019، تحت وطأة أزمة مالية تمثل أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. وقال عون "العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب" وتساءل "أتريدون جيشا أم لا؟ أتريدون مؤسسة قوية صامدة أم لا؟". وتدنت قيمة الراتب الأساسي الشهري للجندي أو رجل الشرطة، من حوالي 800 دولار، لأقل من 120 دولارا في الوقت الراهن.
ودفعت تخفيضات الميزانية الجيش إلى استبعاد اللحوم من قائمة وجباته في العام الماضي. وتبرعت السفارة الفرنسية بعبوات غذائية للجيش اللبناني الذي يحظى منذ زمن طويل بدعم الدول الغربية.ويحذر بعض المسؤولين من أن قوات الأمن ستجد صعوبة في احتواء الاضطرابات. وأكثر من نصف اللبنانيين فقراء الآن، مع انخفاض الأجور بشكل عام وارتفاع الأسعار وعدم وجود خطة إنقاذ حكومية في الأفق. وكانت هذه هي الحال حتى قبل أن تهبط العملة لمستوى قياسي في أعقاب شهور من الشلل السياسي.
ونفى الجيش وقائده ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال تقارير وسائل الإعلام المحلية في الآونة الأخيرة عن أن الصعوبات الاقتصادية دفعت جنودا إلى الهرب من الخدمة. لكن ثلاثة مصادر أمنية إن تصاعد الضغوط على العسكريين من الرتب الدنيا يثير بالفعل المخاوف من فرار الجنود. وقال أحد أفراد الأمن، طالبا عدم كشف هويته، إنه يريد المغادرة بعد سنوات طويلة في الخدمة لأنه لم يعد قادرا على دفع الإيجار. أضاف أنه يعرف ثلاثة آخرين فروا من الخدمة، وهو عمل يعاقب عليه القانون، معربا عن مخاوفه من أن القادة العسكريين سيرفضون إذا قدم طلبا للرحيل. وقال "إذا ما زبط آخر شي بدي التجئ لقرار الفرار و أهرب"، مضيفا أنه كان يستطيع شراء كل ما يحتاجه أطفاله، لكنه لم يعد قادرا الآن على شيء سوى شراء بعض سلع البقالة.
وقال مصدر أمني آخر إن حالات الفرار من الجيش لا تزال في حدود الأرقام المعتادة قبل الأزمة، إلا أن هناك خططا لزيادة المساعدات بهدف تجنب حدوث زيادة. وأضاف "عم نشعر بالخنقة بس عم نصمد". ومضى يقول إن الشعور بالواجب الوطني إضافة إلى تضاؤل فرص العمل في جميع أنحاء لبنان ساعدا في منع حدوث اضطرابات في صفوف القوات، لكنه حذر من دفعهم إلى حافة الهاوية.
ومن المتوقع زيادة الاضطرابات في لبنان في ظل ما يعيشه من توتر. فقد أحرق محتجون الإطارات وأغلقوا الطرق الرئيسية منذ انخفاض الليرة إلى أدنى مستوى لها. وقال مصدر أمني إن الانهيار الاقتصادي أفضى إلى زيادة في جرائم السطو مع تزايد أعداد محاولات سرقة الطعام أو حليب الأطفال أو الأدوية. وأشار إلى حدوث زيادة في جرائم توقيف السيارات وسرقتها تحت تهديد السلاح.
وفي 2020، قفزت جرائم القتل 91 بالمئة مقارنة بالسنة السابقة لها حسبما ذكرت شركة (الدولية للمعلومات) للأبحاث استنادا لبيانات الشرطة. وارتفعت جرائم السرقة بنسبة 57 في المئة وبلغت سرقات السيارات أعلى مستوى في تسع سنوات. وقالت جمعية "يازا" الخيرية للسلامة على الطرق إن حوالي 10 آلاف من أغطية بالوعات الصرف الصحي اختفت في بيروت، إذ يبيع اللصوص الأغطية المصنوعة من الحديد الزهر بسعر 100 دولار للواحدة، وهو مبلغ يفوق الحد الأدنى للأجور في لبنان. بحسب رويترز.
ودفعت مخاوف السرقات الكثيرين إلى توخي الحذر، وعلى سبيل المثال تجنب استخدام ماكينات الصراف الآلي ليلا. وقال ثمانية، من بينهم مصمم ومهندس، إن هذا الوضع دفعهم لشراء مسدس. وقال خضر عثمان وهو صاحب متجر "ما عندي مصاري لأشتري سلاح لو عندي كنت أشتريته ورخصته وخليته بالمحل... اليوم ما في أمن.. الدولة ملبكة (في فوضى)".
كما انتقد قائد الجيش العماد جوزيف عون السياسيين الطائفيين في لبنان لتعاملهم مع الأزمة، محذرا من عدم استقرار الوضع الأمني، مضيفا أن الضباط العسكريين جزء من المجتمع اللبناني الذي يعاني من صعوبات اقتصادية. وقال "العسكريون يعانون ويجوعون مثل الشعب". ووجه حديثه للمسؤولين قائلا "إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره".
ازمة الكهرباء
من جانب اخر حذر وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر من أن لبنان قد يتجه الى "العتمة الشاملة" ما لم يتم توفير المال اللازم لشراء الفيول المشغلّ للمعامل. ويواجه لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية، منذ ثلاثة عقود على الأقل مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذي المعامل المتداعية، وساعات تقنين طويلة تتخطى 12 ساعة. وأجبر ذلك غالبية المواطنين على دفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة، التي تعوض نقص إمدادات الدولة.
وقال غجر بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، وفق تصريحات نقلتها الوكالة الوطنية للإعلام، "لبنان قد يذهب الى العتمة الشاملة في نهاية الشهر الجاري في حال عدم منح مؤسسة كهرباء لبنان مساهمة مالية لشراء الفيول". وأضاف "المشكلة اليوم تتلخص بعدم توافر الأموال اللازمة لشراء الفيول" بعدما كان يتم الاعتماد حتى الآن على الأموال المرصودة في موازنة العام 2020. ولم يقر لبنان بعد موازنة العام 2021 على وقع الانهيار المتمادي وشح السيولة وتضاءل احتياطي مصرف لبنان بالدولار.
وطلبت وزارة الطاقة منحها سلفة بقيمة 200 مليار ليرة من احتياطي الموازنة لتوفير الحاجة الملحة لمؤسسة كهرباء لبنان من إجمالي 1500 مليار تحتاجها لتأمين الكهرباء. ودعا رئيس البرلمان نبيه بري اللجان النيابية المعنية الى جلسة لدرس بندين، أحدهما اقتراح قانون معجل مكرر لمنح كهرباء لبنان هذه السلفة. ويؤمن لبنان منذ مطلع العام الفيول الضروري لتشغل معامل انتاج الكهرباء عبر بواخر، بعد انتهاء عقد مع شركة سوناطراك من دون تجديده، إثر نزاع قانوني على خلفية ما عرف بقضية "الفيول المغشوش".
ويجري لبنان مفاوضات مع السلطات العراقية لتزويده بـ500 ألف طن من الفيول أويل الثقيل، مقابل حصول العراق على أدوية وسلع لبنانية. إلا أنه لم يتم الاعلان عن التوصل الى اتفاق نهائي، خصوصا أن النفط العراقي غير مطابق للمواصفات ويعتزم لبنان مبادلته بنفط مطابق. وحذّر غجر من "عواقب كارثية" على كافة القطاعات. وقال "تخيّل حياتك بلا كهربا بلا انترنت بلا تلفون بلا مستشفى بلا لقاح.. انا شخصيا أشعر أن ذلك سورياليا ليس طبيعيا ان تعيش في القرن الـ21 بلا كهرباء".
وأثارت تصريحات غجر انتقادات واسعة، وتصدّر وسم #وزير_الطاقة موقع تويتر. وكتبت إحدى المستخدمات "المفروض أن نخبر وزير الطاقة حتى يجد لنا حلاً". وعلّق آخر "السوريالي هو أن يكون لدينا هكذا مسؤولين". ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساساً. وقد كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). ويشكل اصلاح هذا القطاع شرطاً رئيسياً يطالب به المجتمع الدولي منذ سنوات، إذ شكل أبرز مقررات مؤتمر سيدر لدعم لبنان العام 2018، ومن أبرز طلبات صندوق النقد الدولي العام الماضي.