مذكرات أوباما: النصف الممتلئ من كوب السياسة الامريكية
عبد الامير رويح
2020-12-08 07:42
الجزء الأول من مذكرات الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، والتي حملت عنوان «الأرض الموعودة او أرض الميعاد»، استعرض فيها الكثير من الاسرار والخفايا والتحليلات المهمة، حيث كشف أول رئيس أميركي من أصول أفريقية من خلال هذه المذكرات وكما نقلت بعض المصادر، عن محطات كثيرة في مسيرته السياسية والشخصية قبل وأثناء توليه الإدارة الأمريكية لولايتين رئاسيتين، وهى المذكرات التي صاحبها بطبيعة الحال، ردود فعل واسعة.
ويرى الكاتب والصحافي الأميركي، جورج باكر، في مقال لمجلة "الأتلانتك" أن أوباما تحدَّث بصراحة غير معهودة في مذكرات الرؤساء، ووضع بعض إجراءاته خلال الرئاسة تحت المجهر منتقدا ذاته بعمق، وهو ما يراه باكر امتداد للطريقة التي ألَّف بها أوباما كتابه الأول في عام 1995 بعنوان "أحلام من أبي". كما تحدث الرئيس الـ44 للولايات المتحدة، ، في هذا الكتاب عن سياساته في الشرق الأوسط، وثورات "الربيع العربي". وعن "تعاطف علني" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع جماعة "الإخوان المسلمين"، معتبراً أن التزامه بالديمقراطية وحكم القانون مرتبط بـ"حفاظه على سلطته".
وتحدث ايضاً عن الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 " وعن سوريا وليبيا ومصر وايران ودول اخرى، وأفادت وكالة "أسوشييتد برس" بأن كتاب أوباما باع نحو 890 ألف نسخة في الولايات المتحدة وكندا، في الساعات الـ 24 الأولى بعد نشره، معتبرة أن ذلك "يضعه على المسار الصحيح ليصبح المذكرات الرئاسية الأكثر مبيعاً في التاريخ الحديث". وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، بدأ أوباما فى بعض الأحيان وكأنه بعيد عن الساحة حيث تصدرت عناوين الصحف بشكل متقطع عندما وجه الرئيس ترامب اللوم له على سوء الأحوال في بعض القطاعات الامريكية.
ويعتبر الكتاب الجزء الأول من مجلدين مخطط لهما كتبهما أوباما بعد فترة توليه رئاسة الولايات المتحدة من 2009 إلى 2017. وقال أوباما في تغريدة عقب الإعلان عن النشر. من الكتاب الذي يهدف إلى "تقديم تقرير صادق عن رئاستي، والقوى التي نكافح معها كأمة، وكيف يمكننا معالجة انقساماتنا وجعل الديمقراطية تعمل للجميع". ويختتم الكتاب بأحداث مقتل أسامة بن لادن عام 2011.
ماذا قال عن زعماء العالم
ويسترجع أوباما في كتابه ذكريات رحلاته في شتى أرجاء العالم، باعتباره الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة ولقاءاته مع زعماء العالم. فمن من الزعماء ترك لديه انطباعا جيدا ومن لم يترك؟ ووصف أوباما في مذكراته ديفيد كاميرون، المحافظ الذي تلقى تعليمه في كلية إيتون، وشغل منصب رئيس وزراء بريطانيا خلال الفترة من 2010 إلى 2016 بأنه "هاديء وواثق"، وأنه كان يتمتع "بثقة طبيعية لشخص لم تتعرض حياته لضغوط شديدة من قبل".
وقال أوباما إنه كان يشعر بارتياح تجاهه كشخص ("أحببته شخصيا، حتى عندما كنا نختلف")، لكنه لم يخف حقيقة عدم اتفاقه مع سياساته الاقتصادية. وكتب: "التزم كاميرون على نحو وثيق بعقيدة السوق الحرة، فبعد أن وعد الناخبين بأن برنامجه الرامي إلى خفض العجز وتخفيض الخدمات الحكومية، فضلا عن الإصلاح التنظيمي وتوسيع رقعة التجارة، سيفضي إلى حقبة جديدة للقدرة التنافسية البريطانية". وأضاف أوباما: "بدلا من ذلك، كما كان متوقعا، سقط الاقتصاد البريطاني في ركود أعمق".
وقال أوباما إن الرئيس الروسي كان يذكّره ببارونات السياسة الذين التقى بهم في بدايات حياته المهنية في ولاية شيكاغو. وأضاف أنه كان "مثل حاكم مقاطعة، ولكنه لديه أسلحة النووية وحق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة". وقال أوباما: "ذكرني بوتين في واقع الأمر بنوعية رجال كانوا يديرون شيكاغو ، هم شخصيات صارمة تتمتع بدهاء لا تأبه للعاطفة، يعرفون ما يعرفونه، لم يبتعدوا عن تجاربهم الضيقة، كانوا يعتبرون المحسوبية والرشوة والابتزاز والاحتيال وأحداث العنف المتفرقة أدوات شرعية للتجارة".
قال أوباما إن الرئيس الفرنسي السابق جمع "كل الانفعالات العاطفية والخطب المبالغ فيها"، كان أشبه بـ "شخصية من لوحات تولوز لوترك". وأضاف: "كانت المحادثات مع ساركوزي ممتعة ومستفزة، يداه تتحركان دائما، وصدره يبرز إلى الأمام مثل ديك البانتام، كان مترجمه الشخصي إلى جانبه دائما يعكس بلهفة كل إيماءاته وإيقاع صوته، مع انتقال المحادثة من الإطراء إلى المبالغة ثم إلى هدفها الحقيقي، لم يكن يبتعد على الإطلاق عن مهمته الأساسية، فهو لابد أن يحتل بؤرة الحدث، ويُنسب إليه فضل أي شيء جدير أن يُنسب إليه فضله".
ويُشار إلى المستشارة الألمانية على أنها "ثابتة، وصادقة، وصارمة من الناحية الفكرية، ولطيفة بالفطرة". ويقول أوباما إنها ارتابت فيه في البداية، بسبب بلاغته ومهارته في الحديث. ويضيف: "لا أقصد الإساءة، اعتقدت زعيمة ألمانيا أن النفور من ديماغوغية محتملة قد يكون شيئا صحيا". وجد أوباما الزعيم التركي "يتحلى بالود ويستجيب عموما لطلباتي". وأضاف: "بيد أنه في كل مرة كنت أستمع فيها إليه وهو يتحدث، كانت قامته الطويلة تنحني قليلا إلى الأمام، صوته متقطع النبرة، ترتفع نغمته في ردة الفعل على الشكاوى المختلفة أو الإساءة المتصورة. تكوّن لدي انطباع قوي بأن التزامه بالديمقراطية وسيادة القانون قد يستمر بشرط أن يحافظا على سلطته".
ويوصف رئيس الوزراء الهندي السابق بأنه "حكيم ورصين وشريف جدا"، وأنه "مهندس رئيسي للتحول الاقتصادي في الهند". لاحظ أوباما أن سينغ كان "تكنوقراطيا متواضعا، كسب ثقة الناس ليس من خلال مناشدة عواطفهم، بل من خلال رفع مستويات المعيشة، والحفاظ على سمعة طيبة لأنه لم يكن فاسدا". وكان أوباما معجبا بفاتسلاف هافيل، أول رئيس لجمهورية التشيك بعد الثورة المخملية، لكنه وجد خليفته فاتسلاف كلاوس أكثر إثارة للقلق.
التقى أوباما فاتسلاف كلاوس (في الوسط) والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف (يسار) في براغ عام 2010 وقال أوباما إنه كان يخشى من أن يمثل الرئيس المتشكك في أوروبا الصعود الشعبوي اليميني في شتى أرجاء أوروبا، ويجسد "كيف تسببت الأزمة الاقتصادية (2008-2009) في تأجيج الحث القومي، والمشاعر المناهضة للمهاجرين، والشك في الاندماج ( الأوروبي)". وأضاف: "بدأ المد المفعم بالأمل للديمقراطية والتحرير والاندماج، الذي اجتاح العالم في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، في الانحسار".
انحياز وتناقضات
على صعيد متصل كشف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، في كتابه الجديد "الأرض الموعودة"، الذي يتناول فيه مذكراته خلال توليه الرئاسة، أسباب التناقض في تعامل إدارته مع الاحتجاجات التي شهدتها مصر والبحرين عام 2011، وموقف ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد من التصريحات الأمريكية ورؤيته للوضع آنذاك. وأشار أوباما إلى الاحتفالات في مصر بعد تنحي حسني مبارك عن السلطة، وقال: "كنت أعلم أنه ورغم كل أجواء الاحتفالات والتفاؤل، فإن الانتقال في مصر كان مجرد بداية صراع من أجل روح العالم العربي، الكفاح الذي بقيت نتائجه بعيدة عن اليقين".
وأضاف: "تذكرت محادثة أجريتها مع محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، مباشرة بعد أن طالبت مبارك بالتنحي. شاب، محنك، قريب من السعوديين، وربما أذكى زعيم في الخليج، لم يُنمق الكلمات في وصف كيفية تلقي الأخبار في المنطقة". وتابع أوباما بالقول: "أخبرني محمد بن زايد أن التصريحات الأمريكية عن مصر تخضع لمراقبة عن كثب في الخليج، بقلق متزايد. ماذا سيحدث لو دعا محتجون في البحرين الملك حمد للتنحي؟ هل ستصرح الولايات المتحدة بالتصريحات نفسها التي صرحت بها عن مصر؟".
ورد أوباما: "أخبرته أنني أتمنى العمل معه ومع آخرين لتجنب الاضطرار إلى الاختيار بين جماعة الإخوان المسلمين والاشتباكات العنيفة المحتملة بين الحكومات وشعوبها". ونسب أوباما إلى محمد بن زايد قوله إن "الرسالة العلنية لا تؤثر على مبارك، كما ترى، لكنها تؤثر على المنطقة". وأضاف أوباما أن محمد بن زايد حذر من أنه "إذا سقطت مصر وتولى الإخوان زمام الأمور، فقد يسقط 8 قادة عرب آخرون"، وتابع أوباما: "ولهذا انتقد بياني، إذ قال إنه يظهر أن الولايات المتحدة ليست شريكا يمكننا الاعتماد عليه على المدى الطويل. كان صوته هادئا وأدركت أنه لم يكن طلبا للمساعدة بقدر ما كان تحذيرا. ومهما حدث لمبارك، فإن النظام القديم لم يكن لديه نية للتنازل عن السلطة دون قتال".
وأشار أوباما إلى الاحتجاجات التي خرجت في البحرين عام 2011، وقال: "تماما كما توقع محمد بن زايد، خرجت مظاهرات ضخمة، أغلبها شيعية ضد حكومة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في العاصمة المنامة، وردت الحكومة بقوة، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتظاهرين وإصابة المئات. ومع تفاقم الاحتجاجات بسبب عنف الشرطة، اتخذ الملك حمد خطوة غير مسبوقة بدعوة فرق مسلحة من الجيشين السعودي والإماراتي للمساعدة في قمع مواطنيه".
وقال أوباما: "قضيت أنا وفريقي ساعات نتصارع حول كيف يمكن للولايات المتحدة أن تؤثر على الأحداث داخل سوريا والبحرين. وكانت خياراتنا محدودة للغاية"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة لم يكن لها نفوذا على سوريا المتحالفة مع روسيا وإيران مثلما كان لها نفوذا على مصر. وأضاف: "بالنسبة للبحرين كانت عكس المشكلة مع سوريا، إذ أن البحرين حليف للولايات المتحدة منذ أمد طويل، وتستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية. سمحت لنا تلك العلاقة بالضغط على حمد ووزرائه، بشكل خاص، للاستجابة جزئياً لمطالب المحتجين وكبح جماح عنف الشرطة". بحسب CNN.
وتابع بالقول: "ومع ذلك، رأت المؤسسة الحاكمة في البحرين المتظاهرين على أنهم أعداء متأثرون بإيران ويجب السيطرة عليهم. وبالتنسيق مع السعوديين والإماراتيين، كان النظام البحريني سيجبرنا على الاختيار، وكان الجميع على دراية بأنه عندما حان وقت الضغط، لم نتمكن من المخاطرة بموقعنا الاستراتيجي في الشرق الأوسط بقطع العلاقات مع 3 دول خليجية".
وأقر أوباما بأنه "رغم البيانات المتعددة من إدارتي التي تدين العنف في البحرين والجهود المبذولة للتوسط في حوار بين الحكومة وقادة المعارضة الشيعة الأكثر اعتدالاً، فإن فشلنا في قطع العلاقات مع حمد، خاصة في أعقاب موقفنا من مبارك، جعلنا نتعرض لانتقادات شديدة".
وقال أوباما: "لم يكن لدي طريقة أنيقة لشرح التناقض الظاهر، سوى الاعتراف بأن العالم كان فوضويا، وبأنه في إدارة السياسة الخارجية، يجب علي الموازنة باستمرار بين المصالح المتنافسة، المصالح التي تشكلها اختيارات الإدارات السابقة والطوارئ المستجدة، وأنه إذا لم أستطع في كل حالة إعلاء أجندة حقوق الإنسان على غيرها من الاعتبارات، فإن ذلك لا يعني أنني لا يجب أن أحاول فعل ما بوسعي، عندما أستطيع، لتعزيز ما اعتبرته أعلى القيم الأمريكية".
وكشف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما ايضاً، تفاصيل لقاء جمعه بنظيره المصري، حسني مبارك، في "قصر القبة"، مشيرا إلى أن التحالف بين واشنطن والقاهرة والدعم السعودي والخليجي لمصر جعل الإدارات الأمريكية المتلاحقة تتغاضى عن "الفساد المتنامي" وانتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدولة. وقال أوباما عن مبارك إن الفرق بين حكم الثاني وحكم سلفه، أنور سادات، يتمثل بأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تغاضت عن "الفساد المتنامي" و"السجل الرديء" بما يتعلق بحقوق الإنسان ومعاداة السامية في بعض الأحيان في عهد مبارك، وذلك بعد أن أصبحت القاهرة حليفا لواشنطن إثر توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل.
وأضاف الرئيس الأمريكي قائلا: "مدفوعا بالمساعدة ليس فقط من الولايات المتحدة الأمريكية ولكن من السعوديين أيضا وبقية دول الخليج الغنية بالنفط، لم يشغل مبارك نفسه بإجراء إصلاحات باقتصاد بلاده الراكد، ما خلف جيلا كاملا من المصريين غير القادرين على إيجاد عمل". وتابع أوباما قائلا: "اقترحت خطوات من شانها أن تؤدي إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين وتخفيف القيود على الصحافة، لكنه كان يتحدث بلغة إنجليزية مفهومة رغم أنها كانت مصبوغة باللهجة (المصرية)، حرف مبارك بأدب مسار مخاوفي، وأصر على أن قواته الأمنية تستهدف الإسلاميين المتطرفين فقط مشيرا إلى أن الشعب المصري يؤيده موقفه الحازم بهذا الشأن".
وتابع أوباما قائلا: "لقد ترك ذلك لدي انطباعا اعتدت عليه لاحقا بالتعامل مع الأوتوقراطيين المتقدمين في السن، فهم يعيشون في قصورهم فقط، وتعاطيهم مع الشارع يقتصر على ما يقوله مساعدوهم ذوو الوجوه القاسية وأصحاب الطاعة المطلقة ممن كانوا يحيطون بهم، فلم يكونوا قادرين على التفريق بين مصالحهم الشخصية وتلك المتعلقة بشعوبهم، فتصرفاتهم لم تكن محكومة إلا بهدف الحفاظ على شبكة من المحسوبين عليهم ورجال الأعمال الذي سيبقونهم في السلطة"، حسب قوله.
كما كشف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، موقف عدد من قادة الشرق الأوسط إزاء الاحتجاجات التي شهدتها مصر عام 2011 وأطاحت بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك. وقال أوباما قادة المنطقة أرادوا أن يعرفوا لماذا لم ندعم مبارك بقوة، فقد أصر بنيامين نتنياهو على أن الحفاظ على النظام والاستقرار في مصر يأتي على رأس الأولويات وقد قال لي: غير ذلك ستجد إيران هناك في ثوان"، على حد تعبيره.
وأضاف الرئيس الأمريكي السابق قائلا: "العاهل السعودي الملك عبدالله كان أكثر قلقا، فقد رأى أن انتشار الاحتجاجات في المنطقة يمثل تهديدا وجوديا للعائلة الحاكمة التي سحقت أي شكل من أشكال المعارضة الداخلية لوقت طويل"، حد قوله. وتابع أوباما كاشفا موقف الملك عبدالله: "لقد اعتقد أن المحتجين المصريين لا يعبرون عن أنفسهم، وأرجع الاحتجاجات إلى أربعة فصائل: الإخوان المسلمون وحزب الله والقاعدة وحماس"، وأضاف الرئيس الأمريكي السابق قائلا: "لم ترق تحليلات هؤلاء القادة إلى مستوى الدقة اللازمة، فالسنة، الذين يمثلون غالبية الشعب المصري والمكون الوحيد للإخوان المسلمين من الصعب أن يتأثروا بإيران الشيعية أو حزب الله، علاوة على عدم وجود دليل يثبت وقوف القاعدة وحماس خلف الاحتجاجات بأي شكل"، حسب قوله. وتابع أوباما قائلا إن قادة الدول الأخرى في المنطقة والذين كانوا "أصغر سنا" كانت لديهم مخاوف من وصول الاحتجاجات إلى بلدانهم وكانوا يتوقعون من أمريكا اختيار الاستقرار على الفوضى.
أوباما وأردوغان
من جانب اخر على صعيد متصل كشف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، عن سبب شكوكه بأن يكون الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نموذجا لـ"الإسلام المعتدل" في مواجهة التطرف المنتشر في المنطقة، مشيرا إلى أن انطباعه الأخير كان أن الرئيس التركي سيلتزم بالديمقراطية وحكم القانون ما داما يضمنان له البقاء في السلطة. وقال: "دعم أردوغان العلني للإخوان المسلمين وحماس في حربهما من أجل حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة، على وجه التحديد، كان يخلق نوعا من التوتر لواشنطن وتل أبيب"، حسب قوله.
ويضيف الرئيس الأمريكي السابق في كتابه قائلا: "لكن رغم ذلك، فقد التزمت حكومة أردوغان بالدستور التركي وقوانين الناتو وأدارت الاقتصاد على نحو جيد، بل وأجرت إصلاحات على أمل تأهيل نفسها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي". وتابع أوباما قائلا: "بعض المراقبين رأوا أن بإمكان أردوغان أن يكون نموذجا للإسلام السياسي المعتدل والحديث والتعددي، ويمثل بديلا للأوتوقراطيات والثيوقراطيات والحركات المتطرفة التي انتشتر في المنطقة".
وأضاف الرئيس الأمريكي السابق قائلا: "بكلمة لي أمام البرلمان التركي وباجتماع مع طلاب الجامعة في إسطنبول، حاولت أن أبرز هذا التفاؤل، لكن بسبب محادثاتي مع أردوغان، كانت تساورني الشكوك، فخلال قمة الناتو، أمر أردوغان فريقه بحجب التصويت على تعيين رئيس الوزراء الدنماركي ذي التقدير الرفيع، أنديرز راسموسن، كأمين عام للحلف، ليس لأن راسموسن لم يمتلك المؤهلات لشغل هذا المنصب بل لأن حكومته رفضت طلب تركيا بفرض رقابة على نشر رسوم مسيئة للنبي محمد عام 2005 في الصحف المحلية"، حسب قوله. بحسب CNN.
وأشار أوباما إلى أن وجهة النظر الأوروبية حول حرية التعبير كانت تزعج أردوغان، ولفت إلى أن الأخير قبل بتعيين رئيس الوزراء الدنماركي بعد أن وعده الرئيس الأمريكي بأن يكون لراسموسن نائبا تركيا وبعد أن أقنعه بأن زيارته إلى تركيا ستتأثر بقوة إذا لم يُعين رئيس الوزراء الدنماركي. وأكد الرئيس الأمريكي أن التسلسل الطبيعي للأحداث على مدار 8 سنوات من فترة رئاسته كانت تشير إلى ضرورة بناء علاقات مبنية على المصالح المشتركة مع أردوغان، لكن الانطباع الذي أصبح لديه بنهاية المطاف أن الرئيس التركي "سيلتزم بالديمقراطية وحكم القانون ما داما يضمنان له البقاء في السلطة"، حسب قوله.
انقسامات عميقة
ويكتب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في المجلّد الأول من مذكراته أن انقسامات أميركا "عميقة"، محذرا بأن خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض لن يكون كافيا لردم الهوة. ويستذكر الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة في المجلّد الأول من مذكراته "أرض الميعاد" (إيه بروميسد لاند) الذي يخرج إلى الأسواق الثلاثاء، مفاجأة عام 2016، حين انتخب الأميركيون رئيسا "على طرفي نقيض" عنه. وندد بما شهدته السنوات الأربع الأخيرة من مخالفة منهجية للمعايير ونبذ لقاعدة من الوقائع والقيم شكلت لفترة طويلة "مكتسبات" للجمهوريين والديموقراطيين على السواء.
وكتب في مذكراته التي انهى كتابتها قبل انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر التي شهدت فوز نائبه السابق جو بايدن، "ما يثير أكبر قدر من القلق ربما هو أن ديموقراطيتنا تبدو على شفير الغرق في أزمة". وأضاف "أزمة متجذرة في المواجهة بين رؤيتين مختلفتين لأميركا، لما هي عليه وما يجب أن تكون". وتابع "أزمة جعلت المواطنين منقسمين، عرضة للغضب وانعدام الثقة"، وفق مقتطفات نشرتها مجلة "ذي أتلانتيك". وكتب "إنني على يقين أيضا بأن انتخابات واحدة لن تكفي لتسوية المشكلة" مضيفا "انقساماتنا عميقة، وتحدياتنا هائلة".
ويقر أوباما (59 عاما) الذي تولى الرئاسة بين 2009 و2017، بأن الخطاب حول "المثل العليا" الأميركية لا يعتبر أحيانا ملائما في فترة من الهزات الكبرى التي تعصف بالقوة الأولى في العالم. وكتب "أعترف بأن البعض يعتقد أن الوقت حان للتخلص من هذه الأسطورة، وأن مراجعة لماضي أميركا ونظرة ولو سريعة إلى عناوين الصحف، تظهران أن المثل العليا لهذا البلد" جاءت على الدوام في المرتبة الثانية خلف "رأسمالية ساحقة" و"نظام طبقي يتبع الخطوط العرقية". وقال إنه تساءل إن لم يكن أبدى "اعتدالا" فائقا في كلامه و"حذرا" فائقا في أفعاله. لكنه أبدى تفاؤله على المدى البعيد، داعيا إلى "إعادة رسم العالم مرة جديدة، والتوصل عبر العمل الجاد والتصميم وقدر كبير من المخيلة، إلى أمريكا تعكس أخيرا أفضل ما لدينا".
ويتأمل أوباما في المجلد الأول من 768 صفحة، في الدور الذي لعبه انتخابه عام 2008 في التحول العميق الذي شهده الحزب الجمهوري والذي أفضى إلى صعود دونالد ترامب وصولا إلى دخوله البيت الأبيض. وكتب وفق ما نقلت شبكة "سي إن إن" التلفزيونية، "لكأن مجرد وجودي في البيت الأبيض أثار ذعرا عميقا، إحساسا بأن النظام الطبيعي شهد بلبلة"، مضيفا "هذا تحديدا ما أدركه دونالد ترامب حين بدأ يروج لمزاعمه بأنني لم أولد في الولايات المتحدة وإنني بالتالي رئيس غير شرعي".
وأضاف "إلى ملايين الأميركيين الذين روعهم وجود رجل أسود في البيت الأبيض، وعد (ترامب) بإكسير لمخاوفهم العرقية". وتحدث بفكاهة عن إصراره على استخدام القلم عند الكتابة وليس الكمبيوتر، وعن عجزه عن الاختصار. وروى أنه كان يبحث في البيت الأبيض عن زاوية هادئة يدخن فيها "سيجارة مسائية"، وذلك قبل أن يعلن أنه توقف عن التدخين. وكشف أنه كان هو وزوجته "منهكين جسديا وعاطفيا" حين غادرا البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017. بحسب فرانس برس.
وكتب "على مدى شهر، نمنا أنا وميشيل متأخرين، تناولنا العشاء بهدوء، قمنا بنزهات طويلة، سبحنا في المحيط، راجعنا حياتنا، أحيينا صداقتنا وأعدنا اكتشاف حبنا". وفي مراجعة نقدية للكتاب صدرت في صحيفة نيويورك تايمز، نوهت الكاتبة النيجيرية شيماماندا نغوزي أديشي بدقة أوباما في اختيار كلماته وحبه للكتابة. واثنت على "مراجعة نزيهة للذات"، لكنها أسفت لما استشفته من ضبط للنفس مفرط برأيها، نوع من المسافة التي يضعها أوباما في سرده، ممتنعا عن إبداء انفعالات وعواطف شخصية. وكتبت "بالرغم من تحليل لا يرحم لحصيلته هو نفسه، فإن هذا الكتاب لا يتضمن الكثير مما يمكن أن تقدمه أفضل المذكرات: كشف حقيقي للذات".