الانتخابات التشريعية الكويتية في ظل كورونا: من الخاسر الأكبر؟
وكالات
2020-12-06 04:05
يدلي الناخبون الكويتيون بأصواتهم لاختيار أعضاء جدد لمجلس الأمة (البرلمان) في انتخابات ألقت فيها جائحة كورونا بظلالها على قضايا الحملات الانتخابية وربما يكون لها تداعيات على النتائج النهائية، ويتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 300 مرشح، من بينهم أكثر من ثلاثين امرأة، في خمس دوائر انتخابية للوصول إلى المقاعد الخمسين للبرلمان الكويتي. بحسب رويترز.
ويتمتع مجلس الأمة بسلطات تشريعية ورقابية هي الأقوى لمؤسسة برلمانية على مستوى الخليج، بيد أن هناك من يرى أن البرلمان عائق أمام محاولات الإصلاح الاقتصادي والانضباط المالي في واحدة من أغنى دول العالم.
ورغم أن الحملات الانتخابية جاءت هذه المرة ضعيفة وباهتة بسبب كورونا، فإن القضايا التي أثارتها الجائحة هيمنت عليها وأعادت إنتاج القضايا القديمة مثل الصحة والتعليم ومعالجة خلل التركيبة السكانية وتضخم أعداد الوافدين وحقوق المواطنة الكويتية المتزوجة من غير كويتي والوضع الاقتصادي المتردي.
كما خلقت الجائحة قضايا وتحديات جديدة مرتبطة بالقضايا القديمة مثل التعليم عن بعد، وحقوق الصفوف الأمامية في مواجهة المرض، وتوزيع اللقاح وتوقيته ومشاكل أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
حمد العتيبي وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 43 سنة قال لرويترز "القضايا هي هي.. الصحة والتعليم والإسكان.. نحن ليس لدينا قضايا جديدة لأنه لم يتم حل القضايا القديمة أصلا"، وبسبب الجائحة ومنع السلطات الصحية لأي تجمعات كبيرة لجأ المرشحون إلى وسائل التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى للوصول إلى قواعدهم الشعبية بالإضافة إلى وسائل الإعلام من قنوات فضائية وصحف ومواقع الكترونية كبديل لا غنى عنه عن المهرجانات والمآدب الكبيرة وزيارات الديوانيات وإقامة المخيمات.
وأتاح تلفزيون الكويت الرسمي للمرشحين المجال للدعاية لأنفسهم في مقاطع فيديو صغيرة لدقائق محدودة ووضع شعارا واحدا لهذه الفقرة "مرشح أمة.. معا نصنع المستقبل"، وأعلنت وزارة الصحة عددا من الإجراءات الواجب اتباعها خلال عملية الإدلاء بالأصوات وأهمها الالتزام بوضع الكمامات ومنع التجمع خارج اللجان الانتخابية وقياس درجات الحرارة قبل الدخول وتحديد مسارات للدخول وأخرى للخروج والتزام الجميع بالتباعد البدني كما تم تخصيص عيادات طبية للحالات الطارئة.
وتوقع محمد الدلال النائب في برلمان 2016 والذي لم يترشح لانتخابات 2020 أن تقل نسبة المشاركة في الانتخابات هذه المرة بسبب الجائحة وتأثيرها على التواصل المباشر بين المرشح والناخب، وقال إنه رغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن "التواصل الشخصي مهم في المجتمع الكويتي".
ونافست اللافتات الإعلانية التي تحمل صور المرشحين وأسماءهم وشعاراتهم في الشوارع، الإعلانات التجارية عن الساعات الفاخرة والسيارات الجديدة وأدوات التجميل ومحلات الوجبات السريعة، وحرص كثير من المرشحين على تسجيل مقاطع فيديو احترافية من خلال شركات إنتاج، ولجأ بعضهم للقطات العفوية وتصوير الهواة حتى يكون أكثر قربا من الناخبين، وكان لموقع تويتر النصيب الأكبر من الدعاية الانتخابية.
وفي حين اختار النواب المخضرمون عرض إنجازاتهم في البرلمانات السابقة، لجأ المرشحون الجدد إلى الهجوم على البرلمان السابق، وركز بعضهم على انتقاد خصومه ومنافسيه بشكل أكبر، ناصر العبدلي المحلل السياسي توقع أن تقل المشاركة في هذه الانتخابات بنسبة 10 في المئة على الأقل مقارنة بالسنوات الماضية بسبب كورونا التي تكهن بأن تأثيرها سيكون جذريا على الانتخابات، وقال إن التسويق السياسي للمرشحين تأثر بسبب الجائحة لا سيما بالنسبة للمرشحين الجدد الذين "لم يأخذوا فرصة كاملة في التواصل مع الناس بشكل مباشر واضطروا للذهاب الى مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يستطيع الإنسان أن يقول فيها كل أفكاره"، ورغم منع التجمعات إلا أن بعض المرشحين خاطروا بالدعوة العامة لافتتاح مقارهم الانتخابية مع تذييل الدعوة بضرورة "الالتزام بتعليمات وزارة الصحة".
العهد الجديد
وهذه هي الانتخابات الأولى في عهد أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي تولى زمام الحكم في سبتمبر أيلول الماضي بعد وفاة أخيه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي هيمن على الحياة السياسية الكويتية لما يقرب من عقدين، وتشارك كل أطياف المعارضة في الانتخابات، لكن يغيب عنها رموز أقوياء مثل النائبين السابقين مسلم البراك وجمعان الحربش اللذين ما زالا في المنفى الاختياري في تركيا، بعد الحكم بسجنهما في قضية تعرف إعلاميا باسم "اقتحام مجلس الأمة".
ويرى مراقبون أن الضعف المتوقع في عملية التصويت سيكون في نهاية المطاف لصالح مرشحي القبائل والتيارات الإسلامية نظرا لارتفاع قدرتها على الحشد، وقال الدلال "النجاح سيعتمد على تحفيز الناخبين (للذهاب لمراكز الاقتراع) وبالتالي فإن أي مكون لديه قاعدة (جماهيرية) سواء كانت قبيلة أو تيار أو غيره ولديه استعداد للحشد ستكون فرصته أكبر في النجاح ومن لديه تعبئة اجتماعية سيكون أقدر على الحشد".
وتجري الانتخابات وفق نظام الصوت الواحد الذي أثار جدلا واسعا عند إقراره في 2012 واعتبرته المعارضة يستهدف إضعاف تمثيلها وقوتها في البرلمان، وقال العبدلي إن "نظام الصوت الواحد هو أفضل نظام لأنه يسمح بتمثيل الشرائح الاجتماعية كافة وليس السياسيين فقط"، في المقابل رأى الدلال أن هذا النظام "يؤدي إلى تعظيم الأداء الفردي في المجلس على حساب العمل الجماعي الذي هو الأصل في العمل البرلماني وهذا لا يساهم في الإنجاز. كما أن هذا النظام يساهم في تمزيق المجتمع لأنه يجعل التمثيل البرلماني يأتي من مكونات صغيرة وليست كبيرة"، أضاف أن "هذا الأمر يجعل الناس ترجع إلى القبيلة والطائفة والعائلة والعرق (للفوز بالمقعد) ويكون النسب الاجتماعي أكثر تأثيرا. ويصبح تمثيل النواب لهذه التكوينات الاجتماعية وليس للأمة كلها وهو ما يضعف سلطة الدولة المركزية. وبالتالي فان النائب يركز على أداء المعاملات والخدمات لمن أوصله إلى البرلمان وليس على الأمة وقضاياها الرئيسية"، والمدة الدستورية للبرلمان الكويتي أربع سنوات، لكن برلمانات قليلة أتمت مدتها كاملة خلال الثلاثين سنة الأخيرة منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في 1991، بسبب الصراعات الممتدة بين الحكومة التي يسيطر عليها أبناء الأسرة الحاكمة والبرلمان الذي يتسم عادة بوجود معارضة قوية.
وقال المواطن حمد العتيبي "الخوف الأكبر هذه المرة لدى المرشحين هو إشاعات كورونا يوم الانتخابات"، وأضاف مشيرا إلى اللجان الانتخابية التي تقام في المدارس "أي مدرسة يطلع عنها إشاعة بوجود كورونا سيعزف الناس عنها... هذا قد يغير النتائج النهائية. كل مرشح يحاول أن يدفع بمؤيديه منذ الصباح قبل أي تطورات سلبية في دائرته".
غياب اللقاءات الحاشدة والولائم الفاخرة والخيم الفخمة
لطالما ارتبطت الولائم بالحملات الانتخابية في الكويت، وكانت تقدم أطباقا متنوعة مثل الخراف المشوية والأرز والحلوى بشكل أسبوعي، وتتمتّع دولة الكويت بحياة سياسية نشطة الى حد ما تختلف عمّا يحصل في الدول الخليجية النفطية الأخرى. ولديها برلمان منتخب يتمتع بصلاحيات تشريعية. بحسب فرانس برس.
وكانت كل من هذه الولائم تجمع المئات وكان مرشحو الانتخابات يحرصون فيها على إظهار كرمهم واهتمامهم بالناخبين، ويقول فهد محمد المطيري الذي يملك مطعم "طيبة" في محافظة الجهراء إنه كان يحضّر ولائم لعدد يتراوح بين خمسة الى ثمانية مرشحين في كل دورة انتخابات في الدائرة الانتخابية الرابعة، ولكنه لن يقوم هذه الدورة بتحضير أي وليمة.
ويضيف لوكالة فرانس برس "عادة كنا نقوم بتحضير الخراف المشوية والأرز لولائم العشاء طيلة فترة الحملة الانتخابية التي كانت تمتد إلى نحو شهرين، لكن كورونا نسف كل شيء"، ويقول رئيس اتحاد المطاعم الكويتية فهد الأربش إن الوليمة الواحدة كانت تكلف مبلغا يتراوح ما بين ثلاثة آلاف إلى سبعة آلاف دينار كويتي ( تسعة آلاف دولار حتى 22 ألف دولار)، وكان عدد الحضور يصل إلى نحو ألفي شخص في مناطق يقيم فيها أفراد أكبر قبائل البلاد، وسجلت الكويت حتى الآن أكثر من 142 ألف إصابة بفيروس كورونا المستجد حتى الآن و875 وفاة، وهي أول انتخابات تشريعية تنظم في الكويت منذ تولي أمير البلاد الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم في 29 أيلول/سبتمبر الماضي.
ويرى الأربش أن المطاعم وشركات الضيافة التي تقوم بنصب الخيام وتوفر خدمة القهوة العربية والتمور ستكون الخاسر الأكبر في هذه الدورة الانتخابية، ويضيف "هذا الموسم كان يعتبر محركا أساسيا لها في الظروف الطبيعية"، وخلت شوارع الكويت من مظاهر الانتخابات العادية سوى بعض اللافتات الانتخابية في عدد من الشوارع والطرق.
ولم تسمح السلطات الكويتية بفتح مقرات في الدوائر الانتخابية الخمس أو تنظيم أي مهرجانات خطابية خشية تفشي الفيروس، بينما لجأ المرشحون والمرشحات إلى الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام خلال حملاتهم الانتخابية.
ويلجأ مرشحون إلى مخاطبة الناخبين عبر تغريدات على "تويتر" أو تسجيلات فيديو قصيرة على منصات مثل "سنابشات"، بينما يقوم آخرون باللجوء إلى البث المباشر على "انستغرام" أو تنظيم ندوات انتخابية بتقنية الاتصال المرئي، ويلجأ آخرون إلى وسائل الإعلام مثل الصحف الورقية والإلكترونية وقنوات تلفزيونية محلية لعرض إعلانات للمرشحين.
وتتراوح أسعار الإعلانات بين عشرة آلاف دينار كويتي إلى خمسين ألفا لشهر كامل، بحسب رئيس الاتحاد الكويتي للإعلام الإلكتروني فيصل الصواغ، ويضيف "يستخدم الكويتيون وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت لهم بإيصال أصواتهم، ووفرت لهم فرصة الاستماع إلى أفكار واضحة من المرشحين".
وتتنوع القضايا التي يتناولها مرشحو الانتخابات التشريعية في الكويت وأهمها مكافحة الفساد وحل قضية البدون (أشخاص من عديمي الجنسية يعيشون في البادية) وتطوير التعليم وتوفير فرص عمل للشباب والسكن بالإضافة إلى حرية التعبير وغيرها.
مصاريف أقل
ويشير كثيرون إلى أن القيود التي فرضتها الحكومة ستوفر الكثير من المال على المرشحين الذين لم يضطروا هذه المرة إلى استئجار مقرات انتخابية أو تنظيم ولائم أو تجمعات انتخابية.
ويشير المرشح في الدائرة الانتخابية الأولى المحامي علي العلي إن "متوسط ما ينفقه المرشحون يصل إلى مئة ألف دينار كويتي (327 ألف دولار)".
ويقول "صحيح أن كورونا وفّر علينا مصاريف لفتح مقرات انتخابية وتنظيم مهرجانات، لكن الإنفاق زاد على وسائل الإعلام الالكترونية والتقليدية التي أصبحنا نذهب إليها بينما كانت تأتي إلى مقراتنا في السابق".
وبحسب العلي، فإن "هذه الظروف الاستثنائية التي حصرت الحملة الانتخابية في وسائل الإعلام، تعزز فرص فوز المرشحين الشباب الذين كانوا على تواصل مع الناخبين خلال السنوات الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وترى أستاذة الفلسفة في جامعة الكويت شيخة الجاسم المرشحة عن الدائرة الانتخابية الأولى "قلّت المصاريف. أنا لست محتاجة إلى مقر انتخابي ودعوات عشاء"، ولكنها توضح أنها بحاجة إلى المزيد للجهد "للترويج لأنفسنا"، موضحة أنها تفضل استخدام تويتر وانستغرام للتواصل مع الناخبين، وتضيف "ساحة الانتخابات التشريعية هذه المرة هي مواقع التواصل الاجتماعي"، موضحة أن 70 في المئة من العمل يتم عن طريقها، وبحسب الجاسم، فإنه حتى في حال لجوئها لإجراء مقابلات عبر وسائل الإعلام من قنوات تلفزيونية أو صحف ورقية، عليها أن تبثها على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي "وإلا لا أحد يستطيع رؤيتها أو متابعتها"، وتضيف "اعتاد الكويتيون الأمور السريعة ومتابعة ما يثيرهم"، مشيرة إلى أن 30% من العمل المتبقي "نعتمد فيه على علاقاتنا الاجتماعية".