مركز الامام الشيرازي ناقش تشكيل مجتمع الرحمة
عهد المدينة المنورة انموذجاً
محمد علاء الصافي
2020-11-19 08:15
تزامنا مع احتفالات المسلمين بذكرى المولد النبوي الشريف، عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية الافتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بمشاركة عدد من الباحثين والكتاب. اعد الورقة المقدمة للحلقة الباحث في المركز الأستاذ محمد الصافي والتي جاءت تحت عنوان (تشكيل مجتمع الرحمة، عهد المدينة المنورة انموذجاً)، حيث وجهت الورقة سؤالين أجاب عنها المشاركون في مداخلاتهم.
نص الورقة:
نظَّم النَّبيُّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم العلاقات بين سكان المدينة، وكتب في ذلك كتابًا أوردته المصادر التَّاريخية، واستهدف هذا الكتاب، أو الصَّحيفة توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة، وتحديد الحقوق، والواجبات، وقد سُمِّي في المصادر القديمة بالكتاب، والصَّحيفة، وهو ما نسميه اليوم (الدُّستور). سنركز على الجانب الإنساني للحقوق والحريات لكل من شمله دستور المدينة.
إنَّ الصَّحيفة تدلُّ بوضوحٍ، وجلاءٍ على عبقرية الرَّسول (ص) في صياغة موادِّها، وتحديد علاقات الأطراف بعضها ببعضٍ؛ فقد كانت موادُّها مترابطةً، وشاملةً، وتصلح لعلاج الأوضاع في المدينة آنذاك، وفيها من القواعد والمبادئ ما يحقِّق العدالة المطلقة، والمساواة التَّامَّة بين البشر، وأن يتمتَّع الناس على اختلاف ألوانهم، ولغاتهم، وأديانهم، بالحقوق والحرِّيَّات بأنواعها. ولا تزال المبادئ التي تضمَّنتها الوثيقة –في معظمها– معمولًا بها، والأغلب أنَّها ستظل كذلك في مختلف نُظُم الحكم المعروفة ليومنا هذا.
فقد أعلنت الصَّحيفة: أنَّ الحرِّيات مصونةٌ؛ كحرية العقيدة، والعبادة، وحقِّ الأمن، فحرية الدِّين مكفولةٌ: «للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم». قال تعالى: ﴿لاَ إِكْرآه فِي الدِّينِ﴾، وقد أنذرت الصَّحيفة بإنزال الوعيد، بمن يكسر هذه القاعدة، وقد نصَّت الوثيقة على تحقيق العدالة بين النَّاس، وعلى تحقيق مبدأ المساواة.
انَّ الدَّولة واجبٌ عليها أن تقيم العدل بين الناس، وتفسح المجال وتيسِّر السُّبل أمام كلِّ إنسانٍ يطلب حقَّه، دون أن يكلِّفه ذلك جهدًا، أو مالًا، وعليها أن تمنع أيَّ وسيلةٍ من الوسائل، التي من شأنها أن تعوق صاحب الحقِّ من الوصول إلى حقِّه.
إنَّ تربية المجتمع واعداده وفق المبادئ الانسانية وأهمها الرحمة والعدل، هو أشد ما نحتاجه اليوم في عالمنا، وإعداده لقيادة الإنسانيَّة بخصائصه؛ التي يجب ان يحتويها المنهج التربويُّ لأنَّ العدل والرحمة لفئات المجتمع هو دعامةُ القيادة الموفَّقة.
أن من أهم وسائل الجذب التي تميزت بها شخصية النبي محمد(ص) هي الرحمة والعدل والصدق، فقد كان المجتمع آنذاك، يعيش أزمات كبيرة في القيم الأخلاقية والمفاهيم الانسانية وفي العقيدة، فكانت مثلاً قسوة القلب المتجسّدة في وأد البنات، ترتبط مباشرة بمسألة "العار"، أو ظاهرة الرقيق واستعباد الرجل والمرأة، ترتبط بمسألة سياسية، وهي الحروب ومن ينتصر فيها، كما هي تجارية، حيث يعتمد الأثرياء، على هذا القطاع لكسب المزيد من المال والثروة.. وهكذا؛ سائر الأمور في المجتمع الجاهلي آنذاك.
ولكن؛ بشخصية الرسول وتسديده الإلهي حلحل الأزمات والعقد النفسية والاجتماعية، حتى أن القرآن الكريم صرّح بذلك، تقول الآية الكريمة: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين". وفي السيرة المطهّرة، الكثير من الأمثلة والشواهد على أن النبي الأكرم مثّل الرحمة الإلهية للناس منذ بدايات بعثته الشريفة.
حيث واجه الغلظة والفضاضة بالابتسامة واللين، وواجه الرقيق والاستعباد بتحرير الرقبة والعتق وتقليل نسبة العبيد في المجتمع. وبلغت "الرحمة"، في مفهومها وتطبيقها لدى الرسول الأكرم، منزلة رفيعة من الصعب أن يبلغها أحد، وهي الرحمة بالأعداء، حيث تُعد من أصعب حالات الرحمة والعفو، وتتأكد الصعوبة مع توفر "المقدرة"، فربما يكون الانسان في موقف لا خيار له سوى اللين والعفو عن الآخر، لكن الأمر يختلف اذا كان الموقف هو الانتصار في ساحة المعركة مع أعداء ألدّاء، فقد عرضه المشركون في مكة وأماكن أخرى لمختلف أنواع الأذى والمعاناة والاضطهاد. وفي مقدمتهم "أبو سفيان"، لكنه قال عند دخوله مكّة فاتحاً: "من دخل دار أبو سفيان فهو آمن".
لقد غيّر الرسول بأسلوبه مفهوم الرحمة واللين والذي كان يتصف من يقوم بهذا السلوك بالضعف بينما سلوك القسوة والغلظة يدل على القوة والشجاعة بفضل شخصيته واحتواءه الجميع دون تمييز.
كانت الوثيقة التي قدمها لمجتمع المدينة المنورة المتنوع قد اشتملت على أتمِّ ما قد تحتاجه الدَّولة، من مقوِّماتها الدُّستوريَّة، والإداريَّة، وعلاقة الأفراد بالدَّولة، وظَلَّ القرآن يتنزَّل في المدينة عشر سنين، يرسم للمسلمين خلالها مناهج الحياة، ويرسي مبادئ الحكم، وأصول السِّياسة، وشؤون المجتمع، وأحكام الحرام والحلال، وأسس التَّقاضي، وقواعد العدل، وقوانين الدَّولة في الدَّاخل، والخارج، فالوثيقة تُعَدُّ في قمَّة المعاهدات الَّتي تحدِّد صلة المسلمين بالأجانب غير المسلمين المقيمين معهم، في شيءٍ كثيرٍ من التَّسامح، والعدل، والمساواة، وعلى التَّخصيص إذا لُوحِظَ أنَّها أوَّل وثيقةٍ إسلاميَّة، تُسَجَّل، وتنفَّذ في أقوامٍ كانوا – منذ قريب – وقبل الإسلام – أسرى العصبية القَبَلِيَّة، ولا يشعرون بوجودهم إلا من وراء الغلبة، والتجاوز على حقوق الآخرين، وأشيائهم. وكانت هذه الوثيقة، فيها من المعاني الحضاريَّة الشيء الكثير، وما توافق النَّاس على تسميته اليوم بحقوق الإنسان، وأنَّه لا بدَّ على الجانبين المتعاقدين أن يلتزموا ببنودها.
تم طرح السؤالين التاليين لمناقشة العنوان اعلاه في الورقة المقدمة من المركز:
س1/ كيف تساهم أساليب القسوة في تعقيد الازمات بمختلف اشكالها؟
س2/ كيف نستفيد من منهج الرحمة النبوي في عبور الازمات الإنسانية والاجتماعية؟
المداخلات:
نعيش دائما في ازمات متنوعة
حيدر الاجودي باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
انتشر مصطلح الازمات على جميع المستويات وطبقات المجتمع وتنوعت مصادر الازمات فمنها ما هو روحي، نفسي، اجتماعي، صحي... والازمة الاكثر صعوبة هي ازمة الاخلاق والضمير الانساني، فأصبحت هذه الازمة اكثر شيوعا في المجتمعات بسبب قساوة المعاملة بعيدا عن الاستماع للرأي الآخر وعدم تقبل الاخرين المخالفين بعيدا عن منهج الاسلام الذي يدعو الى الحوار وتقبل الرأي الآخر كما قال تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، ولنا في رسولنا الكريم (ص) اسوة حسنة حيث كان معروفا قبل البعثة النبوية بالصادق الامين وكان تعامله يعتمد على اسلوب اللين والرفق بالآخرين فكانت هذه الخصال احد اهم اسباب نجاحه في دعوته الربانية وكما قال تعالى (لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فهذا امر واضح باستخدام اسلوب اللين والرفق مع الاخر وعدم التعصب واستخدام القسوة حتى على مستوى اللفظ، وما نعيشه اليوم من غياب الامانة وانتشار الكذب والرشوة والخيانة والسرقات ما هو الا نتيجة لتغييب ضمير الانسانية وكثرة استخدام الحدة والشدة في رد المقابل.
ما يثير الدهشة اننا نعيش دائما في ازمات متنوعة ولكن نجهل كيفية التعامل معها وكيف نديرها على الرغم من اننا نملك افضل الحلول واسلمها من رسولنا الكريم وهو التعامل بحسن النية والرفق مع الآخر، هذه الرحمة التي غيبها الاعلام الاموي والعباسي واستمرت ليومنا هذا، حيث صوروا لنا الرسول الكريم بأنه رسول حرب لا سلام وقام بالسيف وجاء بالغلظة بعد ان كانوا يسمونه بالصادق الامين، لذا اعتقد اننا اذا اردنا ان نعبر الى بر الامان والتخلص من ازماتنا المتنوعة علينا ان نبدأ فعلا بأنفسنا وندربها على تقبل الآخر وعدم الطعن بمعتقداته وافكاره والجلوس عبر طاولة الحوار للوصول الى النقاط المشتركة بين الطرفين والانطلاق من خلالها نحو التكامل المجتمعي الذي دعا له الرسول الامين برسالته السماوية المفعمة بالإنسانية.
القسوة منهج ولّاد للازمات
الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
فيما يتعلق بالسؤال الاول، ارى ان القسوة بكافة صورها مذمومة شكلا ومضمونا، فكما قال امير المؤمنين(ع): ما وضع العنف في شيء الا شانه، وما وضع الرفق في شيء الا زانه. والرفق هو اشتقاق من منهج الرحمة، وهو ضد نوعي للقسوة. ان منهج القسوة لا يسهم في تعقيد الازمات الحالية للبشر، وانما هو منهج ولاد للازمات، بل هو جذرها الاكبر، وسببها الاهم، فما تعرض الانسان الى شكل من اشكال القسوة الا وضاع معها شيء من كرامته وانسانيته ان لم تضيع كلها، وعندها سيكون تحت وطأة الكثير من الامراض النفسية والارتدادات الاجتماعية السلبية، فمن عانى من ذل القسوة وجبروت القساة، قد يفشل في ان يكون ابا او اما صالحين، كما يفشل في ان يكوّن ابنا صالحا او اخا او زوجا او عاملا او مسؤولا في الدولة او حاكما، فمن ضاعت كرامته الانسانية قد يجد صعوبة كبيرة في ادراك معنى هذه الكرامة في نفسه، وعند تعامله مع الاخرين.
اذا كان منهج تنمية الموارد البشرية الحديث يقوم على قاعدة ان بناء الانسان سابق لبناء العمران، فان منهج القسوة يعمل على تدمير الانسان بتدمير قدرته على الفعل الخلاق وتحمل المسؤولية، وعندها لا بقاء للعمران بوجود انسان غير مؤهل للحفاظ عليه وتطويره.
وفيما يتعلق بالسؤال الثاني، اجد ان المركز من خلال ورقته البحثية ذهب وبذكاء الى طرح الحد النوعي لمنهج القسوة الا وهو منهج الرحمة والرفق والتسامح النبوي، ذلك المنهج الإلهي الذي ارسى دعائمه القرآن الكريم كنص تأسيس أول، ولكن جسده الرسول واهل بيته صلوات الله عليهم كأسوة وقدوة حسنة بالتطبيق العملي له، ذلك التطبيق الذي لا ينطوي على استثناءات بين البشر بسبب لونهم او لسانهم او معتقداتهم وافكارهم.
وفي ظل منهج الرحمة ستتفجر طاقات البشر الخلاقة في التعاون فيما بينهم وانهاء اسباب الشقاق والصراع، وفي اعمار الارض وانتفاع الناس من خيراتها الظاهرة والباطنة، ولعل السؤال الادق هو ليس كيف نستفيد من منهج الرحمة النبوي، ولكن هو: لماذا لم نستفد كثيرا من هذا المنهج؟ اذ يبدو ان المجتمعات المسلمة لو عملت بهذا المنهج وتركت ما سواه لأصابت الخير الكثير في تنظيم نفسها سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ولضربت بنفسها انموذجا رائعا في رقي قيمها على مستوى التفكير والسلوك، ولكنها لأسباب كثيرة اختارت تجاهل ذلك، فتخلفت عن ركب الحضارة، وعاشت في محن الصراع والصدام والفوضى المدمرة التي اورثت قسوة حمراء في العقول والعلاقات بين الناس.
القسوة في التعامل هي من صفات الجاهلية
الشيخ الحسين أحمد كريمو، باحث وكاتب:
إن كل مظاهر ومباني وتصرفات وأعمال تُخالف الرَّحمة هي ليست من الدِّين وشريعة سيد المرسلين (ص) إلا إذا كانت تأديبية ورادعة فتكون من باب الرَّحمة أيضاً كالقصاص، وفائدته لصالح المجتمع فيكون رحمة كبرى لنفي أبشع وأشنع الجرائم فيه (القتل)، فالقسوة في التعامل هي من صفات الجاهلية وهي التي جاء الإسلام لإصلاحها ودفع مفسدتها، والقسوة والعنف هي بحدِّ ذاتها أزمة ومشكلة وما واجهت مشكلة إلا زادتها حدَّة وشدَّة حتى تحولت إلى كارثة أو مصيبة يصعب حلها، فالعنف والقسوة من شيم الطواغيت.
وأما الرحمة الإلهية التي تجلت في رسول الله (ص) فإننا نستفيد منها بالرجوع إليها، ودراستها دراسة متأنية بعيدة عن التشنجات والعصبية، فإنها المعين الزلال، والنبع الفيَّاض بالقيم والمعنويات مقترنة القول بالعمل، أي النظرية من القرآن الحكيم، والتطبيقات العملية من سيرة سيد المرسلين (ص) وأهل بيته الطاهرين، وبذلك نضع البحوث والقوانين والتشريعات كلها بقالبها الطبيعي المعقول وننفي كل دخيل منها لا سيما تلك التي شوَّهت وجه التاريخ وليس الإسلام فحسب، وهي من الإسرائيليات التي غزتنا في كل مشوَّه، وأدخلت في حياتنا كل قسوة وعنف بعيدة كل البعد عن منهج الرحمة الربانية والرسولية الراقية.
فلدينا تراث راقي جداً ولكنه مطمور ومهمل وغائب عن حياتنا علينا أن ننشره في العالم أجمع وندعو شعوب الأرض إلى حضارة الإسلام العظيم وقيمه الراقية، كمعاهدة العيش المشترك في المدينة، وهي أول دستور مدني يُكتب في التاريخ، وكذلك هناك عدد من المعاهدات السابقة له واللاحقة به، كـ(حلف المطيبين) للهاشميين، وعهود أمير المؤمنين (ع) لعماله وولاته لا سيما لمالك الأشتر، ولا ننسى (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين، هذا التراث الإنساني علينا الآن إخراجه ودراسته، وشرحه، وتوضيحه ثم نشره في العالم وبكل لغة ممكنة لنقول لهم جميعاً: هذا هو الإسلام المحمدي، وليس الذي تحدث عنه البخاري وأمثاله، وما فعله أبو بكر البغدادي من العصابات التكفيرية المجرمة.
كيف تساهم أساليب القسوة في تعقيد الأزمات بمختلف أشكالها؟
الباحث حامد الجبوري، في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
تُعد القسوة من رذائل الأخلاق عكس الرحمة التي تُعد من فضائل الأخلاق، حيث تسهم القسوة في تصلب الإنسان في فكره وقوله وفعله تجاه نفسه وربه والآخرين، ومتى ما أصبح الإنسان كذلك، مُتصلباً؛ أصبحت المشاكل التي تواجهه في الحياة أكثر تعقيداً، لأنه ينظر لها من زاوية الصلابة والتعقيد لا اللين والبساطة.
إن اعتماد القسوة كمنهج للحياة ستؤدي إلى فقدان طعم الحياة وإفراغها من السعادة لان القسوة تؤدي بالإنسان والمجتمع إلى حياة الغاب والافتراس وعدم العفو والرحمة وجعل الإنسان والمجتمع مشدود الذهن حذرٍ من الآخرين لان أي غفلة ستجعله عرضة لافتراس الآخرين وهو كذلك.
الرحمة عكس القسوة تجعل الإنسان مطمئن القلب يحسن الظن بالآخرين ولا يرتب أثراً سلبياً على أعمالهم تجاهه بشكل مباشر ويضعها في خانة الغفلة والسهو وبهذا لا تتأزم المواقف بل ستموت ويكون المجتمع في قمة السعادة لأنه متراحم فيما بين أفراده، ويقول النبي محمد (ص) " أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة: تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك"
فمجتمع يصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه كما قال نبي الرحمة هو مجتمع خالٍ من القسوة كونه يتبع الرحمة كمنهج لحياته فيكون مجتمع عابر للأزمات الإنسانية والاجتماعية.
اعتماد آليات الحوار
الدكتور قحطان الحسيني باحث وأكاديمي في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
إن استخدام العنف والقسوة في مواجهة الأزمات بمختلف أشكالها وفق آليات مكشوفة وأخرى غامضة -وان كان احيانا يسهم في السيطرة على الازمات ومنها ازمة الاعتراض على اداء السلطة- الا ان هذه السيطرة تبقى مؤقتة ومرحلية طالما لم يتم وضع الحلول المناسبة والملبية لتطلعات فئات اجتماعية واسعة، فترحيل الازمات او تفتيتها او تغيير مسارها لا يعني انهاءها تماما طالما ان عوامل تأجيجها مازالت قائمة وهذا يعني ان احتمالية اندلاع الازمات تبقى قائمة في أي لحظة، فاعتماد منهج الاجبار والاكراه والقسوة في التعامل مع المختلفين في الرأي والمعترضين على سلوك معين -سواء كان السلوك صادرا من السلطة او من غيرها- قد يفضي الى تصاعد الازمة وانتقالها الى مراحل متقدمة وربما تنحرف الاوضاع الى فوضى عارمة تشمل جوانب الحياة جميعها وبما يؤدي الى انهيار تام للدولة والمجتمع، ولا فرق هنا بين العنف والقسوة سواء كان صادرا من السلطة او العنف الذي تستخدمه الجماهير والجماعات المتطرفة..
ولا شك ان الوسيلة الافضل لمواجهة الازمات هي اعتماد آليات الحوار بين أطراف الازمة المبنية على الاحترام والثقة المتبادلة والسعي للوصول الى حلول مرضية لجميع الاطراف، وهذا من شأنه التخفيف من حدّة الأزمة وخلق أجواء إيجابية تسهم في زيادة فرص إنهاءها.
وهنا لا بد من القول إن واجب الدولة هو إنهاء أعمال العنف سواء كانت جماعية أو فردية من أجل تحقيق الاستقرار لأن الإستقرار هو علامة على شرعية السلطة أحيانا.
أما مظاهر العنف والثورات والاحتجاجات والتظاهرات فهي دليل على إن شرعية السلطة مفقودة وفي هذه الحالة فإن الأمور قد تتجه نحو التغيير، حيث يقول دكتور (وتسون)" إذا رأيت إن سلطتك لم تعد محترمة فأعلم إن سلطة أخرى هي في الطريق".
وعلى البشرية جمعاء أن تقتدي بالنماذج النادرة والاستفادة من سيرتها ومنهجها في التعامل مع الازمات.. ولا شك بأن النبي الكريم محمد(ص) هو خير قدوة ونموذج يمكن أن يشكل مصدر الهام للجميع سواء من كانوا في موقع السلطة أو الجماهير.. فالنبي الاكرم قد ترك لنا تراثا حافلا من السلوكيات والمواقف والاخلاقيات الفاضلة المتصلة بقيم السماء، وان اتباع هذا التراث يضمن لنا استقامة الأمور ومعالجة الازمات وقيام مجتمعات انسانية يسودها العدل والإنصاف واحترام حقوق الانسان وحرياته العامة.
هل تعود أمتنا لسيرة حبيبها المصطفى؟
الدكتور رائد الهاشمي، باحث وأكاديمي:
هناك قاعدة ثابتة تنطبق على جميع جوانب الحياة ومنها الاجتماعية وهي المخرجات تتبع المدخلات ولا تأتي من فراغ، فاذا كانت المدخلات سليمة وجيدة تكون المخرجات بنفس النوع وبالعكس، فاذا تعاملنا مع أزمة ما بقسوة وشدة فلا نتوقع من النتائج الا أن تكون قاسية وشديدة ولكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومعاكس له في الاتجاه كما جاء في قواعد الفيزياء، لذا يجب أن يكون التعامل مع الأزمات بترو ولين وبدراسة أصول الأزمة وأسبابها وبعد ذلك يتم وضع الحلول المناسبة للتعامل معها بحكمة وبتسامح بعيداً عن القوة والقسوة وبذلك نضمن حل الأزمة ونحصد نتائج طيبة ترضي الجميع وبأقل الخسائر للطرفين.
ان الرجوع لسيرة الحبيب المصطفى وسبر أغوارها نجد أنه ما خير بين أمرين الا واختار أيسرهما وكان دائماً نهجه التسامح واللين والابتعاد عن القوة والقسوة والانتقام فكانت نتائج هذا النهج حل أصعب الأزمات بطريقة رائعة ترضي الجميع وتنزع فتيل أعظم الأزمات فهل تعود أمتنا لسيرة حبيبها المصطفى وتنهل وتتعلم منها وتتبع خطاه في التعامل مع الأزمات التي تمر بها وتبتعد عن القسوة والانتقام والبطش الذي يولد الكراهية وعدم الاستقرار في المجتمع.
الجهة التي تمارس القمع والقهر ستخبو وتضمحل
الباحث حسن كاظم السباعي:
لو أمعنا النظر في الحركات المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية ومع فرض أنها مطالبات سليمة وعادلة وصحيحة لكن الأساليب والسبل التي تنتهجها مصحوبة بالعنف أو القسوة، فإننا نلاحظ أن تلك الحركات لا تستمر بل ينقلب الأمر عليها ويؤلب المتعاطفون معها كي يعادوها، وخذ مثال بعض الحركات التي تطالب بتحرير أراضيها أو بعض الحركات اليسارية التي تطالب بالعدالة، فرغم أحقيتها في الهدف، لكنها باستخدامها العنف، أصبحت هي موضع الاتهام والاستهداف من قبل الرأي العام وصار الهدف الحقيقي هو إزاحتها عن الساحة.
وكذلك العكس أيضًا صحيح؛ فإنَّ الأنظمة الرأسمالية التي قامت على تجارة البشر والنخاسة، لكنها من خلال تلميع خطاباتها بمفردات ليّنة كالديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنّها صارت موضع قبول الرأي العام ويُتناسى ما كانت تقوم به من موبقات.
وهذا ينطبق حتى على بعض النشاطات الثقافية أو الدينية حيث من خلال استخدامها لهجة حادّة تبعد وتنفض من حولها وإن كانت محقة في العقيدة والاتجاه، أو منها التي من خلال لغة الخطاب تحبب الآخرين وتجذبهم وإن لم تكن على صواب تام.
كما أنه من المُلاحظ أنّ الفكر أو الظاهرة التي تُقمَع بقوة الحديد أو الرعب أو أي أسلوب من أساليب القسوة والغطرسة، فإنّها ستتبلور أكثر، أما الجهة التي مارست القمع والقهر هي التي ستخبو وتضمحل.
كل الأزمات تاريخياً وليومنا هذا، بسبب التأثر بالمنهج المضاد للمنهج النبوي الذي حلَّ محله وجلس مجلسًا ليس له، وحتى بالنسبة لمن يريد الالتزام بالمنهج النبوي فإنَّ تأثره بالمنهج المناوئ بصورة أو بأخرى سيؤدي به إلى خلط الأوراق لديه مما يؤدي إلى حصول الأزمات. وكمثال بسيط؛ نرى في معارك رسول الله (ص) الدفاعية كان حريصًا على أن لا تُقطع شجرة ولا يُقتل من لم يقاتل وإن كان فارّا، وفي أحداث بني قريظة حينما اقترح أحد المسلمين أن يحاصر اليهود من خلال جريان الماء على المدينة، رفض النبي ذلك بسبب احتمال أن يلحق الأذى بالنسوة أو المدنيين.
واليوم في المعارك التي يخوضها الطرف الآخر لا يوجد أي ضمان على الالتزام بهذا المنهج، أما الطرف الذي يريد أن يلتزم، فإنه من خلال تأثره بالمنهج المضاد يحذو حذوه وبذلك نرى هذا الابتعاد كيف أدى إلى تلك الأزمات.
إنَّ للمنهج النبوي درجة من الدقة بحيث أنه يطلب من الأفراد أو الجماعات أن يغضوا النظر عن إبداء أي تصريح يؤدي إلى نتائج غير حكيمة، حتى وإن كان الكلام محقًا، وهو ما يسمى بالقاموس السياسي بـ "الردع"، وفي القاموس الديني بـ "التقية"، وهي نوع من الحكمة التي سبقت الموعظة الحسنة في الخطاب القرآني.
كما أنَّ الأحكام الفردية من الحلال والحرام، لها جانب اجتماعي وسياسي أيضًا، وعلى سبيل المثال؛ لو أردنا أن ننظر إلى "الغيبة؛ ولا يغتب بعضكم بعضا" من جانب سياسي أو إداري فإنه يخرج من نطاق حرمة حديث سلبي بين شخصين عن شخص ثالث، وإنما جاء ليراعي حقوق الفرد من قبل السلطة القائمة حيث يمنع التجسس والملاحقة حتى على مستوى الكلام.
إنَّ الدعوة للاستفادة من المنهج النبوي ليست شعارًا وإنما هي ضرورة لا تخُص ديانة أو طائفة أو ثقافة محددّة، وفي هذا الظرف حيث يعاني العالم من الفراغ ومن غياب منهج أخلاقي، فإنه يُستشعر بضرورته أكثر من ذي قبل، وما دام هذا المنهج غائبًا فإنَّ البدائل المضادة هي التي تملأ الفراغ.
القسوة اسلوب الضعف والعجز
عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
لم يكتب او يذكر التاريخ سواء الحديث منه والقديم لنا ان اسلوب القمع والقوة قد أوجد حلولا لقضية ما، بل ان اغلب الأمور التي استخدم العنف فيها عقد المشهد وأنتج مشاكل ثانوية وعقد متراكمة توالت كوارثها على عقود من الزمن. لذلك فإن اي اسلوب للقسوة هو اسلوب الضعف والعجز ولا يستخدم الا في حال الدفاع عن النفس وذلك بحث اخر.
ان المتابع للسيرة العطرة للنبي الأكرم ورسالته يجد فيها اسلوب السلام والصفح وتجاوز آلام الماضي، والمعاملة بالحسنى هي الأسلوب الذي استخدمه حتى مع أشد اعداءه وتجلت الرحمة في أفعاله فعلا وقولا، ولذلك فإن النبي الأكرم وآل بيته النموذج الحقيقي لنبذ العنف والتحلي بالسلام.
استشراف المستقبل بنظرة تفاؤل
جواد العطار كاتب وسياسي عراقي:
لا يمكن الحديث عن منهج الرحمة النبوي في غياب القيادة التي حملت ميثاق الرحمة في مجتمع القسوة، فغياب شخصية الرسول الكريم عن المشهد عقد الكثير من الامور بدء من السياسة والخلافة الى الردة التي شملت جزءا كبيرا من المجتمع الاسلامي الوليد.
لكن غياب الرسول الاعظم كان من سنن الحياة الا انه ترك بصمته في غيابه بمعالجة مختلف القضايا بدء من السياسية منها الى ادق نواحي الحياة، فالقرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة العطرة المحملة بالرحمة والعفو عند المقدرة كفيلة بتجاوز اي ازمات او تعديل مشهد اي مجتمعات مأزومة، وجاءت سيرة الائمة الاطهار من آل البيت عليهم السلام مكملة للصورة، فما نقل عنهم من السير على منهج جدهم ما هو الا صورة من مصداقية التشريع وصحة التطبيق فاكتملت صورة صحة النظرية ونجاح التطبيق مثلما يصفها العلم الحديث.
الا اننا في الوقت الحاضر نعاني من التالي:
1. غياب صورة القائد الكاريزما الذي يلتزم مبادئ الرحمة النبوية.
2. اختلاف التفسير وتداخل التأويل وفقا لرغبات الفرد واهواءه ومصالحه الشخصية، فالحرام مثلا قد يكون حلالا اذا وافق هواه.
3. اخطاء التطبيق القاتلة وعودة مشهد القسوة وصورة القوة والجبروت الى سلوك الدول عامة والاسلامية خاصة؛ في علاقاتها مع بعضها البعض.
4. تشتت وتشرذم المسلمين واختلافهم في الكثير من القضايا، غير صورة الرحمة الى ضعف واحيا عصبية جاء الاسلام ليأدها.
5. تعقد مشهد الحياة وتداخل مجالاتها مع التطورات التكنولوجية، اخل بصورة الاصلاح وأدى الى ضبابية الكثير من المفاهيم السامية.
اذن نحن بحاجة اولا؛ الى استلهام صورة القيادة السامية التي تحمل مبادئ العفو والرحمة اسوة بسيرة الرسول العظيم. ثانيا؛ وحدة الخطاب الاسلامي وتأكيده على منهج النبوة وسير الائمة الاطهار عليهم السلام اجمعين ووحدة المسلمين في مواجهة تحديات العصر. ثالثا؛ مواجهة التطورات التكنولوجية بتوظيفها لخدمة الرسالة السماوية. ورابعا والاهم؛ دراسة اخطاء التطبيق الماضية واستشراف المستقبل بنظرة تفاؤل بان معرفة الخطأ أقصر الطرق للوصول الى الهدف والنجاح.
التطبيق العملي في سلوكنا
الكاتب جواد محمد علي تقي، شبكة النبأ المعلوماتية:
عندما يكون هناك من يشرعن هذه القسوة وإنها مبررة وضرورية لمواجهة من تصفهم الحكومة بالشغب او عملاء الخارج وغيرها من الصفات، وفي المقابل عندما يكون هناك في صفوف المعارضة من يجعل القسوة الصادرة من الحكومة طريقاً وسبيلاً لتحقيق الاهداف، ومحاولة استثارة قوى الامن او خلق حالة القسوة في الشارع بشكل او بآخر، فمن الطبيعي أن تبتعد الازمات عن الحل، وايضاً عن العقلانية والحكمة. فالقسوة ليست مشكلة في حد ذاتها، بل في تبنيها وجعلها رقماً فاعلاً في الساحة.
نستفيد من منهج الرحمة النبوي عندما نفتح مساحات للتطبيق العملي في سلوكنا، كما نفتح مساحة واسعة لهذا المنهج في تفكيرنا وبرامجنا لحل الازمات. ثم ننظر فيما يتعارض مع هذه الرحمة من حبّ الأنا، وتقديس المادة والمصالح الشخصية، وحالة الكبر والتعالي، ومحاولة تهذيب هذه الحالات النفسية لتنمو الرحمة النبوية في تربة صالحة ثم تزهر وتنتج سلوك وثقافة عامة في المجتمع.
إقامة الدولة العادلة
حياة جنان الهلالي، كاتبة في موقع بشرى:
ان استعمال العنف والقسوة وتعنيف الشعوب هو ممارسات دكتاتورية نتيجتها سقوط الحكام وتهاوي صرح الدولة وخلق حالة من الفوضى والتشتت الاجتماعي لطبقات وأفراد المجتمع خاصة في هذا العصر التي انفتحت فيه الدول العربية على حضارات الأمم والتعبير عن حرية الرأي. وبالتالي نلاحظ ما آلت إليه أغلبية الشعوب العربية من تراجع اقتصادي وثقافي وفي جميع المجالات الأخرى. وكان نتاج استعمال القسوة في حلول المشاكل التي تخترق سياسات الدولة والتعبير عن حرية الرأي؛ بالعنف والقمع وعدم إيجاد حلول والاستماع إلى مطالب شعوبهم هو تشتت البنية الواحدة للمجتمع وايجاد تحزبات متعددة كل حزب له سياسات وابعاد يختلف عن الحزب الآخر وبالنتيجة أصبح من الصعب لمل شمل أبناء الوطن الواحد وعدم القدرة على اتخاذ قرارات موحدة تنهض بها الدولة.
يجب أن يكون العمل للتغيير منصباً على إقامة الدولة العادلة أولا. التي تحرص على حرية وكرامة أفراد شعبها بما يقتضيه العيش الكريم.
إصلاح الأمة ليس بالشيء الهين ولا هو بالأمر الصعب إذا توحد الشعب تحت قيادة حكيمة تعمل بكتاب الله وتأخذ من دستور الرسول منهاجاً تسير على خطاه.
التطبيق العملي والحقيقي للرحمة الإلهية بالبشر
الدكتور علاء الحسيني، باحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
مما لاشك فيه ان القسوة والشدة والغلظة تزيد الأمور تعقيداً وتمنع من الحلول السلمية المستقاة من ثقافة اللاعنف، فالأصل هو اللين والتفهم في التعامل مع الأزمات، قال تعالى تعبيراً عن خلق النبي محمد(ص) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، والآية تدل دلالة قاطعة على ان الخلق الرفيع للنبي هو سبب رئيس لدخول أفواج من الناس إلى الإسلام وبقاءهم حول النبي لما لمسوه من عطف عليهم، فالعنف لا يقابله بالعادة إلا العنف أو أنه سيخلف عقد نفسية وعاطفية عميقة تجد طريقها إلى الانفجار عاجلا أو أجلا بصور مختلفة جلها تحمل انماطاً من العنف، لهذا يوكد المنهج المعتدل للمصلحين العظام على اتباع طريق السلم وترسيخ ثقافة التأخي.
الثابت تاريخياً ان شخصية النبي محمد تمثل التطبيق العملي والحقيقي للرحمة الإلهية بالبشر، على جميع الأصعدة منذ بعث بالرسالة السماوية والى ان اختار له الله دار الأخرة، فلم يدخر جهداً لمساعدة الضعفاء والفقراء والمحتاجين ووضع أسس مجتمع مسلم يقوم على الأخلاق الحميدة وعلى الرحمة والمواساة في الشدة والرخاء، فان كانت الأزمة حدث مفاجئ يهدد الفرد والمجتمع فقد تعايش النبي مع الأزمات منذ ان كان في مكة قبل الهجرة وبعدها في مجتمع المدينة فقد استطاع في كل الأحوال ان يضع حلولاً تسمح للأفراد في تجاوز الأزمة بأقل الخسائر، وبمزيد من التراحم والمواساة، ومحاولاته المتكررة في رفع الأصر والقحط والمرض والخوف عن الناس وتجاوز الأغلال من عبودية لغير الله ومن ظلم وجهل وفقر.
خلق نهج تكاملي في منظومة الحياة
زينب الاسدي، كاتبة في موقع بشرى حياة:
دیدن الإنسان هو استخدام المنهج الأسهل والطرق الأقصر بغية الوصول إلى النتائج حتى لو كانت جزئية، وهذا بالضبط ما تعتمده النخب الحاكمة للدول النامية غالبا والمتطورة (ماديا) باستخدام العنف الذي يؤدي دوما لتفاقم الأزمة وعدم القدرة لاحتوائها في أكثر الأوقات.
سن الرسول (ص) قانونا حيويا ورصينا اعتمد الدقة في التفاصيل الصغيرة لصرح متكامل البنيان فقال عن الباري عز وجل: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان.
فعبد هذا الطريق السالك والمتوازن الموصل لكل خير، بانتهاج منهج الرحمة في رسالته السماوية الخالدة، فلا سبيل لنا إلا التأسي بمنهجه السماوي الرصين الرامي لخلق نهج تكاملي في منظومة الحياة.
ليحيى الإنسان وسائر المخلوقات بصحة وسلام
احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:
الرحمةُ هي الدعامةَ الرئيسةَ لكافةِ الأديانِ السماويةِ لكون الرحمة أساسَ القيمِ النبيلةِ التي بُنيَ عليها حب الخير للآخر، ومرساة للتكافُل بين الفرد وباقي المجتمعاتِ الإنسانية، وهي رأس الهرم لمكارم الأخلاق التي بعث الله جلّ شأنُه أنبياءَه ورسلَه من أجلها، لما لها من آثار إيجابيةٍ على بني الإنسان في التقارب واندماج النفوس البشرية، حيثُ لا لذّةَ في الحياة ولا ازدهار إلا بالتراحم، بدءًا بالأسرة الصغيرة "وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً"، وانتهاءً بالمجتمعاتِ الكبيرةِ "يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، فإن الله قد بعث الرسول(ص) رحمة للإنسانية ورحمة للعالمين، فقال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، وقد أوضح ذلك في شخصه وفي تعاملاته مع أصحابه وأعدائه على السواء؛ حتى إنه قال محفِّزًا ومرغِّبا على التَّخلُّقِ بهذا الخُلُق وتلك القيمة النبيلة: كما روي عنه، "لاَ يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ". وكلمة الناس لفظة عامة تشمل كل أَحد، دون اعتبار لجنس أو دين، وفي ذلك قال العلماء: هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم.
وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله: "ارْحموا من في الأَرض يرْحمْكم من في السماء". والمراد بـ"مَنْ" تشمل كل من في الأرض.
وهكذا هي الرحمة في المجتمع الذي أرداه النبي وأهل بيته، تلك القيمة الأخلاقية العملية التي تعبر عن تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان، بل هي رحمة تتجاوز الإنسان بمختلف أجناسه وأديانه إلى الحيوان الأعجم، إلى الدواب والأنعام، وإلى الطير وجميع المخلوقات حتى البيئة بعدم الجور عليها وتلويثها لأنها هبة من الله تعالى ليحيى الإنسان وسائر المخلوقات بصحة وسلام.