ثورة العشرين تدخل عامها المئة: ربيع مؤجل
دلال العكيلي
2020-06-06 02:02
قبل مائة عام إتحد العراقيون شخصيات علمائية ومثقفة ودعوا للثورة على الإستعمار البريطاني البغيض منهم يصادف يوم 30 حزيران/ يونيو مئوية (ذكرى مرور 100 عام) على اندلاع ثورة العشرين العراقية، الثورة التي اندلعت عام 1920 وعمت العراق من تلعفر والسليمانية شمالاً إلى البصرة جنوباً، ومن دير الزور (محافظة سورية حالياً) غرباً إلى خانقين شرقاً، وهي من اهم الثورات التي حدثت في القرن السابق واضهر فيها العراقين قوتهم في الدفاع عن الارض.
ترجِعُ جذورُ الأطماعِ البريطانيةِ في الخليجِ العربي، وفي العراقِ بصورةٍ خاصة، إلى القَرنِ السابع عَشَر الميلادي وهذه الأطماعُ بقِيتْ حبيسةُ الوضعِ القائم، إلى أنْ جاءَ أوانُ تحقيقِها أبانَ ما عُرفَ بالحربِ العالميةِ الأولى، في سنةِ ألفٍ وتسعمئةٍ وأربعةِ عَشَر للميلاد، حيثُ كانتْ الدولةُ العثمانيةُ في اضعفِ حالاتِها، زَحَفتْ القواتُ البريطانيةُ الغازية، صوبَ العراقِ مستغلةً أجواءَ الحربِ العالمية، وضَعفَ الدولةِ العثمانيةِ التي كانتْ إحدى دولِ المحورِ في تلك الحرب.
وكانت الحوزةِ العلميةِ برجالاتِها وتوجيهاتِها، هم اصحاب الدورَ الأساسي في مقاومةِ الغزوِ البريطاني، فرُغمَ ضعفِ الإمكانيات، وتخاذلِ الجيشِ العثماني، وانتحارِ قائدِهِ الذي قادَ في النهايةِ إلى هزيمةِ المقاومة، بعدَ كرٍ وفَر وقعَ العراقُ تحتَ الاحتلالِ البريطاني في الحادي عَشر من آذار سنةِ ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعةَ عَشَرَ للميلاد، حيثُ دخلَتْ القواتُ الغازيةُ مدينةَ بغداد، وأُكملَ لاحقاً احتلالُ ما تَبَقّى من المدنِ العراقية أعلَنَ الجنرالُ مود قائدُ الجيوشِ البريطانيةِ في كلماتِهِ الشهيرة، أسبابَ دخولِ البريطانيين إلى العراق، مع كمٍ هائلٍ من الوعود.
في التاسعِ عَشَر من آذار سنةِ ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةِ عَشَر للميلاد، وفي مدينةِ النجفِ الأشرفِ بالذات ، قادَ رجالاتُ الحوزةِ العلميةِ مقاومتِهم للغزاة، وأولَ ثورةٍ فعليةٍ بعدَ الاحتلال، وأسسوا ما عُرفَ بجمعيةِ النهضةِ الإسلامية، قُبَيلَ احتلالِ بغداد، والتي كانَتْ-أي الجمعية- المُخطط والمُنفذ لتلكَ الثورة، والمؤسس الأول لفكرِ مقاومةِ المحتل، بعدَ انتهاءِ ثورةِ النجف، والتي كانَ من الممكنْ أنْ تقودَ إلى نتائجٍ أكبرْ لولا استعجال الجناحِ العسكري في الإعلانِ عن الثورة، وبعدَ انتهائِها بدخولِ القواتِ البريطانيةِ المدينة، والقبضُ على ابرزِ رجالاتِ الثورةِ وإعدامٌ أحدَ عَشَرَ عضواً من أعضاءِ الجناحِ العسكري، ونفي أكثرَ من مئةِ شخص ظنَ البريطانيون إنَّ الضربةَ التي وجهوها للنجفِ مُتذرعينَ بالثورة، ستكونُ كفيلةٌ بالقضاءِ على أيِ تفكيرٍ بالمقاومةِ ولكنهم كانوا واهمينَ جداً.
بدايتها
حُزمةٌ من الوعودِ، قطعَتْها الحكومةُ البريطانيةُ على نفسِها في مناسباتٍ متعددةٍ، بخصوصِ نواياها تِجاهَ العراق.فمما جاءَ في كلمةِ الجنرالِ مود، قائدِ الجيوشِ البريطانيةِ التي دخلتْ بغداد "إنَّ جيوشَنا لم تدخلْ مدنَكم وأراضيكم بمنزلةِ قاهرينَ أو أعداء، بلْ بمنزلةِ محررين" ومما جاءَ في البلاغِ الانكليزي الفرنسي في السابعِ من تشرينٍ الثاني سنةَ ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةَ عَشَر للميلاد ، إنَّ الغايةَ التي ترمي إليها كلٌ من فرنسا وبريطانيا العظمى في خوضِ غمارِ الحربِ في الشرقِ من جَرّاءِ أطماعٍ ألمانية، هي تحريرُ الشعوبِ التي طالما رَزَحتْ تحتَ أعباءِ استعبادِ الأتراكِ تحريراً تاماً نهائياً، وتأسيسُ حكوماتٍ وإداراتٍ وطنيةٍ تسْتَمدُ سلطتَها من رغبةِ نفسِ السكانِ الوطنيينَ ومحضِ اختيارِهم.
ومما جاءَ أيضاً في كلمةِ الحاكمِ الملكي العامِ في العراقِ السّيْر آرنولد ويلسن عندَ زيارتِهِ للبصرةِ في كانونٍ الثاني من عامِ ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعةَ عَشَر للميلاد ، بعدَ تذكيرِ الحاضرينَ بكلامِ الجنرال مود عندَ دخولِ بغداد :ها أنا ذا أقفُ بينكم اليومَ لأقولَ لكم ، بعدَ أنْ أؤيدَ ما قالَهُ من سبقني من كبارِ الرجالِ : لقدْ آنَ أوانُ الوفاءِ بالوعد "، بدأ يَتَكشفُ تدريجياً للعراقيينَ وغيرِهِم من العربِ كِذْبُ هذهِ الوعود، خاصةً بعدَ أنْ أعلَنَ البلاشفةُ بعدَ استيلائِهم على السلطةِ في روسيا، أعلنوا عن بنودِ اتفاقيةِ سايكس بيكو السريةِ التي تُناقضُ ما جاءَ في الوعودِ البريطانيةِ والفرنسية ، حيثُ تقضي بتقسيمِ بلادِ الشامِ والعراقِ إلى مناطقِ نفوذٍ بينَ كلٍ من بريطانيا وفرنسا ، وبعدَ إعلانِ وعدِ بلفور القاضي بمنحِ فلسطين وطناً لليهود، فضلاً عن ظهورِ الكثيرِ من الأخطاءِ في تعاملِ المحتلينَ البريطانيينَ مع أهالي البلادِ التي احتلوها وخاصةً في العراق، إذ كانَ اغلبُ قادةِ الجيشِ من الشبابِ الذينَ يفتقرون للحكمةِ في التعامل، ومنْهم منْ كانَ ينطلقُ في تعاملِهِ من منطلقِ نظريةِ سيادةِ الرجلِ الأبيض، وعلى رأسِهم الحاكمِ الملكي العامِ في العراقِ السّير آرنولد ويلسن، فأُرتكبتْ جملةٌ من الأخطاءِ التي استفزتْ أبناءَ العشائرِ والمدنِ، على شكلِ ممارساتٍ اتصفتْ بالرعونةِ والقسوة، وعدمِ مراعاةِ أعرافِ البلدِ وتقاليده ، وعدمِ احترامِ أبناءِهِ وقياداتِه ، فضلاً عن الوحشيةِ في التعاطي مع الأحداثِ والمشاكل.
كلُ هذهِ العوامل، وعواملٌ أُخرى قادتْ إلى نموِ شعورٍ وطني لدى جملةٍ من أبناءِ الشعبِ العراقي، ورغبةٍ في الاستقلال، وعدمِ ثقةٍ بالمحتل الذي أُفتضحتْ مخططاتُهُ الواقعيةُ شيئاً فشيئاً، في الثلاثينِ من تشرينٍ الثاني سنةً ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةَ عَشَر للميلاد ، قررتْ الحكومةُ البريطانيةُ إجراءَ استفتاءٍ في العراقِ كانَ يتضمنْ ثلاثةَ أسئلةٍ موجهةً إلى العراقيينَ وهي:
- هل يُفضلونَ دولةً عربيةً واحدة ، تحتَ إرشادِ بريطانيا تمتدُ من حدودِ ولايةِ الموصلِ الشماليةِ إلى الخليج؟
- وهل يرغبونَ في أنْ يَرأسَ هذهِ الدولةِ رجلٌ عربيٌ منْ أُولي الشرف؟
- ومنْ هوَ هذا الرئيسُ الذي يُريدونَه؟
رُغمَ إنَّ المؤرخينَ يذكرونَ إنَّ الحاكمَ الملكي العام في العراقِ السّير ويلسن تصرفَ مِن تِلقاءِ نفسِهِ، في التأثيرِ على نتائجِ الاستفتاءِ لكي لا تتضمنُ المطالبةَ بالاستقلالِ وإنَّ الحكومةَ البريطانيةَ رفضتْ النتائجَ التي أعلَنَ عنها ويلسن ، إلا إنَّ مَنْ يعرفْ السياسةَ البريطانيةَ جيداً يستبعدُ حُسنَ النية، خاصةً وأنَّ بريطانيا ضَربتْ كلَ وعودِها للعربِ والعراقيينَ بعَرضِ الجدار، وأعلَنَتْ لاحقاً قَبولَ انتدابِها على العراقِ، في الثالثِ من آيار سنةَ إلفٍ وتسعمئةٍ وعُشرونَ للميلاد ، والذي أُقرَّ في مؤتمرِسان ريمو في الخامسِ والعشرينَ من نيسان من السنةِ نفسِهاواعتبارِهِ أساساً لسياسَتِها النهائيةِ في العراق.
انتقلَ الميرزا محمد تقي الحائري الشيرازي، من سامراء حيثُ كانَ يسكنُ إلى كربلاء، في اليومِ الثالثِ والعشرينَ من شباط سنةَ ألفٍ وتسعمئةٍ وثمانيةَ عَشَر للميلاد، بطلبٍ من بعضِ الشخصياتِ الوطنية، الذينَ وجدوا ضالتَهم فيهِ كقائدٍ للحراكِ الوطني المطالبِ بالاستقلال، فضلاً عن مواقفِهِ السابقة، ومنها موقفُهُ من مواجهةِ المحتلِ البريطاني ومقاومتِه، كانتْ أولى مواقفِ الميرزا الشيرازي السياسيةِ البارزةِ فتواهُ الشهيرةُ "ليسَ لأحدٍ من المسلمينَ أنْ ينتخبَ ويختارَ غيرَ المسلمِ للإمارةِ والسلطنةِ على المسلمين" ، هذهِ الفتوى يبدو إنها كانتْ متزامنةٌ مع الاستفتاءِ الذي أرادَ منْهُ ويلسن ومن خلفِهِ بريطانيا أنْ يكونَ صكُ موافقةٍ على حكمِ العراقِ من قِبَلِ حاكمٍ بريطاني بشكلٍ مباشر، فكانَتْ النتيجةُ عكسَ ما أرادوا، فاضطرَ ويلسن إلى استخدامِ الترغيبِ والترهيبِ والتزويرِ، للوصولِ إلى النتيجةِ التي يرومَها، فكانَ أنْ خرجَ بنتيجةٍ كاذبةٍ لم تُصدقْها حتى حكومةُ بريطانيا نفسَها.
وتَنقِلُ بعضُ المصادرِ إنَّ الفتوى كانَتْ بعدَ نهايةِ الاستفتاءِ وتأييداً للجمعيةِ الإسلاميةِ التي أُسستْ في كربلاء على يدِ ابنِ الميرزا الشيخ محمد رضا الشيرازي، و ضمتْ في عضويتِها السيد هبة الدين الشهرستاني، والسيد حسين القزويني، وآخرينَ من العلماءِ والأدباءِ والوجهاء، وقدْ أيدَ سبعةَ عَشَرَ منْ العلماءِ فتوى الميرزا الشيرازي، ووضعوا أختامَهم عليها ثم أُرسلتْ نسخٌ منها إلى المدنِ والعشائر، وقد عُدت هذه الفتوى عاملاً مهماً في تطويرِ الوعي السياسي في العراق، فهي قد جعلتْ الدينَ والوطنيةَ في إطارٍ واحد.
انطلاقة الثورة
لم يقفْ سعيُ وجهدُ الميرزا الشيرازي ، والعلماءِ الآخرين، في مواجهةِ الاحتلالِ البريطاني وتلاعبِهِ بمقدراتِ الشعوبِ عندَ حدودِ العراق، فقد كانتْ بريطانيا تخوضُ جولةً من المفاوضاتِ في طهرانِ مع رئيسِ الوزراءِ الإيراني وثوق الدولة، لِعقدِ معاهدةٍ بين بريطانيا وإيران، تصبُ في مصلحةِ البريطانيين، وتُعرضُ استقلالَ إيران للخطر، فكانَ أنْ عُقدَ اجتماعٌ في بيتِ الميرزا الشيرازي في كربلاء، في نيسان سنةِ ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعةَ عَشَر للميلاد، بطلبٍ منْهُ، ضمَ كلاً من شيخِ الشريعةِ الاصفهاني، والسيدِ إسماعيل الصدر، وكانتْ نتيجةُ الاجتماعِ إرسالَ رسالةٍ إلى وثوقِ الدولة موقعةً من قِبلِ العلماءِ الثلاثة يحثونَهُ فيها على عدمِ عقدِ المعاهدة، وقد تَكفّلَ الشيخُ محمد الخالصي بإيصالِ الرسالةِ سراً إلى طهران بوساطةِ احدِ تجارِ الكاظمية.
وفي تموز من العامِ نفسِه ، عُقدَ اجتماعٌ في سردابِ آلِ شلاش في النجف، ضمَ ثلاثةً من الزعماءِ الوطنيين، ونَتَجَ عن الاجتماعِ الاتفاقُ على إرسالِ مضابطٍ إلى الملكِ حسين في الحجازِ يُذكّرونَهُ فيها باختيارِ احدِ أنجالِهِ لعرشِ العراقِ ويطلبونَ مساعدتَه، وتمَّ انتدابُ الشيخ محمد رضا الشبيبي لحملِ هذِهِ المضابط، مع كتابٍ من الميرزا الشيرازي إلى الملك، وارتحَلَ الشبيبي فعلاً إلى الحجازِ سراً، والتقى الملكَ فأرسلَ الملكُ جواباً إلى الميرزا الشيرازي، بدأتْ السلطاتُ البريطانيةُ بمتابعةِ الحراكِ الوطني، الذي كانتْ كربلاءُ في ذلكَ الوقتِ تُمثلُ احدَ مراكزِهِ المهمةِ بحكمِ وجودِ المرجعيةِ العليا فيها ، وقامتْ في الثاني من آب سنةِ ألفٍ وتسعمئةٍ وتسعَةَ عَشَر للميلاد باعتقالِ ستةِ أشخاصٍ من أعضاءِ الجمعيةِ الإسلامية وسَفّرتّهم إلى بغداد بُغيةَ نفيهِم إلى الهند، فأرسلَ الميرزا الشيرازي كتاباً إلى ويلسون في الخامسِ من آب يحتجُ فيِهِ على تسّفيرِهم، ويطلبُ إخلاءَ سبيلِهم حيثُ وصَفَهُم بأنَّهم لم يفعلوا شيئاً سوى القيام بالمطالبةِ السلميةِ بحقوقِ البلادِ المشروعة، فبعثَ ويلسون برسالةٍ مطولةٍ إلى الميرزا، يَتهمُ فيها المعتقلينَ بأنَّهم يشوشونَ أفكارَ الناسِ تِجاهَ بريطانيا ويُثيرونَ الإشاعات والأكاذيب، وعندما وصلَ كتابُ ويلسون إلى الميرزا الشيرازي، تألّمَ الميرزا كثيراً، وأعلَنَ عزمَهُ على الهجرةِ إلى إيران، لكي يُفتي من هُناك بالجهادِ ضدَ الانكليز، فلما انتشرَ خبرُ عزمِهِ على الهجرة، أخذتْ الرسائلُ تَرِدُ إليِهِ من شتى المدنِ تطلبُ منْهُ البقاء، ومما جاءَ في بعضِها "لمْ يبلْغنا خبرَ هجرتِكم إلّا وصَممنا على إتّباعِكم، والسيرِ على منهاجِكم، فلا تطيبُ لنا بعدَكم دار، ولا يكونُ لكافةِ أهلِ العلمِ قرار، فأمرونا فإننا ممتثلون طوعَ أمرِكم ورهنَ إشارتِكم".
لمْ تجدْ الحكومةُ البريطانيةُ لكَثرةِ الضغوطاتِ بُدٌ من إعادةِ المبعدينَ بعد أربعةِ أشهرٍ من اعتقالِهم ، ومحاولةً منهم لاسترضاءِ الميرزا الشيرازي الذي عدُّوه خصماً عنيداً يصعبُ إرضاءُهُ أو مخادعتَهُ، فكانَ أنْ وصفوهُ بأوصافٍ لا تليق، تنفيساً لكرهِهم لَهُ كما جاءَ في مذكراتِ ويلسون والمِسْ غيرترود بيل، واستقبلَ أهالي كربلاء السياسيينَ المُبعدينَ الذينَ عادوا في الثاني من كانونِ الأول من السنةِ نفسِها بالكثيرِ من الحفاوةِ والابتهاج، وعُدتْ عودتَهم نصراً صنَعَهُ أبطالٌ وطنيون.
دور العلماء
ثورةُ العشرينَ ثورةٌ وطنيةٌ خالصة، صنعَ مقدماتَها وحركَ اغلبَ أحداثَها علماءُ الحوزةِ العلميةِ الشريفة، فكانَتْ ثورةٌ عُلمائيةٌ بامتياز، تخطيطاً وتنظيماً، قادَ المرحلةُ الأولى منْها الميرزا الشيرازي، فكانَ يُصدرُ الفتاوى ويُوجهُ ويُنظمُ ويُتابعُ عن كثبٍ اغلبَ التفاصيل، وأكملَ المسيرةَ سلفُهُ شيخُ الشريعةِ فتح الله الاصفهاني كأحسنِ ما كان، ويُمكنْ إجمالِ دورِ العلماءِ في ثورةِ العشرينَ في مرحلتين أساسيتين:
المرحلةُ الأولى: مرحلةُ تهيئةِ المقدمات، حيثُ كانَتْ توجيهاتُ المرجعيةِ وفتواها هي العاملُ والمحركُ الأولُ للجماهيرِ باتجاهِ المطالبةِ بحقوقِهم المشروعة، ومواجهةِ مخططاتِ المحتلِ الذي بانَ للقاصي والداني كِذْبُ وعودِه، ولمْ تكنْ الثورةُ المسلحةُ هدفاً للمرجعيةِ الدينيةِ بلْ كانَ الإصلاحُ هو الهدف، لذا نُلاحظُ الحذرَ والتأنّي في إصدارِ الفتاوى والبيانات تجنباً للفوضى وحقناً للدماء، فضلاً عن فتاوى وبياناتِ المرجعية، كانَتْ هناكَ صحافةُ الثورةِ ببياناتِها وأخبارِها التي كانَتْ تَلهِبُ في الثوارِ الحماس، فكانَتْ مجلةُ الفرات التي أصدرَها الشيخ محمد باقر الشبيبي لسانَ الثورةِ الناطق ، وكذلكَ كانَتْ جريدةُ الاستقلال، وكذلكَ كانَ للخطباءِ دورٌ فاعلٌ في التحشيدِ الإعلامي، كالشيخ محمد علي القسام، والشيخ محمد حسن أبو المحاسن، والسيد صالح الحلي، والشيخ باقر الحلي وآخرين.
مع إنَّ البريطانيين بتصرفاتِهم الهوجاءِ كانوا هُمُ السببَ في إيصالِ صوتِ المطالبةِ إلى مستوى الثورةِ المسلحة، لتعجرفِهم وعدمِ تجاوبِهم مع المطالب، واستفزازهِم للعشائرِ ورؤسائِها، إلّا أنَّ البريطانيين كثيراً ما كانوا يُحمّلونَ المرجعيةَ أسبابَ ذلك، وما ذلكَ إلّا إدراكاً منهم لدورِ المرجعيةِ الكبيرِ رُغمَ أنَّهم يَهدِفونَ من كلامِهم هذا الطعنَ بالمرجعيةِ وتشويهِ صورتِها، مشاركةُ العلماءِ في مقاومةِ المحتلِ البريطاني، وكذلكَ في التخطيطِ لثورةِ النجف، ومواجهةِ الاستفتاءِ البريطاني، كانَ لها الأثرُ الفاعلُ في تهيئةِ الأرضيةِ المناسبةِ للشعورِ الوطني الذي كانَتْ الثورةُ نتيجتَهُ الحتمية.
أما المرحلةُ الثانيةُ: فهي مرحلةُ أحداثِ الثورةِ وما ترتبَ عليها، حيثُ إنَّهُ بعدَ اندلاعِ الثورةِ المسلحةِ على اَثرِ أحداثِ الرميثة، لم تقفْ المرجعيةُ الدينيةِ مكتوفةٌ فحاولَتْ تهدئةَ الوضعِ وممارسةَ دورِ الوساطةِ بينَ الثوارِ وسلطةِ الاحتلالِ لكنَّ سلطةَ الاحتلالِ رفضَتْ الوساطة، فما كانَ من المرجعيةِ الدينيةِ إلّا أنْ بدأتْ بالتحشيدِ لدعمِ الثوارِ فكانَ تعبيرُ الميرزا الشيرازي عن ثوارِ الرميثةِ بالغريقِ الذي يَنبغي إنقاذُهُ أو الغرقُ معَهُ تعبيرٌ غايةً في الدقةِ فهوَ من جانبْ يريدُ القولَ بأنَّهُ كانَ يتمنى لو لمْ تُستفزْ العشائرُ وتتركْ منهجَ المطالبةِ السلمي، ومِنْ جانبٍ آخر يقولُ أيضاً إنَّهُ لنْ يقفْ مكتوفَ اليدينِ أمامَ ما حدثَ فهو إما أنَّ يُنقذُ الثوارَ أو يغرقُ معهم!!
لم يقفْ دورُ المرجعية عندَ هذا الحد، أي دعمُ الثورةِ معنوياً، وتهييجُ الرأي العام ضدَ المحتلين، بلْ كانَتْ المرجعيةُ هي الداعمُ الأولُ للثورةِ مادياً، حيثُ ينقلُ المعاصرون للإحداثِ إنَّ الميرزا الشيرازي كانَ يُرسلُ كلَ ما يَصِلُ إليهِ من الحقوقِ إلى الثوار، وكذلكَ فَعَلَ سلفَهُ الشيخ الاصفهاني، ولم تقفْ الأمورُ عندَ هذا الحدِ أيضاً ففي كلِ معركةٍ ومفصلٍ كانَتْ توجيهاتُ المرجعيةِ هي المحركُ الأساسي للإحداث، وكانَ ممثلو المرجعيةِ يتابعونَ الأحداثَ عن كَثَبٍ ويشاركونَ في المعارك، وكذلكَ فإنَّ رؤساءَ العشائرِ كانوا يُرسلونَ من طرفَهِم برسائلٍ في كلِ صغيرةٍ وكبيرةٍ إلى المرجعيةِ الدينية، فتأتي توجيهاتُ المرجعيةِ المتابعةِ للإحداثِ تتضمنُ الكثيرُ من المفردات، وتعالجُ الكثيرَ من المشاكل .
في مراحلِ الثورةِ الأولى ولوجودِ الميرزا الشيرازي في كربلاء، ووجودِ شيخِ الشريعةِ في النجفِ وهي مقرُ اغلبِ علماءِ الحوزة، كانَ للثورةِ مركزان قياديان هما النجف وكربلاء، ولكنْ بعدَ وفاةِ الميرزا الشيرازي صارتْ النجفُ عاصمةُ الثورةِ ومركزُ القيادة.
الكثيرونَ ممن كتبوا عن الثورةِ قالوا إنَّها ثورةٌ فوضويةٌ لعشائرٍ أظهرَتْ الكثيرَ من الشجاعة، وفعلاً إنَّ العشائرَ التي شاركَتْ في الثورةِ أظهرَتْ الكثيرَ من الشجاعةِ المُنقطعةِ النظيرِ بحيثْ أذهلَتْ قواتَ الاحتلال، ولكنَّ الثورةَ لمْ تكُنْ فوضوية، وذلكَ لأنَّ القواتَ العشائريةِ هذهِ أظهرَتْ الكثيرَ من التنظيمِ والحُنكةِ العسكريةِ بحيثْ أذهلَتْ قوادَ جيوشِ الاحتلالِ كما في معركةِ الرارنجيةِ على سبيلِ المثال، وكذلكَ فإنَّ المرجعيةَ الدينيةِ بوصْفِها تمثلُ قيادةَ الثورةِ لم تتركْ الأمورَ سدىً دونَ تنظيم.
فتَمَ إنشاءُ مجلسٌ بلديٌ في النجف، جرى اختيارُ أعضاءِهِ بالانتخابِ في بادرةِ وعي مبكر عن طريقِ وضعِ صناديقٍ على رؤوسِ الأسواقِ يومَ الخامسِ والعشرينِ من آب، وهذا المجلسُ مكونٌ من ثمانيةِ أشخاص، اثنين لكلِ مَحَلةٍ من مَحَلاتِ النجفِ الأربع : المشراق، البراق، العمارة، الحويش، ووظائفُ هذا المجلسِ جمعُ الضرائب، وجبايةُ الرسومِ المحلية، والإشرافُ على الأمورِ الصحية، والقضايا البلدية، وتَمَّ توظيفُ حرسٍ خاصٍ للأمن، ومراقبينَ صحّيينَ للنظافة، وموظفينَ ماليّينَ للجباية.
وقامَتْ إلى جانبِ المجلسِ البلدي هيئتانِ محليتان:
الأولى هيئةُ أعضاءِ مجلسِ الإدارةِ وهي برئاسةِ الشيخ جواد الجواهري، وعضويةِ الحاج عبد المحسن شلاش ناظراً للمالية والسيد مهدي ال سيد سلمان رئيساً للقوةِ الإجرائية .
والثانيةُ هيئةُ القوةِ التنفيذيةِ من ثمانيةِ أعضاء.
والى جانبِ ذلكَ قامَتْ "الهيئةُ العلميةُ الدينيةُ العليا" فكانَتْ تُشرِفُ على كلِ هذِهِ الهيئات، وتديرُ أمورَها وتُصدرُ لها التعليماتِ اللازمةِ وتَحلُ المشاكلَ الآنية، وهي برئاسةِ شيخِ الشريعةِ الاصفهاني، وعضويةِ كلٍ من الشيخ عبد الكريم الجزائري، والشيخ جواد الجواهري، والشيخ مهدي الملا كاظم، والشيخ موسى تقي ال زاير ادهام، والشيخ إسحاق حبيب الله، والشيخ مشكور الحولاوي والشيخ علي الحلي، والشيخ عبد الرضا الشيخ راضي، والشيخ احمد الملا كاظم، والحاج عبد المحسن شلاش، والسيد محمد علي بحر العلوم، والسيد محمد رضا الصافي، والسيد علي السيد حسين، والشيخ علي المانع.
وتألفَ في كربلاء بعدَ اجتماعٍ عُقدَ في دارِ الميرزا الشيرازي في اليومِ السادسِ والعشرينَ من تموز، مجلسان سُميَ احدهَما المجلسُ العلمي، وكانَ أعضاؤُهُ كلٌ من : السيد هبة الدين الشهرستاني، والميرزا احمد الخراساني، والميرزا عبد الحسين الشيرازي، و السيد أبو القاسم الكاشاني، والسيد حسين القزويني، وكانَ يُعقدُ برئاسةِ اكبرِ الأعضاءِ سناً، ووظيفتُهُ النظرُ في القضايا المتنازعِ عليها، وإدارةُ إعلامِ الثورة، وتوجيهُ الأوامرِ اللازمةِ إلى المجلسِ المِلّي الذي يتكونُ من سبعةِ عَشَر عضواً من ساداتِ كربلاء ورؤساءِ العشائر، مع وجودِ ممثلٍ للميرزا الشيرازي فيِهِ وهو الشيخ محمد حسن أبو المحاسن، ووظائفُ المجلسِ المِلّي إداريةٌ لكربلاء وما حولها، وتنفيذيةٌ لأوامرِ المجلسِ العلمي، وكانَتْ الجلساتُ تُعقدُ برئاسةِ اكبرِ الأعضاءِ سِناً، وقدْ باشرَ عملَهُ بتعيينِ موظفي البلديةِ والحراسِ والجباةِ كما شَكَلَ قوةً من الشرطةِ تَضُمُ مئةً من المُشاةِ وثلاثينَ خيالاً، وكانَ كِلِا المجلسين يأتمرانِ بأمرِ الميرزا الشيرازي، وقد عُينَ السيد محسن أبو طبيخ متصرفاً للواءِ كربلاء وذلكَ بعدَ وفاةِ الميرزا الشيرازي في السادسِ من تشرينِ الأول عامَ ألفٍ وتسعمئةٍ وعشرينَ للميلاد وانحلالِ المجلسِ الملي.
تنبعُ هذه الأهمية لثورة العشرين من الظروف التي أحاطت بالثورة ورافقت اندلاعها ومن النتائج التي انعكست على مستقبل العراق دولة وشعباً، وفي ضوء ذلك، حظيت الثورة باهتمام واسع من لدن الباحثين في العراق وخارجه، وتصدت دراسات علميَّة كثيرة لجوانب متعددة من الثورة، واختلف المؤرخون في تفسير العامل المؤثر في الثورة، ففي حين عدَّ البعض أنَّ شيوخ عشائر الفرات الأوسط كان العامل المحرك للثورة، واعتقد المؤرخ الأجنبي أنَّ الفلاحين كانوا وقود الثورة وأساس هياجها، في حين رأى آخرون أنَّ المرجعيَّة الدينيَّة كانت القائد الفعلي للثورة، وانَّ الفتاوى التي صدرت من كربلاء المقدسة أعطت الشرعيَّة للثورة، وراح البعض ينسب لفئة الأفنديَّة قيادة الحراك الشعبي قبيل الثورة، ونسب بعض المؤرخين لمدنهم الدور الأكبر في الثورة، وهكذا يمكن أنْ نلاحظ الاختلاف في تقييم حدث محوري من التاريخ العراقي المعاصر بين كونه ثورة إسلاميَّة أو ثورة وطنيَّة أو ثورة قوميَّة.
في الكتب البريطانية
أبرز من كتب عن الثورة العراقيَّة من الناحية الوثائقيَّة وتعبيراً عن وجهة النظر البريطانيَّة، هما : السير أيلمر هولدين القائد العام للقوات البريطانية عند نشوب الثورة، وارنولد ولسن وكيل الحاكم الملكي العام، وكان هولدين المسؤول عن قمع الثورة والقضاء عليها بقوة السلاح، ويصف في كتابه الموسوم (ثورة العراق 1920)، الذي ترجمه فؤاد جميل وصدر في العام 1965 في بغداد وقائع الثورة وميادينها ويشير الى الحركات العسكريَّة التي جرت بسببها والتداببر القمعيَّة التي اتخذت للقضاء عليها، ودافع في الكتاب عن نفسه، ووضع اللوم بدوره على إدارة الاحتلال المدنية وسوء تصرفها، ويعزو جانباً من التقصير الحاصل في إدارة البلاد الى الحكام السياسيين ورئيسهم ولسن، وكان معظمهم عديم الخبرة صغير السن، ولذلك لم يكن القائد العام نفسه يعبأ بآرائهم.
أما كتاب ارنولد ولسن وكيل الحاكم الملكي العام في عهد الاحتلال البريطاني الموسوم (الثورة العراقيَّة) الذي ترجمه وعلق عليه جعفر الخياط وصدر في بغداد العام 1971 فتطرق ولسن الى مقدمات الثورة وأسبابها ووقائعها وميادينها وجميع ما يختص بها بوصفه المسؤول الأول في البلاد حين وقوعها، ويلاحظ في فصول الكتاب دفاع ويلسن المستميت عن أعماله وتصرفاته ووضع اللوم في اندلاع الثورة وأعمال العنف وفي التقصير الذي حصل على عاتق غيره، فهو يتذمر أولاً من الأوضاع العامة التي تسود العراق يومذاك، ومن الإمكانات المحدودة للإدارة المدنيَّة، والبدء بتسريح الجيش عقب نهاية الحرب العالمية الأولى ويهاجم القائد العام، ويشير الى عجزه وتقدمه في السن والى إهماله كثيراً من الأمور، ويلوم دوائر وزارة الخارجيَّة البريطانيَّة ووزارة الهند لإهمالها البت في أمر الولايات العراقيَّة، ويؤكد على تأثير البلاشفة في الحركة الوطنية في العراق ويهاجم الضباط العراقيين في الجيش الشريفي وما فعلوه في دير الزور وتلعفر، ولم ينس أنْ يربط الصوم بأمزجة الحركة الوطنية العراقية خلال شهر رمضان المبارك.
أقلام عراقيَّة
اعتقد بعض المؤرخين بالدور الريادي لعلماء الحوزة في تفجير الثورة واندلاعها، ويستشهدون بالفتوى التي أصدرها الشيرازي بعدم جواز إمارة غير المسلم على المسلم، وأهم الكتب والرسائل والبحوث التي أكدت على دور رجال الدين في الثورة: (سليم الحسين, دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار 1900-1920، عبدالحسين الحلي، شيخ الشريعة: وقيادته في الثورة العراقية الكبرى 1920 ووثائقه السياسيَّة تحقيق وتعليق كامل سلمان الجبوري، بيروت , 2005، إخلاص لفتة حريز، موقف الحوزة العلمية في النجف الأشرف من التطورات السياسيَّة في العراق، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، الجامعة المستنصرية، 2005، عادل الياسري، جهاد السيد نور الياسري في ثورة العراق التحررية 1920 وصناعة الوطنية، الدار العربية للعلوم، ناشرون، علاء عباك نعجة، محمد تقي الشيرازي الحائري ودوره السياسي في مرحلة الاحتلال البريطاني للعراق 1918-1920، رسالة ماجستير غير منشورة جامعة بابل كلية التربية 2005، باسم أحمد هاشم الغانمي، دور علماء الدين الشيعة بأحداث العراق السياسيَّة: الثورة العراقية الكبرى 1920، كلية التربية جامعة المدن وثورة العشرين في كتابات)
المؤرخون
أولى العديد من المؤرخين أهمية خاصة لمدنهم في تغطية أخبار الثورة ومن أبرز تلك الكتب: (محمود العبطة، بغداد وثورة العشرين، بغداد, 1977، قاسم عبد الهادي، بغداد في ثورة العشرين، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد التاريخ العربي، عبد الله حميد العتابي، دور البغداديين في ثورة العشرين، بحث منشور في مجلة الآثار والتراث، جامعة بغداد، كلية الآداب، كامل سلمان الجبوري، النجف الأشراف والثورة العراقيَّة الكبرى 1920: حقائق ومذكرات من تاريخ العراق السياسي لن ينشر بعضها من قبل، بيروت 2005، محمد صادق بحر العلوم، دور النجف في الثورة العراقية الكبرى عام 1920، كامل سلمان الجبوري، الكوفة في ثورة العشرين مطبعة العاني 1972، سلمان هادي آل طعمة كربلاء في ثورة العشرين بيروت, 2000، كمال مظهر أحمد، دور الشعب الكردي في ثورة العشرين، بغداد, 1978, ستار نوري العبودي، دور الحليين في الثورة العراقية سنة 1920، مجلة مركز بابل، د.عبدالله كاظم عبد ومحمد حسين زبون الساعدي، أهالي لواء العمارة وثورة عام 1920: دراسة في ضوء نظرية التحدي والاستجابة، مجلة ميسان للدراسات الأكاديميَّة، كانون الأول, 2009, علي عباس، زعيم الثورة العراقية، بغداد 1950 .
المذكرات
تعدُّ المذكرات مرجعاً أصيلاً للكتابة التاريخيَّة، لا سيما إذا ما عرفنا أنَّ كاتب تلك المذكرات عاصر تلك الأحداث وأسهم بها، وأبرز تلك الكتب: (محسن أبو طبيخ، على هامش الثورة العراقية الكبرى، بغداد 1953، تحسين العسكري، مذكراتي عن الثورة العربيَّة والثورة العراقيَّة، النجف 1938، محمد مهدي كبه، مذكراتي في صميم الأحداث 1918 - 1948, بيروت 1965، علي البازركان، الوقائع الحقيقيَّة في الثورة العراقيَّة، بغداد 1954، محمد علي كمال، معلومات ومشاهدات في الثورة العراقية لسنة 1920، بغداد، 1971، صفحات من مذكرات السيد سعيد كمال الدين: أحد رجال الثورة العراقية، تقديم وتعليق كامل سلمان الجبوري مطبعة العاني، بغداد 1987، مذكرات الحاج صلال الفاضل الموح، تقديم وتعليق كامل سلمان الجبوري، مطبعة العاني، بغداد 1986، كاظم الدجيلي، أحداث ثورة العشرين كما يرويها شاهد عيان، تحقيق حكمت رحماني، مطبعة الزمان، بغداد 1973، مذكرات الحاج عبد الرسول تويج: من رجال الثورة العراقية 1920، مطبعة العاني بغداد، 1987، محمد علي كمال الدين، ثورة العشرين في ذكراها الخمسين، مطبعة التضامن، بغداد 1971، كاطع العوادي، مذكرات كاطع العوادي: أحد رجال ثورة العشرين، تقديم وتعليق كامل سلمان الجبوري، مطبعة العاني، 1987, جعفر الخليلي، على الثورة الكبرى، بغداد 1952.
صحيفة نيويورك تايمز بين نقل الحقيقة والتأثير البريطاني عليها:
1- تأثير السياسة البريطانية على صحيفة نيويورك تايمز الامريكية في نقل أخبار الثورة العراقية، فقد كتبت هذه الصحيفة وبدون تمييز عن الاحداث السياسية التي شهدتها سنة 1920م في العراق، ومنها ثورتلعّفر، واحداث دير الزور، والحركة التي قام بها محمود البرزنجي في شمال العراق ضد الانكليز، كذلك الاحداث التي رافقت ثورة العشرين في الفرات الاوسط، ففي خبر اوردته الصحيفة في (22 كانون الثاني 1920م) تذكر فيه ان رمضان شلاش، زعيم بلاد وادي الرافدين قد تبنى موقفاً معارضاً للبريطانيين وتعد المصادر الصحفية من المصادر البارزة التي اعتمدتها صحيفة نيويورك تايمز، وكان بعض تلك الاخبار الصحفية قد ورد إليها بشكل برقيات خاصة بها من لندن، أو ما يتم طرحه في مجلس العموم البريطاني بصدد ثورة العشرين، أو ما يصدر من بلاغات رسمية في دوائر الحرب البريطانية، أو ما كتبته الصحف اللندنية في مقالاتها الافتتاحية من أخبار رسمية، ومن بين تلك الصحف صحيفة التايمز اللندنية، والديلي نيوز، وديلي كرونكل، وديلي ميل، وديلي اكسبريس، وديلي ميل القاهرية، وفوق هذا فقد اعتمدت الصحيفة على تقارير واردة من بغداد، وإيران، والهند واستانبول، كانت صحيفة نيويورك تايمز عندما تشير إلى أحداث ثورة العشرين في العراق تذكر انها أما ثورة أو انتفاضة ضد الانكليز في حال حصولها على الاخبار بصورة مستقلة، أما اذا حصلت على اخبار العراق من لندن أو من أقوال الساسة الانكليز نجدها تستخدم اصطلاح (تمرد) أو عصيان، واشارت الصحيفة مرتين إلى المعاملة الحسنة التي عامل بها الثوار العرب الاسرى البريطانيين.
2- موقف الصحيفة الاحتلال البريطاني، أظهرت صحيفة نيويورك تايمز في احدى المناسبات خطورة الموقف بالنسبة للبريطانيين وما تكبدته القوات البريطانية من خسائر فادحة، وقد اشارت في مناسبات أخرى ان البريطانيين يحتاجون إلى جيوش ضخمة من أجل إبقاء سيطرتهم على العراق، ووجهت الصحيفة انتقادات متعددة للإداريين البريطانيين، في العراق بأنهم لم يكونوا أكفّاء، وفي هذا الصدد نقلت هذه الصحيفة انتقادات الكولونيل (لورنس) للبريطانيين والفرنسيين في محاولتهم استبعاد العرب عن المسرح الدولي، وان السبب المباشر الذي ادى إلى اندلاع ثورة العشرين هو سوء الادارة البريطانية واحتكار المناصب بأيدي ضباط وسياسيين بريطانيين، في الوقت الذي تعهدت فيه بريطانيا بأن تعمل على تأسيس حكومة عربية مستقلة في العراق، والبريطانيون لم يشركوا العرب في إدارة بلادهم، ثم انتقدت الاداريين الانكليز بأنهم كانوا قليلي الكفاءة والدراية والمقدرة، ولم تغفل الصحيفة عن الاشارة إلى أهمية النفط العراقي بالنسبة إلى بريطانيا.
3- صحيفة نيويورك تايمز الامريكية واحداث ثورة العشرين: من المعلوم ان هذه الصحيفة كانت تشير إلى العراق في جميع اخبارها بهذا الاسم "ميسو بوتاميا" أي بلاد ما بين النهرين، وجميع البلاغات العسكرية التي كانت تنشرها صحيفة نيويورك تايمز الامريكية عن أحداث الحرب بين رجال القبائل في العراق وبين الجيش البريطاني وهذه نصوص مترجمة للأخبار التي كانت تكتب في صحيفة نيويورك تايمز عن مجريات ثورة 1920م في العراق وكما يأتي.
1- البريطانيون يدحرون رجال القبائل في العراق: هاجمت عصابة من افراد القبائل العراقية ألبوكمال في يوم 11 كانون الثاني 1920م لكنها دُحرت من قبل البريطانيين، وكبدت الطائرات البريطانية المهاجمين خسائر فادحة وان احدى هذه الطائرات التقطت ضابطا بريطانيا جريحاً وحملته إلى حوالي (240) ميلاً حيث المستشفى.
2- الثورة تقترب من العراق: برقية خاصة إلى صحيفة نيويورك تايمز الامريكية من الجنرال (ماكمون) قائد عام القوات البريطانية في العراق يتنبأ بثورات منذرة بالسوء، لقد أكدّ القائد العام بأنه مصدوم كثيراً بأحتمال أنفجار الثورات في البلاد، لأن سبق وان قامت ثورة في شمال العراق قادها الشيخ محمود أحد زعماء الاكراد في جنوب كردستان، وكانت خطرة، فقد استغرق كبحها حوالي شهرين من القتال الشديد في منطقة صعب كما اندلعت ثورة إسلامية أخرى في العمادية فقتلوا الحاكم السياسي البريطاني والجيش التابع له، وأضاف الجنرال (ماكمون) انه "ليس هناك أي ضمان بأن المشاكل قد لاتحدث في مناطق لم تتأثر لحد الآن".
3- تشرشل يعرض حماية العراق بواسطة دورية جوية: في 22 آذار قال ونستون تشرشل وزير الحرب اثناء مناقشته لأعداد الجيوش في مجلس العموم البريطاني، انه على الرغم من أن الموقف في الشرق الأوسط قلق، لكنه في الواقع لم يثبت خطراً جداً كما هو متوقع، ومع ذلك فأنه بات من الضروري علينا ان نحافظ على قوات قوية هناك، وكان يحدوه الامل بالحصول على نتائج اقتصادية كبيرة طيلة هذه السنة لحماية العراق بواسطة الجو بدلاً من القوات العسكرية، وقال الوزير "نحن لا يمكننا المضي في المحافظة على العراق وصرف مبلغ 15 مليون أو 20 مليون دولار سنوياً، لكنني لا أرى لماذا ستفشل الإدارة البريطانية في العراق والتي نجحت في مكان آخر من العالم، فأن الواجب إيجاد وسائل آخرى اذا ما أردنا الإبقاء على العراق، وأضاف بأن القلق الموجود في الشرق الأوسط سيفوق القلق حول الأحداث في ألمانيا.
4- بريطانيا تخطط لتقليل الجيش البريطاني في العراق: لقد ذكر (اندرو بونار لو) الناطق الحكومي في مجلس العموم البريطاني اليوم انه ليس هنالك من تساؤل عن ان بريطانيا العظمى قد زادت من التزاماتها العسكرية في العراق وبلاد فارس، وأضاف السيد (بونارلو) انه على العكس من ذلك فأن الحكومة كانت تبذل جهداً للتقليل من التزاماتها مقدرة بذلك الضرورة إلى تقليل نفقاتها العسكرية، لقد وردت تقارير تتعارض مع بيان اليوم القائل بأن الموقف هادئ إلى درجة كبيرة وخاصة في مدينة تلعفر.
5- العراق يثور، ويقطع الثوار خط سكة بصرة- بغداد: يقول التقرير من طهران ان الموقف في جنوب العراق أصبح جدّيا، ويضيف انه قد ذكر في طهران ان خط سكة حديد بصرة – بغداد قد قطع في ثلاثة أماك.
6- عدد البريطانيين المفقودين في العراق لغاية هذا اليوم 161 مفقوداً: يقول التقرير البريطاني ان حامية الرميثة تصمد ضد الانكليز اعتماداً على تقرير وزير الحرب (تشرشل)، كجواب وجّه إليه في مجلس العموم البريطاني فأن خسائرها في العراق هي قتل ثلاثة ضباط بريطانيين وأربعة عشر جريحاً، وقتل 158 جندياً و232 جريحاً.
7- القبائل العراقية تهاجم رتلاً كبيراً في أسفل الفرات: ذكرت دائرة الحرب اليوم ان مشاكل أخرى تواجه البريطانيين في العراق، فلقد هوجم رتل بريطاني قوي في أسفل الفرات وعومل معاملة خشنة من قبل القبائل، وأعلن ان الرتل نجح في اختراق طريق عودته إلى الحلة الموضع القريب من بابل القديمة بعد ان تكبد خسائر 300 جندي وفقدان مدفع كبير و 12 مدفع رشاش.
8- الثورة في العراق تزداد عنفاً وكارثة تتعرض لها قوة بريطانية صغيرة: لقد أكدت التقارير الرسمية الواردة من العراق، ان البلاد في حالة ثورة فوضوية ضد الإدارة البريطانية وخاصة إلى الشمال من بغداد، بين بغداد والموصل، فالحاميات البريطانية قد حوصرت والسكك الحديد قد قطعت والضباط البريطانيون قد قتلوا، واعتماداً على الروايات البريطانية الرسمية فأن خطورة الموقف أكثر مما كشفت عنه التقارير والبيانات الرسمية، فقد نشرت الدائرة الهندية هذه الليلة تقريراً يؤكد الكارثة التي حلّت بقوة بريطانية في شهربان – العراق، يوم الأحد الماضي، وأضاف أن زوجة السيد (بوكنان) ضابط الري البريطاني الذي قتل قد أسرت من قبل العرب، الاّ انه ذكر أنها سالمة وتعامل معاملة حسنة هي وطفلها.
9- حروب كثيرة صغيرة: نشرت صحيفة التايمز الأمريكية في عددها الصادر يوم الاثنين 23 آب تحت عنوان (حروب كثيرة صغيرة) تأتي التقارير عن الثورة العراقية ضد بريطانيا من حين لآخر وللأسابيع الماضية، فقد ذكرت في بيان سابق ان بريطانيا تكبدت 300 قتيل ووردت الاخبار الأن ان 10,000 عشرة آلاف جندي في طريقهم من الهند إلى العراق لنجدة 70,000 سبعين ألف جندي موجودين فعلاً في العراق، وهناك خوف في لندن من الحاجة ما زالت إلى جنود أكثر من ذلك، وأن البريطانيين يحتاجون إلى جيش ضخم من أجل البقاء في العراق.
10- الجنود البريطانيون يتعرضون لضغط من قبل العراقيين وقطعوا خطوط الاتصال البريطانية: ان خطوط الاتصال البريطانية بين بغداد والموصل وبين بغداد والخليج العربي قد قطعت ثانية وتشير التقارير الواردة إلى استنبول اليوم من داخل العراق، إلى ان الحاميات البريطانية في بغداد والموصل قد تعرضت إلى ضغط شديد وهي بحاجة ماسة إلى امدادات.
11- اعلنت بريطانيا ان لديها خطة لتشكيل مجلس وزراء وبرلمان عربي مع مستشارين بريطانيين في العراق، وكذلك مجلس وزراء عربي، وقد فهم ان الخطّة ستمنح اذا رَشح العرب اميراً محلياً كحاكم لهم.
12- ضابط حرب بريطاني يذكر ان الموقف خطير في الجزء الاسفل من الفرات: هاجمت قوة من 1500 ثائر من أفراد القبائل في الخميس الماضي الحلة للمرة الثانية، والحلة مدينة تقع غرب نهر الفرات في العراق، غير ان المهاجمين تراجعوا تحت تأثير قصف قنابل شديد، كما قالت نشرة رسمية نشرت اليوم من قبل دائرة الحرب وتستمر النشرة قائلة "ان الموقف في منطقة المنتفق في العراق في القسم الأسفل من دجلة والفرات أخذ يتطور بشكل ينذر بالسوء الكبير، وهناك دعوة لحرب مقدسة عنيفة، ومن المتوقع ان هذه القبائل سترمي بكل ثقلها من الثوار، والموقف حول السماوة يسبب قلقاً أيضاً، وان حركات الثوار قد رصدت، وان هجمات جديدة على مواضعنا متوقعة.
13- البريطانيون يحتلون شهربان في العراق: أحتلت القوات البريطانية التي غادرت بعقوبة قبل عدة أيام شهربان المدينة الواقعة على الضفة اليسرى من نهر ديالى والتي تبعد حوالي 60 ميلاً شمال مدينة بغداد واستطاعت الحملة العسكرية، التي تحت قيادة أمير اللواء (كوننكهام) فك أسر بعض الاسرى الهنود والسيدة (بوكنان) زوجة ضابط الري البريطاني الذي قتل بالقرب من ذلك الموضع في الشهر الماضي. وذكرت التقارير الواردة من شهربان ان السيدة (بوكنان) قد عوملت معاملة حسنة، من قبل أفراد القبائل العربية الذين كانوا قد سيطروا على المكان وحتى اقتراب الجنود البريطانيين.
14- توجه ثلاث فرق عسكرية وسبعة هندية إلى العراق: لقد اعلنت بريطانيا ان ثلاثة فرق اوربية وسبع هندية سوف ترحل بحراً خلال أيام إلى العراق، لأمداد الجنود البريطانيين الموجودين هناك الآن، وجاء هذا الامداد نتيجة للموقف المضطرب في البلاد.
15- البريطانيون قد ينسحبون من العراق: لقد فهم المراسل لصحيفة نيويورك تايمز اللامريكية ان الحكومة قد تتبنى سياسة انسحاب الجيوش البريطانية من العراق إلى البصرة حين يصبح أمر تقليص الجنود سهلاً، ويقول المراسل ان هذا الانسحاب لم يكن بالامكان حدوثه في السنة الماضية بسبب الاضطربات في البلاد وبسبب الخوف من حدوث ثورات أخرى, أما الجنود الاضافيون الذين كانت الحاجة لهم ماسّة سابقاً فهم يرجعون الآن إلى الهند، وبنهاية شهر آذار سينقص العدد إلى 70,000 سبعين ألف جندي.
توقفت هذه الصحيفة من نشر أخبار ثورة العراق الكبرى عام 1920 على صفحاتها من 12 أيلول 1920م وحتى 26 كانون الثاني 1921م، ان ثور العشرين في العراق تعد من الثورات المهمة في الوطن العربي بحيث أخذت الصحف الرئيسية في العالم الغربي بنقل أخبار هذه الثورة يوميّا وعلى صفحاتها الرئيسية ان ما كتبته هذه الصحيفة عن الثورة وقادتها ورجالها هو أكبر دليل على ان الغرب كان يحسب لهذه الثورة وما بعدها من الثورات التي هزّت أركان الوجود الغربي في العالم العربي.
ثورةٌ قادَها العلماءُ وخاضوا ميادينَها جنباً إلى جنبْ مع أبطالِ العشائر، وسطروا من خلالِها أروعَ صورِ التلاحمِ والوعي والشعورِ بالمسؤوليةِ فما أحوجَنَا لإعادةِ قراءةِ هذا التاريخ، ليكونَ مناراً لنا ولأجيالِنا نسترشدُ به ونشعرُ بالفَخرِ والاعتزازِ عندما نُقَلِبُ صفحاتِه ، ونتعلمُ منْهُ الدروسَ والعبر.