مركز الامام الشيرازي ناقش مستقبل كورونا وأسباب الفشل في التنبؤ بالكوارث
محمد علاء الصافي
2020-04-18 03:15
عقد مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية في ملتقى النبأ الأسبوعي موضوعا تحت عنوان (كورونا لماذا لا يستطيع العالم المتقدم التنبؤ بالكوارث)، الكترونيا تماشيا مع حالة العزل والتباعد الاجتماعي التي فرضتها جائحة كورونا..
شارك في الملتقى عدد من الكتاب والباحثين ذوي التوجهات المختلفة.
وكان نص الورقة التي قدمها المركز من اعداد الأستاذ محمد الصافي وجاءت على الشكل التالي:
ما زال العالم يواجه تهديدات بيئية كبيرة منذ أكثر من ثلاثين عاما اهمها (توسع ثقب الأوزون، انبعاثات الغازات، تغير المناخ وارتفاع حرارة كوكب الأرض والكوارث الطبيعية، الاوبئة)، العامل الأساس في هذه التهديدات البيئية هو الاستخدام المفرط لموارد الأرض واستنزاف الطاقة بشكل كبير جداً أكثر من الحاجة، مما جعل الانسان قادرا على إهلاك الكوكب، وقادرا أيضا على إنقاذه إن أراد.
خلال مرحلة الحرب الباردة وضعت الحكومات خلافاتها جانبا لتناقش حلول ازمة توسع ثقب الاوزون وفي عام 1987، وقع بروتوكول مونتريال الذي منع استخدام المواد الكيميائية المضعفة لطبقة الأوزون، وكانت هذه المعاهدة الأولى في التاريخ التي صادقت عليها كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
تشكل طبقة الأوزون درعا هشاً في الغلاف الجوي العلوي حيث يوجد أعلى تركيز للأوزون.
تمتص هذه الطبقة الأشعة فوق البنفسجية وتمنع معظمها من الوصول إلى الأرض، وهذا أمر مهم للكائنات الحية على الأرض، فهذه الأشعة قد تتسبب في سرطان الجلد.
تؤثر التغييرات في طبقة الأوزون على الطقس من خلال التغيرات في درجة حرارة الغلاف الجوي وهطول الأمطار، مما قد يؤدي إلى تغيرات في درجة حرارة المحيطات وتركيز الملح.
بعد أشهر قليلة فقط من ظهوره، أدخل فيروس كورونا والذي بالكاد يُرى بالمجهر الدقيق جداً، العالم في حالة من الرعب والارتباك.
دفع العديد من دول العالم لعزل نفسها، وإغلاق حدودها، وتخصيص مليارات الدولارات لمواجهته والقضاء عليه، كما جعل البشرية بكل أعراقها وايديولوجياتها تتفق على ملاحقته للفتك به بعد ان أضر وفتك بأرواح الألاف.
من الواضح، وكما يبدو من ردود الفعل العالمية تجاه الفيروس أن لا مستفيد من هذه الجائحة، بل العكس؛ لا سيما أنه تسبب بركود اقتصادي عالمي، وأوقف أعمال بورصات عالمية ودفع المواطنين لاجتياح الأسواق بهدف التخزين وكأنهم مقبلون على مجاعة شديدة.
في خضم هذه الأحداث، هناك من نظر للأمر من زاوية أخرى ورأى وجود مستفيد من هذا الوباء العالمي، ألا وهو كوكب الأرض.
لا شك أن تلوث الهواء من المشكلات التي تواجه المدن الكبرى في العالم، والذي تساهم فيه أنشطة بشرية عديدة، منها النشاط الصناعي وحركة الطيران والمرور الكثيفة.
وبحسب تقرير نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن إغلاق المصانع وخلو الشوارع في بعض البلدان بسبب كورونا جعل من كوكب الأرض "المستفيد الأول"، وقالت إن حالة الإغلاق العام الذي شهدته العديد من المدن والدول حول العالم إثر تفشي كورونا جعلنا نرى سماء صافية.
كذلك الصين، التي تعد بؤرة انتشار كورونا، والتي يعرف عن بعض مدنها بأنها من أكثر المدن تلوثا في العالم، أعلنت أن معدل الأيام التي كان في الهواء نظيفا زاد بنسبة 21.5% في فبراير/شباط مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
كما أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرتها وكالة ناسا انخفاضا حادا في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين التي تطلقها السيارات ومحطات الطاقة والمنشآت الصناعية في مدن صينية كبرى بين يناير وفبراير، واختفاء السحب المرئية من الغازات السامة وذلك بعد انتشار كورونا.
لا بد من الإشارة أن العديد من الدول الأوروبية والعربية، فضلا عن الصين، أعلنت عن إجراءات تقيد حرية تحرك المواطنين، ومنع التجمعات وإلغاء فعاليات عديدة، وغلق أماكن العبادة والمدارس والترفيه والحدائق العامة، للحد من انتشار الفيروس.
خلال فترة محدودة، دخلنا نمط حياة جديد؛ تعطلت حركة المطارات والموانئ وعدنا للانغلاق بوجه الآخرين والغرباء القادمين من دول أخرى. وهو ما يذكر بأزمة اللاجئين ما أعاد مشاعر الخوف والتعصب.
نظرا للانتشار المرعب لفيروس كورونا، صنفته منظمة الصحة العالمية بـ "الجائحة"، وهو مصطلح علمي للدلالة على أنه أكثر شدة واتساعا من "الوباء". ومن غير المتوقع إيجاد علاج له في المدى المنظور. ونظرا لغزوه الكرة الأرضية بعد الكوارث البيئية المتلاحقة من حرائق وفيضانات وعواصف واضطرابات مناخية، ربما أن الكرة الارضية بدأت تنتفض ضد سكانها، ولم تعد تحتملهم، وكأنها تقول: "كفاكم عبثا بقوانين الطبيعة".
كورونا، ظهر للمرة الأولى في مدينة ووهان وسط الصين، 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وحتى الآن، أصاب الفيروس أكثر من مليوني شخص، توفي منهم أكثر من 130 الفا، أغلبهم في أمريكا وإيطاليا وإيران وإسبانيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا.
في مدينة نيويورك، يقيم الناس في منازلهم بسبب الفيروس، مما أدى إلى انخفاض كبير في مستوى أول أكسيد الكربون في الهواء وهو غاز خطير ينتج عن انبعاثات المركبات.
وفي الوقت نفسه، انخفضت مستويات ثاني أكسيد النيتروجين في الغلاف الجوي فوق الصين بنحو 40%، وفقًا لوكالة الفضاء الأوروبية.
راقبت الاقمار الصناعية انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في الفترة ما بين 20 ديسمبر و16 مارس، بالتزامن مع تفشي الفيروس وإغلاق المدن في البلاد. ما هو واضح هو انخفاض كبير في مستويات ثاني أكسيد النيتروجين في الصين بنسبة 40%، بسبب شبه توقف حركة التنقل.
وجد باحثون من جامعة كولومبيا الامريكية أن مستوى أول أكسيد الكربون في مدينة نيويورك انخفض بنحو 50% على أساس سنوي حيث انخفض مستوى حركة المرور في الشوارع بنسبة 35% منذ تفشي فيروس كورونا.
شمس ما بعد كورونا سوف تشرق على سُلَّم قيمي مغاير، يعيد ترتيب الأهمية بالنسبة للإنسانية، ستكون الأولوية في العقود القادمة من غير أدنى شك لصالح البحث العلمي، فقد علمتنا تجربة كورونا أن مخزونات الأسلحة الذرية والهيدروجينية، لم يقدر لها أن تهزم فيروس متناهي في الصغر، ولو أنفقت نسبة ضئيلة من الذي تم إنفاقه على الأبحاث العسكرية والتي امتدت مؤخرا إلى برامج عسكرة الفضاء، لربما تجنب العالم كارثة إطالة فترة البحث عن حل لهذا الفيروس القاتل.
أزمة كورونا اعادت انتاج مسألة الدولة القومية القوية، في علاقتها مع العولمة، فقد أثبتت التجربة أنه من غير الإعتماد على أنظمة قومية داخلية قوية، وبنية هيكلية رصينة، اقتصاديا واجتماعيا، وأمنيا، تصبح الدول في مهب الريح، وما جرى في إيطاليا مثال على تخلي الاتحاد الأوربي عنها، فيما دول أخرى استطاعت الصمود نظرا لقوتها وقيادة شعبها إلى بر الأمان مثل الصين وكوريا الجنوبية.
حين تنجلي غيمة كورونا المخيفة ستعيد كثير من الدول قراءة أوراقها، وهل ستتمكن من الاستمرار على نفس المنوال، أم حان وقت تغيير السلوك في التعامل مع الكوارث؟
نعلم جيداً أن الكوارث الطبيعية وجائحة كورونا ربما هي شيء أكبر من قدرات البشر، لكن لو تم إعادة النظر بالإجراءات الوقائية وحماية الأرض من التلوث والاحتباس الحراري وتغير المناخ ربما يستطيع البشر تقليل الخسائر، أو مواجهة الكوارث بجدوى كبيرة.
ما تجلى في إعادة إغلاق الحدود بين الدول، وما شاهده العالم من تقصير في إنقاذ الضحايا، يؤكد ومن غير أدنى شك أن عالم ما بعد كورونا مختلف جدا.
من المبكر القول بأن النظام العالمي سينهار لكن هناك أمور تبدو مؤكدة حتى لو انتهت ازمة الجائحة قريباً منها على سبيل المثال أن عددا من الدول ستتجه سياساتها نحو الداخل، وتعتكف على مصالحها وإعادة العمل وفق مبدأ الاكتفاء الذاتي، قد تستغرق بعض الدول زمنا طويلا للتعافي من الازمة الاقتصادية التي ألمت بها رغم ان قادة الدول الغربية مازالوا مصرين انهم سيتجاوزون الازمة وسيعود كل شيء الى مجراه الطبيعي.
بعد تقديم الورقة البحثية تم فتح باب النقاش عبر السؤالين التاليين:
السؤال الأول/ لماذا لم يستطع العالم التنبؤ وخصوصاً الدول المتقدمة بجائحة كورونا، ولماذا فشلت في احتواءه؟
التغيير حتمي أما ان يكون نحو الاحسن او نحو الاسوأ
الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام:
بعد كارثة فيروس كورونا بدأ القلق الوجودي يطرح هذا السؤال: هل أصبح العالم محفوفا بالكوارث بشكل أوسع من السابق؟
والجواب نعم أصبح العالم غارقا بالكوارث ولا يستطيع او لا يريد ان يدركها ولهذه الأسباب:
- ان التغيير أصبح أسرع من السابق بشكل تضاعف مئات المرات عن تاريخ التطور البشري، فالتقدم الصناعي والتكنولوجي كان كبيرا جدا، ولذلك سيكون حصاد النتائج بايجابياتها وسلبياتها كبيرا جدا، مثال على ذلك ظاهرة الاحتباس الحراري وانتاجها للأعاصير والتسونامي نتيجة حتمية لتسارع الاستهلاك البشري الكبير.
- ان التغيير نحو الامام هو تغيير حتمي فأما ان يكون نحو الاحسن او نحو الاسوأ وما جرى ان الطفرة التقدمية اصابت العالم بالجنون فبدأ بإنتاج اساطيره وتفاهاته وآلهته واوهامه فهيمن الزيف والتضليل والانحراف والسلوكيات الشاذة وكل ذلك قاده نحو التغيير للاسوأ.
- مع التضخم المادي الكبير وصعود سلوكيات الترف والاستهلاك غابت المعاني الجوهرية في الانسان، وبدأت المادية المتضخمة بإنتاج سلوكياتها الخاصة وصناعة منظومة بشرية مشوهة تنتج مختلف الانحرافات الشاذة، اليس كورونا هو شذوذ تسببت فيها عوامل بيئية سيئة أدت الى انتاجه وتطوره؟.
- هيمنة تفكير الربح السريع على سلوكيات الدول والشعوب دون التفكير بالأولويات التي تحقق الامن الحقيقي الذي يحتاجه البشر، فتزايدت سلوكيات الاستهلاك الترفي وصناعة الكماليات وغاب الاستثمار في الصحة والتربية والتعليم والثقافة المجتمعية.
- توسع حجم الصراعات والنزاعات والانشطارات، وهي عمليات استنزافية قد تؤدي الى انتاج حلقة مغلقة من الكوارث المرعبة لايمكن التنبؤ بنتائجها، فالعالم لا زال يعيش البدائية والغرائزية، ولم يتقدم عقليا ونفسيا وفكريا لبناء اتفاقات سلام وتعايش وحل النزاعات بالحوار. بل الدول التي تدعي انها متقدمة تكدس الأسلحة النووية والكيميائية والبايولوجية في صراع صفري لو اندلع سيؤدي الى فناء البشر. والعجيب من هذه الدول التي ترفع راية الليبرالية وحقوق الانسان انها تبيع الأسلحة الى اشد الأنظمة استبدادية وقمعا لحقوق الانسان.
- عندما ادعى دعاة العولمة والليبرالية بانتصارهم ونهاية التاريخ بعد سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة، انكشف زيف الليبرالية بانها مجرد غطاء لترويج السلوكيات الشاذة، وانكشف كذب العولمة بانها انتجت طبقة اقلية من الأقلية احتكرت ثروات العالم، وحولت شعوب العالم الى طبقة فقيرة مستهلكة تضع اجورها اليومية في جيوب هؤلاء الأغنياء. اليس التفاوت الطبقي منتجا كبيرا للاضطرابات الاجتماعية والثورات الدموية؟.
وقد كان عام 2019 عام الثورات بامتياز ضد فساد الطبقات الفاسدة، ولايستبعد ان تنفجر الثورات والاضطرابات في كل العالم مع استمرار النتائج الكارثية لفيروس كورونا.
ستتغير قواعد اللعبة
الدكتور محمد القريشي – أستاذ في جامعة الكوفة:
- دول العالم تعمل حاليا بشكل منفصل في هذا المجال او بتعاونات محدودة لأسباب تتعلق بالتنافس العلمي والتجاري، صرح كيسنجر مؤخرا (على الدول ان تترك الاُسلوب المنغلق وطنيا، لمعالجة فيروس كورونا).
- سرعة انتشار العدوى فاجأت الدول وحملت المنظومات الصحية الوطنية جهودا غير محسوبة في خططها الإدارية، المانيا نجحت نسبيا بسبب خصوصية نظامها الصحي. النموذج الألماني سيتطور ويكون ملهما لحركة تطويرية أوروبية.
- بعد تصريح، كيسنجر الاخير، ستتغير قواعد اللعبة، وستتبلور تحالفات دولية واسعة لدحر الفيروس.
لماذا الفشل في احتواء الوباء؟
د. حسين احمد السرحان/باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
مؤكد ان الازمات والكوارث ستترك أثرها على سلوك وحدات النظام الدولي دولا ومنظمات، ولاسيما السلوك السياسي لبعض الدول ومنها المتضررة، والدول التي تتمكن من المبادرة على مساعدة نظيراتها المتضررة جراء الكارثة او الازمة ويكون ذلك ضمن اهداف سياسية واقتصادية.
يبدو ان ظروف التنافس في النظام الدولي هي من تمنع بعض صانعي القرار في الدول المتقدمة من التحذير بالخطر خشية ضعف الثقة بمنزلة بلدانهم وقدراتها وبالتالي تراجع ترتيبها في النظام الدولي على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
اما الفشل في احتواءه، هو ان اوضاع الدول المتقدمة خاصة معقدة جدا ولاسيما في المجالات الاقتصادية والثقافية. فطبيعة النظام ونمط الحياة الاقتصادية –التي يشغل قطاع الخدمات والاستثمار فيه حيزا كبيرا فيها- لا تترك للفرد امكانية في تقرير قيود على حركته لما لذلك من اثار اقتصادية سلبية على حياته في مجتمعات يشكل العمل اهم اهداف الحياة.
ومن جانب آخر، لم يعتد الافراد على ظروف غير طبيعية تفرض عليهم حظر التجول وفرض قيود على الحركة، على عكس بلدان اخرى مثل العراق.
كما ان الانظمة السياسية وصانعي القرار في الدول المتقدمة، وللخشية من فقدان الرصيد الانتخابي والانجاز الذي يتحقق التزاما بالوعود الانتخابية والتي تبتني على توفير فرص العمل، كلها تدفع بصناع السياسة الى التريث باتخاذ اجراءات حازمة في التعامل مع هذه الجائحة كما في الولايات المتحدة وحالة الرئيس ترامب الذي استمر بالدعوة الى عودة الحركة في الايام الاولى من تفشي الفايروس في الولايات المتحدة. وكذلك خشيته من ان شل الحركة سيعود على الاقتصاد بسلبيات عدة ومنها فقدان فرص العمل بنسبة اعلى من تلك التي نجح بإضافتها الى الاقتصاد الاميركي.
العالم كان يعيش ثقة مفرطة
الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
اعتقد ان العالم كان يعيش ثقة مفرطة بثقته على تجاوز عصر الأوبئة العالمية المدمرة، لأسباب كثيرة، ربما في مقدمتها اعتقاده ان نظامه الصحي حقق الانتصار النهائي على مثل هذه الكوارث، ولذا وجدنا أن حالات التحذير من هذا السيناريو كانت في الغالب لأفراد ولم تكن صادرة من مؤسسات صنع القرار الرئيسة. وقد حدث الفشل -ايضا- لأسباب كثيرة منها: سوء تقدير أزمة الوباء لاسيما من قبل أوربا والولايات المتحدة الامريكية، وعدم شفافية الصين فيما يتعلق بما تمتلكه من معلومات دقيقة حول حجم الخطر، وقد ضاعف ذلك: أجواء السنة الانتخابية في واشنطن وعدم رغبة ترامب بالحديث عن وباء خطير يؤثر على الاقتصاد العالمي عموما والأمريكي بشكل خاص مما قد يترتب عليه تأثير سلبي على جمهور ناخبيه، وظروف الصراع على الزعامة بين واشنطن وبكين، وعدم استعداد الأنظمة الصحية في بلدان العالم للتعامل مع كارثة صحية بهذا المستوى.
الانشغال المفرط في التنافس المادي
حامد الجبوري/باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:
لم يستطع العالم والدول المتقدمة من التنبؤ بهذا الفيروس فحسب بل وعلى الرغم من وقوعه وحصد أرواح الآلاف وبالخصوص في تلك الدول إلا إنها لاتزال لم تعثر على أسباب حدوثه، فكيف يمكنها أن تتنبأ بفيروس لم تستطع حتى بعد وقوعه من الكشف عن أسبابه.
نعم هناك تكهنات تضع امريكا في دائرة الاتهام وأخرى تضع الصين وروسيا في هذه الدائرة، إلا إنها لم تثبت صحتها لحد الآن بالتزامن مع استمرار الفيروس بحصد الأرواح في الوقت الذي لم يتم العثور على العلاج المناسب له.
يمكن القول، أن عدم احتواء هذا الفيروس وبالخصوص من الدول المتقدمة يعود للانشغال المفرط في التنافس المادي للسيطرة على هذا العالم، بحيث إن قوة الرغبة في إحكام السيطرة على العالم جعلت من الاهتمام بالجوانب التي تتعلق بالإنسان في مرتبة ثانية ومنها الجانب الطبي والصحي، مما ترتب عليها وجود ثغرة سمحت للفيروس أن يأخذ مأخذه.
شراهة الدول العظمى
الكاتب علي حسين عبيد في شبكة النبأ المعلوماتية:
يرى أن "هناك مؤشرات كانت موجودة مسبقا تؤكد أن العالم فيما لو تعرض إلى كارثة عالمية لا توجد لديه القدرة على مواجهتها، ومن هذه المؤشرات شراهة القوى الدولية لاسيما الدول العظمى.. ويمكن ان تمثلها الدول الخمس التي تمتلك حق النقض الفيتو مع تباين الجشع والاستقواء فيما بينها، وغياب العدالة بين الغرب والشرق.. وايغال القوي في نهب ثروات الارض والسيطرة عليها وتكديسها لدى مجموعة قليلة من الشركات والأفراد فيما يئن العالم من الجوع والجهل والأمراض.
ومن المؤشرات أيضا توالد الأزمات واحدة بعد أخرى، انتعاش التطرف انشغال الدول بالميزانيات المليارية المخصصة للأبحاث العسكرية... هذه المؤشرات التي لم يأخذها قادة العالم على محمل الجد أكدت هشاشة هذا العالم في أول صدمة غير محسوبة.. ومن المتوقع تماما أن تفشل القوى الكبرى في مواجهة أزمة كورونا كما حدث لحد الآن حيث حصدت أرواح مئات الآلاف من البشر.. وحتى اللحظة هذه الدول المتبجحة بالقوة ظهر ضعفها الكبير والخطير أمام اختبار كورونا للأسباب التي سبق ذكرها وغيرها.
مناعة القطيع
الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
من المفارقات الغريبة أن تقف الدول المتقدمة والمتطورة تقنيا وعلميا، عاجزة عن مواجهة جائحة كورونا الذي أودى بحياة الآلاف من مواطنيها في ظل إخفاق واضح في إبتكار علاج يوقف الانتشار السريع للفيروس، فهل أصيب العقل الاوربي والامريكي بالشلل امام كائن لا يُرى بالعين المجردة؟ أم إن هناك رؤية وفكرة أخرى تعلل الانتشار السريع لفيروس كورونا؟
هناك من يرى إن دول أوربا والولايات المتحدة لم تتخذ الاجراءات السريعة والاحتياطات اللازمة لمواجهة إنتشار كورونا ظنا منها إن الفيروس سيقتصر على دول بعينها وبالتحديد في الصين والدول المجاورة لها باعتبارها تضم ما يسمى بالشعوب الصفراء كما إنها تمثل بيئة مناسبة للفايروس وهي مختلفة عن أجواء أوربا والولايات المتحدة، لكن هذه الفرضية كانت خاطئة، وعند إنتشار الفيروس في أوربا والولايات المتحدة فشلت مراكز الابحاث الطبية في إيجاد العلاج وهذا الفشل قد يكون نابع من طبيعة الفيروس ذي المواصفات المستجدة والمختلفة عن الفيروسات الاخرى المشابهة مما يتطلب جهدا ووقتا وبحوثا مكثفة وطويلة حتى يتم التوصل لعلاج ناجح للقضاء على كورونا..
وهناك من يطرح نظرية (مناعة القطيع) التي تقوم على فكرة مفادها إن السلطات المختصة في الدول المتقدمة أرادت إنتشار فيروس كورونا بين أكبر عدد ممكن من سكانها كي يكتسبوا بعدها مناعة ذاتية ضد الفيروس، ثم ما لبثت هذه السلطات ان تعرضت لصدمة بسبب عدد الوفيات الكبير الناتج عن الاصابة بالفيروس، ويبدو ان هذه الفرضية غير مقنعة..
ونحن نرى أن السبب الاساسي في انتشار فيروس كورونا في الدول المتقدمة وخصوصا اوربا والولايات المتحدة هو سوء تقدير الموقف وخطأ في حساباتها الخاصة بخطورة هذا الفيروس وقدرته الكبيرة على الانتشار والفتك بآلاف الارواح، مما عقد من مهمة مواجهته وأربك كل الخطط التي وُضعت متأخرة لتلافي مخاطر الفيروس.
الاهتمام بهذه الكوارث حديث نسبيا
المدرس المساعد صباح محمد جبر الجبوري:
نحن نعلم بأن مؤتمر ستوكهولم ١٩٧٢ وضع القواعد الرئيسية لحماية البيئة بمائها وتربتها وهوائها كذلك عقبه مؤتمر ١٩٨٢ ومؤتمر ١٩٩٢ واخيرا مؤتمر ٢٠٠٢، وقد أكدت هذه المؤتمرات على أهمية البيئة وضرورة المحافظة عليه كونها مصير مشترك للإنسانية.
وهنا يتضح ان الاهتمام بهذه الكوارث من قبل المجتمع الدولي جاء حديث نسبيا وهو في طور مرحلة التكوين ونحتاج بالتوصية الى المختصين بعقد دراسات مكثفه للتنبؤ بالكوارث المستقبلية منها الاحتباس الحراري والاشعاعات والملوثات واتخاذ كافة الوسائل المادية والبشرية للحيلولة دون وقوع ذلك الخطر.
مبدأ القوة والحروب وسباق التسلح
الدكتور سليم كاطع علي، الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
شكلت أزمة فيروس كورونا صدمة كبيرة للعالم وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، فضلا عن الجوانب النفسية للأفراد، وهو ما ينذر بحصول تغييرات في قواعد وأنظمة العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والأنظمة العالمية القائمة.
لقد أوضحت نظريات السياسة الدولية ومنذ قرون عديدة بان الدولة لا يمكن أن تحمي كيانها بدون منح الأولوية للعوامل التي تساهم في تعزيز قوة الدولة، وكان بديهيا أن تنطلق الدول في حماية نفسها بالاعتماد على القوة العسكرية والتي لا يمكن لها أن تؤدي دورها دون الاعتماد على قاعدة اقتصادية وتكنولوجية وعلمية متطورة.
وعليه فان حالة الارباك وهول الصدمة من تسارع انتشار فيروس كورونا وعدم قدرة دول العالم على التنبؤ بها تعود أسبابها الرئيسة إلى أن الدول منحت الأولوية لعناصر القوة التقليدية والتي اعتمدت بالأساس على القوة العسكرية، ومن ثم كانت بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الإنسانية ولا سيما التي تمس حياة البشر كتطوير بنية وأنظمة صحية متطورة لمواجهة التحديات والمخاطر البيئية والصحية التي تشهدها البشرية بين مدة واخرى.
وإزاء صدمة انتشار الفايروس أدركت الدول بأن العلاقات الدولية لا يمكنها أن تستند إلى مبدأ القوة العسكرية والحروب وسباق التسلح والتنافس العالمي، ولا يمكنها أن تشكل حلولا جذرية للتحديات والازمات التي تعصف بدول العالم، وهو ما أظهره انتشار فيروس كورونا والذي أعاد إلى الواجهة ضرورة تجاوز حالة الحروب العبثية والخلافات والتنافس والركون إلى مبدأ التعاون والتضامن العالمي لمواجهة التحديات.
ففي الوقت الذي شكلت فيه أزمة فيروس كورونا تحديا وجوديا للانسانية جمعاء، وما سينتج عنها من أزمات اقتصادية وركود اقتصادي لا يستثني أحدا، إلا أن هذه الأزمة ستكون البوابة نحو النهوض بواقع جديد اكثر علاقة وتماس مع الإنسان، من خلال تطوير قدرات الدول وامكاناتها في المجالات الصحية وتوفير مستلزماتها الضرورية من خلال إطلاق اليد نحو المنافسة والسباق بين دول العالم لتوفير متطلبات ذلك القطاع، بل وربما سنشهد إمكانية تحول العديد من القطاعات التابعة للقوات المسلحة في بعض الدول نحو الإنتاج المدني السلمي سيما في الجوانب الصحية، وهو ما يعزز التوجه نحو الإنتاج الوطني المحلي على حساب المستورد من الخارج، وتحول العديد من الشركات الكبرى نحو قطاعات جديدة اكثر تماسا مع حياة الناس كالصحة والبيئة والتغذية والاجهزة الطبية.
فالمستقبل يحمل في طياته إمكانية حدوث تغييرات جذرية وعميقة سوف تطال أركان العولمة التقليدية وتغيير النظرة الاستهلاكية للمجتمعات، وإمكانية بروز شرعية لسلطة جديدة في مجتمعات ما بعد كورونا، لن تكون قائمة على اساس القوة وإنما ستكون قائمة على أسس تضامنية بين دول العالم لمواجهة أزمات المستقبل.
ما نهدف الوصول إليه، وكما اثبتت حوادث التاريخ أن الأزمات الصحية كالأوبئة والأمراض التي تعصف بالعالم ويترتب عليها ضحايا في الأرواح ستكشف زيف وضعف المنظومات القائمة وفشلها في السيطرة على الأزمات والحيلولة دون تفاقمها، وهو ما يعني إمكانية البحث عن البديل النوعي من خلال تطوير البحث العلمي في المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ومنح الأولوية لقطاعات جديدة كالقطاعات الاقتصادية التي أظهرت تعاطفا وتضامنا مع الناس في اوقات الأزمات مثل قطاعات الصحة والتغذية والبيئة والتعليم، كونها من أساسيات الحياة الضرورية على حساب السلع الاستهلاكية والكمالية غير الضرورية.
ولا شك كلما أسرع العالم نحو تبني هكذا استراتيجيات صحية وبيئية وتعليمية سوف يعزز من قوة ومناعة العالم في مواجهة المخاطر والازمات الصحية وما سيتبعها من أزمات اقتصادية لاحقة.
مفاجأة صادمة
الدكتور مناضل عباس حسين الجواري، كلية الادارة والاقتصاد-جامعة كربلاء:
حظيت مفاجأة كورونا باهتمام أصحاب القرار السياسي العالمي، ومن المنظور التطبيقي ان المخابرات الامريكية التي تمتلك العديد من المجسات، وكما كانت احداث أيلول 2001 صادمة لهم في الهجوم في عقر دارهم، لكن سبقها تلميحات تم تجاهلها أو عدم تصديقها.
أشار تقرير صحفي في NBC News الامريكية الى تحذيرات المخابرات الامريكية من خطر هذا الوباء بعد جمع المعلومات عن الكارثة التي حدثت في الصين واوربا، لم تؤخذ على محمل الجد، مما تسبب بقرارات غير صحيحة. فالمشهد الصيني والإيطالي والاسباني كان نتيجته العديد من الضحايا، اثبت عدم الاستعداد الكافي او المعرفة الكافية لهذا الوباء.
لا الدين ولا المكانة الاجتماعية يعترف بها هكذا فيروس
الباحث حسن كاظم السباعي:
لابد من الانطلاق من منظومة شاملة وملاحظة جميع الجوانب ومختلف المجالات؛ صحيح أن الأمر مرتبط بدائرة الصحة والمرض الجسدي أو الأمن الاقتصادي، ولكن ذلك يلامس الخلل في جميع الشؤون السياسية والاجتماعية والأمن والتربية وحتى الأخلاق.
فعندما تكون الرؤية شاملة تُلاحظ جميع هذه الأمور وبعدها يمكن التنبؤ بهكذا جائحة أو احتواء الفيروس وقتله في مهده والحد من انتشاره بسهولة عبر تضافر جهود دولية تقدم مصلحة الشعوب على مصالحها الذاتية سواء الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو غيرها على حد سواء، وبدون إغفال ما ينبغي للدول ذاتها مراعاته من توفير الإكتفاء الذاتي لشعوبها لاستمرار الحياة تحت أي ظروف طارئة أُخرى لحماية الناس واطعامهم وقت الحجر الصحي للتغلب على أي فيروس مستقبلي لا قدّر الله او لا أقل للحدّ من انفجاره في العالم.
مثال ذلك: كان يمكن حصر المطارات من أول ظهور هذا الفيروس لكن المصالح السياسية والاقتصادية وغيرها أثرت على العالم كله بسبب التأخير في إغلاقها، كما وقد ظهر الضعف في الانتاج المحلي لبعض الدول والمخزون الاحتياطي لديها كذلك بعد فرض الحجر الصحي..
ولا يمكن إغفال قيم الأخلاق والآداب الاجتماعية لتستقيم الحياة كالعدل والتفاني والتعاون وبث الوعي والدعوة للنظافة وترك الأنانية والاحتكار وحب الذات وغيرها.
ذلك لأن هذا الكون يسير ضمن قوانين محدّدة لو طبقناها لأمكن التنبؤ بهكذا جائحة وتدارك العواقب الوخيمة جرّاء الإهمال وقلة الوعي وتقديم المصالح الذاتية، سواء من قبل الحاكم أو أفقر شخص في هذا العالم. ذلك لأن الفيروس ينتشر بدون شروط جغرافية وعلى العامة والخاصة أن يلتزموا بقوانين الصحة والعزل الصحي. فـلا الدين ولا المكانة الاجتماعية يعترف بها هكذا فيروس لأنه نفسه مخلوق من خلق الله يحاول أن يعيش ويجد له موقعًا على هذا الكوكب هو الآخر.
والحياة للأقوى والأكثر حنكة، وهو فوق كونه بلاء وابتلاء للعودة لله إلا أنه يضمر في داخله بثّ الرحمة والتعاون ونبذ الظلم والاحساس بمحاصري الحروب والتكاتف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي كذلك.. وقد كشف بالفعل عن نقاط ضعف بعض الدول في جوانبها المختلفة، مثلًا: الاقتصادية؛ حيث عجزت بعض الدول عن توفير الإكتفاء الذاتي غذائيًّا وصحيًا وأمنيًا، وكشف أيضًا بعض الأقنعة المزيفة لبعض المنظمات والدول، من هنا فإنَّ العالم عليه ان يتّحد ليواجه الوباء على بصيرة ووعي وأُهبة خصوصًا بعد أن انتشر.
ولابد من الالتزام بالقوانين والأخلاق لأجل مستقبل البشرية جمعاء ومثال هذه القوانين: العزل الصحي، التعاون والعدل وهنا تدخل منظومة الأخلاق بأسمى صورها لاحتواء الوباء دون ضرر الناس المحاصرين في بيوتهم..
ومن هنا وبناءًا على ذلك نتساءل: ماذا سيحدث بعد أن يتغلب العالم على فيروس كورونا؟
بالمنطق ستتغير الموازين وستتبدل المعادلات وستضعف موازين قوى وستبرز أخرى وستبصر مفاهيم جديدة عالم النور.
ورغم أنَّ التغيير منطقي إلا أن العالم لا يزال تحكمه الغرائز والمصالح والأهواء ولا يضمن أحد استجابة قادة العالم إلى صوت الضمير ونداء العقل واستغاثة الأخلاق مالم يلزموا أنفسهم بقيمة العدل وفق مناهج صحيحة، لأنه القيمة التي يمكن بها وضع الأمور في مواضعها.
التقصير الحقيقي يقع على عاتق مراكز الأبحاث
الشيخ الحسين أحمد كريمو:
القصور الواقعي؛ عند الإنسان عن التنبؤ بمثل هذه الكوارث والجوائح العالمية؛ قال تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل: 65)، فالعلم بالمستقبل –رغم وجوده وأهميته– إلا أنه يبقى قاصراً، ولا سيما إذا تجرَّد عن رسالات السماء، والإيمان بالغيب، وخصوصاً التوحيد، وأن المؤثر في هذا الكون هو خالقه، فكيف التنبؤ بالغيب وهم لا يؤمنون به أصلاً، ولا يعتمدون عليه؟
التقصير الحقيقي؛ في مراكز الأبحاث المتقدمة، لا سيما في الغرب، والصين، وروسيا خاصة، وربما هذا ما يُبرر لنا نظرية (الحرب البيولوجية)، وهي (الجيل الخامس) من الحرب كما تُسميها الإدارة الأمريكية، والتقصير كان بدراسة الظروف الجوية، والمناخية، والتشابك الاجتماعي، والاقتصادي، والسياحي، والحركي في العالم أجمع، مما جعلهم حائرين في أنفسهم لا يدرون ما يفعلون، فقد فاق التصور فعل وتأثير هذا الفايروس.
السؤال الثاني/ هل ستنتج أزمة كورونا اعلان عالمي لمواجهة الكوارث والاوبئة تساهم فيه جميع الدول دون استثناء، لإنقاذ الارض؟
الشيخ مرتضى معاش:
من الصعب ان يدرك البشر في عالم اليوم الحاجة الى بناء تضامن عالمي وعقد بشري يحقق الامن العام لكل البشرية، فالأنانية القومية، والشعور بالتفوق العنصري والثقافي، واحتقار الآخر، وسيطرة اساطير واوهام ما بعد الحداثة، ستمنع العالم من الاتفاق.
كما ان هناك دول استبدادية تملك إمكانات مادية هائلة مثل الصين وروسيا والسعودية ستتلاعب بهذا العالم وتمنع أي اتفاق عالمي في اطار الشفافية وبعيدا عن التضليل.
كما ان مافيات الفساد السرطانية ستمنع أي محاولة لتحقيق اتفاق عالمي لان ذلك سيضر بمصالحها.
كذلك فان الوعي البشري لازال بعيدا عن ان يكون ناضجا وفي مستوى الوعي الجمعي العالمي، بل الكثير منشغل بمتعه الخاصة وادواته الاستهلاكية، فالبشر على الاغلب ينسون بسرعة دروس الماضي حتى تأتيهم الكارثة القادمة، وستكون اشد بالقياس الى هذه الجائحة.
الدكتور محمد القريشي:
في المستقبل، ستشمل اتفاقات نزع السلاح، الأسلحة الجرثومية والتجارب البايولوجية، وستلزم الامم المتحدة الدول، بالشفافية حول بحوثها في هذا المجال.
- الامم المتحدة، ستكون لها ترسانات طبية اممية تمد منها الدول في حالات الكوارث.
- التحالفات البيئية ستكون اوسع انتشارا، والاستثمار بها عالي.
الدكتور حسين السرحان:
من المبكر الحديث عن بلورة جهد دولي مشترك لمواجهة الاوبئة والكوارث الطبيعية، وسيعتمد بلورة هذا الجهد –من وجهة نظري المتواضعة– على امرين:
الاول، مديات الترابط في الاثار السلبية على اقتصادات الدول ومواردها البشرية ومواردها الاخرى.
الثاني، حجم الاضرار والخسائر التي ستتكبدها القوى العظمى والقوى المؤثرة في النظام الدولي والسياسة الدولية.
وطبيعي ان الجهود الدولية المشتركة ستتبلور –ان حصلت ارادة سياسية دولية– في إطار المنظمات الدولية.
الدكتور خالد العرداوي:
أجد انه من المبكر الحديث عن مثل هذا الاعلان، ولكن حتما سيترك الوباء تأثيراته المهمة على بلدان العالم، وسيضطرها لمراجعة أنظمتها الصحية، لإصلاح مواطن الضعف والخلل فيها، وتعزيز مواطن القوة، وسترصد في سبيل ذلك موازنات أكبر للقطاع الصحي، فضلا عن تأثير الامن الصحي على الامن العالمي متعدد الوجوه.
وسيحتاج العالم بشكل ملح الى مغادرة لغة الانقسام والتركيز على أولوية المصالح الوطنية الى إيجاد لغة جديد من التضامن والتعاون العالمي المشترك في سبيل خير الانسانية جمعاء، ومقدار النجاح في هذه المهمة، سيحدد مدى استعداد العالم لأخذ الدرس من وباء كورونا، والاستعداد بشكل أفضل للكوارث الصحية وغيرها والتي ستأتي حتما في المستقبل، وقد تكون كوارث أشد عنفا ودمارا من كارثة جائحة كورونا.
حامد الجبوري:
العالم ما بعد كورونا يختلف عن ما قبله في كل المجالات، فالدول وبالخصوص التي تضررت كثيراً، وهي الدول المتقدمة، أدركت مليّاً، أن تقدمها وسيطرتها على العالم لم يقدم لها شيئا أمام هذه الأزمة، التي أخذت تسير فيه كالنار في الهشيم، هذا العجز في مواجهة كورونا وتكبدها الكثير من الخسائر المادية والبشرية، سيجعلها تعيد النظر في مسألة الرغبة والتفرد بالسيطرة على العالم نحو إشراك الجميع في صياغة القرارات واتخاذها وذلك من أجل تحمل المسؤولية من قبل الجميع في مواجهة الازمات التي تكاد تعصف بالعالم اجمع.
ان الدول التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية بالإضافة لغياب الإدارة الوطنية وضعف النظام الطبي والصحي، كما هو حال العراق، دفع بالمجتمع إلى إعادة التفكير بالشأن الاقتصادي على مستوى الاقتصاد الجزئي وذلك من خلال الاعتماد على الذات بشكل حقيقي وتنويع مصادر تمويله لتخطي الازمات التي تؤدي به لنفس نتيجة هذه الأزمة.
علي حسين عبيد:
من المفروض أن تشكل هذه الصدمة العنيفة للعالم وخاصة للدول العظمى.. درسا جديا يتم التعامل معه على أنه جرس إنذار قوي، وقد يكون الأخير الذي ينذر بفناء كوكب الأرض. إذا تعامل سكان الأرض الاقوياء: منهم والأغنياء الدول الثرية أو الأكثر ثراء.. مع درس كورونا بشكل صحيح فإن الحل يكمن بالفعل في عقد وثيقة أو معاهدة أو اتفاقية إنقاذ للعالم من الأوبئة والجائحات القادمة.. واذا مر الدرس مرور الكرام و(عادت حليمة إلى عادتها القديمة) فلنقرأ على عالمنا السلام منذ الآن.. لكن المتوقع أن أقوياء العالم واغنياءه قد استوعبوا الدرس.. وما عليهم سوى الإصغاء لصوت العقل والحكمة والمنطق كي يتم إنقاذ الأرض من الفناء.
الدكتور قحطان الحسيني:
يمكن القول إن هول الصدمة التي خلفها فيروس كورونا قد نبّه العالم الى ضرورة التعاون الجاد والكبير ما بين وحدات النظام العالمي خصوصا في مجال الوقاية من الأمراض والأوبئة لأجل انقاذ البشرية من الفيروسات الفتاكة، فكارثة فيروس كورونا تستدعي من جميع الدول والشعوب توحيد الجهود والتكاتف والعمل سوية لإنقاذ البشرية من هذا الفيروس وغيره من الفيروسات التي من المحتمل أن تهدد الانسانية في المستقبل، وقد يكون إعلان عالمي بفقرات محددة وآليات واضحة ضرورة لازمة ومستعجلة لتشكل خطوة أولى نحو جهد عالمي فاعل على صعيد مكافحة الأوبئة والفيروسات الفتاكة التي لا تمتلك أي دولة من الدول حتى تلك المتقدمة، حصانة منها.
الدكتور مناضل الجواري:
نشرت صحيفة فايننشال تايمز الامريكية في 20 اذار الماضي مقالا بشكل سؤال: من يقود التعاون الدولي لمواجهة الازمات العالمية؟ فقد قادت الولايات المتحدة الازمة عام 2008 ووباء ايبولا عام 2014 لكنها تخلت الان عن القيادة بسبب انشغالها بشأنها الداخلي اكثر من مستقبل البشرية، فمن الصعب إيقاف او مواجهة الوباء دون ملأ الفراغ من الولايات المتحدة، لذلك وصلنا لنتيجة فشل التصدي للوباء.
حسن كاظم السباعي:
من اللازم تقوية الدولة القومية إلا أن ذلك لا ينافي وضرورة إعلان حكومة عالمية تأخذ على عاتقها مسؤولية الأرض ولا تُفضِّل منطقة دون أُخرى، ثم يأتي الدور على الحكومات المحلّية لتُنفِّذ قرارات الحكومة العالمية المسؤولة ويمكنهم التفاهم في طرق ايجادها وانتخاب أعضائها.
وعلى هذه الحكومة العالمية أن تنظر في مصلحة البشرية ككل. مثلًا فيما يرتبط بهذا الوباء أن تمنع انتشاره كما فعلت الصين في أراضيها، لكن على مستوى عالمي من حجر شامل على المنطقة الموبوءة ومنع التجول واغلاق المطارات والمدن فورًا.
وهذا ما قاله الخبراء وأكّده المحلًّلون في أقطار العالم. ذلك لأن أُمميِّة الوباء وإلغائه للحدود الجغرافية المصطنعة وتمكنه من التجول دون عوائق التأشيرة والجواز قد أذهل كلّ من يعترف بـ تلك الحواجز.
من هنا يمكن لمس أهمية وجود نظام أو حكومة عالمية أكثر من ذي قبل وهذا ما صرّح به رئيس الوزراء البريطاني الأسبق غوردون براون حيث أعاد إلى الأذهان مقولة "global government" والتي تعني الحكومة العالمية.
وبالرغم من أن منظمة الأمم المتحدة وكذلك مجلس الأمن الدولي قد تكفّلا بأمر إدارة العالم من الناحية السياسية إلا أن الأولى تفتقد القدرة والصلاحيات اللازمة، والأخرى تعاني من التبعيض والاحتكار وكلاهما قد حالا دون تحقق هذا المطلب.
وعمومًا هذه الأزمة تذكِّرنا بـ أُطروحات ونظريات الإمام الشيرازي التي طرحها خلال مؤلفاته وخطبه حول إدارة العالم وإلغاء الحدود والتأشيرات وحرية التنقل وحكومة ألف مليون مسلم على سبيل المثال لا الحصر.
كما أنه قد دعا أيضًا إلى تقوية نظام الأمم المتحدة وإعطائه المزيد من الصلاحيات لخدمة الإنسانية ولرفع الحيف والظلم عن الشعوب.
وكان مما قاله: "يلزم على الأمم المتحدة جعل أطروحات لرفع أعمال العنف حتى بالنسبة إلى ما تعمله الدول ضد شعوبها، وليس من الصحيح عدم الاهتمام بذلك بحجة أنّها من التدخل في الشؤون الداخلية للدول على ما سبق.
ولا يخفى ان عدم التشديد على الحجر الصحي مثلًا بات يُعدّ من الجرائم وليس فقط من العنف لأن هذا الفيروس مميت للبعض..
لقد ولد الفيروس وخلق معه بركانًا ثائرًا في المقابر والمستشفيات، جائحته غيّرت نظر البعض للبعض وانحسرت فيه وجوه وسقطت أقنعة..
وعليه لا يخفى أنّ عالمًا جديدًا سيولد من جديد رغم الصعوبات والتحديات، وهيهات أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء..
ولابد أن يكون عالم ما بعد فيروس كورونا يختلف عما قبله على كل الأصعدة والمستويات؛ العلمية والنظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحة النفسية.
الشيخ الحسين احمد كريمو:
هذا الإعلان يجب أن يصدر إن كان مازال في العالم عقلاء، ولكن هذا العصر نجد العقلاء ممنوعين من الكلام، فالإدارة الأمريكية الحالية انسحبت من معظم البروتوكولات الدولية، والمعاهدات العالمية، لأنها كانت في طريقها لإعلان الإمبراطورية العالمية التي تسيطر على العالم أجمع بالقوة والنار والاقتصاد والدولار.
فكيف ستسمح بمثل هذا الإعلان إذا كانت هي وراء صُنعه، وانتشاره في العالم، وإن فرضنا أنه خرج عن سيطرتها لغباء القائمين عليه وعدم تقديرهم ودراستهم للظروف كلها، فهذا لا يمكن؟
فالإدارة الأمريكية الحالية ليست إدارة حلول عالمية، بل إدارة مشاكل عالمية، فصناعة الأزمات هي من محض نظريتها في (الفوضى الخلاقة) كما طرحتها (الأرملة السوداء) في بداية القرن، واحتلال العراق تمهيداً لتقسيم البلدان والسيطرة على منابع الطاقة (نفط، وغاز) والتمكين لبني صهيون في المنطقة، وإحكام السيطرة على أهم مناطق العالم، فالإدارة الأمريكية هي العقبة الرئيسية أمام أي معاهدة دولية من هذا النوع، وإن صدر فإنها لن توقع عليه.
وكذلك لا نستبعد الصين وهي المستفيد الأكبر من هذه الجائحة – على ما يبدو إلى الآن – فهي تسعى بكل ما تستطيع لتتصدَّر العالم الرقمي بكل قوة وجدارة، متفوِّقة على أمريكا وكل حلفائها من الأوربيين، فالكل بحاجتها، وهي تستغني عنهم جميعاً، ولذا تراها تزحف ببطء ولكن بقوة لقيادة العالم ما بعد أمريكا.