وباء كورونا: يفتح ابواب السجون ويغلق أبواب الاحرار
عبد الامير رويح
2020-04-04 04:40
مع استمرار تفشي فيروس كورونا المستجد في الكثير من دول العالم، فقد تصاعدت المخاوف من انتشار هذا الوباء داخل السجون خصوصا وان بعض الدول قد سجلت إصابة العشرات من السجناء بهذا الفايروس القاتل، الامر الذي دفع العديد من الحكومات الى اتخاذ اجراءات عاجلة للحد من تفشي فيروس كورونا ومنها الإفراج المبكر والافراج المشروط وإلغاء التجمعات والبرامج والزيارات وغيرها من القرارات الاخرى، وينادي المدافعون عن حقوق السجناء ومسؤولون محليون ومحامون ممن تعينهم المحاكم للدفاع عن المتهمين بالتعجيل بإخلاء سبيل السجناء، خصوصا وان اغلب السجون في العالم تفتقر للكثير من شروط السلامة والامان وتكتظ بملايين السجناء والمعتقلين.
وسجلت الولايات المتحدة الامريكية التي يزيد عدد السجناء فيها عن باقي الدول الاخرى بحسب بعض المصادر، الالاف من الحالات والعديد من الوفيات بين النزلاء والعاملين في السجون. ويبدو أن الفيروس ينتشر بسرعة في تلك السجون، وفي العالم كله يوجد حوالي تسعة ملايين سجين. وفي أميركا وحدها، ما لا يقل عن ربعهم، على الرغم من أن نسبة سكان الولايات المتحدة في العالم لا تتجاوز 5%. في الولايات المتحدة وحدها، يمارس النظام القضائي أحكام السجن على نطاق واسع في الجرائم غير العنفية المرتكبة لأول مرة، وكذلك في الجرائم المالية، مثل التهرب الضريبي. وفي بريطانيا، أعلنت السلطات في وقت سابق عن وفاة أول سجين متأثراً بإصابته بفيروس كورونا. في جميع أنحاء بريطانيا، جاءت نتائج اختبارات تشخيص 19 سجيناً إيجابية، موجودون في 10 سجون، بالإضافة إلى إصابة 4 من موظفي السجون بالمرض يعملون في 4 سجون.
وتدرس تركيا ايضا إطلاق سراح 90 ألف سجين قريباً أو السماح لهم بقضاء فترة عقوبتهم في المنزل من أجل الحد من انتشار الفيروس في السجون، وذلك وفقاً لاقتراح تشريعي تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم. ويستبعد الاقتراح أولئك الذين ارتكبوا جرائم إرهابية أو جنسية أو مرتبطة بالمخدرات، وكذلك المدانون بقضايا قتل أو عنف ضد المرأة. ووضع قيود تمنع إطلاق سراح آلاف السياسيين والصحفيين ونشطاء حقوقيين يقبعون في السجون. واعتقلت السلطات التركية أكثر من 150 ألف شخص منذ المحاولة الانقلابية في صيف عام 2016، فيما يبلغ مجموع السجناء نحو 270 ألفاً.
وفي إطار محاولة وقف انتشار الفيروس في السجون المزدحمة، قرر القضاء الإيراني تمديد الإفراج المؤقت عن مئة ألف سجين. وقالت إيران في وقت سابق إنها أفرجت عن نحو 85 ألف شخص مؤقتاً من السجون من بينهم المسجونون السياسيون. وعدد المسجونين في إيران 189500 شخص وفقاً لتقرير قدمه المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في إيران إلى مجلس حقوق الإنسان. كما أعلنت عدة دول عربية عن إطلاق سراح سجنائها أو عن نيّتها إطلاق سراحهم، على اعتبار أن السجون المكتظة تشكل أكبر تهديد في سرعة انتشار الفيروس.
امريكا
يقول شون هرنانديز إنه يغطي فم وأنفه بقميص أو منشفة عندما يخرج من زنزانته إذ أن هذه الوسيلة هي الوحيد التي يمكنه أن يحمي بها نفسه من وباء كورونا الذي يجتاح الآن سجن جزيرة رايكرز في نيويورك. قال هرنانديز، الذي أدين بالشروع في القتل ودخل السجن قبل ثمانية أعوام، إن نزلاء السجن لا سبيل لهم إلى الحصول على قفازات أو أقنعة صحية وليس لديهم لغسل أيديهم سوى الماء البارد.
وقال إن النزلاء شاهدوا إحدى الحارسات كانت تسعل بشدة واحمر خداها ثم انهارت على الأرض. وأضاف ”نحن نتوسل للضباط“ من أجل إتاحة وسائل حماية أفضل لكنهم ”يهزون أكتافهم. وفي النهاية لسنا سوى نزلاء، مواطنين من الدرجة الثانية. نحن أشبه بالماشية“. ويبدو أن الفيروس ينتشر بسرعة في شبكة السجون التي تشتهر بتكدس المسجونين فيها. وقالت إدارة الإصلاح في المدينة إنها تتخذ تدابير عديدة لحماية النزلاء وامتنعت عن التعليق على ما رواه هرنانديز عن انهيار الحارسة المصابة بالعدوى.
وفي مختلف أنحاء الولايات المتحدة تبلغ السجون ومراكز احتجاز المتهمين أثناء المحاكمات عن تسارع انتشار المرض الجديد وعن اتخاذ تدابير مختلفة لحماية السجناء. واكتشفت بعض المصادر أن السلطات تخلي سبيل آلاف السجناء دون أي فحص طبي يذكر في بعض الحالات للتأكد مما إذا كانوا مصابين بفيروس كورونا ومعرضين لنقل العدوى لغيرهم. وأظهر مسح خاص لمدن ومقاطعات تدير أكبر 20 سجنا في أمريكا أن السجون أبلغت عن إصابة مئات النزلاء والعاملين فيها بمرض كوفيد-19. ومن المؤكد أن هذه الأرقام المعلنة أقل من الحقيقة نظرا لسرعة انتشار الفيروس.
وقال أوي أوفير مدير شعبة العدل بالاتحاد الأمريكي للحقوق المدنية ”كل يوم لا يتحرك فيه مسؤولو الحكومة هو يوم آخر تتعرض فيه الأرواح للخطر“. وتقاوم بعض الجماعات هذا الاتجاه. فقد وجهت جمعية مارسيز لو المدافعة عن حقوق الضحايا، والتي اشتقت اسمها من اسم شقيقة الملياردير هنري نيكولاس التي راحت ضحية جريمة قتل، انتقادات لقرارات الإفراج عن السجناء وقالت إنه ينبغي إخطار ضحايا الجرائم قبل الإفراج عمن ارتكبوها، وهي عملية قد تؤخر الإفراج عن بعض السجناء لأسابيع أو شهور.
غير أن المسؤولين المشرفين على الإفراج عن السجناء في نيويورك ولوس انجليس وهيوستون ومدن كبرى أخرى يقولون إنهم لا يفرجون إلا عن السجناء من مرتكبي الجرائم البسيطة غير العنيفة. وقال مسجون تم الإفراج عنه من سجن جزيرة رايكرز إن المرضى والأصحاء كثيرا ما يختلطون بكل حرية داخل السجن. وبعد اكتشاف إصابة سجين وحارس بالمرض في المنطقة التي تقع بها زنزانته بالسجن قال السجين إنه بدأ يقضي وقتا أطول في الزنزانة التي تسع فردين. لكنه يضطر للوقوف في طوابير مع بقية النزلاء على نافذة الأدوية للحصول على جرعته اليومية من دواء ميثادون المخصص لعلاج الإدمان.
وقال السجين البالغ من العمر 32 عاما وتحدث شريطة عدم نشر اسمه ”لا توجد حماية. تود لو ابتعدت عن الناس لكن ذلك ليس في استطاعتك“. وقالت إدارة الإصلاح في مدينة نيويورك إنها اتخذت تدابير لاحتواء المرض بما في ذلك توزيع أقنعة على النزلاء في المناطق التي اتضح حدوث إصابة بالعدوى فيها ودعوة النزلاء للتباعد عن بعضهم بعضا وتنظيف الزنازين وتوفير الصابون. وتخلي بعض السجون سبيل نزلاء ربما يكونون مصابين بالمرض. ففي مارييتا بولاية جورجيا أصيب أوبري هارديواي (21 عاما) بالكحة والصداع واحتقان الحلق وارتفاع درجة حرارته إلى 39.4 درجة مئوية أثناء وجوده في مركز احتجاز كوب كاونتي بتهمة السرقة.
ويقول هارديواي إنه بعد أربعة أيام من مرضه تم فحصة لمعرفة ما إذا كان مصابا بالإنفلونزا وتم أخذ عينة من حلقه. وعندما اتضح أن النتيجة سلبية نقل إلى مستشفى قريب لإجراء فحوص أخرى. ويقول هارديواي إنه لم يتم إبلاغه قط بما إذا كان الفحص شمل فيروس كورونا. ويضيف أن طبيبا أوصى رجال الشرطة بوضعه في الحجر الصحي لكن تم الإفراج عنه بعد ساعات عقب عودته إلى السجن وسداد أصدقائه للكفالة. ويقول هارديواي إنه يعتقد أنه ربما يكون قد عرض نزلاء وحراسا ممن خالطهم للإصابة. بحسب رويترز.
وبدأت بعض المحاكم تهتم بالأمر. فقد أصدر قاض اتحادي أوامره للسلطات الاتحادية بالإفراج الفوري عن عشرة أشخاص محتجزين في سجون بنيو جيرزي لحين النظر في قضاياهم المتعلقة بالهجرة. وأمر كبير القضاة في نيوجيرزي بالإفراج عن ألف سجين في مختلف أنحاء الولاية سعيا للحيلولة دون موتهم وراء القضبان. وقال ستيفن جونز (55 عاما) النزيل في سجن اتحادي في ليتلتون بولاية كولورادو ”إذا دخل الفيروس هنا وكلنا نتوقع ذلك فالهلاك مصيرنا“.
إسرائيل
الى جانب ذلك طالب نادي الأسير الفلسطيني المنظمات الدولية بدور أكثر فعالية في متابعة 5000 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية بعد إصابة حراس بفيروس كورونا. وقال قدورة فارس رئيس النادي ”في ظل وقف زيارات الأهل لأبنائهم المعتقلين ووقف زيارة المحامين للمعتقلات بسبب فيروس كورونا يجب على الصليب الأحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية القيام بدور أكبر“.
وأضاف ”كافة المعلومات التي تصدر حاليا عن أوضاع المعتقلين مصدرها إدارة مصلحة سجون الاحتلال التي تعمل دائما على طمس الحقيقية“. وأوضح فارس أنه ”في الوقت الذي تتصاعد فيه أعداد المصابين بفيروس كورونا في إسرائيل ومن ضمنهم سجانون أصبح هناك مخاوف كبيرة على مصير المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال“. وقال ”نطالب منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي بإرسال لجنة طبية دولية تشارك في معاينة الأسرى والتأكد من سلامتهم“.
وقالت المتحدثة باسم مصلحة السجون الإسرائيلية ”أظهرت نتائج فحوصات ثلاثة حراس يعملون في سجني عوفر ونتسيان بأنهم مصابون بفيروس كورونا وهم حاليا في الحجر الصحي“. وأضافت ”أن هؤلاء الحراس الثلاثة لم يختلطوا مطلقا بأي من السجناء الفلسطينيين ولا يوجد هناك حالات إصابة بفيروس كورونا بين السجناء الفلسطينيين ولم تظهر أي أعراض إصابة بفيروس كورونا على أي منهم“. وذكرت المتحدثة أن هناك 40 من حراس سجني عوفر ونيتسان في الحجر الصحي بعد مخالطتهم للمصابين الثلاثة.
وقالت سهير زقوت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في قطاع غزة ”اللجنة الدولية تحث إسرائيل على نشر أي معلومات تخص السجناء بهذا الصدد“. وأضافت ”اللجنة الدولية ستقوم بإبلاغ أهالي السجناء فورا حال توفر أي معلومات لديها حول إصابة أي منهم“. وأوضحت زقوت ”طبيب اللجنة الدولية للصليب الأحمر يقوم خلال زياراته لأماكن الاحتجاز بالتأكد من تطبيق البروتوكولات الخاصة بمنع انتشار الأوبئة داخل السجون“.
وقالت ”السلطات الإسرائيلية كانت قد قامت بعدة إجراءات لمنع الاحتكاك بين السجناء والزوار من خارج أماكن الاحتجاز مثل منع زيارة الأهالي ومن ثم منعت زيارة المحامين ولكن تم استثناء مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر من قرارات المنع تلك“. وأضافت ”لم يردنا أي معلومات من السلطات الإسرائيلية حول إصابة أي سجين فلسطيني بفيروس كوفيد 19 المستجد“. واستعرض فارس أيضا أوضاع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، موضحا أن هناك حوالي 1200 معتقل لم تصدر احكام بحقهم بعد. بحسب رويترز.
وقال ”هناك أيضا حوالي 420 معتقلا فلسطينيا إداريا، أي جرى توقفيهم دون محاكمة استنادا إلى قانون بريطاني قديم يتيح الاعتقال دون محاكمة بحجة وجود ملف سري للمعتقل“. وأضاف ”يوجد في سجون الاحتلال حوالي 200 معتقل يعانون أمراضا مزمنة إضافة إلى 700 آخرين يعانون أمراضا مختلفة“. وتابع قائلا ”كما يوجد في سجون الاحتلال 180 طفلا و41 أسيرة من أعمار مختلفة“.
إيطاليا وفرنسا
على صعيد متصل قُتل سبعة مسجونين في أعمال شغب وقعت في سجون مكتظة بالنزلاء في مختلف أنحاء إيطاليا بسبب تدابير احتواء فيروس كورونا. وقالت السلطات إن مسجونين، ثار غضب كثير منهم بعد تقييد زيارات الأسر، أشعلوا الحرائق. واحتجز مسجونون اثنين من حراس أحد السجون وهرب نزلاء من سجن آخر. وامتدت الاضطرابات التي بدأت في بؤرة الوباء بشمال إيطاليا إلى الجنوب وشملت أعمال الشغب 25 سجنا في مختلف أنحاء البلاد.
وقال وزير العدل الإيطالي ألفونسو بونافيدي إن الحكومة مستعدة لمناقشة الأوضاع في السجون لكن لا بد من توقف أحداث التمرد. وفي علامة على أن الاضطرابات في السجون تسببت في زيادة الضغوط السياسية على الائتلاف الحكومي لتيار يسار الوسط وحركة خمس نجوم، طالب ماتيو سالفيني زعيم حزب الرابطة المعارض المنتمي لليمين المتطرف باستعمال ”القبضة الحديدية“ في الرد على السجناء المتمردين.
وفرضت الحكومة الإيطالية عزلا فعليا للعديد من المناطق الشمالية الغنية التي تقع في قلب انتشار العدوى، في محاولة لاحتواء الفيروس. وقال اتحاد حراس السجون إن اثنين من الحراس احتجزا رهينتين في مدينة بافيا الشمالية وتم إطلاق سراحهما بعد مداهمة نفذتها الشرطة. وفي مرسوم طوارئ فرضت الحكومة قيودا على الاتصال المباشر بين السجناء وأسرهم. وسيتم السماح للسجناء بالتواصل مع الزائرين عن طريق الهاتف أو غيره من وسائل الاتصال عن بعد بموجب الإجراءات المعمول بها حتى 22 مارس آذار.
في السياق ذاته تناولت الصحف الفرنسية واقع السجون الفرنسية في ظل تفشي فيروس كورونا.
ونشرت صحيفة لاكروا حوارا مع Adeline Hazan أدلين حزان المراقبة العامة لأماكن المقيدة للحرية بفرنسا حيث اعتبرت ان إدارة أزمة فيروس كورونا جاءت متأخرة وغير الكافية خاصة في السجون الفرنسية واكدت المراقبة العامة ان السجون على وجه الخصوص باتت أماكن محفوفة بالمخاطر بسبب وباء كوفيد 19حيث يزيد الاكتظاظ فيها والظروف المعيشة المتدهورة للغاية من خطر تفشي العدوى بين السجناء والموظفين، ففي الوقت الحالي يتم "احتواء" الوباء وسجلت السجون 30 سجينًا مصابًا وما بين 400 و 500 حالة مشتبه فيها لكن من شبه المؤكد أن هذه الحالات ستزداد.
وتابعت المراقبة العامة لأماكن المقيدة للحرية بفرنسا لصحيفة لاكروا ان هناك قلق بشأن حدوث تمرد بالسجون خاصة منذ تعليق أوقات زيارة أهالي المسجونين حيث يتشارك السجناء وعائلاتهم غرف مساحتها تسعة أمتار مع اثنين أو ثلاثة اشخاص.
وفي ردها على قرار وزيرة العدل الفرنسية بالإفراج عن 5000 إلى 6000 سجين اعتبرت هذه الإجراءات جاءت متأخرة للغاية ولا تزال غير كافية مضيفة انها مصرة على إنشاء نظام للعفو عن الأفراد حيث ان الحكومة تتردد بين الضرورة الصحية والخوف من الرأي العام لكن في الظروف الاستثنائية تقول المراقبة يجب اتخاذ تدابير استثنائية فمن جهة إدارة السجون من الضروري تسهيل البحث عن أماكن لإطلاق سراح السجناء حتى لا ينتهي بهم المطاف في الشارع وإذا لزم الأمر مصادرة المساكن الفارغة.