ثلاثة أجيال من عائلة أفغانية بنظرة واحدة متشائمة من المستقبل

وكالات

2020-03-04 04:05

يجلس رجال من ذات العائلة ينتمون إلى ثلاثة أجيال على سجادة في غرفة بمنزلهم في كابول حيث يستعيدون ذكريات ويناقشون مخاوفهم من الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وطالبان، وبينما حارب الجد الحركة المتطرفة وترعرع الابن في ظل حكمها، إلا أن الحفيد لم يعرفها قط، ويخشى الثلاثة اليوم عودة حركة طالبان إلى السلطة بعد تجربة أولى بين العامين 1996 و2001. بحسب فرانس برس.

وأبرمت الولايات المتحدة وحركة طالبان السبت اتفاقا لانسحاب القوات الأجنبية مقابل ضمانات أمنية من حركة طالبان، واعتبرت واشنطن الاتفاق خطوة كبيرة نحو السلام إلا ان احدا لا يعرف فعلا كيف سيتطور الوضع في أفغانستان بعد ابرامه.

ويقوم السيناريو المتفائل على أن يباشر المتمردون مفاوضات رسمية مع الحكومة الأفغانية والتوصل إلى توافق سلمي في إطار حوار بين الأطراف الأفغانية ينبغي أن ينطلق في العاشر من آذار/مارس.

لكن ثمة سيناريو آخر أكثر تشاؤما يتمثّل في حصول انقسام أكبر في صفوف الطبقة السياسية الأفغانية التي ينخرها الفساد، في وقت أعيد انتخاب الرئيس أشرف غني لولاية ثانية فيما يؤكد خصمه الرئيسي عبدالله عبدالله فوزه هو أيضا بالانتخابات الرئاسية.

وثمة مخاوف فعلية من انهيار القوى الأمنية الأفغانية أمام حركة طالبان، فور انقطاع الدعم العسكري الأميركي عنها، بينما قد يسمح الفراغ السياسي والأمني للمتمردين باستعادة السلطة في كابول، ويرى الجد عبد السلام (68 عاما) وهو بين المقاتلين الذين حاربوا حركة طالبان في التسعينات "الوقت غير مناسب لرحيل الأميركيين. سنعود إلى الوراء وستغرق البلاد مجددا في الحرب الأهلية" كما كان الوضع في تسعينات القرن الماضي.

وكان يتحدّث بينما يخرج صورة تظهره إلى جانب القائد الأفغاني الشهير المناهض لحركة طالبان أحمد شاه مسعود، ويروي عبد السلام كيف انتقل مع عائلته إلى وادي بانشير الذي عجزت القوات السوفياتية طوال عقد من الزمن (1979-1989) وكذلك حركة طالبان عن دخوله، مشيرا إلى صور قديمة لرفاق له سقطوا في المعارك.

وأمام النقص في المواد الغذائية في الوادي المحاصر، انتقل مع عائلته إلى باكستان المجاورة في العام 1999، وبعد سنتين على ذلك شن تنظيم "القاعدة" هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة ما أدى إلى تدخل ائتلاف دولي بقيادة واشنطن وسقوط نظام طالبان.

لم يتغيروا

وتفاوض الطرفان على مدى أكثر من عام وصولا إلى اتفاق السبت وخلال تلك الفترة استمرت المعارك والهجمات، كان بركات شيرزاد (38 عاما)، نجل عبد السلام، مراهقا عندما استولت حركة طالبان على السلطة في كابول. ويذكر اضطرار نساء العائلة الى ارتداء البرقع وكذلك المعارك التي حرمته من الذهاب إلى المدرسة مع أشقائه، وفي العام 2016 خسر ابن عمه في اعتداء لحركة طالبان في ولاية هلمند في جنوب البلاد فيما فضل شقيقه الهرب من العنف والانتقال للعيش في الخارج.

ويؤكد شيرزاد وهو عاطل عن العمل "نحن غير مطمئنين" للاتفاق بين حركة طالبان والولايات المتحدة. ويضيف "في حال عودتهم (..) فسيتمكنون من استعادة السلطة بسهولة في غضون سنوات قليلة. هم لم يتغيروا لا بل أصبحوا أسوأ".

ويؤكد ان حذره وتشكيكه بالحركة المتطرفة التي طبّقت أحكام الشريعة الإسلامية بشكل صارم، منتشران بشكل واسع في صفوف المواطنين موضحا "الشعب الافغاني لا يحبهم"، وأما كمال الدين نجل شيرزاد البالغ 17 عاما، فولد في افغانستان بعد زوال حكم حركة طالبان ولم يختبرها مباشرة أبدا، ويقول التلميذ في المرحلة الثانوية "سمعت من جدي وأعمامي عن وحشيتهم حيال النساء وتعليم الفتيات وكيف كانوا يرغمون الرجال على إرخاء اللحى"، ويقبل كمال الدين على متابعة الأخبار عبر التلفزيون ويتذمر من المتمردين الذين يهاجمون القوى الأمنية ويقتلون "الأفغان العاديين".

ويقول موافقا بذلك رأي والده "في حال عودتهم سيقضون على كل ما أنجز في السنوات الثماني عشرة الأخيرة. وأظن أنهم لا يزالون على حالهم ولم يتغيروا"، وطوال مرحلة مفاوضات السلام، بقي موقف حركة طالبان مبهما حيال احترام الحقوق الأساسية ولا سيما حقوق النساء مفضلين استخدام عبارة "القيم الإسلامية".

شكوك وآمال

تقول نسيمة التي تعول أربعة أولاد إن احتمال إقامة سلام دائم في أفغانستان أمر يصعب تصديقه، ونسيمة (45 عاما) التي قتل زوجها ناصر أحمد في تفجير شاحنة ملغومة بكابول، تردد أن حركة طالبان تقف وراءه، واحدة من آلاف المكلومين الذي فقدوا أحبة في بلد أرهقته الحرب وأصبحوا ينظرون بعين الشك والأمل في آن واحد لاتفاق السلام الموعود، فأفغانستان في حالة حرب منذ عشرات السنين. كان الغزو السوفيتي مهيمنا في فترة الثمانينيات ثم أعقبته الحرب الأهلية وكان لحركة طالبان الإسلامية المتشددة اليد العليا بضع سنوات قبل أن يطيح بها هجوم أمريكي أعقبه صراع استمر 18 عاما أخرى. بحسب رويترز.

وسقط عشرات الآلاف قتلى من المدنيين ومقاتلي المعارضة وقوات الأمن الأفغانية والقوات الأجنبية. ويثير الاتفاق الذي تم توقيعه بين الولايات المتحدة وحركة طالبان يوم السبت مشاعر متباينة لدى هؤلاء المكلومين.

قالت نسيمة متسائلة في شقتها بكابول وحولها أولادها ”كيف لي أن أصدق أن من يقدر على ارتكاب هذا الهجوم الوحشي سيسمح للآخرين بالعيش في سلام؟“، لكنها ستحاول على الأقل مواصلة حياتها إذا توقفت الهجمات فعلا.

وقالت نسيمة ”إذا كانوا (طالبان) جادين في الاتفاق على سلام حقيقي فأنا على استعداد للصفح عن المعاناة التي تسببوا فيها لي ولعائلتي“، ويرتبط الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العطلة الأسبوعية بالدوحة على انسحاب القوات الأمريكية بمسعى أوسع نطاقا لتحقيق المصالحة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية وذلك رغم بقاء عقبات كبرى أمام تحقيق السلام الدائم، ومن هذه العقبات انعدام الثقة بين الطرفين اللذين يتبادلان الاتهامات بالمسؤولية عن ضخامة الخسائر في الأرواح خلال الحرب.

بشاعة ما بعد التفجير

خرج زوج نسيمة من بيته مبكرا صباح يوم في أواخر شهر مايو أيار 2017 خلال شهر رمضان للبحث عن عمل يمكن بعده العودة للبيت بوجبة الإفطار. وكانت بضعة أيام مرت دون أن يجد عملا، وتروي نسيمة ما تتذكره من أحداث فتقول ”قبل ذلك بيوم سألته إن كان قد وجد عملا وقال لي إن هناك متاجر تحتاج واجهات العرض فيها للتنظيف بمناسبة رمضان وإنه واثق أنه سيجد عملا إذا خرج مبكرا“.

ونحو الساعة الثامنة والنصف سمعت دوي انفجار هائل. كان الانفجار من الضخامة بحيث ارتجت المدينة بكاملها، كان تفجير الشاحنة الملغومة أسوأ هجوم من نوعه في الحرب حتى الآن. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية التي سقط فيها 150 قتيلا على الأقل كان ناصر أحمد واحدا منهم، وذكريات نسيمة عن ذلك اليوم مروعة رغم أنها أمر عادي بين الأفغان، تقول نسيمة ”في المستشفى شاهدت جثثا تغطيها الدماء ومتفحمة. وكان الجرحى يصرخون. وكانت هناك صناديق تمتلي بأشلاء بشرية“.

وخلال السنوات الثلاث الأخيرة عملت نسيمة في غسل الصحون والملابس لتعول أولادها وهم بنتان نعيمة (15 عاما) وسابزينة (13 عاما) وولدان هما وارث (10 أعوام) وعارف (7 أعوام)، وقالت ”أنا عشت حياتي وكُتبت علي المعاناة لكني أريد السلام لأولادي“، عرفت أسر مقاتلي طالبان ورجال الأمن مرارة الفقد أيضا.

من هؤلاء حاجي مالك (47 عاما) الذي يملك متجرا في مدينة قندوز إذ فقد ابنه سراج الدين وهو في الثامنة عشرة عندما سقط قتيلا في صفوف طالبان خلال اشتباك مع القوات الدولية والأفغانية في إقليم باكتيكا عام 2016، هرب سراج الدين من بيت الأسرة قبل ذلك بعامين للانضمام إلى مقاتلي طالبان ويتذكر مالك الألم الطاغي الذي شعر به عندما جاءه خبر مصرع ابنه، قال مالك إنه لم يتسن له قط أن يدفن ابنه لأن الجثة كانت في حالة سيئة وتم دفنها قبل وصوله إلى حيث كانت، وقال لرويترز عن اتفاق الدوحة إنه ”فرصة للسلام في افغانستان التي عانت خلال سنوات الحرب. لكن إذا كان السلام قادم فيحب أن يكون سلاما حقيقيا ... لا أن يستمر بضعة أيام فقط“. بحسب رويترز.

ومن الضحايا أيضا حبيب الله نزاري الضابط بمديرية الأمن الوطني في أفغانستان والذي كان على الخط الأمامي في محاربة حركة طالبان. فقد لقي مصرعه في هجوم شنته الحركة المتشددة، كان نزاري يستعد لمهمة أمنية مع ستة من زملائه عندما قاد انتحاري من طالبان عربة محملة بالمتفجرات واقتحم بها مكتب المديرية في مدينة هرات بغرب البلاد، قال شقيقه محمد جول (23 عاما) إن نزاري كان العائل الوحيد لأسرته المكونة من 12 فردا، وأضاف ”فقدان أحد أفراد الأسرة مؤلم جدا. لكني لن أنطق بالشكوى إذا عاد السلام، السلام الحقيقي. سأعتبر أن شقيقي سقط شهيدا في سبيل السلام“.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا