آلية انستكس: ماذا ستقدم لاقتصاد إيران في ظل العقوبات الأمريكية؟
عبد الامير رويح
2019-03-30 04:25
الآلية المالية الأوروبية الجديدة التي أنشأتها الترويكا الأوروبية "إنستكس" في الآونة الأخيرة لمواصلة العمل التجاري مع إيران على الرغم من إعادة فرض واشنطن للعقوبات ضدها. ماتزال محط اهتمام واسع داخل إيران خصوصا مع وجود اطراف معارضة، تسعى الى عرقلة عمل حكومة روحاني في سبيل تحقيق مصالحها السياسية، ومنذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو/ أيار من عام 2018، وعودة العقوبات الأميركية على مرحلتين في أغسطس/ آب ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، تطالب إيران الشركاء الأوروبيين للاتفاق بأن تعوض عن خسائر لحقت باقتصادها بعد هذا الانسحاب من خلال تنفيذ التزاماتهم، وتمكينها من مواصلة التجارة مع العالم الخارجي.
واشتكت طهران خلال الشهور العشرة الماضية من التأخير الأوروبي في تنفيذ تعهداته ووعوده للحفاظ على الاتفاق النووي، وسط تهديدات بين فينة وأخرى بالانسحاب منه إن لم تترجم أوروبا أقوالها في هذا الصدد إلى إجراءات وأعمال تساعد الحكومة الإيرانية في الالتفاف على العقوبات الأميركية. أخيرا أعلنت الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي وكما نقلت بعض المصادر، عن الآلية المالية الأوروبية "إينستكس"، التي اعتبرتها طهران "أقل بكثير من التزامات أوروبية لمنع انهيار الاتفاق النووي".
التحركات الاوربية الاخيرة ازعجت الولايات المتحدة الامريكية اتي ستسعى الى اتخاذ قرارت جديدة من اجل الضغط على حلفائها وضعاف ايران اكثر، حيث اتهم مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي حلفاء واشنطن الأوروبيين بمحاولة إفساد العقوبات الأمريكية على طهران ودعاهم إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وقال بنس ”بعض شركائنا الأوروبيين الرئيسيين لم يبدوا للأسف أي تعاون، بل قادوا في الحقيقة مساعي وضع آليات لإفساد عقوباتنا“. وأضاف أن آلية وضعها الاتحاد الأوروبي لتسهيل التجارة مع إيران هي ”مسعى لكسر العقوبات الأمريكية على النظام الثوري الإيراني القاتل“. وأردف ”إنها خطوة غير حكيمة لن تؤدي إلا إلى تقوية شوكة إيران وإضعاف الاتحاد الأوروبي وتباعد أكبر بين أوروبا والولايات المتحدة“.
من جانب اخر قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة لا تتوقع أن تؤثر آلية التجارة لتسهيل التجارة مع إيران على الحملة الرامية إلى ممارسة ”أقصى ضغط اقتصادي“ على طهران. وقالت المتحدثة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها ”لا نتوقع أن تؤثر آلية التجارة بأي حال على حملتنا لممارسة أقصى ضغط اقتصادي“ وأضافت أن الوزارة تتابع التقارير حول الآلية لمعرفة المزيد عنها. وذكرت أن الكيانات التي تشارك في أنشطة خاضعة لعقوبات إيران تواجه خطر فقد الوصول إلى النظام المالي الأمريكي والقدرة على القيام بأعمال مع شركات أمريكية.
دعابة ثقيلة
وفي هذا الشأن رفض المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله على خامنئي آلية تجارية أنشأتها الدول الأوروبية لتجاوز العقوبات الأميركية الجديدة ووصفها بأنها "دعابة ثقيلة"، مشيرا الى انه لا يمكن الوثوق بأوروبا. وقال خامنئي "هذه القناة المالية التي أنشئت مؤخرا أشبه بالدعابة، دعابة ثقيلة". وأطلقت بريطانيا وفرنسا والمانيا نظام دفع خاصا يحمل اسم "انستكس" أو "أداة دعم التبادلات التجارية مع إيران" أواخر كانون الثاني/يناير، بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع ايران.
وهذه الدول الأوروبية الثلاث وقعت الاتفاق الى جانب الولايات المتحدة وروسيا والصين لكبح الطموحات النووية لطهران مقابل تخفيف العقوبات. وأنشأت لندن وباريس وبرلين آلية الدفع "انستكس" على أمل أن تساعد في إنقاذ الاتفاق النووي، وذلك من خلال السماح لطهران بمواصلة التبادل التجاري مع الشركات الأوروبية على الرغم من إعادة فرض واشنطن للعقوبات. وقال خامنئي "الفارق بين ما يتوجب عليهم فعله وما يعرضونه بعيد بعد الأرض عن السماء".
واضاف "علينا ان نقطع الامل بأي مساعدة من الغربيين" مضيفا "يمكننا ان نتوقع من الغربيين المؤامرة والخيانة والطعن من الظهر، ولكن لا يمكننا ان نتوقع المساعدة والنزاهة منهم". واشار الى ان "الساسة الغربيين يرتدون البزات الانيقة وتفوح منهم ارقى العطور ويرتدون ربطات العنق ويحملون الحقائب الدبلوماسية، ولكن باطنهم وحشي بالمعنى الحقيقي للكلمة". لكنه تدارك "أن هذا الكلام لا يعني قطع العلاقات مع الدول الاوروبية، لأنني وفي مختلف الفترات والحكومات المتتالية، شجعت على تنمية العلاقات معهم، ولكن ليس بمعنى التبعية، مع انه لا يمكن الوثوق بالغربيين في الوقت نفسه". بحسب فرانس برس.
وأعلنت ايران تسجيل آلية جديدة موازية ل"انستكس" تحت اسم معهد التجارة والمالية الخاصة، وفق ما أفادت وكالة ايسنا شبه الرسمية. وقال محافظ البنك المركزي الايراني عبد الناصر همتي "مع تسجيل (الآلية الايرانية) نتوقع انه بالتعاون مع انستكس ستسهل التجارة بين ايران واوروبا وستكون مؤثرة في مواجهة القيود الناجمة عن العقوبات الأميركية. واعتبر خامنئي ان "الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها الإيرانيون تُمثل المشكلة الأساسية الأكثر إلحاحاً في البلاد". وقال "المشاكل المعيشية للمواطنين تزايدت، وبخاصة في الأشهر الأخيرة". واضاف "الأولوية العاجلة والقضية الجادّة للبلاد هي قضية الاقتصاد" في اشارة الى انخفاض قيمة الريال وتراجع القدرة الشرائية والانتاج.
وتظهر تصريحات الزعيم الأعلى الصعوبة التي تواجهها حكومة الرئيس البراجماتي حسن روحاني في الحفاظ على سياسته بشأن إبقاء إيران منفتحة على العالم الخارجي وهي تواجه العقوبات الأمريكية الجديدة. وتقول إدارة ترامب إن الاتفاق النووي لم يحقق الكثير فيما يتعلق بكبح التدخل الإيراني في الشؤون الإقليمية أو تقييد برنامجها الصاروخي. وتقول الدول الأوروبية إن لديها نفس المخاوف الأمريكية بشأن إيران، لكن إلغاء الاتفاق سيقوي شوكة المتشددين ويقوض الإصلاح.
وتم إنشاء آلية أوروبية جديدة لتسهيل التعامل التجاري بغير الدولار مع إيران مما أثار انتقادا حادا من واشنطن. لكن من الناحية العملية، يقول دبلوماسيون أوروبيون إن الآلية ستستخدم فقط على الأرجح في التعامل التجاري الذي تسمح به واشنطن مثل المواد الغذائية والإمدادات الإنسانية. وتطالب إيران الاتحاد الأوروبي بفعل المزيد لإظهار التزامه بالاتفاق.
شروط غير مقبولة
في السياق ذاته نقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء عن رئيس السلطة القضائية الإيرانية صادق آملي لاريجاني قوله إن طهران لن تقبل أبدا ”الشروط المهينة“ التي حددها الاتحاد الأوروبي للتجارة دون استخدام الدولار التي تهدف لتفادي العقوبات الأمريكية. ونقلت الوكالة عن لاريجاني قوله ”بعد تسعة أشهر من المماطلة والتفاوض، أنشأ الأوروبيون آلية محدودة... للغذاء والدواء فقط“. وأضاف ”لن تقبل إيران أبدا هذه الشروط الغريبة والمهينة الخاصة بالانضمام إلى الآلية التجارية والمفاوضات بشأن برنامجها الصاروخي“.
وهددت إيران بالانسحاب من الاتفاق النووي مالم ما لم تتح القوى الأوروبية لها الحصول على منافع اقتصادية. وتعهد الأوروبيون بمساعدة الشركات على إجراء معاملات مع إيران ما دامت تلتزم بالاتفاق. ونجحت العقوبات الأمريكية الجديدة إلى حد بعيد في إقناع الشركات الأوروبية بالتخلي عن التعامل مع إيران، وقالت واشنطن إنها لا تتوقع أن يتغير ذلك بسبب مسعى الاتحاد الأوروبي الذي يعرف بالآلية ذات الغرض الخاص.
وصادق الاتحاد الأوروبي على آلية خاصة للتجارة مع إيران قررتها فرنسا وألمانيا وبريطانيا للالتفاف على العقوبات الأميركية لكنه دان برنامج الصواريخ البعيدة المدى الذي طورته إيران ووجودها العسكري في سوريا. وبرر قادة الدول ال28 إنشاء هذه الآلية المالية بضرورة تشجيع إيران على احترام التزاماتها لعدم السعي لحيازة أو تطوير أسلحة نووية رغم انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المبرم مع طهران في 2015 كما جاء في بيان مشترك صدر في بروكسل.
وأضاف البيان أن الآلية التي أطلق عليها اسم "أداة دعم المبادلات التجارية" (انستيكس) "ستقدم دعما للتجار الأوروبيين الذين يقومون بمبادلات تجارية شرعية مع إيران طبقا للقانون الأوروبي والقرار الدولي رقم 2231". وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن "انستيكس ستسمح للاتحاد الأوروبي بمواصلة التبادل التجاري القانوني مع إيران في مجالي الصحة والأغذية". لكن على إيران وضع آلية مماثلة لتصبح انستيكس عملانية.
وأوضح مصدر أوروبي أن ذلك سيستغرق وقتا لأن الآلية الإيرانية "يجب ألا يكون لديها أي صلة بالبنك المركزي الإيراني الخاضع لعقوبات أميركية وأن تحترم القواعد الدولية ضد تبييض الأموال وتمويل الإرهاب". وتابع البيان أن رغبة الأوروبيين في مساعدة إيران لمواصلة التبادل التجاري لتحسين ظروف عيش الإيرانيين يجب ألا تمنع الاتحاد الأوروبي من إبداء القلق وإدانة أنشطتها العسكرية في المنطقة. بحسب فرانس برس.
ودان الأوروبيون أيضا "تقديم إيران الدعم العسكري والمالي والسياسي لجهات غير حكومية في سوريا ولبنان" و"عبروا عن قلق كبير" لتواجدها العسكري وانتشار قوات إيرانية في سوريا. كما عبروا عن "قلقهم العميق" لبرنامج الصواريخ البالستية الذي تطوره إيران وطلبوا من طهران الامتناع عن القيام بتجارب جديدة والسعي إلى زيادة مدى هذه الصواريخ ودقتها. وأضاف النص أن "الاتحاد الأوروبي سيستمر في إظهار وحدة وتضامن في هذا المجال ويطلب من إيران وضع حد فورا لهذا السلوك غير المقبول".
أنشطة التجسس
الى جانب ذلك قال الدبلوماسي الألماني المخضرم فولفجانج إيشنجر إن إيران تضر بجهود أوروبا للإبقاء على الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بالقيام بأنشطة يشتبه بأنها أعمال تجسس وتشمل أحد أفراد الجيش الألماني. لكن إيشنجر، الذي يرأس مؤتمر ميونيخ الأمني، حذر أوروبا من اتخاذ أي خطوة مماثلة لما قامت به واشنطن بالانسحاب من الاتفاق لأنه يهدف فقط إلى وقف برنامج إيران النووي ولا يتناول أنشطتها الأخرى في المنطقة أو التجسس.
وعبرت ألمانيا، التي قادت مع فرنسا جهود الإبقاء على الاتفاق، عن قلقها البالغ لدبلوماسي إيراني بارز بشأن قضية رجل يحمل الجنسيتين الأفغانية والألمانية اعتقل للاشتباه في قيامه بأنشطة تجسس. وقال مصدر من وزارة الخارجية الألمانية إن الوزارة ”عالجت القضية بشكل واضح مع مدير السفارة الإيرانية يوم 15 يناير وأبدينا قلقنا البالغ إزاء ما يشتبه في أنها أنشطة تخابر“.
وأدان إيشنجر، وهو سفير سابق لألمانيا لدى واشنطن، الأنشطة الإيرانية لكنه قال إن من الوهم الاعتقاد بأن إيران أو حكومات أخرى ستقلص أنشطة التجسس التي تقوم بها حتى لو كان حظر هذه الأنشطة مشمولا في اتفاق رسمي. وأضاف ”يجب أن تكون إيران على درجة كافية من الذكاء تجعلها تدرك أنها تضر بنفسها لأنها تضر بالمناخ السياسي المحيط بالاتفاق النووي... لكن هذا ليس سببا يدعو لإنهاء الاتفاق“. وتابع أن أفعال إيران في ألمانيا وفي أماكن أخرى تزيد من القلق السياسي وتلقي بظلالها على جهود الإبقاء على الاتفاق النووي ساريا.
من جانبها ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء أن إيران نفت أي صلة لها برجل ألماني من أصل أفغاني مشتبه بتجسسه لصالح طهران، مشيرة إلى أن احتجازه في ألمانيا يأتي ضمن محاولات لإفساد علاقات إيران مع الاتحاد الأوروبي. ونقلت الوكالة عن بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية قوله ”بينما ننفي أي صلة بهذا الشخص المزعوم... لسنا مندهشين لسماع مثل هذه الأنباء وسط اتهامات أمنية لا أساس لها من الصحة ويجري تلفيقها ممن يسعون للإضرار بالعلاقات بين إيران وأوروبا في هذه المرحلة الحساسة“. بحسب رويترز.
ولم يقدم قاسمي مزيدا من التوضيح لكن الوكالة أشارت إلى تقرير نشرته صحيفة ألمانية وأفاد بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ربما كانت وراء إبلاغ مسؤولي المخابرات العسكرية الألمانية عن المشتبه به. وجمد الاتحاد الأوروبي أرصدة وحدة مخابرات إيرانية واثنين من موظفيها بعد أن اتهمت هولندا إيران بتنفيذ عمليتي اغتيال على أراضيها وانضمت إلى فرنسا والدنمرك في اتهام طهران بالتخطيط لتنفيذ هجمات أخرى في أوروبا. ونفت إيران أي ضلوع لها في هذه المؤامرات التي قالت إن الهدف من الاتهامات هو الإضرار بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإيران.