أوباما والكونجرس.. جولة صراع شرسة حلبتها الاتفاق النووي

كمال عبيد

2015-04-18 11:19

خاض الرئيس الامريكي باراك أوباما معارك مريرة مع الجمهوريين على مدى شهور تجسدت بهيئة مواقف وقرارات براغماتية متعددة الاوجه كمحاولات لمقاومة الجمهوريين وبعض الديمقراطيين لمنح الكونجرس حق البت في الاتفاق مع إيران.

فعلى الرغم من التوصل لاتفاق مبدئي مفصل مع إيران، لكن مازال أمام الرئيس الأمريكي مهمة جسيمة تتمثل في منع الكونجرس من إفساد الاتفاق النووي مع طهران والحفاظ على المحادثات من الانهيار بسبب التفاصيل الدقيقة.

ويتوقع المراقبون أنه من المحتمل أن تدفع تسوية تتيح للكونجرس الأمريكي التصويت على أي اتفاق نووي مستقبلا مع طهران المفاوضين الايرانيين إلى تشديد شروطهم للتوصل إلى اتفاق غير أن ذلك لا يضعف قدرة الرئيس باراك أوباما بدرجة كبيرة على إبرام اتفاق نهائي، ويحاول المفاوضون من ايران والقوى الست الكبرى إبرام اتفاق بحلول 30 يونيو حزيران المقبل يضمن عدم اكتساب إيران القدرة على صنع القنبلة الذرية من خلال تقييد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران.

لكن في الآونة الاخيرة ظهرت تفسيرات شديدة التباين لتفاصيل الاتفاق فقالت إيران إنه لابد من رفع العقوبات فور التوصل لاتفاق نهائي، بينما أصرت واشنطن أن العقوبات سترفع على مراحل على فترة أطول.

في الوقت نفسه تراجع أوباما في مواجهة تزايد التأييد في الحزبين لمشروع القانون الذي يمنح الكونجرس 30 يوما على الأقل لمراجعة اتفاق نهائي لا يستطيع أوباما خلالها إلغاء الكثير من العقوبات السارية على إيران أو وقف العمل بها.

لكن يرى المحللون أن هناك وسائل للتغلب على هذه الصعوبات، فإيران ستستغرق بعض الوقت في وقف تشغيل أجهزة الطرد المركزي وفصلها. وهي تستخدم هذه الأجهزة في تخصيب اليورانيوم، ومن الممكن أن يصاغ أي اتفاق نهائي بحيث يبدأ التنفيذ بعد 60 يوما مثلا بما يتيح لإيران الوقت للاستعداد لما ستتخذه من خطوات بشأن برنامجها النووي ويسمح للولايات المتحدة باستكمال إجراءاتها في الكونجرس.

ويرى بعض المراقبين ان العداء حيال طهران كبير في الكونغرس، وخصوصا في صفوف الجمهوريين الذين نددوا بتنازلات الرئيس باراك اوباما للإيرانيين في الاتفاق الاطار الذي تم التوصل اليه في الثاني من نيسان/ابريل في سويسرا بين طهران ومجموعة خمسة زائد واحد التي تضم الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والمانيا، كما ولم يبد خصوم أوباما الجمهوريون أي بوادر على التراجع عن خطط طرح تشريع يقول أوباما إنه سيقوض المحادثات ويشمل بندا يقتضي موافقة الكونجرس الذي يغلب عليه الجمهوريون على أي اتفاق نهائي.

وفي اطار هذا الخلاف وجه كثير من الجمهوريين -حلفاء اسرائيل- الانتقاد لمفاوضات إدارة أوباما مع إيران لكونها غير صارمة بما يكفي. وقابلوا اتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه مؤخرا في لوزان بسويسرا بشيء من التشكك، ووصفت كلينتون اتفاق الإطار بأنه خطوة مهمة على طريق منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ومن المتوقع أن تعلن ترشحها للرئاسة الأمريكية في الربيع الحالي، وبالإضافة إلى جراهام بين الجمهوريين يسعى تيد كروز وجيب بوش وماركو روبيو وسكوت ووكر للترشح، في المقابل انتقد أوباما سكوت ووكر حاكم ويسكونسن وهو مرشح جمهوري محتمل في الانتخابات الرئاسية عام 2016 والذي تعهد بإلغاء أي اتفاق مع إيران في أول يوم له في المنصب حال انتخابه.

ويرى بعض المتخصصين بالشأن الامريكي أن البيت الأبيض يعمل بدأب لإقناع المشرعين الأمريكيين وغيرهم من النقاد بقبول اتفاق الاطار الذي ابرم بين إيران والولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين، وكان اتفاق الاطار خطوة كبيرة تجاه صفقة نهائية لكنه لم يتضمن اتفاقا على توقيت ومدى تخفيف العقوبات. ويجب ان تسوى أمور أخرى كثيرة قبل حلول الموعد النهائي في آخر يونيو لإبرام اتفاق نهائي.

ويرى هؤلاء المتخصصون انه على الرغم من توحد الجمهوريين بوجه عام بشأن هذه القضية ومعارضة بعضهم ومنهم مرشحون محتملون لانتخابات الرئاسة لعام 2016 للاتفاق بشراسة فإن من المرجح أن يكون الدور الرئيسي في هذا الأمر للمشرعين من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما.

بينما يرى بعض المحللين انه على الرغم من العراقيل التي تضعها الإدارة الجمهورية أمام قرارات الإدارة الديمقراطية، الا انه بات من الواضح نجاح الإدارة الديمقراطية بتغير السياسية الداخلية والخارجية على حدا سواء، وهذا ما يخشاه الجمهوريين من مساعي الحرب الديمقراطي في سحب بساط الحكم من تحتهم وتوجيه ضربات سياسية تحت الحزام.

لذا توقع اغلب المحللين بنشوب معارك سياسية حيوية بين اوباما وخصومه خلال الفترة المقبلة، وقد تصنع هذه المعارك تحديات وصراعات محلية ودولية، وتمهد الطريق لمرحلة سياسية محورية لا تخلو من روح المغامرة، كون قيادة امريكا-الجديدة القديمة- تنتهج آيدولوجية سياسية وفق إستراتجية براغماتية، وعليه فقد باتت أمريكا اليوم تحت الإدارة الديمقراطية وحكم أوباما اقوى مما تبدو عليه امام العالم.

صعوبات شبه مستحيلة

في سياق متصل قال ريتشارد نفيو المفاوض الأمريكي السابق مع إيران الذي يعمل الآن بجامعة كولومبيا "لو كنت مفاوضا إيرانيا لدخلت القاعة وقلت ‘قلتم لنا طول الوقت إنكم ستوقفون التشريع، "كيف تضمنون لنا أننا لن نواجه هذه المشكلة عندما نتوصل للاتفاق؟"، وأضاف "هل هي (ضربة) قاضية؟ لا. ستزيد الأمور صعوبة وستزيدها تعقيدا وستجعلها أكثر صعوبة بكثير للجانب المفاوض" الأمريكي.

وقال روبرت اينهورن الذي كان عضوا في فريق التفاوض الأمريكي مع إيران وأصبح الان يعمل بمؤسسة بروكينجز "في اعتقادي أن الادارة سيكون لها فرصة قوية في تجميع كتلة من 34 سناتور على الأقل"، وقدم الجمهوريون تنازلات في النهاية في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أدت إلى تخفيض فترة مراجعة الاتفاق إلى 30 يوما من 60 يوما كما ألغوا شرطا كان يقتضي أن يشهد أوباما بأن ايران لا تؤيد الارهاب ضد الولايات المتحدة.

ويقضي مشروع القانون بأن تعرض الادارة على الكونجرس أي اتفاق يتم التوصل إليه خلال خمسة أيام من ابرامه. ويحظر المشروع على البيت الابيض تخفيف العقوبات التي يفرضها الكونجرس لمدة 30 يوما على الاقل لكن بوسع أوباما أخذ خطوات من جانب واحد لتخفيف العقوبات إذا لم يبت الكونجرس في الأمر. بحسب رويترز.

وقال جون كيري وزير الخارجية الذي قاد فريق التفاوض الأمريكي إنه واثق من قدرة الإدارة على التفاوض على اتفاق كما أبدت ألمانيا والاتحاد الاوروبي تفاؤلهما أن دور الكونجرس لن يحول دون ابرام اتفاق، وقال ايريك شولتز المتحدث باسم البيت الابيض إن مشروع القانون "سيقنن الإشراف المشروع من جانب الكونجرس على الاتفاق بطريقة تتيح لمفاوضينا الوقت والمساحة اللذين يحتاجونهما لإتمام الاتفاق بنهاية يونيو"، وقال اينهورن إن الإدارة تهدف لإقناع ايران بوجود ارتياب عميق داخل الكونجرس في الاتفاق النووي وإن البيت الابيض لديه الأدوات الدستورية "لهزيمة أي محاولة من جانب الكونجرس لتفويض الاتفاق".

اسرائيل ولوبي الكونغرس

من جهتها رحبت اسرائيل بموافقة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي بالإجماع على اقتراح قانون يعطي الكونغرس حق الرقابة على اي اتفاق نهائي قد يتم التوصل اليه حول الملف النووي الايراني.

والقانون المعروف باسم كوركر-ميننديز لا يتناول مضمون الاتفاق الاطار الذي وقع في الثاني من نيسان/ابريل لكنه يحدد آلية تمنح الكونغرس وقتا لعرقلة تنفيذ الاتفاق النهائي مع ايران في حال التوصل اليه مع نهاية حزيران/يونيو. بحسب فرانس برس.

وتبنى اعضاء اللجنة الديموقراطيون والجمهوريون نصا اعتبر تسوية ايده البيت الابيض في وقت سابق اليوم بعدما ابدى تحفظا عنه، ويفرض القانون فترة انتظار على باراك اوباما بين توقيع الاتفاق النهائي ورفع العقوبات الاميركية التي تبناها الكونغرس خلال السنوات الماضية، وسيكون امام الكونغرس ثلاثة خيارات خلال 30 يوما، هي التصويت على قرار يوافق على الاتفاق او التصويت على قرار يعرقل الاتفاق او عدم القيام بشيء، وفي حال التصويت على رفض الاتفاق امام باراك اوباما 12 يوما لاستعمال حق النقض وبعدها يكون امام الكونغرس مهلة 10 ايام للتصويت مرة ثانية بغالبية الثلثين.

وقال وزير الاستخبارات الاسرائيلي يوفال شتاينتز للاذاعة الاسرائيلية العامة "التسوية التي تم التوصل اليها في مجلس الشيوخ الاميركي تعد تطورا جيدا وهاما للغاية. ونحن سعيدون هذا الصباح"، ورحب الوزير المقرب من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بما وصفه "بالانجاز للسياسة الاسرائيلية".

روحاني: ايران تتفاوض مع مجموعة 5+1 وليس مع الكونغرس

من جهته قلل الرئيس الايراني حسن وروحاني من تهديد الكونغرس الاميركي بعرقلة اي اتفاق مع ايران، مؤكدا ان طهران لا تتفاوض مع البرلمان الاميركي بل "مع مجموعة اسمها 5+1"، ووافقت لجنة في مجلس الشيوخ الاميركي الثلاثاء على قرار من شأنه ان يمنح الكونغرس حق المشاركة في تحديد مصير اي اتفاق نهائي دولي لوقف البرنامج النووي لايران.

وفي تأكيد للتعاون بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري حول مسألة تثير انقساما، صوتت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بالاجماع ب19 صوتا بدون معارضة اي عضو، على قرار يسمح للمشرعين بمراقبة الاتفاق النهائي وامكانية رفضه. بحسب فرانس برس.

وجاء التصويت على القرار بعد ان توصل رئيس اللجنة بوب كوركر وكبير الديموقراطيين بين كاردن الى حل وسط حول لغة النص لتهدئة مخاوف البيت الابيض وبعض الديموقراطيين في الكونغرس، ويريد العديد من المشرعين الاميركيين بينهم الذين يخشون من عدم قوة الاتفاق الاطار بما يكفي، ان يكون لهم دورا وان لا يتم رفع العقوبات عن طهران حتى انقضاء فترة المراقبة، وتصر ايران من جهتها على رفع العقوبات فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ، وقال روحاني في خطاب في راشت (شمال) بثه التلفزيون الحكومي مباشرة "نحن لا نفاوض مجلس الشيوخ الاميركي ولا مجلس النواب الاميركي. نحن نتفاوض مع مجموعة اسمها 5+1"، واضاف ان "ما يقوله مجلس الشيوخ الاميركي وما يريده مجلس النواب الاميركي وما يسعى اليه المتطرفون في الولايات المتحدة وما يقوله المرتزقة في المنطقة لا يعني شعبنا ولا حكومتنا"، وطلب من القوى الكبرى قبول اتفاق نووي "يحترم الامة الايرانية" مؤكدا ان ايران "مرنة" في المفاوضات.

كيري متفائل من تمرير الكونجرس للاتفاق مع إيران

الى ذلك قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أوضح خلال اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في مجموعة السبع أن اتفاق الإطار الذي جرى التوصل إليه مع إيران سيجري تمريره في الكونجرس الأمريكي، وأضاف للصحفيين "وجهة النظر هي انه إذا أمكن التوصل لاتفاق على أساس الإطار فمن ثم يمكن تمريره في الكونجرس"، ووافق الرئيس الأمريكي باراك أوباما على منح الكونجرس سلطة مراجعة أي اتفاق نووي مع إيران ليذعن للضغوط من الجمهوريين وبعض أعضاء حزبه الديمقراطي. بحسب رويترز.

وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه واثق أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيتمكن من الحصول على موافقة الكونجرس على اتفاق نووي مع إيران بعد أن سلم بأن يكون لأعضائه سلطة مراجعة أي اتفاق مع طهران.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي