الانتخابات العراقية: بين التحالفات التوافقية وجدل التزوير

شبكة النبأ

2018-06-28 06:44

الانتخابات البرلمانية العراقية والتي أجريت في 12 مايو /أيار الماضي والتي أثارت جدلا واسعا في الأوساط السياسية والقانونية في الداخل والخارج، ماتزال محط اهتمام اعلامي واسع نظرا لما شابها من مخالفات وتجاوزات واتهامات بين الكتل السياسية المتنافسة، وهو ما اثار ايضا غضب الشارع العراقي و انتقادات المنظمات الدولية، فالخلافات المتصاعدة بين الاحزاب والكتل السياسية التي سعت ايضا الى ايجاد تحالفات جديدة ستسهم وبحسب بعض المراقبين، في زيادة معاناة الشعب العراقي الذي يتطلع الى تشكيل حكومة جديدة ربما سيتأخر موعد تشكيلها، حيث أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن عملية إعادة فرز الأصوات في الانتخابات التشريعية التي شهدها العراق في 12 أيار/مايو الماضي.

وقررت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، إعادة فرز الأصوات يدويا. ويشير محللون إلى أن قرار المحكمة هذا لن يغير، إلا بشكل هامشي فقط، نتائج الانتخابات التي فاز فيها تحالف الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر مع الشيوعيين، متقدما على قائمة "الفتح" التي تضم قياديين من قوات الحشد الشعبي الذي قاتل تنظيم داعش، فيما حل ائتلاف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ثالثا.

وأعتبر الخبير القانوني حيدر الصوفي في تصريح أن القرار لن يؤدي إلى "تغيير كبير. قد يحدث تغيير في ثلاثة إلى أربعة مقاعد داخل كل كتلة، لكن يبقى أن الكتل التي تملك أربعين إلى خمسين مقعدا لا يمكن لها تشكيل حكومة وحدها دون تشكيل تحالف". وشكّل عراق ما بعد صدام حسين نظامه السياسي بطريقة معقّدة تفرض قيام تحالفات برلمانية لمنع عودة الديكتاتورية والتفرّد بالحكم. وعقب كل انتخابات تشريعية تدخل الكتل الفائزة في مفاوضات طويلة لتشكيل حكومة غالبية.

فرز يدوي

وفي هذا الشأن قررت لجنة قضائية بالعراق قصر فرز الأصوات يدويا في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو أيار على المناطق التي وردت في تقارير رسمية عن مزاعم تزوير أو في شكاوى رسمية في خطوة ستسرع على الأرجح من التصديق على النتائج النهائية للانتخابات وإفساح الطريق أمام تشكيل حكومة جديدة.

وشابت الانتخابات الأخيرة مزاعم تزوير وشهدت انخفاضا قياسيا في نسبة الإقبال على التصويت. وأقر البرلمان العراقي المنتهية ولايته قانونا في وقت سابق يتيح إعادة فرز الأصوات يدويا على مستوى البلاد لكن اللجنة القضائية المسؤولة عن إعادة الفرز قالت إن هذه العملية ستقتصر فقط على الصناديق التي تشوبها مزاعم بالتزوير. وقال مجلس المفوضين (القضاة المنتدبون) بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في تفسيره لقرار المحكمة الاتحادية العليا إن ”إعادة عملية العد والفرز يدويا (ستتم)... بالنسبة للمراكز الانتخابية الواردة بشأنها شكوى مقدمة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات أو تقارير رسميه بشبهات تزوير فقط دون غيرها، سواء كانت في الداخل أو في الخارج، وذلك احتراما لإرادة الناخب وحقوقه في المشاركة في الشؤون العامة وعدم إهدار صوته الذي جاء دون أي مخالفة“.

وأضاف البيان أن صناديق الاقتراع من المناطق التي ترددت فيها مزاعم تزوير ستنقل إلى بغداد حيث ستجرى إعادة الفرز في حضور ممثلين عن الأمم المتحدة في موعد ومكان سيحددان لاحقا. وقال المجلس في بيانه ”سوف يتم الإيعاز لكافة مدراء المكاتب الانتخابية (من السادة القضاة المنتدبين) في المحافظات التي حصلت بها شكاوى... بضرورة نقل الصناديق الخاصة بها... إلى الأماكن المخصصة في مدينة بغداد وبإشراف مباشر من قبل مدير المكتب (القاضي المنتدب)... بحضور ممثلي الأمم المتحدة“. بحسب رويترز.

وعلق القرار الذي أصدره البرلمان أيضا عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات المؤلفة من تسعة أعضاء وكلف قضاة منتدبين بالقيام بعملها. وعقد البرلمان جلسة لبحث إصدار قانون آخر يسمح له باستمرار دورة انعقاده لحين التصديق على النتائج النهائية للانتخابات على الرغم من أن ولايته تنتهي طبقا للدستور في 30 يونيو حزيران.

العبادي والصدر

الى جانب ذلك أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ورجل الدين مقتدى الصدر تحالفا بين كتلتيهما السياسيتين. وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو أيار، جاءت كتلة الصدر في المركز الأول بينما حلت كتلة العبادي في المركز الثالث. وقال الزعيمان في مؤتمر صحفي بمدينة النجف حيث يعيش الصدر إن التحالف بين ائتلاف النصر الذي يتزعمه العبادي وتحالف سائرون الذي يتزعمه الصدر ”عابر للطائفية والاثنية“.

وقال العبادي والصدر ”إعلان التحالف بين سائرون والنصر لا يعني غلق الأبواب“. وعادة يعقد قادة سياسيون في العراق مثل تلك الاجتماعات بعد الانتخابات في إطار عملية طويلة ومعقدة لتشكيل حكومة ائتلافية إذ لا يتمكن أي حزب منفردا من الحصول على ما يكفي من المقاعد لتشكيل حكومة دون ائتلاف. والعملية أكثر تعقيدا هذه المرة لأن البرلمان المقبل سيولد من رحم انتخابات شابها إقبال ضعيف لم يسبق له مثيل ومزاعم تزوير.

كان البرلمان المنتهية ولايته أقر إعادة فرز الأصوات يدويا وأيدت المحكمة الاتحادية العليا الخطوة التي واجهت عقبات قانونية. وبعد اجتماع استمر لنحو ثلاث ساعات، أعلن الطرفان في مؤتمر صحافي مشترك عن تشكيل تحالف بين كتلتيهما. وقالا في بيان "نعلن عن تحالف عابر للطائفية والإثنية للإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة والاتفاق على نقاط ومبادئ مشتركة بما يضمن مصلحة الشعب العراقي".

وأضافا أن التحالف سيساهم في "بلورة حكومة قوية تخدم تطلعات شعبنا في جميع المجالات". وبحسب مصدر مقرب من تحالف "سائرون" الذي يتزعمه الصدر، فإن المسألة الأكثر حساسية هي منصب رئيس الوزراء، الذي يأمل العبادي الاحتفاظ به، وهو ما ترفضه الكتل الأخرى الفائزة. ولم يشر البيان نهائيا إلى التحالف الذي أعلنه الصدر مع كتلة "الفتح" بقيادة هادي العامري والتي حصدت 47 مقعدا. بحسب رويترز.

كما أن البيان لم يشر ايضا إلى الاتفاق الأقدم بين الصدر وتيار الحكمة الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي عمار الحكيم (19 مقعدا) و"ائتلاف الوطنية" بزعامة إياد علاوي (21 مقعدا). ووسط هذا الغموض، يمكن لتلك الكتل التي تحالفت مع الصدر إذا ما اجتمعت، جمع 183 مقعدا، بما يضمن لها غالبية نيابية في برلمان يعد 329 نائبا، ما يسمح لها بتسمية رئيس الحكومة المقبل.

إعادة الانتخابات

من جانب اخر قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه يعارض إعادة الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 مايو أيار وحذر من أن أي طرف سيسعى لتخريب العملية السياسية سيُعاقب وذلك بعدما أثارت مزاعم عن حدوث تزوير حالة من الاحتقان السياسي. وطالب البرلمان بإعادة فرز الأصوات على مستوى البلاد، مما أثار دعوات إلى إعادة الانتخابات. وقال العبادي إن المحكمة العليا هي صاحبة القول الفصل بشأن ما إذا كان يتعين إعادة الانتخابات، التي فازت بها كتلة يرأسها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

وأضاف ”المحكمة الاتحادية في نهاية المطاف تقرر هل تصادق على نتائج الانتخابات جميعها أو على بعضها أو لا تصادق الموضوع بأمر القضاء أنا ما أدعو السياسيين والكتل السياسية بل حتى الحكومة والبرلمان ليس لهم صلاحية بإلغاء الانتخابات ونتائج الانتخابات الأمر بيد القضاء“. وكان الصدر حث العراقيين إلى التوحد بدلا من التنازع بشأن احتمال إعادة الانتخابات وذلك في رسالة تهدف على ما يبدو إلى تهدئة التوتر السياسي بعد اندلاع حريق في موقع لتخزين صناديق الاقتراع. بحسب رويترز.

ووصف العبادي الحريق بأنه متعمد وقال إن النائب العام سيوجه تهما لمن يحاولون تقويض العملية السياسية. وأوقفت السلطات القضائية في العراق أربعة أشخاص بينهم عناصر شرطة وموظف في مفوضية الانتخابات، بتهمة التورط في حريق نشب في مخازن صناديق الاقتراع الخاصة بالانتخابات التشريعية، وقال القاضي عبد الستار بيرقدار إن "محكمة الرصافة قررت توقيف أربعة متهمين بجريمة حرق مخازن مفوضية الانتخابات ثلاثه منهم من منتسبي الشرطة والآخر موظف في المفوضية".

وأكد وزير الداخلية قاسم الأعرجي في وقت سابق أن الحريق كان عملا متعمدا. وصرح للصحافيين ردا على سؤال حول التحقيقات الأولية عن أسباب الحريق الذي اندلع في المخزن "لا شك أن الحريق بفعل فاعل". وتابع الأعرجي "شخصيا أتابع (الوضع) مع فريق الأدلة الجنائية واللجنة التحقيقية الخاصة بالحادث". ووقع الحادث في وقت قرر مجلس القضاء الأعلى تعيين قضاة للإشراف على عمليات العد والفرز اليدوي عوضا عن أعضاء مجلس المفوضين الذين أوقفوا عن العمل.

وأتى الحريق على أكبر مخازن صناديق الاقتراع الواقعة في الرصافة بالجانب الشرقي من مدينة بغداد والتي تمثل نحو60 بالمئة من أصوات الناخبين. وعزز هذا الحريق الشكوك حول نزاهة الانتخابات وقوض ثقة الناخبين، خصوصا وأنه حصل بعد ادعاءات بالتزوير. ويشهد العراق حالة من الإرباك منذ إجراء الانتخابات في 12أيار/مايو، بسبب اتهامات بالتلاعب وتزوير النتائج. وقرر البرلمان كذلك إلغاء أصوات المقيمين بالخارج والتي يعتقد أنها شهدت أكبر عمليات التلاعب.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي