رحيل برنارد لويس رسم حدود الدم وجسد الشيطان
دلال العكيلي
2018-05-29 04:10
توفي المؤرخ والباحث في تاريخ الشرق الأوسط، البريطاني برنارد لويس، عن عمر ناهز 101 أعوام، بعد عمر طويل في العمل الأكاديمي المثير للجدل في الأوساط النخبوية بتاريخ 19 مايو 2018.
يوصف بأنه ترك أبلغ الأثر في تشكيل نظرة الغرب إلى هذه المنطقة، وتصف موسوعة المؤرخين والكتابة التاريخية لويس بأنه "أكثر مؤرخي الإسلام والشرق الأوسط تأثيرا بعد الحرب العالمية الثانية"، وكانت آراؤه أثيرة لدى مجموعة السياسيين الأمريكيين المعروفين باسم "المحافظين الجدد".
عرف لويس بإهتمامه بالتاريخ الإسلامي والتفاعل بين الإسلام والغرب وقد ركزت أعماله على خطوط ومعالم تشكيل الشرق الأوسط الحديث، كالانقسامات العرقية، وصعود التطرف الإسلامي والنظم الاستبدادية، التي دعم الغرب بعضها.
وخلف لويس أكثر من 30 كتابا ومئات المقالات والدراسات التي ترجمت الى أكثر من 20 لغة أخرى، كما اشتهر بتنقيباته في الإرشيف العثماني وكتاباته الغزيرة في تاريخ الإمبراطورية العثمانية.
في حياته الطويلة التي امتدت لأكثر من قرن عايش لويس أبرز الاحداث والتحولات في الشرق الأوسط، ما بعد الثورة العربية مطلع القرن الماضي، كإكتشاف النفط، وقيام دولة إسرائيل والحروب المتعددة بينها والدول العربية، وانتهاء بالربيع العربي، والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
تجاوزت شهرة لويس الأوساط الأكاديمية واهتم بدراساته الكثير من مصادر صناعة القرار في الغرب، وفي واشنطن تحديدا في اعقاب انتقاله للعمل في جامعة برنستون في عام 1974.
وحظي بتكريم ورفقة كبار الشخصيات، على سبيل المثال لا الحصر، غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل التي استقبلته وأثنت على دعمه الكبير لإسرائيل، والبابا يوحنا بولص الثاني، وشاه إيران الراحل.
وتقول صحيفة واشنطن بوست إن صداقة لويس، وتقاربة الأيديولوجي مع السياسي الامريكي وعضو مجلس الشيوخ هنري جاكسون، أحد صقور الحرب الباردة، فتحت أمامه أبواب صناع القرار في البيت الأبيض والبنتاغون وأعطته لاحقا مكانة أثيرة لديهم لا سيما في المرحلة التي سبقت غزو العراق في عام 2003.
ولم يكن لويس يتردد، بحسب الصحيفة ذاتها، في تأييد اتخاذ سياسات صارمة إزاء الشرق الأوسط، على سبيل المثال مقولته الشهيرة "كن قاسيا أو أخرج"التي عرفت تحت اسم مبدأ لويس في "القسوة أو الخروج".
بيد أن لويس نفى غير مرة تأييده لغزو العراق، قائلا إنه دافع عن تقديم مساعدة أكبر للأكراد في شمال العراق الذين وصفهم بأنهم حلفاء للغرب، كقوة موازية للنظام في بغداد.
واجه لويس انتقادات كثيرة، لاسيما في أوساط الباحثين الآخرين في شؤون الشرق الاوسط، وكان من أبرز منتقديه إدوارد سعيد، الذي وصف أعماله بأنها نخبوية وتميل إلى مصلحة التدخل الغربي في شؤون هذه المنطقة.
الأصل والنشأة
ولد لويس في لندن عام 1916 لأسرة يهودية من الطبقة الوسطى، وعرف بولعه باللغات والتاريخ منذ سن مبكرة، إذ اهتم بدراسة اللغة العبرية ثم انتقل لدراسة الآرامية والعربية، كما درس أيضا اللاتينية واليونانية والفارسية والتركية.
وتخرج عام 1936 من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS)، في جامعة لندن، في التاريخ مع تخصص في الشرق الأدنى والأوسط، ونال درجة الدكتوراه بعد ثلاث سنوات، من الكلية ذاتها في التاريخ الإسلامي.
من كتبه التاريخية الشهيرة "أصول الاسماعيلية"، "العرب في التاريخ"،"الحشاشون فرقة متطرفة في الاسلام"، الاسلام في التاريخ" "اكتشاف المسلمين لأوروبا"، " الاسلام من النبي محمد الى الاستيلاء على القسطنطينية" و"العرق والعبودية في الشرق الأوسط: استقصاء تاريخي".
ومن ابرز كتبه التي تناولت الشرق الأوسط الحديث: "مستقبل الشرق الأوسط" و"تعدد الهويات في الشرق الأوسط" و"ظهور تركيا الحديثة" و"تشكيل الشرق الأوسط الحديث".
وصف لويس نفسه في حديث لدورية التعليم العالي عام 2012 "بالنسبة للبعض أنا عبقري كبير، وللبعض الآخر أنا تجسيد للشيطان".
ولد من أسرة يهودية من الطبقة الوسطى في لندن اجتذبته اللغات والتاريخ منذ سن مبكرة، اكتشف عندما كان شابا اهتمامه باللغة العبرية ثم انتقل إلى دراسة الآرامية والعربية، ثم بعد ذلك اللاتينية واليونانية والفارسية والتركية تخرج عام 1936 من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS)، في جامعة لندن، في التاريخ مع تخصص في الشرق الأدنى والأوسط. حصل على الدكتوراه بعد ثلاث سنوات، من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية متخصصاً في تاريخ الإسلام.
اتجه لويس أيضا لدراسة القانون، قاطعاً جزءاً من الطريق نحو أن يصبح محاميا، ثم عاد إلى دراسة تاريخ الشرق الأوسط 1937 ألتحق بالدراسات العليا في جامعة باريس السوربون، حيث درس مع لويس ماسينيون وحصل على دبلوم في الدراسات السامية عام 1937 عاد إلى SOAS في عام 1938 كمساعد محاضر في التاريخ الإسلامي.
أثناء الحرب العالمية الثانية، خدم لويس في الجيش البريطاني في الهيئة الملكية المدرعة وهيئة الاستخبارات سنة 1940، ثم أعير إلى وزارة الخارجية وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عاد إلى كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS)، وفي عام 1949 عُيّن وهو في الثالثة والثلاثين من عمره أستاذا لكرسي جديد في تاريخ الشرقَيْن الأدنى والأوسط.
انتقل برنارد لويس إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أصبح يعمل كأستاذ محاضر بجامعة برنستون وجامعة كورنل في السبعينات حصل على الجنسية الأمريكية سنة 1982 كما حاز على العديد من الجوائز من قبل مؤسسات تعليمية أمريكية لكتبه ومقالاته في مجال الإنسانيات.
قد أثارت آرائه غضب العديد من الأكاديميين في بريطانيا وأوروبا فرغم أنه يجيد بطلاقة العربية والفارسية والتركية والفرنسية والألمانية وإصداره 11 جزءا في كامبريدج عن تاريخ الإسلام وخبرته التي تمتد لعقود في هذا المجال وكونه كبير محرري إنسكلوبيديا الإسلام على مدار 31 عاما فإن البعض انتقده على خلفية وصف إدارود سعيد له بأنه "مستشرق من الطراز القديم ليست لديه مشاعر تجاه دول المنطقة باستثناء تركيا".
ومن آرائه التي أثارت السخط موقفه من التدخل في العراق، وقد نفى لويس تأييده لغزو العراق، قائلا إنه كان يدعو إلى تقديم مساعدات أكبر إلى الأكراد المتحالفين مع الغرب في شمال العراق كقوة موازية لنظام بغداد.
كما ينكر مذابح الأرمن حيث رفض تسمية ما حدث بالمجزرة واعتبارها "أعمال مؤسفة أودت بحياة أتراك وأرمن على حد سواء" وأدى موقفه هذا إلى محاكمته في فرنسا، وعرف عنه أيضا انتقاداته للفكر الوهابي وتمويل السعودية له وثقافة تبعية المرأة وكان كتابه أزمة الإسلام من أكثر الكتب مبيعا وفيه يشير إلى أن الإسلام يفتقر إلى النقد التاريخي للنصوص الدينية كما حصل في المسيحية الغربية.
وقد نشر برنارد لوس أكثر من 30 مؤلفا ومئات المقالات والمحاضرات بأكثر من 10 لغات، تحدث معظمها عن خطوط ومعالم الشرق الأوسط الجديد، كالانقسامات الطائفية وصعود "الإسلام الراديكالي" و"الدكتاتورية الراسخة" المدعومة نسبيا من الغرب، وقال لويس:" إنه أراد عام 1938 أن يصبح مؤرخا لأنه أراد رؤية التاريخ من الجانب الآخر وبعد عقود طويلة قضاها في الظل مؤثرا على الأحداث بهدوء وجد نفسه في السنوات الأخيرة من حياته على الجانب الآخر تحت الأضواء.
المستشرق الكلاسيكي
ينتمي لويس إلى الاستشراق الأميركي الجديد أي ذلك الاستشراق الذي أحدث تحولاً وظيفياً من خلال انتقال المستشرق التقليدي إلى خبير ومستشار في مراكز البحث الأميركية التي ترسم السياسات الخارجية تجاه العالم العربي والإسلامي، إذ اعتمدت الإدارة الأميركية، خصوصاً في عهد جورج بوش الابن على خلاصات بعض المناوئين للعرب والإسلام وفي طليعتهم مارتن كريمر (تلميذ لويس)، ودانييل بايبس.
بعد حرب الأيام الستة كتب لويس أول مقال له حول الصراع العربي -الإسرائيلي واستنتج "أن الإنسان الذي يتمتع بإرادة طيبة من الصعب أن يكون معادياً لإسرائيل من دون أن يكون ضد العرب".
وضع لويس حوالى ثلاثين مؤلفاً الجزء الأكبر منها يعالج قضايا الإسلام وتاريخ الامبراطورية العثمانية والدراسات الشرق أوسطية، كان آخرها "Faith and Power: Religion and Politics in the Middle East" (الإيمان والسلطة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط-2010) ولم يكن صاحب "فرقة الحشاشين" بمنأى عن الحركات الاحتجاجية في العالم العربي، وقد أطلق بعض التصريحات، وهو الذي قدم النصيحة لواشنطن وأوروبا من أجل الإقرار بالإسلاميين إثر وصولهم إلى السلطة.
وقد رأى أن هذا الأمر يسمح بتحييد الاتجاه الإسلامي الراديكالي، وسيدفعهم إلى الاعتراف بإسرائيل أو على الأقل عدم المساس باتفاقيات السلام الموقعة، كما أنه راهن على الصراع المذهبي ما يؤدي إلى تخفيف الضغط على إسرائيل (هاشم صالح: الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ).
لعب لويس دور المنظّر لليمين المحافظ الجديد في أميركا، وقد اشتدت الحاجة إليه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، والأطروحة الأساسية التي دافع عنها وضعها في كتابين: "ما الذي حصل؟ الإسلام، والغرب، والحداثة" (2002)، "أزمة الإسلام حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس" (2003) وينطلق في قراءاته لهذا الحدث من فكرة كراهية المسلمين للغرب المتأسسة على مفهوم أن الله له أعداء، وأنه يحتاج إلى مساعدة الإنسان لتحديهم والتخلص منهم، ويرى أن ما حدث ليس غريباً، بل يُعبر عن جوهر الإسلام والمسلمين، فالإسلام فرض الجهاد، والجهاد يعني القضاء على غير المسلمين باعتبارهم كفاراً.
وبعد تحديده لمفهومي الجهاد الأخلاقي الهادف إلى ترويض النفس وتهذيبها، والجهاد الحربي الذي افتقد في العصور الحديثة قداسته بينما حافظ على بُعده الحربي البحت القائم على العنف والإرهاب، أدى الأمر في رأيه إلى تشويه صورة المسلمين ودينهم في العالم، لذا دعا المسلمين العقلاء إلى "أن يوجهوا تأنيبهم لهذه الحركات الأصولية، من دون أن ننسى أن معظم المسلمين ليسوا أصوليين، ومعظم الأصوليين ليسوا إرهابيين، ولكن معظم الإرهابيين في العالم اليوم هم من المسلمين".
اعتبر لويس أن التأخر الحضاري للمسلمين يعود إلى الانغلاق اللاهوتي، وأن الإسلام هو ضحية الانسداد الراهن منذ قرون عدة، ويحدد القرن الرابع العشر بداية تاريخية، إلاّ أنه يستدرك أن الحضارة العربية الإسلامية أخذت من التراث الإغريقي الروماني وسبقت الغرب على المستوى الاقتصادي والثقافي لفترة طويلة، وما لبثت أن سقطت ذاتياً، في موازاة النهضة الأوروبية التي بدأت بالنهوض الحضاري بدءاً من لحظة تراجع المسلمين لكن مشكلة لويس، مع أهميته العلمية كمتخصص في التاريخ العثماني، اعتماده على المنهجية التقليدية في علم التاريخ، إذ إنه لا يموضع الظاهرة المدروسة في سياقها الطويل كما فعلت مدرسة الحوليات الفرنسية.
تأكيد برنارد لويس التضاد بين الإسلام والحداثة بسبب الفهم الانغلاقي للدين دقيق في بعض جوانبه؛ الإسلام يعاني من مرحلة نكوصية، لكنه يحاول استعادة التحديث، وإن ببطء شديد، وليس من الممكن القول إن المسلمين اليوم في حال من الجمود اللاهوتي، أقله على مستوى النخبة أو الإنتلجنسيا، إذ ثمة محاولات حثيثة لإحياء لاهوت إسلامي إصلاحي، وهذا العبور ليس عاملاً طارئاً، فقد شهده التاريخ الإسلامي في مراحل مختلفة بدءاً من المعتزلة، وتابع مسيرته مع الإصلاحيين في الإسلام زمن النهضة العربية الأولى، وهو اليوم يستعيد مسيرته مع رواد النهضة العربية الثانية التي أسس لها العقلانيون العرب من أمثال محمد أركون ونصر حامد أبو زيد وهشام جعيط وطه وعبد الرحمن ومحمد عابد الجابري وعبد الله العروي وغيرهم الكثير، على رغم اختلاف مشروعاتهم الفكرية، لناحية الإشكاليات وكيفية معالجتها.
وصحيح أن جهد هؤلاء لم يلق صدى على صعيد المناهج الحديثة التي من المهم أن تطبق في الجامعات ومعاهد الدراسات الإسلامية وكلياتها، وأن خطابهم التفاكري/ النقدي يصطدم بالواقع، لكن هذا لا يمنع أن الجهد المعرفي الذي أكمله هؤلاء المبدعون إنما هو دائرة من الدوائر الإصلاحية/ الحداثوية التي عرفها الإسلام في تاريخه الغابر والحاضر.
درس لويس العلاقة بين الفرد والدولة في الأدبيات السياسية الإسلامية في عدد من بحوثه، وخلص إلى أن الذهنية الإسلامية لها طابع ذري أي أنها لا تستطيع النظر إلى الأمور نظرة شاملة نتيجة بنيتها التجريدية وقد أخذ على المسلمين مسألة منع الخروج على الحاكم، وبحث في النصوص الإسلامية التي تؤكد إذعان الفرد للسلطة من بينها بعض الأحاديث النبوية ونص لابن جماعة حول «البيعة القهرية».
وفي مقال تحت عنوان "الإسلام والشيوعية" (مجلة الشؤون الدولية في لندن كانون الثاني/ يناير 1954)، رأى لويس "أن التاريخ السياسي للإسلام كان أوتوقراطياً بالكامل، باستثناء الخلافة الأولى حين كانت الفردانية الفوضوية للقبيلة العربية ما زالت فاعلة وقد وصف هذا التاريخ بالأوتوقراطية، لا الاستبداد، لأن الحكم كان مرتبطاً بالقانون الديني ويرجع إليه، وكان هذا القانون مقبولاً كحاكم عادل يحفظ سلطة القانون الديني (الشريعة) التي تحفظه بدوره، لكنه كان متسلطاً، وظالماً في الغالب وطغيانياً أحياناً، لقد غلبت على الفكر السياسي للإسلام أقوال مأثورة أن الظلم أفضل من الفوضى وينبغي إطاعة الحاكم" لكن لويس تناسى أن من حق المسلمين مراقبة الحاكم ولهم حق المشورة، كما أن عدم الخروج على السلطة، كان له سياقه التاريخي وأسبابه، عدا أن صوت المعارضة في الإسلام التاريخي شهد أزمة احتجاجية دائمة.
تصدى كثيرون لمقولات لويس وفي طليعتهم المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد صاحب الأطروحة الشهيرة "الاستشراق"، وقد أحدثت أفكاره تأثيراً في مجمل الخطاب الاستشراقي الذي بدأ اليوم يندرج تحت مسمى دراسات الشرق الأوسط.
لويس من أبرز البحاثة الغربيين في الحقبة العثمانية، إلاّ أنه قارب الإشكاليات التي يطرحها الإسلام من الخارج، ولم يطبق مناهج العلوم الاجتماعية الحديثة، ولم يأخذ بمدرسة الحوليات الفرنسية.
مشروع سايكس بيكو 2
حسب صحيفة واشنطن بوست، فقد شكلت أعمال لويس بعمق وجهة النظر الغربية تجاه قضايا الشرق الأوسط، وصراع الحضارات، رغم تمزيق النقاد وتفنيدهم لكثير من أطروحاته المثيرة للجدل وعلى مدار سنواته عمله، طرح برنارد لوس أكثر من 30 مؤلفا ومئات المقالات والمحاضرات بأكثر من 10 لغات، تحدث معظمها عن خطوط ومعالم الشرق الأوسط الحديث، كالانقسامات الطائفية وصعود "الإسلام الراديكالي" و"الدكتاتورية الراسخة" المدعومة نسبيا من الغرب.
واكتسب المؤرخ اليهودي الأصل مكانة مرموقة بين الساسة، بدءا من إسرائيل حيث استضافته جولدا مائير، ومرورا باهتمام المخابرات البريطانية به، واستقبال البابا يوحنا بولس الثاني، انتهاء باستقطاب ساسة واشنطن له حينما انتقل إلى الولايات المتحدة للتدريس في جامعة برنستون عام 1974.
ولطالما أثارت طروحات لويس السخط والدهشة بين متابعيه، كموقفه من التدخل في العراق، حين أطلق مقولته "كن قاسياً أو أخرج"، فيما أطلق عليه البعض اسم "مذهب لويس" Lewis Doctrine.
مهندس تقسيم دول الشرق الأوسط
اكتسب المؤرخ اليهودي الأصل مكانة مرموقة بين الساسة، بدءا من (إسرائيل) حيث استضافته غولدا مائير، ومرورا باهتمام المخابرات البريطانية به، واستقبال البابا يوحنا بولس الثاني، انتهاء باستقطاب ساسة واشنطن له حينما انتقل إلى الولايات المتحدة للتدريس في جامعة برنستون عام 1974.
يعتبر أحد أبرز منكري مذابح الأرمن حيث تغير موقفه جذريا من الاعتراف بحدوث مجازر أودت بحياة أكثر من مليون ونصف على يد العثمانيين إلى رفض تسمية ما حدث بالمجزرة واعتبارها أعمال مؤسفة أودت بحياة أتراك وأرمن على حد سواء.
أدى موقفه هذا إلى محاكمته في فرنسا حيث قررت المحكمة كونه مذنبا بتهمة إنكار مذبحة الأرمن وتغريمه مبلغ رمزي قدره فرنك فرنسي واحد.
علق الكاتب والباحث السعودي د.فواد إبراهيم على وفاته في حسابه الخص بـ “تويتر” بقول: “برنارد لويس الخريج في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن وصاحب أطروحة صراع الحضارات رحل عن عمر يناهز 101 عاما ونقل خبر وفاته رميله ريتشارد تشرشل دون تحديد سبب الوفاة طرفة 101 عاما ويحتاج سبب للوفاة أفكاره نافذة في العقل الاستعماري الغربي.
وكتب الصحافي والباحث في شؤون الخليج بالأخص في الشأن السعودي علي مراد: "توفي برنارد لويس قبل ساعات عن عمر ناهز 102 سنة، هو منظّر مشاريع التجزئة والتقسيم، الصهيوني الذي غزت نظرياته وأطروحاته عن صراع الحضارات مراكز صنع القرار في الغرب وواشنطن بالتحديد من أبرز مشاريعه التي روّج لها: الشرق الأوسط الجديد".
وأوضح Farid Alkorashy قائلا:"توفي اليوم برنارد لويس المولود في 1916، وهو يهودي صهيوني صاحب نظرية الشرق الأوسط الجديد التي تنص على إعادة تقسيم الشرق الأوسط على أساسين: الدين والعرق، وتم إضافة الطائفية والمذهبية لها لاحقاً في عام 1993 وافقت أمريكا على تطبيق نظريته بعد تصويت مجلس الشيوخ عليها".
تفتيت العالم العربي والإسلامي
الذين لم يقرؤوا التاريخ يظنون ما صنعته أمريكا بالعراق من احتلال وتقسيم أمرًا مفاجئًا جاء وليد الأحداث التي أنتجته، وما يحدث الآن في جنوب السودان له دوافع وأسباب، ولكن الحقيقة الكبرى أنهم نسوا أن ما يحدث الآن هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الاستعماري الذي خططته وصاغته وأعلنته الصهيونية والصليبية العالمية؛ لتفتيت العالم الإسلامي، وتجزئته وتحويله إلي "فسيفساء ورقية" يكون فيه الكيان الصهيوني السيد المطاع، وذلك منذ إنشاء هذا الكيان الصهيوني على أرض فلسطين 1948م، وعندما ننشر هذه الوثيقة الخطيرة لـ"برنارد لويس" فإننا نهدف إلي تعريف المسلمين بالمخطط، وخاصة الشباب الذين هم عماد الأمة وصانعو قوتها وحضارتها ونهضتها، والذين تعرضوا لأكبر عملية "غسيل مخ" يقوم بها فريق يعمل بدأب؛ لخدمة المشروع الصهيوني الأمريكي لوصم تلك المخططات بأنها مجرد "نظرية مؤامرة" رغم ما نراه رأي العين ماثلاً أمامنا من حقائق في فلسطين والعراق والسودان وأفغانستان، والبقية آتية لا ريب إذا غفلنا.
وحتى لا ننسي ما حدث لنا وما يحدث الآن وما سوف يحدث في المستقبل، فيكون دافعًا لنا على العمل والحركة؛ لوقف الطوفان القادم.
لويس الأستاذ المتقاعد بجامعة "برنستون" ألَّف 20 كتابًا عن الشرق الأوسط من بينها "العرب في التاريخ" و "الصدام بين الإسلام والحداثة في الشرق الأوسط الحديث" و"أزمة الإسلام" و"حرب مندسة وإرهاب غير مقدس".
لم يقف دور برنارد لويس عند استنفار القيادة في القارتين الأمريكية والأوروبية، وإنما تعدَّاه إلي القيام بدور العراب الصهيوني الذي صاغ للمحافظين الجدد في إدارة الرئيس بوش الابن إستراتيجيتهم في العداء الشديد للإسلام والمسلمين، وقد شارك لويس في وضع إستراتيجية الغزو الأمريكي للعراق؛ حيث ذكرت الصحيفة الأمريكية أن "لويس" كان مع الرئيس بوش الابن ونائبه تشيني، خلال اختفاء الاثنين على إثر حادثة ارتطام الطائرة بالمركز الاقتصادي العالمي، وخلال هذه الاجتماعات ابتدع لويس للغزو مبرراته وأهدافه التي ضمَّنها في مقولات "صراع الحضارات" و"الإرهاب الإسلامي".
في مقابلة أجرتها وكالة الإعلام مع "لويس" في 20/5/2005م قال الآتي بالنص: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلي وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقدم أمريكا بالضغط على قيادتهم الإسلامية- دون مجاملة ولا لين ولا هوادة- ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة، ولذلك يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا لتدمر الحضارة فيها".
انتقد "لويس" محاولات الحل السلمي، وانتقد الانسحاب الصهيوني من جنوب لبنان، واصفًا هذا الانسحاب بأنه عمل متسرِّع ولا مبرر له، فالكيان الصهيوني يمثل الخطوط الأمامية للحضارة الغربية، وهي تقف أمام الحقد الإسلامي الزائف نحو الغرب الأوروبي والأمريكي، ولذلك فإن على الأمم الغربية أن تقف في وجه هذا الخطر البربري دون تلكُّؤ أو قصور، ولا داعي لاعتبارات الرأي العام العالمي، وعندما دعت أمريكا عام 2007م إلى مؤتمر "أنابوليس" للسلام كتب لويس في صحيفة "وول ستريت" يقول:
"يجب ألا ننظر إلي هذا المؤتمر ونتائجه إلا باعتباره مجرد تكتيك موقوت، غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيراني، وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا، كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل".
مشروع لويس لتقسيم الدول العربية
1-في عام 1980م والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي "بريجنسكي" بقوله: "إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن '1980م' هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولي التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود "سايكس-بيكو".
2-عقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بدأ المؤرخ الصهيوني المتآمر "برنارد لويس" بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا كلا على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي وتفتيت كل منها إلي مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس "جيمي كارتر" الخاص بتسعير حرب خليجية ثانية تستطيع الولايات المتحدة من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو بحيث يكون هذا التصحيح متسقا مع الصالح الصهيو أمريكي.
3-في عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع الدكتور "برناردلويس"، وبذلك تمَّ تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة.
تفاصيل المشروع الصهيو أمريكي لتفتيت العالم الإسلامي "لبرنارد لويس" "كارتر" الخاص بتسعير حرب خليجية ثانية تستطيع الولايات المتحدة من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو بحيث يكون هذا التصحيح متسقا مع الصالح الصهيو أمريكي.
4-في عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع الدكتور "برناردلويس"، وبذلك تمَّ تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة.
تفاصيل المشروع الصهيوأمريكي لتفتيت العالم الإسلامي "لبرنارد لويس"
خريطة شمال إفريقيا
تفكيك ليبيا والجزائر والمغرب بهدف إقامة:
1-دولة البربر: على امتداد دويلة النوبة بمصر والسودان.
2-دويلة البوليساريو.
3-الباقي دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.
4-شبه الجزيرة العربية 'والخليج'
- إلغاء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان واليمن والإمارات العربية من الخارطة ومحو وجودها الدستوري بحيث تتضمن شبه الجزيرة والخليج ثلاث دويلات فقط.
1-دويلة الإحساء الشيعية: 'وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين'.
2-دويلة نجد السنية.
3-دويلة الحجاز السنية.
5-العراق
تفكيك العراق:
على أسس عرقية ودينية ومذهبية على النحو الذي حدث في سوريا في عهد العثمانيين.
3 دويلات
1-دويلة شيعية في الجنوب حول البصرة.
2-دويلة سنية في وسط العراق حول بغداد.
3-دويلة كردية في الشمال والشمال الشرقي حول الموصل 'كردستان' تقوم على أجزاء من الأراضي العراقية والإيرانية والسورية والتركية والسوفيتية 'سابقًا'.
خريطة سوريا والعراق
ملاحظة صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي كشرط انسحاب القوات الأمريكية من العراق في 29/9/2007 على تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات المذكور أعلاه وطالب مسعود برزاني بعمل استفتاء لتقرير مصير إقليم كردستان العراق واعتبار عاصمته محافظة 'كركوك' الغنية بالنفط محافظة كردية ونال مباركة عراقية وأمريكية في أكتوبر 2010 والمعروف أن دستور "بريمر" وحلفائه من العراقيين قد أقر الفيدرالية التي تشمل الدويلات الثلاث على أسس طائفية: شيعية في 'الجنوب'/ سنية في 'الوسط'/ كردية في 'الشمال'، عقب احتلال العراق في مارس-أبريل 2003'.
6-سوريا
تقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية:
1-دويلة سنية في الشمال 'عاصمتها طرابلس'.
2-دويلة مارونية شمالاً 'عاصمتها جونيه'.
3-دويلة سهل البقاع العلوية 'عاصمتها بعلبك' خاضعة للنفوذ السوري شرق لبنان.
4-بيروت الدولية 'المدوّلة'
5-كانتون فلسطيني حول صيدا وحتى نهر الليطاني تسيطر علىه منظمة التحرير الفلسطينية 'م.ت.ف'
6-كانتون كتائبي في الجنوب والتي تشمل مسيحيين ونصف مليون من الشيعة.
7-دويلة درزية 'في أجزاء من الأراضي اللبنانية والسورية والفلسطينية المحتلة'.
8-كانتون مسيحي تحت النفوذ الإسرائيلي.
تقسيم إيران وباكستان وأفغانستان
تقسيمها إلى عشرة كيانات عرقية ضعيفة:
1-كردستان.
2-أذربيجان.
3-تركستان.
4-عربستان.
5-إيرانستان 'ما بقي من إيران بعد التقسيم'.
6-بوخونستان.
7-بلونستان.
8-أفغانستان 'ما بقي منها بعد التقسيم'.
9-باكستان 'ما بقي منها بعد التقسيم'.
10-كشمير.
9-تركيا
انتزاع جزء منها وضمه للدولة الكردية المزمع إقامتها في العراق.
-تصفية الأردن ونقل السلطة للفلسطينيين.
- فلسطين
خريطة إسرائيل الكبرى
ابتلاعها بالكامل وهدم مقوماتها وإبادة شعبها.
خريطة إسرائيل الكبرى
خريطة إسرائيل الكبرى
12-اليمن
إزالة الكيان الدستوري الحالي للدولة اليمنية بشطريها الجنوبي والشمالي واعتبار مجمل أراضيها جزءًا من دويلة الحجاز.
* اتفاقية سايكس-بيكو 1916 وفيها تم اقتسام ما تبقي من المشرق العربي عقب الحرب العالمية الأولي بين إنجلترا وفرنسا والذي أعقبها وعد بلفور 1917 لليهود في فلسطين
* جيمي كارتر حَكَمَ أمريكا منذ '1977-1981' وفي عهده تم وضع مشروع التفكيك، وهو قس داهية يعتمد السياسة الناعمة وهو الآن يجوب الدول العربية والإسلامية بحجة تحقيق الديمقراطية ونشر السلام في المنطقة.
نبوءة برنارد لويس
كثير من الكتابات والشواهد التي تدلل على مدى تأثير لويس في صوغ أمريكا سياستها نحو الشرق الأوسط ولا نبالغ إن قلنا إنه كانت له مشاركة فعلية في دفع وتأطير وتشكيل سياسة بوش المتشددة تجاه الشرق الأوسط؛ المتمثلة في دعم إسرائيل ضد الفلسطينيين وغزو العراق وأفغانستان ولا يستمد تأثيره من خلال كتاباته الكثيرة الأكاديمية إنما أيضاً من خلال عضويته في التحالف بين المحافظين الجدد والجماعات الصهيونية الذين شغلوا مناصب رفيعة ومؤثرة في إدارة بوش ومراكز الصناعات العسكرية.
وكان لويس ضمن الفريق المتصهين الذي صاغ (مشروع القرن الأمريكي الجديد) قبل 16 عاماً وهي رؤية قائمة على ضمان سيادة أمريكا في العالم وإزالة مصادر التهديد وطالبت بتغيير النظام العراقي ووضع حد لعملية السلام في الشرق الأوسط وكان أيضاً من بين الموقعين على الرسالة التي قُدمت للرئيس كلينتون سنة 1998 المطالبة بإسقاط نظام صدام حسين غير أن كلينتون رفضها في ذلك الوقت.
غير أن كثيرا من الروايات والتحليلات الصحافية والسياسية تبين أن اللقاءات التي جمعت لويس مع بوش ونائبه تشيني كان لها أثر بالغ في إقناع إدارة بوش بدعم خطط وولفويتز للتركيز على الحرب على العراق حيث يعتقد وولفويتز أن لأمريكا مهمة والتزاماً بالوقوف بجانب حلفائها الديمقراطيين وتحديداً إسرائيل وقد مثّل وولفتز رأي اليمين الإسرائيلي الذي يقول إن الحرب على الإرهاب يجب أن تتسع لتشمل العراق وعلى نحو لافت يظهر وكأن لويس على كراهية مع موضوع الدراسة الذي يقول إنه أمضى عمره في فهمه ومحاولة تفكيك الأحجيات المحيطة به. وحتى التفسيرات التي جاء بها في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) جاءت كجزء من موروث صِدام الحضارات الذي تعود جذوره إلى أكثر من ألف عام ويركز تفسيره على أن الغرب يدافع عن نفسه ضد هجمات المسلمين المستمرة وفي هذا الصدد يشير لويس إلى أن الحملات الصليبية جاءت كرد متأخر على انتشار الإسلام "الهجومي"؛ بمعنى أن هناك سبباً دفاعياً لهذه الحملات ومن السذاجة أن يقدم الغرب الاعتذار عنها.
وهو أول من أطلق مقولة صدام الحضارات في مقال له بعنوان "جذور الغضب الإسلامي" التي نشرت قبل ثلاث سنوات من مقالة صموئيل هنتنجتون الشهيرة في صيف عام 1993 في مجلة "فورين أفيرز"، وفيها وجد هنتنجتون "العدو الجديد بعد زاول الخطر الشيوعي" فبعد سقوط الاتحاد السوفياتي والشيوعية وانتهاء الحرب الباردة بحث الغرب عن عدو جديد وهنا أصبح الإسلام العدو الجديد ويعد لويس من أوائل من نبه إلى "خطورة الإسلام" فقد كتب مقالة سنة 1990 تحمل عنوان "جذور الغضب الإسلامي" وفيها يرفض مقولة أن السياسات الأمريكية هي سبب استياء المسلمين من أمريكا.
ويرفض أيضا مقولة أن الإمبريالية هي سبب الغضب الإسلامي بل يقول إن لمعاداة الإمبريالية بعدا دينيا وبهذا المعنى فالمسلمون يكرهون أمريكا "مع أنها لم تحتل أي بلد مسلم" حسب زعمه وبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أصبح لويس شخصية مركزية تقبل عليها وسائل الإعلام والحلقات النقاشية العامة في واشنطن ليدلي برأيه عن الإسلام وكالمعتاد يشن هجماته ضد المسلمين معتقداً أن التخلف والانحطاط في العالم الإسلامي سببه عدم فهم المسلمين ومعرفتهم للغرب ويقول إن العالم المسلم احتاج إلى قرنين ليتيقن كم هو متخلف قياساً بالغرب لكن عندما بدأوا بسؤال (أين الخطأ؟) بحثوا عن الجهة التي سيلقى اللوم عليها.
وهنا نخلص إلى نتيجة مفادها أن برنارد لويس معاد للعرب والمسلمين وأنه قام بتوظيف تخصصه في الإسلام ليس لتقديم فهم للإسلام بقدر ما هو لبناء حالة غربية ضد العرب والمسلمين وفي ضوء ما تقدم نستطيع أن نفهم توجهات برنارد لويس لمعالجة الصراع المتخيل بين المسلمين والغرب فهو يرى أن المجتمعات ليست متجانسة وبالتالي يمكن اللعب على تناقضات التكوين الاجتماعي داخل كل دولة بهدف التفتيت والتقسيم على قاعدة فرق تسد وعلى قاعدة أن التفتيت سيسهل من مهمة الهيمنة الأمريكية وسيعزز الوجود الصهيوني، الذي يريده لويس ليكون رأس حربة للغرب في المنطقة بشكل عام.
وهناك ما يشير إلى أن برنارد لويس قدم أفكارا تهدف إلى تفتيت العالم المسلم، وقد أدرجتها وزارة الدفاع الأمريكية في أجدتها بغية تنفيذها في قادم الأيام فهو يرى ضرورة تفكيك العالم المسلم والعرب كل على حدة ثم تفتيت كل دولة بعد ذلك إلى دويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية بمعنى أن رؤية برنارد لويس تستند إلى تحويل عنصر التعددية ليكون سبب ضعف لا سبب قوة ومنعة كما هو الحال في الغرب فالغرب دائما ما يصر على أن التعددية مصدر قوة بينما في الحالة العربية المراد هنا توظيف التعددية لتكون عامل تقويض وتفكيك خدمة للمشروع الأمريكي الصهيوني، الذي لا يمكن له أن يتم بوجود دول عربية ومسلمة متماسكة وديمقراطية وقوية. وبالفعل تم الإقرار بهذا المشروع منذ عام 1983 وتم إدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية، عسى أن يتم تنفيذه عندما تحين الفرصة بشكل عام تتحدث الخريطة عن دويلات للبربر في شمال إفريقيا ودويلة البوليساريو دويلات ثلاث في الخليج العربي دولة سنية تفكيك العراق إلى ثلاث دويلات مذهبية وطائفية حل مشكلة إسرائيل الديموغرافية عن طريق تحويل الأردن ليكون وطنا بديلا وتقسيم سورية إلخ. والنتيجة واضحة وهي أن برنارد لويس معاد لمنطقتنا بالكامل خدمة لإسرائيل وللمشروع الأمريكي وهنا لا بد من الإشارة إلى موقف ضد حرية الشعوب عندما حذر من أن انتخابات تعقب الثورات الشعبية العربية ستدفع بالمتطرفين الإسلاميين ليكونوا في الحكم في هذه المقولة كثير من التضليل، وتستعمل كفزاعة لمنع العرب من أن يطوروا أنظمة ديمقراطية حتى يلحقوا بركب الحضارة فيريدهم لويس دائما متفرقين وضعفاء حتى تسهل السيطرة عليهم.
لهذا لا تبكوا على برنارد لويس
يقول أوبورن: "عادة ما يتم الحديث عن محاسن الموتى، لكنني أرفض الالتزام بهذه الفضيلة في حالة برنارد لويس، المؤرخ عن الإسلام والشرق الأوسط، الذي توفي نهاية الأسبوع عن عمر 101 عام، ولا يمكنني التفكير في أي مؤرخ حديث تسبب بالأذى أكثر منه، وكان لويس على المستوى الثقافي رمزا معروفا، وكان ذلك يعني أنه يستطيع عمل الخير".
ويفيد الكاتب بأنه "بدلا من ذلك، فإنه أصبح الكاهن الأكبر للحروب الفاجعة، التي تسببت بالدماء في معظم أنحاء الشرق الأوسط، وأضر في الوقت ذاته بسمعة الولايات المتحدة".
ويجد أوبورن أن "تأثير لويس لا يزال مستمرا، حيث قال مدير (سي آي إيه) السابق ووزير الخارجية الحالي مايك بومبيو في 20 أيار/ مايو: (أنا مدين بشكل كبير لكتاباته التي علمتني عن الشرق الأوسط)، وكان تغيير النظام العراقي واحدا من مشاريع لويس السياسية، وربما قام بومبيو بعمل هذا الأمر مستلهما رؤية بطله المفكر".
ويقول الكاتب: "كنا هنا من قبل، فقد كان لويس القائد الأخلاقي لمجموعة صغيرة من المثقفين الذين دعوا إلى غزو العراق عام 2003، فبعد أيام من سقوط برجي التجارة العالمي، فإنه بدأ يحرض على سقوط صدام حسين، وعبر عن أفكار أفرحت المحافظين الجدد، الذين كانوا يدفعون للعمل العسكري في الشرق الأوسط".
ويلفت أوبورن إلى أنه "زعم لاحقا، وبطريقة مخادعة، أنه كان ضد الغزو، وهذا كلام تافه، حيث كان متورطا بشكل مباشر، بل إنه دعا قبل 11/ 9 لتغيير النظام في العراق، وبعد الهجوم انتهز الفرصة، وكان لويس حاضرا عندما عقد مجلس سياسة الدفاع في البنتاغون اجتماعه سيئ الذكر لمناقشة العمل العسكري ضد العراق في نهاية أيلول/ سبتمبر 2001".
ويبين أوبورن أن "خطأ لويس في العراق كان واحدا فقط من مظاهر عالمه الشنيع، والنهج العنصري الصارخ للشرق الأوسط، وأخبر نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، قائلا: (أعتقد بشيء واحد يجب أن تفعله مع العرب، وهو ضربهم بين عيونهم بعصا، لأنهم يحترمون القوة)".
وينوه الكاتب إلى أن لويس وسع موقفه هذا في عدد من الكتب والمحاضرات، التي صورت عالما إسلاميا متخلفا يغلي بالكراهية ضد الغرب الفاضل الحديث، وكان هو لا صموئيل هنتنغتون من صاغ عبارة (صدام الحضارات)".
ويورد أوبورن نقلا عن لويس، قوله في عام 1990: "نواجه مزاجا وحركة تتجاوز بشكل كبير مستوى القضايا والسياسة والحكومات التي تقوم بمتابعتها"، وأضاف: "هذا ليس أقل من صدام الحضارات، وقد يكون لا عقلانيا لكنه الرد التاريخي ضد التراث اليهودي المسيحي القديم، وحاضرنا العلماني، والرؤية التوسعية للأمرين".
ويشير الكاتب إلى أن "مقولة لويس إن رؤيته عن أن الإسلام والغرب يعيشان معركة وجودية للبقاء كانت مؤثرة على جانبي الأطلسي، وربما لا تزال تمثل التفكير الرسمي حتى يومنا هذا، لكنها مليئة بالتناقضات، فلو كان العالم يواجه حرب حضارات فلماذا لا تزال الدول هي القوى الفاعلة المهمة في الشأن العالمي؟ ولو كان الإسلام في حالة حرب مع الغرب فلماذا تتحالف الدول الإسلامية الكبرى، (مصر وماليزيا وتركيا والسعودية...إلخ) مع الغرب؟".
ويوضح أوبورن أن "لويس يتهم أيضا بالاختزال التاريخي الكارثي، ولو صغنا الأمر بطريقة رقيقة، فإن سكان العالم من المسلمين، البالغ عددهم 1.8 مليار نسمة، لا يفكرون بالطريقة ذاتها، لكن لويس طالما كتب عنهم وكأنهم على صعيد واحد في النظرة، ومع أن أحدا لا يمكنه تحميله مسؤولية الموت والدمار في الشرق الأوسط، لكن لويس يتحمل نصيبه من المسؤولية؛ لأنه قدم التبرير الأخلاقي للتعصب والحرب".
ويقول الكاتب: "لن يعرف أحد هذا عن لويس لو قرأ صحف اليوم، (وول ستريت جورنال) و(ذا تايمز) و(ذا ديلي تلغراف) وغيرها من الصحف ووسائل الإعلام، التي حملت صفحات كاملة عن حياة المؤرخ ومديحه، وبأنه واحد من أعظم الحكماء في عصرنا".
ويلفت أوبورن إلى أنه "قبل 30 عاما، تبادل لويس الجدل والنقاش مع الناقد الأدبي الفلسطيني إدوارد سعيد، ووجه العالمان الكبيران ضربات موجعة لبعضهما، لكنني أعتقد أن سعيد أشار إلى أمر مهم عندما ناقش لويس: أنه لا يمكنه التعامل مع التنوع بين المسلمين، بل والحياة الإنسانية؛ لأنه عالم مغلق أمامه وأجنبي ومختلف بشكل جذري، أي آخر".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "في قلب الهجوم الذي وجهه سعيد بأن لويس لم يكن باحثا موضوعيا بقدر كبير، بل كان دعائيا ضد العالمين العربي والإسلامي، ولا يزال الجدل مستمرا، لكنني أعتقد أن التاريخ سيوافق سعيد على موقفه، وفي الوقت الذي تلوح فيه حرب جديدة في الشرق الأوسط، هذه المرة مع إيران، فإن موقف لويس سيظل مرتفعا أكثر من أي وقت مضى".