البحث عن إسلام فرنسي يتجه إلى الفصول الدراسية
وكالات
2015-03-18 03:46
باريس/ ستراسبورج (رويترز) - في فصل دراسي بالجامعة الكاثوليكية في باريس يطل على قبة كنيسة ترجع للقرن السابع عشر تعكف ثلاث مسلمات من الجزائر على بحث أصول كلمة "علمانية".
ومن خلال لقاءات أسبوعية في هذا المكان غير المتوقع وغيره تأمل فرنسا الدولة العلمانية ذات الأغلبية المسيحية أن تدرب ما يقرب من 2000 من الأئمة ورجال الدين المسلمين لتنتشر الكلمة بين نحو خمسة ملايين مسلم يمثلون أكبر الأقليات في فرنسا.
ويعد تشجيع المسلمين على تقبل إسلام "فرنسي" أكثر اعتدالا فكرة قديمة ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة في أعقاب الهجمات التي شنها اسلاميون متشددون في باريس وأسفرت عن مقتل 17 شخصا في يناير كانون الثاني الماضي.
ولمحاربة التشدد تأمل الحكومة الاشتراكية للرئيس فرانسوا أولوند العمل على توجيه الأسلوب الذي يتم به تعليم الاسلام وهو اقتراح صعب في بلد تضرب فيه العلمانية بجذورها وغالبا ما تعتبر فيه قضايا المسلمين من الحجاب إلى الطعام الحلال قضايا خلافية.
وقال كامل قبطان إمام مسجد ليون الكبير الذي يستضيف برنامجا مماثلا "هذا جهد من أجل الاسلام الوسطي. فلا يمكنك توجيه نفس الرسالة التي توجهها في كابول أو مالي.. هنا."
غير أن من العوامل التي تعقد هذه المهمة الطبيعة الهلامية لماهية الاسلام الفرنسي في ضوء تعدد التفاسير في الاسلام وتباين الثقافات التي يتكون منها نسيج المجتمع الاسلامي في فرنسا.
وبمقتضى هذه الخطة يرتفع عدد الدورات التدريبية عن "التعددية الثقافية والعلمانية والدين" من ستة إلى 12 دورة في مختلف أنحاء فرنسا بما فيها الدورة المقامة في الجامعة الكاثوليكية في باريس وجامعة ستراسبورج.
وستصبح هذه الدورات في نهاية المطاف إلزامية لنحو 200 مسلم ومسلمة يعملون كمرشدين دينيين في المستشفيات والسجون والجيش وتمول الدولة جانبا من رواتبهم.
وفي الشهر الجاري زار رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس المسجد الكبير في ستراسبورج وقال إنه يود مهاجمة "كل ما يمثل عائقا أمام الاسلام الفرنسي."
وقال فالس إن بلاده تحتاج لرجال دين وأئمة مسلمين يتحدثون الفرنسية ويتعلمونها ويحبون فرنسا ويلتزمون بقيمها وبتمويل فرنسي وشدد على أن الحكومة لن تتدخل في المسائل الدينية.
* القانون والتقاليد
وتقول دراسة حكومية نشرت في يوليو تموز الماضي إن من العوامل الرئيسية أن يظل التركيز منصبا على فرنسا نظرا لأن ما بين 25 و30 في المئة فقط من الأئمة العاملين في فرنسا من رعاياها إذ أن تركيا والجزائر والمغرب توفد مئات آخرين.
وكثير منهم لا يتحدثون الفرنسية وليسوا على دراية بالقانون الفرنسي أو التقاليد الفرنسية وهي عقبات تسعى الدورات التدريبية للتغلب عليها.
وقد شارك نحو 200 شخص من كل الأديان وليس المسلمين فقط في البرنامج الذي ترعاه الحكومة وبدأ العمل به عام 2008. ويعمل حوالي 1800 إمام في فرنسا في نحو 2500 مسجد ومصلى.
وقال فيليب بوردان رئيس الجامعة الكاثوليكية في باريس "لا يوجد علاج سحري" للتشدد.
وأضاف "لكن العمل (المطلوب) في الأجل الطويل هو تدريب القادة الدينيين حتى يكونوا أكثر ارتياحا في المجتمع... قادرين على التصدي للأهواء والمساعدة في محاربة التشدد."
ولعدم وجود مرجعية مركزية في الاسلام مثلما هو الحال في الكنيسة الكاثوليكية بوجود البابا بالاضافة إلى عزوف المسؤولين الفرنسيين عن التعامل مع المسائل الدينية ظهرت تفسيرات متباينة للدين مع اختلاف الأئمة.
ولم تحقق محاولات سابقة للتشجيع على اعتناق اسلام وسطي في فرنسا نجاحا. ففي عام 2003 أسس الرئيس السابق نيكولا ساركوزي وكان حينذاك وزيرا للداخلية المجلس الاسلامي الفرنسي للمساعدة في معالجة قضايا مثل تدريب الأئمة وبناء المساجد وتنظيم عملية ذبح الماشية والطيور وفقا للشريعة الاسلامية.
لكن ثبت عدم فاعلية المجلس بسبب الانقسامات بين المساجد المتنافسة.
وقال محمد زيدوني رئيس فرع المجلس في بريتاني للبرلمان هذا الشهر "الكل يمارس إسلامه على طريقته."
ودعا زيدوني إلى إقامة وحدة مركزية للدراسات الدينية ربما داخل المجلس نفسه لتطوير فقه متأقلم مع الأوضاع في فرنسا.
ومن المتوقع أن تقدم الحكومة مقترحات بحلول منتصف يونيو حزيران حول كيفية إصلاح المجلس لزيادة فاعليته.
ويتشكك معلمون من أمثال أوليفيه بوبينو خبير علم الاجتماع المدرس السابق بالجامعة الكاثوليكية في باريس فيما إذا كانت البيئة الجامعية بما تقتضيه من متطلبات اللغة الفرنسية هي المحفل السليم للتواصل مع الائمة الذي يعيش كثيرون منهم في أحياء فقيرة يسكنها الوافدون.
وأضاف "بدلا من حمل الأئمة على المجيء ربما يجدر بنا أن نذهب إليهم إلى قلب المساجد كي يستقبلونا ونعمل معهم."