كتالونيا وتعقيدات مرحلة ما بعد الانفصال
عبد الامير رويح
2017-10-29 06:15
يبدو ان الخلافات الخاصة بانفصال كتالونيا ستتدخل اسبانيا في أزمة كبيرة، قد تثر سلباً على الامن والاستقرار، حيث صوّت البرلمان المحلي في إقليم كتالونيا لصالح إعلان الانفصال عن إسبانيا، في الوقت الذي أقر البرلمان في مدريد فرض الحكم المباشر على الإقليم. وفي الاقتراع السري الذي قاطعه معارضو الانفصال، أيّد 70 نائبا في برلمان كتالونيا إعلان الانفصال، فيما عارضه عشرة، مع امتناع اثنين عن التصويت.
وبالتزامن مع هذا، صوّت مجلس الشيوخ الإسباني على تفعيل المادة 155 من الدستور التي تسمح للحكومة المركزية بتعليق الحكم الذاتي في كتالونيا وإقالة قادة الإقليم والدعوة لانتخابات مبكرة. وقال رئيس الوزراء الإسبانى، ماريانو راخوي، لأعضاء المجلس إن هناك حاجة إلى حكم مباشر لإعادة "القانون والديمقراطية والاستقرار" إلى كتالونيا. وفي وقت لاحق، قال راخوي إن الحكومة بدأت اتخاذ إجراءات ردا على إعلان كتالونيا الانفصال. وتشمل هذه الإجراءات إقالة كارلس بوجديمون رئيس الإقليم وحكومته، وحل برلمان كتالونيا وإجراء انتخابات مبكرة في ديسمبر/ كانون الأول.
وبعد استفتاء الانفصال المتنازع على قانونيته في 1 أكتوبر/ تشرين أول، وقّع بوجديمون إعلانا بالانفصال عن إسبانيا، لكنه أرجأ التنفيذ سعيا للدخول في مفاوضات مع الحكومة الإسبانية. وتجاهل زعيم الإقليم تحذيرات الحكومة المركزية في مدريد التي طالبت بإلغاء الاستفتاء، ما دفع راخوي إلى الإعلان في البداية عن خطط لإقالة زعماء الإقليم وفرض الحكم المباشر عليه. ويعتبر إقليم كتالونيا من أغنى المناطق في إسبانيا، ويتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي. وينقسم الكتالونيون حول قضية الاستقلال عن إسبانيا. وأظهر استطلاع للرأي أجري في وقت سابق هذا العام أن 41 في المئة منهم يؤيد الانفصال بينما يعارضه 49 في المئة.
هذه التطورات اثارت ايضا قلق ومخاوف العديد من الدول فقد أعرب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا دعمهم لوحدة إسبانيا. خصوصا وان قضية الاستقلال بحسب بعض المراقبين قد تدخل اوروبا متاهات ومشكلات جديدة. ودعت أكبر جماعة سياسية مؤيدة لاستقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا موظفي الحكومة إلى عدم إطاعة الأوامر الصادرة من الحكومة الإسبانية بعدما فوض البرلمان الحكومة لبسط حكمها المباشر على الإقليم. وحثت الجمعية الوطنية الكتالونية موظفي كتالونيا إلى "المقاومة السلمية" للأوامر.
حل برلمان الإقليم
وفي هذا الشأن حلّ رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، برلمان كتالونيا وأقال كارلس بوجديمون، رئيس الإقليم وحكومته، معلنا إجراء انتخابات محلية مبكرة في 21 من ديسمبر/ كانون أول المقبل. جاء ذلك بعدما وافق البرلمان الكتالوني على إعلان الانفصال عن إسبانيا. وقال راخوي إن فرض الحكم المباشر غير المسبوق على كتالونيا ضروري لـ "إعادة الأمور إلى طبيعتها". كما أعلن إقالة رئيس شرطة كتالونيا، جوسيب لويس ترابيرو.
ولم يتضح كيف ستنفذ قرارات إقالة قادة الإقليم أو كيف ستكون ردود فعل قوات الشرطة وبدأت الأزمة حينما نظم المسؤولون في كتالونيا استفتاء على الانفصال، في تحدٍ لقرار المحكمة الدستورية التي قضت بعدم قانونيته. وقالت حكومة الإقليم إن 90 في المئة ممن شاركوا في الاستفتاء، الذين بلغت نسبتهم 43 في المئة من الناخبين المسجلين، أيّدوا الانفصال عن الدولة الأم. بحسب بي بي سي.
ومنح مجلس الشيوخ الإسباني حكومة راخوي صلاحية فرض الحكم المباشر على إقليم كتالونيا. وقال راخوي: "الرئيس (كارلس بوجديمون) كانت لديه الفرصة لاستعادة الشرعية والدعوة إلى انتخابات". ومضى قائلا: "هذا ما تطلبه غالبية الشعب الكتالوني، لكنه لم يستجب. لذلك، فإن حكومة إسبانيا بصدد اتخاذ التدابير الضرورية لاستعادة حكم القانون."وقال في ختام جلسة لمجلس الوزراء بعد الضوء الأخضر من مجلس الشيوخ لفرض الوصاية على كاتالونيا، إن "هذه الخطوات الأولى التي نقوم بها لمنع الذين كانوا مسؤولين حتى الآن (السلطة التنفيذية الكاتالونية) عن مواصلة تصعيد العصيان". وأضاف: "نحن كإسبان كان اليوم حزيناً علينا، طغى خلاله اللامعقول على القانون ودمر الديمقراطية في كاتالونيا". وتابع راخوي بأن الوضع "محزن ومؤلم ومقلق".
وأكد أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة "لا تهدف الى تعليق الحكم الذاتي بل الى إعادة القانون والوفاق" في كاتالونيا. كما تضمنت الإجراءات التي اتخذت ضد الإقليم الإعلان عنها إقالة مدير الشرطة الإقليمية الكاتالونية وممثلي الحكومة الكاتالونية في مدريد وبروكسل وإغلاق "الممثليات" الكاتالانية في العالم باستثناء بروكسل. وأشار راخوي إلى أنه تلقى الدعم من الحزب الاشتراكي وحزب "كويدادانوس" من يمين الوسط. وسجلت أسهم مصارف كاتالونيا هبوطاً إضافياً في بورصة مدريد بعد إعلان برلمان الإقليم الاستقلال، وبلغت خسائر ثالث مصرف إسباني "كايشابنك" نسبة 5%.
قرارات مرفوضة
على صعيد متصل أعلن زعماء إقليم كتالونيا، أنهم لن يقبلوا الحكم المباشر الذي فرضته الحكومة الإسبانية. وقال زعيم إقليم كتالونيا كارلس بودجمون، إن شعب كتالونيا لن يقبل الإجراءات "غير القانونية" التي اتخذتها الحكومة الإسبانية بوضع الإقليم تحت الحكم المباشر لمدريد، ودعا برلمان الإقليم إلى القيام بتحرك ضدها. وقال بودجمون، إن قرار راخوي بعزل حكومة الإقليم وفرض إجراء انتخابات جديدة، يمثل "أسوأ تعدٍّ على مؤسسات كتالونيا وشعبها منذ الحكم العسكري الاستبدادي لفرانشيسكو فرانكو.
وأضاف: "أطلب من البرلمان عقد جلسة عامة، نتمكن خلالها نحن ممثلي سيادة المواطنين من اتخاذ قرار بشأن محاولة تصفية حكومتنا، وديمقراطيتنا والتصرف طبقاً لذلك". وكان بودجمون، الذي أعلن استقلالاً رمزياً، في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، بعد استفتاء اعتبرته مدريد غير قانوني، قد انضم إلى مظاهرة سلمية في برشلونة. وقال راخوي إنه يسعى لإقالة بودجمون وباقي أعضاء حكومة الإقليم، على أمل حل أسوأ أزمة سياسية تشهدها إسبانيا في أربعة عقود.
وتلك هي المرة الأولى في تاريخ الديمقراطية الإسبانية القائمة منذ أواخر السبعينات التي تفعل فيها الحكومة الإسبانية المركزية حقها الدستوري، للسيطرة على إقليم متمتِّع بحكم ذاتي، وحكمه بشكل مباشر. وجاء رد فعل راخوي مدعوماً من المعارضة الرئيسية في مدريد، والملك فيليبي الذي قال "كتالونيا جزء أساسي (من الدولة) وستظل كذلك". وقال راخوي في مؤتمر صحفي "سنطلب من مجلس الشيوخ، بهدف حماية المصلحة العامة للدولة، تفويض الحكومة... بإقالة رئيس كتالونيا وحكومته".
لكن كارمي فوركاديل رئيسة برلمان كتالونيا قالت إن قرار راخوي بعزل حكومة الإقليم وفرض إجراء انتخابات جديدة هو "انقلاب"، و"تعدّ على الديمقراطية". وأضافت فوركاديل في كلمة نقلها التلفزيون "رئيس الوزراء راخوي يريد منع برلمان كتالونيا من أن يكون برلماناً ديمقراطياً، ولن نسمح بحدوث ذلك". "وهذا هو السبب في أننا نريد أن نبعث لمواطني هذا البلد برسالة ثبات وأمل. نتعهد اليوم، بعد أخطر تعدٍّ على المؤسسات الكتالونية منذ استردادها، بالدفاع عن سيادة برلمان كتالونيا". بحسب هاف بوست.
وقالت وسائل إعلام في كتالونيا، إن بودجمون يمكن أن يحلَّ برلمان الإقليم بنفسه عقب إعلان الاستقلال مباشرة، ويدعو لانتخابات قبل تفعيل مجلس الشيوخ لسلطات الحكم المباشر لمدريد. ووفقاً لقانون كتالونيا يجب إجراء تلك الانتخابات خلال شهرين في هذه الحالة. وخرج بودجمون وأعضاء حكومته في مسيرة في برشلونة، مرتدين أوشحة صفراء دعماً لاثنين من زعماء حملة الاستقلال، أودعا السجن لإدانتهما بالتحريض. وردَّد المحتجون هتافات "الحرية.. الحرية.." وهم يلوحون برايات، ويحملون لافتات كُتب عليها "الدفاع عن أرضنا ليس جريمة"، و"فلنعلن الجمهورية".
وحدة إسبانيا
من جانب اخر شهدت العاصمة الإسبانية، مدريد، مظاهرات مؤيدة للوحدة في أعقاب استفتاء الأحد المتنازع عليه من أجل استقلال كتالونيا عن إسبانيا. وشارك عشرات الآلاف من الإسبان في مظاهرات في مدريد للمطالبة بالحفاظ على وحدة أراضي إسبانيا في حين نُظمت مظاهرات أخرى في مدينة برشلونة للمطالبة بالحوار السياسي مع الحكومة المركزية في مدريد. ورفع ناشطون لافتات من قبيل "إسبانيا أفضل من قادتها" و"دعنا نتحاور".
ولا تزال شركات تتخذ من إقليم كتالونيا مقرات لها تعلن عن رحيلها منها في ظل حالة عدم اليقين السياسي الناجم عن استفتاء الأحد في كتالونيا. وقالت مؤسسة لاكايشا أو لا كايكسا التي تتحكم في أحد البنوك الرئيسية في إسبانيا إنها ستنقل مقرها من برشلونة إلى بالما دي مايوركا في ظل استمرار الأزمة الحالية. بحسب بي بي سي.
من جهة اخرى دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأطراف المعنية بالتطورات للبحث عن حلول في إطار الدستور الإسباني وعبر القنوات السياسية والقانونية. وقال المتحدث باسم الأمين العام إن غوتيريش يتابع التطورات عن كثب، وأكد أن أي مناقشات حول مستوى وطبيعة مخصصات السلطة داخل إسبانيا تبقى مسألة داخلية للدولة.
وفي تركيا، قال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي عمر جليك إن أنقرة تعتبر إعلان كتالونيا الانفصال غير صائب وغير مشروع، وستواصل دعمها لوحدة الأراضي الإسبانية. وأوضح الوزير التركي أن هذا الأمر يمثل أزمة خطيرة بالنسبة لمستقبل أوروبا، وقضية حساسة جدًا، ينبغي إدارتها بحزم. ورفضت كندا إعلان كتالونيا الانفصال من جانب واحد، ودعت إلى الحوار بين الجانبين، وقال مساعد وزير الخارجية الكندي أندرو ليسلي أمام مجلس العموم "بحسب القواعد القانونية الدولية، هذه القرارات ينبغي اتخاذها ضمن إطار دستوري".
ولقيت الخطوة الكتالونية ردودا متماثلة في مختلف الأوساط الأوروبية، حيث قال الأمين العام للمجلس الأوروبي ثوربيورن ياغلاند إن إعلان الإقليم الانفصال عن إسبانيا يحمل معنى معارضة النظام الدستوري، مشددا على ضرورة الحفاظ على وحدة إسبانيا. وكان رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني أكد أن دول الاتحاد الأوروبي لن تعترف بانفصال كتالونيا، في حين شدد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك على أن إسبانيا هي الجهة الوحيدة التي يتحاور معها الاتحاد. وفي الإطار الأوروبي أيضا، قال وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو في تغريدة إن إيطاليا لا تعترف بإعلان كتالونيا. واعتبرها خطوة غير قانونية، وهذا الموقف ذاته الذي اتخذته بريطانيا وألمانيا وفرنسا.
وفي واشنطن، أكدت الخارجية الأميركية دعم الولايات المتحدة وحدة إسبانيا والإجراءات التي تتخذها الحكومة الإسبانية للمحافظة على وحدة البلاد. وقالت المتحدثة باسم الوزارة هيذر نويرت إن كتالونيا جزء لا يتجزأ من إسبانيا، وإن الولايات المتحدة تدعم الإجراءات الدستورية التي اتخذتها الحكومة الإسبانية للحفاظ على البلاد موحدة وقوية.
زمن السجناء السياسيين
على صعيد متصل جدد قاض إسباني حبس اثنين من زعماء الحركة الانفصالية في إقليم كتالونيا، وهما جوردي سانشيز، رئيس منظمة التجمع الوطني الداعية للانفصال عن إسبانيا، وجوردي كويسارت، رئيس جمعية أومنيام التي تتبنى الدعوة إلى الحفاظ على اللغة والثقافة الكتالونية. ويأتي استمرار حبس الزعيمين الكتالونيين للتحقيق معهما في تهمة "التحريض على العصيان"، إذ كانا من أهم الرموز التي دعمت الاستفتاء على استقلال إقليم كتالونيا وسط أحداث عنف واشتباكات بين مواطني الإقليم وقوات الشرطة لمحاولة السلطات الإسبانية وقف سير الاستفتاء.
وهاجم كارلس بوجديمون حكومة مدريد على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بعد ورود أنباء عن حبس سانشيز وكويسارت. وكتب في إحدى تغريداته إن "إسبانيا تلقي القبض على زعماء المجتمع المدني الكتالونيين لتنظيمهم مظاهرات سلمية، يا للأسف، لقد عدنا من جديد إلى زمن السجناء السياسيين في إسبانيا." وظهر كويسارت أمام المحكمة أثناء حضوره إحدى الجلسات في مقطع فيديو نُشر على تويتر تحدث من خلاله للانفصاليين الكتالونيين، قائلا: "لا تفقدو الأمل أبدا، فشعب كتالونيا قد ربح مستقبله." بحسب بي بي سي.
ويواجه الزعيمان الانفصاليان اتهامات بالتشجيع على تنظيم احتجاجات ومنع المسؤولين بالحكومة المحلية الكتالونية من دخول مقار عملهم في 20 و21 من سبتمبر/ أيلول الماضي. وقبل إصدار قرار المحكمة الإسبانية بتجديد حبس الزعيمين الكتالونيين بساعات قليلة، قضت المحكمة العليا بإطلاق سراح رئيس الشرطة في كتالونيا جوسيب لويس ترابيرو. وواجهت قوات الشرطة في كتالونيا تهمة التقصير في دعم قوات الشرطة الإسبانية أثناء مواجهة الآلاف من المتظاهرين المؤيدين للاستقلال في مدينة برشلونة أثناء إجراء الاستفتاء.