فوائد تحصيل الملَكَة المساعِدة
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2016-11-24 07:26
جمع تفاصيل الحياة تقوم على التوازن، وكل الأمور التي تتعلق بالإنسان تقوم على التوازن أيضا، ولكن يحتاج هذا الأمر الى تحصيل (ملَكَة) تساعد الإنسان على السير في طريق النجاح، ولا شك أن حدوث أي خلل في مستوى الموازنة بين الأضداد سوف يؤدي الى نتائج لا تصب في صالح الفرد ومن ثم تنعكس بالضرر على المجتمع، علما أن معادلة الحقوق والواجبات تخضع لهذا القانون، ونعني به مراعاة الإنسان لحالة التوازن بين الأقطاب المتضادة، وحتما أن الاهتمام بالحقوق على حساب طرف المعادلة الآخر وبالعكس، سوف يقود الى حدوث خلل واضح.
لذلك ينبغي على الفرد أن يفهم وظائفه بالتحديد ويؤديها على أفضل وجه، وعليه أيضا أن يتجنب تجاوز الحدود المتاحة أو المتفق عليها قانونا أو عرفا، إذ لابد أن يعي الإنسان أهمية الاحتراس من المحرمات كونها تشكل تجاوزا على حالة الاعتدال والتوازن التي تدفع بالفرد والمجتمع عموما في الاتجاه الصحيح، من هنا على الإنسان لاسيما (النخب) أو المسؤولين، أن يقوموا بوظائفهم بالطريقة الصحيحة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في الكتاب القيم (من عبق المرجعية)، حول هذا الموضوع: (على كل فرد منّا أن ينظر ما هي وظيفته تجاه نفسه وتجاه الآخرين؟ وما هي الواجبات المترتبة عليه؟ وما هي النواهي والمحرّمات التي ينبغي له الانتهاء عنها؟).
وينصح سماحته الناس بأهمية معرفة الواجبات تجاه الجميع، بما في ذلك النفس، فالإنسان مسؤول في علاقاته مع جميع أفراد المحيط الذي يتحرك فيه، كأن يكون دائرة عمل أو جامعة أو أسرة، فهذه المسميات تجمع بينه وبين آخرين، ومن خلال التعاملات المتبادلة سوف يترتب على الفرد أن يلتزم بما يحترم حقوق الآخرين، كالعائلة مثلا والجيران والأرحام وما شابه.
كما نحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (على الزوج أن يعرف واجباته تجاه نفسه وتجاه عائلته، وتجاه الآخرين. كذا المرأة عليها أن تسعى لمعرفة ما يجب عليها تجاه زوجها وأولادها والمجتمع. وهكذا الأولاد تجاه والديهم والوالدين تجاه الأبناء، وكذا الأخوة فيما بينهم، وهكذا الجيران والأرحام والمتعاملون بعضهم مع بعض).
استفدْ من حياتك بصورة صحيحة
إن الالتزام بحالة التوازن التي تم ذكرها في مستهل هذا الموضوع، ترتب على الإنسان أن يهتم بواجباته، وهذا يتطلب الابتعاد عن ارتكاب المحرمات، وهو فعل يحتاج الى تحصين عالي المستوى، وتحكّم بالنفس من خلال الحصول على مَلَكة تمكّن الفرد من مسك زمام نفسه وقيادته لما يشاء هو وليس لما تشاء هي وتهوى، لأن النفس كما هو متعارف عليه، لها رغبات قد تذهب بالإنسان الى مناطق وأفعال محرمة.
لذا ينبغي أن يجدّ الإنسان ويسعى بقوة لتحصيل الملَكة التي تم ذكرها، كونها تمثل عامل الردع الأقوى للنفس من الانحراف، وفي حال تمكن الإنسان من تحقيق هذا الهدف على الرغم من صعوبته، فهو مطالب بأن يعلّم الآخرين على كيفية الحصول على الملَكة التي تحصّن الناس من الوقوع في الزلل، وهو في الحقيقة غالبا ما يكون زللا من الذي يقود الإنسان نحو ارتكاب المحرمات والوقوع في المحظور ما يعني بالنتيجة الوقوع في المهالك.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب المذكور نفسه قائلا: (على كل فرد منّا، سواء كان رجلا أو امرأة، شابّاً أم شيخاً، من أهل العلم أم كاسباً، أن يحصل على ملكة تحصّنه من ارتكاب المحرّمات أو التخلّف عن الواجبات، ثم عليه بتعليم الآخرين حسب مقدرته ومعرفته).
وثمة مبدأ سلوكي فكري يمكن أن يستفيد منه الفرد والمجتمع، يتعلق بأهمية أن يتصرف الإنسان بالطريقة الصحيحة التي تنتهي به في النتيجة الى حصد الفوائد المأمولة والمؤكَّدة، إذ لا يصح ولا ينبغي لكل فرد أن يفكر أو يتصرف بالضد من مصلحته، فالمهم في الحقيقة أن يهتدي الفرد الى سبل العيش السليم الذي يصنعه التفكير السليم، وهذا الأمر فيما لو تحقق، فإنه يستند الى قاعدة الهداية التي تجعل من الإنسان ناجحا في حياته وينعكس هذا النجاح القائم على الهداية في حصوله على الجزاء الأخروي الأكيد.
حتى أننا سنكون إزاء نص قرآني يضعه سماحة المرجع الشيرازي أمام أبصارنا وبصائرنا، يذكرنا بأهمية أن نهتدي ونسيطر على أنفسنا، حتى لو أن الآخرين لم يهتدوا، أو أنهم لا يعطون الاهتمام المطلوب للهداية، فهناك بالفعل أناس لا تعنيهم تربية ذاتهم أخلاقيا، ولا يعنيهم ما يكون عليه المجتمع، ولا يعطون مبدأ الهداية أي اهتمام في حياتهم، مثل هؤلاء ينبغي أن لا يؤثروا على الأفراد الصالحين لاسيما إذا عرفنا أن كل فرد صالح سوف يؤدي الى بناء مجتمع صالح، لهذا ليس ثمة طريق أمام الإنسان الجيد سوى كبح النفس وضبطها.
ولهذا يوجّه سماحة المرجع الشيرازي بأهمية السلوك الصحيح كونه يعود على الفرد والمجتمع بنتائج جيدة ومضمونة، عندما يقول سماحته في هذا المجال: (تصرّف أنت بالنحو الصحيح واستفد من حياتك بصورة صحيحة ولا يهم بعد ذلك إن كان قد استفاد الآخرون منك ومن تعاملك معهم أو لا؛ فإن الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم)، ولا توجد عبارة أكثر صراحة من هذه الآية في لزوم ضبط النفس).
دور النقد في تطوير القدرات
هل أنت من المؤمنين بأهمية الموازنة بين الحقوق والواجبات؟ هذا السؤال من الأفضل أن نوجهه الى أنفسنا دائما، حتى يكون هذا الهدف نصب أعيننا، وعلينا بالإضافة الى ذلك أن نتقبّل النقد الذي يأتي من أشخاص يريدون لنا الخير، وهم كثر، ذلك أن من يريد بنا الشر يمكن أن نفرزه عن غيره، ونتخلص من شروره بالتجربة والذكاء والسلوك المتوازن.
ولكن هذا ينبغي أن لا يكون مدعاة للتطيّر من أنواع النقد التي يمكن أن يتم توجيهها لنا، فالنقد إذا كان سليما سوف يساعدنا على تحقيق النجاح المضمون في حياتنا، لهذا السبب ينبغي أن نشجع من يتعرض لنا بالنقد لاسيما إذا كان الهدف من ذلك هو تصحيح الأخطاء، والمساعدة في معالجة الزلل، خاصة اذا كان يتعلق بأمور ومواضيع تقرّب الإنسان المنتقّد من التميز والنجاح الذي سوف ينعكس على المجتمع كله.
لهذا السبب يدعو سماحة المرجع الشيرازي الى تشجيع النقد قائلا حول هذا الجانب: (لندع الآخرين ينقدوننا ونشجّعهم على ذلك، ثم نطوّر قابلياتنا بالاستفادة من وجهات النظر الصحيحة من بينها). وبهذه الطريقة نستطيع بالفعل من تطوير قدراتنا بالاستفادة من حالات النقد التي يتم توجيهها لنا.
بالنتيجة ليس أمام الإنسان الذي يتوخى التطور والنجاح سوى توظيف الوقت لصالحه، على أن لا ينسى الركيزة الأساسية التي يتحرك فيها وينطلق منها، ونعني بها الالتزام بالتوازن، ومراعاة الاعتدال، والعمل المستمر على توظيف ثلاثية الفكر والسلوك والوقت بأفضل ما يمكن، لاسيما أن العصر الراهن ربما لا يمنح الإنسان المزيد من الوقت أو الفرص، لذا عليه توظيف الزمن لصالحه في جميع الحالات.
كما يحثّ على ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلا في المصدر نفسه: (على الإنسان أن يستفيد من حياته ووقته أحسن الاستفادة وبأقصى ما يستطيع).