خصالٌ ترتقي بالأمم

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2025-10-09 03:23

(البشر فيه نقاط قوة ونقاط ضعف وعنده شهوات تدفعه الى الرذيلة وعنده قناعات 

تدفعه الى الفضيلة) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

تطمح الأمم والشعوب وحتى الأفراد أيضا إلى أن يكونوا صالحين، لأن الصلاح ركيزة أولى لجميع الأمم والمجتمعات الناجحة والمتقدمة، فلا يمكن أن يوجد فرد ناجح إذا لم يكن صالحا، خاصة إذا نظرنا إلى النجاح الذي يقوم على الركيزتين المعنوية والمادية، لأن الحقيقة تقول حصر النجاح بالجانب المادي ليس صحيحا، ولا يُعترَف به على أنه نجاح تام بل يشوبه النقص بسبب عدم توفّر الشرط المعنوي في هذا النجاح.

فمثلا هل يمكن أن نصف الإنسان الذي يملك قصورا وسيارات فارهة وأرصدة في البنوك بأنه إنسان صالح وناجح، كلا بالطبع فليس كل من يمتلك المال يكون صالحا وناجحا، بل لابد أن تقترن الأموال بالأخلاق والتواضع ومساعدة الآخرين والقيم الأخرى الصالحة، هذه القيم إذا توفرت مع المال عند شخص ما نستطيع أن نطلق عليه بالإنسان الناجح.

ومن هذه القيم وفي مقدمتها (كظم الغيض) وتعني الصبر على الآخرين وكبت الغضب في لحظة حدوثه لكي نتجنب فورات وتداعيات ما بعد الغضب، كذلك (العفو عن الآخرين) وهي خصلة عظيمة يتحلى بها الرجال الشجعان، ويصفحوا عمّن يسيء لهم، والخلة الثالثة هي (الإحسان للآخرين)، بمعنى التعامل معهم بالحسنى، هذه الخصال إذا وُجدت في المجتمع تجعله مجتمعا صالحا متقدما.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول ضمن سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة كظم الغيظ والعفو والإحسان:

(ثلاث خصال هي (كظم الغيظ، والعفو عن الناس، والاحسان الى الناس) إذا تفشّت بالمجتمع كانت بداية للمجتمع الصالح، وتبادل هذه الخصال الثلاث بين افراد المجتمع يجعل منه مجتمعاً صالحاً ومتلاحماً ومتكاتفاً الى الرقي والفضيلة وبناء المدينة الفاضلة).

الخطوة الأولى هي تحجيم الغيظ

إن الإنسان الذي يمنع الغيظ من الانفجار، ويكتمه ويوقف ثورته، دائما ينظر له الآخرون على أنه مدرسة أخلاقية سلوكية فاضلة، ويتأثرون بشخصيته، ويحاولون التشبّه به، وهذا التأثير يمتد أفقيا فيشمل الأشخاص المحيطين بهذا النموذج، فتكون هذه البيئة الاجتماعية كاظمة للغيض، وتنعكس نتائج ذلك على قوة المجتمع ومتانته وتماسكه.

أما إذا امتلك الإنسان خصلة العفو عن الآخرين، فإنهم سوف يبادلونه نفس العمل أو السلوك، فيعفون عنه في حال بدر منه تقصير معين، وكذلك الحال بالنسبة للإحسان، فالإنسان الذي يحسن للناس سوف يحسنون له في تعاملهم معه، وهكذا فإن الفائدة من العمل السلوكي بهذه الخصال الثلاث تعود أولا على الإنسان الذي يتعامل بها.

بالإضافة إلى أنه سوف يكون عنصرا صالحا، فيساعد على بناء مجتمع صالح وناجح، وسوف يلمس النتائج الجيدة لمس اليد.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: 

(إن الشخص الذي يكظم غيضه يكون نموذجاً للآخرين في كظم الغيظ. فالنفوس اللائقة والمناسبة تتعلّم منه كظم الغيظ، والذي يعفو عن الآخرين فالآخرون يعفون عنه غالباً وعادة، والآخرون يتبادلون فيما بينهم العفو بعضهم مع بعض وهكذا بالنسبة الى الاحسان).

وهذه الخصال الثلاث دائما تقترن بالأناس المتقين، لأن التقوى تمنح الإنسان جميع الخصال الصالحة، والقيم المبدئية الجيدة، لاسيما أنه من الصعب على الإنسان أن يجمع في شخصيته كل الصفات والخصال الصحيحة، كونها تتطلب وعيا كبيرا وإيمانا راسخا ومعرفة عالية بمنظومة الأخلاق وتحلٍّ شامل بها.

لهذا يكون لهذا النوع من الأشخاص قدرة عالية على التأثير الإيجابي بالناس، لهذا غالبا ما يكون هؤلاء قادرين على المساهمة الفعالة والكبيرة في تربية الأجيال، ومنحهم الخصال التي تُسهم في بناء أمة قوية متماسكة يسودها التعاون والعدل والإنصاف، فتصبح بذلك واحدة من أهم الأمم التي تتبوأ مكانتها العالية بين الأمم بسبب تمسكها بالفضيلة.

يقول سماحة المرع الشيرازي دام ظله:

(لقد قرَنَ الله تعالى هذه الصفات الثلاث في مكان واحد في صفات المتقين، لأن اجتماع تلك الخصال يكون أبلغ وأقوى تأثيراً في تربية الجيل الصالح وصناعة الأمة الصالحة والأمة ذات الفضيلة).

ومما يدعم هذا الرأي والتنظير، أننا إذا أجرينا مسحا أو استبيانا عن مدى تأثير هذه الخصال الثلاث بمستوى صلاح ونجاح الأسرة، فسوف نصل إلى نتائج ثابتة وحقيقية وكبيرة عن تأثير الخصال الثلاث في أخلاقيات وسلوكيات الأسرة، وهذا يؤيد تأثيرها في الأفراد والمجتمعات في الوقت نفسه، فمن يكظم غيضه تجاه الآخرين، ويعفو عنهم، ويُحسن إليهم، سوف يكون محط احترام الجميع وتأييدهم ومؤازرتهم.

أخلاقيات وسلوكيات الأسرة الفاضلة

بل حتى الذي يتعامل بواحدة من هذه الخصال، أو باثنتين منها مع الناس، سوف يحقق مستوى أخلاقيا سلوكيا وعمليا أعلى من الأُسر الأخرى، وينطبق هذا الأمر على المجتمعات والأمم أيضا كونها تعتمد الفضيلة والقيم الصحيحة في علاقاتها من الآخرين.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على أننا: (نجد في التاريخ ان الأسر التي تتعامل بعض الشيء بهذه الخصال (كظم الغيظ، والعفو عن الآخرين، والاحسان لهم) أو بواحدة منها او باثنتين منها، أو بثلاثتها نجد تلك الاُسر أسرا فضيلة أكثر من الأُسَر الاُخر).

كذلك على مستوى العائلة الواحدة، فإذا سعى الأب إلى جعل هذه الخصال معيارا له في علاقته مع أفراد عائلته، وإذا ربّاهم تربية صحيحة تعتمد الخصال الثلاث، فإن النتيجة المؤكَّدة سوف تًعلي من شأن تلك العائلة بين العوائل الأخرى، وترتفع بمستواها إلى درجة تليق بالعائلة الفاضلة، وتميّزها في المحيط المجتمعي الذي تنتمي إليه.

ولابد أن يكون هناك تأثير إيجابي للعائلة الفضيلة على الأُسَر الأخرى، لا يقل عن تاثير الأب على أفراد عائلته، وهذا يعني إن الآباء الفضلاء الذين يربون أفراد أسرهم على هذه الخصال، سيكون لهم دورهم الكبير في بناء المجتمع الصالح.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله حول هذه القضية: 

(إذا يعزم الأب في عائلة واحدة على العمل بتلك الخصال الثلاث (كظم الغيظ، والعفو عن الآخرين، والإحسان لهم) شيئاً فشيئاً، فتكون تلك العائلة أحسن من غيرها في تعاطي الفضيلة).

هذا يدعو الأفراد جميعا، سواء كانوا آباء أو أبناء، كبارا كانوا أم صغارا، أن تكون البداية من أنفسهم لامتلاك هذه الخصال والعمل بها في حراكهم ونشاطهم وتعاملاتهم مع الآخرين، حيث المطلوب من كل فرد أن يبدا بنفسه في تحصيل هذه الخصال، كونها السبيل إلى الارتقاء بالأمة والدولة والمجتمع في آن واحد.

وهناك قضية لابد أخذها بعين الاعتبار، وهي حتمية امتلاك الإرادة والعزم الشديدين، لأن الوصول إلى هذا الهدف ليس سهلا، بل يتطلب المثابرة والإصرار وقبلهما الإيمان الراسخ، ومن ثم الحصول المؤكَّد على هذه الخصال التي تدفع بمن يفوز بها نحو التأثير الإيجابي في الآخرين، وصولا إلى تشييد الأمة والمجتمع الصالح.

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يرى بأن: (يبدأ كل فرد بنفسه سواء كان أبا للعائلة او أمّا او بنتا، وكبيراً كان او صغيراً، ليبدأ كل فرد في العائلة من نفسه وهذا إسهام لصنع الجيل الصاعد شيئاً فشيئاً سراية من عائلة، أي تسري الفضيلة الى عائلة وعوائل أخرى والى باقي الناس، ولكن هذا بحاجة الى عزم وإرادة من المجتمع ككل ومن الافراد كأفراد).

وهكذا بات الأمر واضحا، والطريق مفتوحا أمام كل فرد وكل جماعة وكل مجتمع يروم التقدم والتطور أن يسعى إلى تحصيل هذه الخصال الثلاث (كظم الغيظ، العفو عن الآخرين، الإحسان لهم)، لأنها ستقود حاملها نحو الارتقاء، وتجعل من الإنسان مدركا واعيا عارفا بأهمية الخصال الثلاث التي تساعد حامليها كي يرتقوا إلى أعلى المستويات بين المجتمعات.

ذات صلة

القوائم الانتخابية 2025.. مؤشرات وتوقعاتالعبادي يكشف: لماذا تقع النساء في عالم المخدرات؟جيل زد 212 المغربي: نموذج الاحتجاج المعولمكيف أتعامل مع من يغار مني؟‏العراق بين السلطة واللاسلطة