كيف يتجلى الهدف الحسيني الأسمى والأسنى في واقعنا المعاصر؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2025-07-17 04:58
(إنّ الهدف الأسمى والأسنى للإمام الحسين صلوات الله عليه من قيامه ضدّ يزيد بن معاوية، أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
عندما حدث الانحراف الخطير في مسيرة الإسلام على يد يزيد، وعندما تمت مصادرة الإسلام من قبل هذا الحاكم الفاشل، حدث تغيير خطير في القيم وفي السلوك الاجتماعي الجمعي، لأن (الناس على دين ملوكها)، وأن المجتمع يحاول أن يقلّد من يحكمه، لذلك تسلل هذا الانحراف إلى البنية الاجتماعية وصارت الناس لا تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر.
هذه الحالة أو الظاهرة كانت واضحة للجميع، لكن البطش الأموي كمّم الأفواه، وجعلها تميل إلى الصمت، وفي مثل هذه الحالة، ينطلقُ ذلك الصوت الرافض للظلم، ولا يضع أمامه النتائج التي سيتعرض لها حتى لو كانت تهدد وجوده وحياته نفسها، وهذا ما فعله الإمام الحسين عليه السلام عندما خرج من الحجاز.
معلنا موقفه بقوة الرافض لسياسات القمع، مستعينا و مستعيدا ذلك الحس الثوري العظيم الذي أخذه عن جدّه الرسول صلى الله عليه وآله، وعن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام. لذا جاءت سيرة الحسين مشابهة لهاتين السيرتين العظيمتين، سيرة جده وأبيه صلوات الله عليهما.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة الهدف الحسيني الأسنى:
(عندما نستعرض تاريخ الإمام الحسين صلوات الله عليه نراه تاريخاً مطابقاً تماماً، بلا زيادة ولا نقيصة، مع تاريخ رسول الله وتاريخ أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما، في شتى المجالات).
وطالما يوجد ذلك التشابه الكبير بين السِيَر الثلاث (سيرة الرسول صلى الله عليه وآله، وسيرة الإمام علي عليه السلام، وسيرة الحسين عليه السلام)، فقد وجَّه سماحة المرجع الشيرازي دعوة للمسلمين أولا، وللمجتمع الدولي ثانيا، وعلى وجه الخصوص المثقفين، دعاهم جميعا إلى الإبحار في هذه السِيَر، لكي يستخلصوا منها ما يجعل من حياتهم أكثر جودةً وسلاما.
وبعد التمعّن الدقيق في هذه السير الثلاث، لابد أن يدققوا أيضا في الطرف النقيض، وفي السياسة والمنهج المقابل، وهو منهج معاوية وغيره ممن أعلنوا صراحة موقفهم المضاد لمنهج أهل البيت، وساروا في طريق لم يعرفه الإسلام في عهد الحكومات التي قادت المسلمين إلى أسمى الأهداف مما جعلهم الأمة الأولى والأرقى في العالم آنذاك وهي حكومتيّ الرسول صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام.
ودعوة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله جاءت على النحو التالي:
(لذا أدعو المسلمين أولاً، وأدعو المجتمع الدولي ثانياً، خصوصاً المثقّفين والذين يحبّون للمجتمع البشري أن يصعد في السعادة ويخطو خطوات كبيرة وكثيرة، أدعوهم جميعاً إلى دراسة السيَر الثلاث لرسول الله وأمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم. وفي المقابل دراسة أمثال معاوية ويزيد ومروان وآل مروان).
نستخلص الفائدة من قوة المعرفة
أما كيف ندرس هذه السِيَر، وبماذا نبدأ، وكيف نستفيد منها ونستثمرها لتقويم وتطوير حياة المسلمين والبشرية أجمع، فهنالك تأكيد على أهمية دراسة سيرة الرسول و أمير المؤمنين و الإمام الحسين صلوات الله عليه وآلهم، أولا في المجال الشخصي وكيف تصرّفوا في حياتهم سواء في المجتمع، مع الآخرين، أو داخل الاسرة الكريمة، أو حتى مع النفس.
كذلك من الممكن دراسة هذه السِيَر في المجال الاقتصادي، حيث تميز الرسول بالتخطيط والنهوض بالطاقات الكامنة للمجتمع، فيما ركز الإمام علي في قضية حماية حقوق الإنسان وحماية المال العام ومزاولة القائد حياة الكفاف أو حياة البسطاء، بينما كانت رؤية الإمام الحسين تذهب باتجاه ثوري مدروس هدفه أن يضع حدا للممارسات الاستبدادية للسلطات الأموية وحكمها الجائر وظلمها للناس واستخفافها بهم.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(لندرس بعض الجوانب من سيرة رسول الله وسيرة أمير المؤمنين وسيرة الإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم، في المجال الشخصي، وفي المجال الاقتصادي، وفي المجال السياسي، وسيرتهم في المجال الاجتماعي، وفي كل المجالات. ونبدأ بالسيرة الشخصية للإمام الحسين صلوات الله عليه).
أما حين يتساءل أحدهم ما هي الفائدة التي نحصل عليها من دراسة هذه السِيَر الثلاث؟، خصوصا عندما يأتي السؤال من خارج المسلمين، فإن هذه الفائدة تأتي من قوة المعرفة والتدقيق في طبيعة سلوك الشخصية النبوية وكيف تعامل مع السلطة ومغرياتها، وهل بنى القصور واشترى الأطيان، وذهب مع الدنيا في ملذّاتها، أم حدث العكس تماما؟
بالطبع حدث العكس، لأن الرسول صلى الله عليه وآله، لم يستغل السلطة كي يعيش حياة منعمّة، بل استشهد وهو مديون للآخرين، حيث كان يعين الناس ويقضي احتياجاتهم، ولا يتردد في مد يد العون للجميع، مما جعله يغادر هذه الدنيا وهو مديون للناس، ويمكن أن نتصور الحاكم الذي يستدين الأمول من آخرين كي يصرفها على آخرين محتاجين لها، كما أنه صلى الله عليه وآله كان يجوع كي يشبع الآخرون.
هذا ما تؤكده البراهين والشواهد المثبتة، وما يكره سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، فيقول:
(إذا جمعنا السيرة الشخصية لرسول الله وأمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم فقط، من أطراف التواريخ، لتشكّلت لنا موسوعة ضخمة ومفيدة للعالم أجمع. وأذكر جزءاً من ذلك نموذجاً. كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجوع ويشبع غيره، وكان يقترض ليؤدّي قرض غيره وحتى لا يبقى غيره محتاجاً).
هذا الدرس العظيم في الزهد، انتقل إلى الإمام الحسين من جده وأبيه، واستشهد وهو أيضا ولم يترك ذهبا أو فضة أو أموالا ولا قصورا، وهذا درس كبير ونادر في حياة القادة الذين يمكنهم الحصول على كل ما يرغبون به، باعتبارهم يمتلكون القوة والسلطة والنفوذ والأموال.
فرق جوهري بين الثائر والحاكم المنحرف
لكن الإمام الحسين تربّى في حاضنتين شكلا انعطافة كبرى في التاريخ، من خلال زهدهم، ووقوفهم إلى جانب الإنسان حقوقا، وكرامةً، وعزّةً، ورفعةً، وسلاما.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(إنّ الإمام الحسين صلوات الله عليه، كان يريد أن يحيي السيرة الشخصية لرسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. وقد ذكر المؤرّخون، وورد في التاريخ، بأنّه استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه يوم عاشوراء، ولم يخلّف ذهباً ولا فضّة ولا دوراً ولا أموالاً).
وفي المقابل، انشغل معاوية بصغائر الدنيا، وراح يلهث وراء الأموال واكتناز الذهب والفضة، وبناء القصور، فيما كان الظلم يتكدس فوق رؤوس الناس وعلى قلوبهم، وقد أخذ منه ابنه يزيد هذه السلوكيات المعيبة على كل الحكام فكيف به إذا كان حاكما إسلاميا كما يقول.
هذا هو الفرق الكبير والجوهري بين ثائر رفض توافه الدنيا واصطف إلى جانب الناس، وثار على الظلم واسترد بدمائه الإسلام الحقيقي بعد أن طالته يد التشويه والانحراف الأموي، ما نذكره هنا عن يزيد وأبيه يذكره المؤيدون لهما والمصطفون معهما، فحياة البذخ والإسراف والتبذير وبخس حقوق الناس هو في لب قراراتهم وتصرفاتهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(أما عن معاوية وسيرته فقد ذكروا أنّه لما مات خلّف وخلّف من قصور ودور وأثاث وذهب وفضّة تقدّر بمئات الملايين. وحتى الذين يوالون معاوية ذكروا أنّه لو يتم جمع ما خلّفه معاوية ويزيد وأمثالهما لصار موسوعة).
وأخير هناك أمران مهمان يدعو إليهما سماحة المرجع الشيرازي، وهما في غاية الأهمية، ويركز على المثقفين الشباب في قضية التطبيق، وهذان الأمران هما: قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وآله، وسيرة أمير المؤمنين والإمام الحسين عليهما السلام)، والسعي الكبير لتحصيل المعرفة من هذه السِيَر، والتعلم منها الكثير الكثير.
أما بخصوص الأمر الثني وهو أيضا في منتهى الأهمية، أن يسعوا بجدية كبيرة لتوصيل هذه السِيَر إلى العالم كله والبشرية كلها، وأن يدعو الحكام إلى الاستفادة والتعلّم منها، إذا أرادوا حقا أن يساعدوا على تحقيق مجتمع بشري إنساني متماسك يعيش في أمن وسلام في ظل منظومة معرفية بالغة الدقة والجودة والإصلاح.
من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(لذا نحن ندعو العالم إلى أمرين، وخصوصاً المسلمين وبالأخص الشباب المثقّف المؤمن، من بنين وبنات، الأول: أن يقرؤوا السير الثلاث للنبي وأمير المؤمنين والإمام الحسين صلوات الله عليهم وآلهم، ويجمعوها ويتعلّموا منها. الثاني: أن يعلنوا تلك السير للعالم اليوم وإلى الاستفادة من تلك السير الثلاث، وأن يطلبوا من الحكّام التعلّم من تلك السير وتطبيقها على أنفسهم).
إذن يتضح الآن الهدف الحسيني الأسمى والأسنى، من خلال ما تقدَّم تفصيله في أعلاه، لذا من الأهمية بمكان أن يحاول ويسعى المسلمون، مثقفون وشباب، إلى استلهام هذه السير الثلاث، كي يأخذوا منها ما يدعم عقولهم وأفكارهم ويقوِّم حياتهم، ويجعل منهم نورا ينقل هذه التجارب الخلاقة إلى العالم أجمع كي تحظى البشرية كلها بحياة تليق بالإنسان.