إطلالة على العبادات وأنواعها
قبسات من أفكار المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2024-02-08 07:19
(هناك قسم من الناس يشعرون بالخجل من الله تعالى والندم إزاء ما فرّطوا في جنب الله)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
قد لا يعي بعض الناس تلك الأهمية الكبيرة للعبادات في حياته، لأسباب ربما تعود إلى النشأة، أو إلى طبيعة البيئة التي تبرى فيها الإنسان، وربما بسبب عيشه في محيط مادي صرف، وهذا يجعله بعيد عن العبادة، على الرغم من الحاجة الروحية المهمة لها لكي تتوازن شخصية الإنسان ويتعاضد فيها الروحي مع المادي في قضية الاستقرار والاطمئنان النفسي.
لذا فقضية العبادة لها جوانب إيجابية كثيرة قد يغفل عنها بعض الناس، وقد ثبت علميا، أو استنادا إلى العلم النفسي، ذلك الدور الكبير للجانب الروحي في توازن حياة الإنسان وسعادته واستقراره إذا اهتم في جانب العبادات، أما التخلي أو الابتعاد عنها فسوف يجعله في حالة اختلال وعدم توازن وتوتر وقلق مستمر نتيجة للنقص في الجانب الروحي.
وهناك أنواع من العبادات، تأتي في إطار أنواع الصلاة التي وضعها العلماء الأجلاء ومنهم العلامة المجلسي (رحمه الله) في كتابه الكبير بحار الأنوار، وهذه الصلوات حملت صفات المصلين وأهدافهم، فمنهم من يريد أن يشكر الله تعالى، أو يتقرب منه سبحانه، وهكذا تتنوع الصلوات بحسب المبتغى منها، ومنها صلاة الشاكرين حيث يشكر العابد ربه.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (يا أبا ذر):
(قد يعبد الناس ربّهم على ما أنعم عليهم من النعم الكثير، مثل نعمة الحياة والسلامة وسائر النعم الماديّة والمعنويّة، فيشكرونه ويعبدونه. مثلاً: حينما يرى الإنسان شخصاً ضريراً أو أصمّ، فإنّه يشكر ربّه على نعمتي البصر والسمع اللتين أنعم بهما عليه، وهذا النوع من العبادة يُسمَّى عبادة الشاكرين).
وهنالك أيضا عبادة المتقرّبين، وهي واضحة المعنى، فهناك من يريد أن يتقرب إلى أصحاب السلطة أو النفوذ حتى يستفيد منهم عندما يتعرض إلى ضيق أو حاجة معينة، والتقرب لله تعالى بمعنى ابتغاء السكينة والتوفيق سواء كان ذلك في الدنيا أم في الآخرة.
العلاقة الجوهرية بين العابد والمعبود
فالعباد كلهم يتقربون إلى الله تعالى لغاية واضحة ومعروفة، وهي أن ينعموا بدعم الله تعالى لهم، وشعورهم بأنهم محميون منه، ومدعومون في حياتهم ونشاطاتهم المختلفة، وطالبين للتوفيق والنجاح من خلال صلاة التقرب لله تعالى.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)
إن (جميع الناس يحرصون على إقامة علاقات طيّبة مع الأشخاص ذوي السلطة والنفوذ، آملين اللجوء إلى سلطتهم ونفوذهم في ساعات العسرة والحاجة).
كذلك هنالك عبادة المستحيين، فهناك أناس آمنوا بأن الله تعالى هو الأقوى وصاحب القدرة المطلقة في تحقيق كل ما يشاء حيث يقول للشيء (كن فيكون)، لذا يتقرب العباد والمصلون في صلاة المتقربين، أملا في الحماية الإلهية، وتحقيق الحاضر الجيد والمستقبل المضمون.
حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي بأن (هناك قسم من الناس، وبداعي معرفتهم بالله سبحانه وتعالى ـ حيث وجدوه الأقوى والأقدر من جميع الموجودات؛ باعتباره الموجد لها ـ يعبدونه ليحرزوا رضاه عنهم ويؤمنّوا لأنفسهم مستقبلاً طيّباً).
أما عبادة ذائقي الحلاوة، فهي تتوقف على مدى معرفة الإنسان بالله، وهذا يتطلب بذل جهود هائلة، حتى يستطيع الإنسان سبر غور الذات الإلهية، ليس بمعنى التعقيد وإنما بمعنى العمق، فكلما تعمق العبد في فهم الله تعالى، صار اكثر تقربا وفهما وإيمانا، وبالتالي يتساوى هذا الإيمان في قلب الإنسان وروحه.
فيلجأ إلى الصلاة التي تقربه أكثر من الله تعالى، ويسعى للالتزام بمواقيت أداء صلاتهن حتى يرضي الله تعالى ويكسب تأييده ودعمه وتوفيقه، لذا فإن أداء الصلاة المستحبة تعني تحقق المعرفة الصحيحة للعابد بالمعبود.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(إن تحقّق هذا النوع من العبادة متوقّف على مستوى المعرفة الصحيحة بالله تعالى، إذ لابدّ أن تتجذّر في قلب الإنسان العابد حقيقة عدم وجود من هو أكبر وأقوى من ذات الله المقدّسة. وما لم تتكرّس هذه الحقيقة في قلب الإنسان وروحه، فإنّه لن يُقبل على أداء صلوات مستحبّة، بل لا يبقى لديه تفاوت بين أداء الصلاة المكتوبة في أوّل وقتها أو آخر وقتها، لأنّ إقامة الصلاة المستحبّة أو أداء المكتوبة في أوّل الوقت يعدّ معلول المعرفة التامّة بالله تعالى).
الصلوات الخالصة لوجه الله
وهناك من العباد من فرّط كثيرا تجاه الدين والأحكام، وتجاه ما يريده الله تعالى من عباده، فندم هؤلاء أشد الندم، وهم يحاولون ويسعون من خلال صلاة المستحيين أو عبادة المستحيين، أن يردموا هذه الفجوة بينهم وبين الله تعالى.
لقد أبعدتهم الذنوب عن الطريق السوي، وأغرتهم الدنيا بملذاتها الكثيرة الخادعة، وها هم اليوم يحاولون معالجة ومحو الذنوب والمعاصي عبر عبادة المستحيين الذين ندموا أشد الندم على ما قاموا به من أعمال لا ترضي الله بسبب كونها مؤذية للآخرين وتدخل في عداد الأعمال والنشاطات المقبولة والصحيحة.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(هناك قسم من الناس يشعرون بالخجل من الله تعالى والندم إزاء ما فرّطوا في جنب الله وما ارتكبوا من الذنوب والمعاصي، فتراهم يعبدونه؛ طلباً لرحمته واستنزالاً لعفوه. هذه العبادة، تسمّى عبادة الاستحياء، أو عبادة المستحيين).
وهناك مرتبة أعلى للعبادة، تسمى عبادة المحبّين، وهي أسمى مراتب العبادات، لأنها غير معنية بأية أهداف أو غايات سوى حب الله تعالى فهذه (المرتبة من للعبادة، هي التي تسمّى عبادة المحبّين، وهي أسمى من المراتب السابقة لها. فدافع العبادة لدى بعض الناس هي العلاقة الوحيدة مع الربّ الرحيم الودود، فهم يعبدون الله تعالى، لأنّهم يحبّونه) كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي.
وأخيرا هناك أيضا عبادة العارفين، وهي معروفة من معناها وعنوانها، إنها صلاة العبد الذي يعرف جيدا ربه، ويناجيه ليس خوفا من ناره ولا طمعا بجنته إنما لأن الله تعالى يستحق هذه العبادة الخاصة، وهذا بالضبط ما قام به الإمام علي عليه السلام في صلاته التي واضب عليها طيلة سنوات وجوده الثرّ في الحياة.
إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(روي عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه أنّه قال مناجياً الربّ الجليل: ما عبدتُك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنّتك، لكن وجدتُك أهلاً للعبادة. ومثل هذه المعرفة هي التي يجب أن يُسعى لها. ولكن، كيف يتسنى الحصول عليها؟! إنّ لتحصيل هذه المعرفة طريقاً واحداً، وهو طريق أهل البيت سلام الله عليهم، بينما الطرق الأخرى كافّة هي طرق الشيطان، وليست طرق معرفة الله تعالى، حتى ما يصطلح عليه بالفلسفة أو العرفان ليست طرقاً موصلة).
في الخلاصة بانت لنا أنواع العبادات، وكذلك عناوين الصلوات ومضامينها وغاياتها، فالعبادات والصلوات متعددة المضامين والأهداف، وكلها تأتي في باب مرضاة الله تعالى، وطوبى للعبد الذي يسعى بإخلاص وصفاء ونقاء لكي يتقرب من ربه ويشكره تعالى ويحبه ويستحي منه سبحانه، وصولا إلى درجة القبول الإلهي على الإنسان، وهذه هي الغاية الأعظم لجميع العباد.