مسؤولية الانتصار لمبادئ عاشوراء

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ

2023-07-27 08:03

(من يخطو في سبيل نصرة الشعائر الحسينية المقدّسة، ولو خطوة صغيرة، سيرى ثمراتها)

سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

نعيش اليوم ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يعلن صولة الحق على الطاغية يزيد، بعد أن تجاوز كل الخطوط الحمر وانحرف بالإسلام المحمدي نحو منحدرات قادت الأمة إلى غياهب الضلالة والجهالة والظلام، فصار لزاما على المسلمين وأئمتهم الكرام وقادتهم الخلّص الثورة على موجات الانحراف والفسق وسياسة الظلم ضد المسلمين.

لهذا صار لزاما على المسلمين جميعا وعلى شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بل وعلى كل إنسان شريف يصطف إلى جانب الإنسانية، أن ينتصر لمعلن الثورة الحسينية على صنّاع الطغيان والاستبداد والظلم بكل أنواعه، وكان لابد من استنهاض قيم الدين الإسلامي مجددا ونشرها بين المسلمين قولا ولفظا ومعنى وسلوكا حياتيا.

نعم تحتاج مبادئ الإمام الحسين عليه السلام سابقا ولاحقا واليوم، تحتاج إلى من لا يخذلها، ولا يتعامل معها بأسلوب اللامبالاة أو التردد أو الإهمال، فهذا الأسلوب يعبر عن الخذلان، والإمام الحسين عليه السلام يستحق منا جميعا المؤازرة والنصرة، لأنها أولا وأخير هي نصرة لأنفسنا ومؤازرة لقيمنا، وتطويرا لحياتنا.

فإذا تمسكنا بقيم الفكر الحسيني وبثقافة عاشوراء، فإننا ننتصر للمسلمين وندعم القيم الحسينية ونستنهض من خلالها أنفسنا وأمتنا، لذلك لا يجوز أن نخذل الحسين أو لا ننتصر له وننصره لأن الأمر سوف يصبح تقصيرا واضحا.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يتطرق لقضية النصرة والخذلان في كلمة توجيهية قيمة يقول فيها:

(في بيان معنى التقصير والأهمية تجاه القضية الحسينية المقدّسة، أذكر رواية عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، استعمل فيها لفظة (خذلان) لتبيين معيار التقصير، فيقول صلى الله عليه وآله: (اخذل من خذله). فيمكن أن نجعل أو أن يكون المرادف للخذلان هي اللامبالاة. وعليه، حتى اللامبالاة تجاه القضية الحسينية المقدّسة، ستكون في دائرة التقصير، سواء كانت اللامبالاة في البعد المالي أو الشخصي).

مراتب نصرة الإمام الحسين عليه السلام

أما كيفية الخذلان، فإنه يمكن أن تحدث عندما يمتنع أحدنا من أتباع الحسين (عليه السلام) ومن المسلمين عموما يمتنع عن تقديم جزءا من أمواله دعما للقضية الحسينية، أو أنه يتلكّأ في المشاركة بإحياء الشعائر، أو أنه لا يدعم المواكب ولا يشارك في تقديم الخدمات المطلوب للزوار الكرام، هذه كلها تعدّ إشارات لخذلان القضية الحسينية، وبالتالي هناك من يمتنع وهناك من لا يبالي وهناك من يسعى بكل ما يستطيع لنصرة المبادئ الحسينية.

بمعنى هنالك مراتب ودرجات لهذه النصرة، ولهذه اللامبالاة أيضا، لذا لابد من أن نتنبّه إلى أن عدم تحمل مسؤولية الانتصار لعاشوراء هو نوع من اللامبالاة، وبالتالي هنالك من يؤدي واجبه في هذا المجال بشكل جيد وممتاز وبعضهم بدرجة مقبولة، ونفر آخر قد يقصّر في دعم القيم الحسينية، ولا يسهم بالشكل الصحيح والجيد في إحياء الشعائر، ويتردد في دعم المجالس، ولا تعنيه المواكب، وهذه الأمور تؤكد أنه إنسان لا يبالي وهو في هذه الحالة يخذل الإمام الحسين (عليه السلام) كما خذله سابقون ولا حقون.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يوضّح هذه النقطة بالقول:

(مثلاً يمكن للشخص أن يصرف أموالاً أكثر في سبيل القضية الحسينية المقدّسة، لكنه يمتنع. أو يمكن أن يكون في عدم تشجيع الآخرين على خدمة القضية الحسينية المقدّسة، أو يمكنه أن يكتب بقلمه أكثر عن القضية الحسينية المقدّسة، لكنه لا يفعل. وهذه كلّها تكون في دائرة الخذلان. علماً بأنّه يجب أن نعرف بأنّ الخذلان هو كالنصرة، له مراتب. فمن الممكن أن يصدر من الشخص الخذلان بالنسبة إلى القضية الحسينية المقدّسة، مئة بالمئة، ويصدر من آخر بنسبة أقل).

ولو أننا كمسلمين، نعرف القيمة العظيمة لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، فإننا سوف نتأكد بشكل قاطع على أهمية الانتصار للقيم الحسينية، والسعي لاستنهاض روح الأمة، فزيارة الإمام الحسين في ذكرى استشهاده أو في مناسبات وأيام وزيارات أخرى لها أهمية كبرى عند الله تعالى، فقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في كلمته:

(قال مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه: (وما من نبيّ إلاّ وقد زار كربلاء ووقف عليها). وقد بعث الله تعالى مئة وأربعة وعشرين ألف نبيّ، ووفقاً للرواية الشريفة فإنّ كل هؤلاء الأنبياء زاروا مزار الإمام الحسين صلوات الله عليه)..

إن الله تعالى يزور الحسين

كبيرة مكانة الإمام الحسين (عليه السلام) عند الله تعالى، وعند الأنبياء (عليهم السلام) وعند الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، وهذا ما توضحه الروايات الشريفة الواردة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وهو روايات مثبتة ومسنودة ومتّفق عليها، كلها تؤكد على وجوب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) والانتصار له، وللقيم والمبادئ التي أعلنها في ثورة الحق.

وانطلاقا من ذلك نلاحظ هذا التدفق الهائل (العالمي) على مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) لأداء زيارة الإمام أولا، ومن ثم المشاركة بأقصى الإمكانات لإحياء الشعائر الحسينية المباركة، وكل هذا يصب في هدف مهم ومعروف، ألا وهو استنهاض روح الأمة، والعودة بالإسلام إلى أصالته المحمدية، بعد أن تجاوز المارقون وحرفوا الدين إلى منعطفات لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد.

إن الله تعالى بذاته الإلهية يزور الإمام الحسين (عليه السلام) مع الملائكة الأطهار، وهذا يعني الاستحقاق الأعظم لثائر الحق، ومعلن الثورة على الفساد والفاسدين والمنحرفين، لهذا يتوجب على كل مسلم وكل إنسان يؤمن بإنسانيته، أن يبادر إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام، ويشارك بقوة في إحياء شعائر الشهادة الحسينية التي نعيش ذكراها في هذه الأيام.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(عن الإمام الصادق صلوات الله عليه، وهي: «عن صفوان الجمّال قال: قال لي أبوعبد الله ( عليه السلام) لما أتى الحيرة: هل لك في قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: وتزوره جعلت فداك؟ قال: وكيف لا أزوره والله يزوره في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه والأنبياء والأوصياء ومحمّد أفضل الأنبياء ونحن أفضل الأوصياء»).

وأخيرا لابد من التذكير بأن كل الأعمال التي نقوم بها نصرة للإمام الحسين، سوف يتم تسجيلها، وتعطى المرتبة في ضوء حجم وقيمة هذه المشاركة، وكلما كانت المشاركة كبيرة ومتميزة كانت المرتبة التي يستحقها الزائر والمسلم والإنسان عالية وكبيرة، وإذا ما تناقصت هذه النصرة وهذه المشاركة تكون المرتبة أقل بما يوازي قيمة المشاركة.

هذا ما أكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حينما قال بوضوح:

(إنّ لأعمالنا وتصرّفاتنا نحن وغيرنا بالنسبة إلى القضية الحسينية المقدّسة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، لها آثار حسنة أو عواقب سيئّة والعياذ بالله. فمن يخطو في سبيل نصرة وإعانة الشعائر الحسينية المقدّسة، ولو خطوة صغيرة، فباليقين سيرى ثمراتها، وعكسها يصدق أيضاً).

وهكذا علينا أن لا نخذل الإمام الحسين (عليه السلام)، وعلينا أيضا أن نحرص كل الحرص للحصول على المرتبة العالية التي نقطفها من مشاركتنا الفعالة في إحياء ثقافة عاشوراء ونشرها، ودعم مبادئ الفكر الحسيني من خلال نشرها وتطبيقها في حياتنا العملية، وأن نحذر كل الحذر من الخذلان واللامبالاة في التعامل مع القضية الحسينية، لأنها تعود علينا بما لا يحمد عقباه مطلقا.

ذات صلة

الإمام الصادق معلّم القرآن الكريمالإِمَامُ جَعفَر الصَّادِق (ع) وَتَربِيَة الشِّيعَة حَقَّاًاللّه حكيم في أفعالهزيارة السوداني الى واشنطن.. اجندات الداخل وصراعات الخارجانتخابات عالمية في ظل النيوليبرالية