الاعتدال في الفضائل والتطرف في الرذائل

المسلم بين الاعتدال والتطرف (4)

مرتضى معاش

2023-02-01 08:06

نستكمل محور المسلم بين التطرف والاعتدال، في استكشاف مفهوم الاعتدال، وطرحنا بعض العناوين التي تدخل ضمنه، وهنا نصل الى عنوان الفضائل وانطباقه على مفهوم الاعتدال.

إن أهم نعمة نالها الإنسان وحصل عليها كإنسان هي الحرية، فجعلته عاقلا مختارا مريدا، يستطيع أن يختار ما يريده في حياته.

ولكن هذه الحرية لابد أن تكون متعقّلة وحكيمة ومسؤولة ومعتدلة، غايتها تحقيق التوازن، وإلا فإن الحرية التي ليس فيها توازن ولا تكون في صلب الميزان، سوف تكون فاشلة ومتطرّفة وتفريطية وفوضوية، وهي حينئذ ليست بحرية، لأن الحرية الحقيقية التي يستطيع الإنسان أن يمارسها في حياته هي الحرية التي تخلق تناسقا بين الإرادة الإنسانية والإرادة الإلهية.

وإلا فإن هذه الحرية سوف تكون منفلتة عن النظام الكوني ومتمردة على القانون الطبيعي وبالتالي غير قادرة على تحقيق الغايات التي وُجِدَت من أجلها.

الحرية متناسقة مع الفضائل

هنا نطرح مفهوما مهما جدا في قضية الحرية، وهو أن الحرية متناسقة مع الفضائل، لا يمكن أن تكون هناك حرية خارج حدود الفضائل، وتنعدم مع انغماسها في الرذائل، فالحرية تصطف إلى جانب الفضائل والأخلاق والقيم السليمة.

ولكي تتوضح الصورة أكثر لنا نطرح هنا ما رُوي عن الإمام علي في نهج البلاغة، حيث يقول (عليه السلام):

(لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هَذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ وَذَلِكَ الْقَلْبُ، وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَاداً مِنْ خِلَافِهَا، فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ، وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ، وَإِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ، وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَى نَسِيَ التَّحَفُّظَ، وَإِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَر،ُ وَإِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْرُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ، وَإِنْ أَفَادَ مَالًا أَطْغَاهُ الْغِنَى، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ، وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ شَغَلَهُ الْبَلَاءُ، وَإِنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ وَإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ، فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ).

هذه الرواية تعبر عن مفهوم الحاجة ومنهج اعتدال في حياة الإنسان، حتى يستطيع أن يخلق التوازن، كما ذكرنا في الرواية السابقة التي ذكرناها عنه (عليه السلام) والتي جاء فيها: (أفضل المسلمين إسلاما من كان همه لأخراه، واعتدل خوفه ورجاه)، فالاعتدال مهم لتحقيق الفضائل، وإلا فإن الانحراف عن الاعتدال سوف يؤدي بالإنسان إلى الرذيلة.

القلب المادي والقلب المعنوي

نسلط الضوء على هذه الرواية بالتفصيل حتى نفهم ما معنى الاعتدال في منهج الإمام علي (عليه السلام)، في المقطع الأول في البداية يتحدث فيه الإمام علي (عليه السلام) عن القلب وأهمية القلب في حياة الإنسان، حيث يوجد في القلب بعدان:

الأول: بعد مادي، او القلب المادي، وهو الجزء الذي يضخ الدم لكل أجزاء جسم الإنسان، فإذا توقف هذا القلب انتهى الإنسان ومات.

الثاني: بعد معنوي، أو القلب المعنوي، فهناك علاقة بين الجسد والنفس، وهي علاقة مهمة جدا، ولا يصح أن يتصور بعضهم بأنهما منفصلان، لذلك نلاحظ ان القلب يتأثر بكل ما يحدث للإنسان في الخارج، فتؤثر على الصحة النفسية والصحة الجسدية. فتماسك القلب المادي يؤدي الى صحة الانسان، كذلك تماسك القلب المعنوي بالحكمة والاعتدال يؤدي الى توازن الانسان.

وانهيار القلب المادي يؤدي الى انهيار الصحة الجسدية، وانهيار القلب المعنوي يؤدي الى انهيار الصحة النفسية.

لذلك فإن الإمام علي (عليه السلام) يقارن بين القلبين، القلب المادي والقلب المعنوي، للوصول إلى هذه النتيجة ونقصد بها الاعتدال وهو الطريق والمنهج لحياة الإنسان الصالحة، (لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ، هذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ: وَذلِكَ الْقَلْبُ)، النياط هي الحبال أو العروق التي يتعلق فيها القلب، فعندما تنظر إلى شكل القلب، ترى ما يشبه الحبال أو الخيوط تمسك هذا القلب وتجعله ثابتا.

في التعريف العلمي، النياط هي حبال وترية تثبّت العضلات الحليمية بالصمامات القلبية، الصمام الثلاثي، والصمام التاجي، وهي صمامات القلب، فتثبت القلب بحيث يصبح ثابتا، هذه الخيوط تسمى بالنياط، شيء عجيب حقا هذا القلب يضخ الدم بشكل مستمر ليعطي الحياة والحركة والروح للإنسان.

امتلاء القلب بالمعاني

(وَلَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَادٌ مِنْ خِلاَفِهَا) يعني في القلب المعنوي، فالقلب يمتلئ بالسلوكيات والأحداث التي يعيشها الإنسان، فكل ما يفعله الإنسان في كل لحظة من لحظات حياته وأيامه وسنواته يتكدّس ويتراكم في القلب، من كل الأشياء الجيدة والأشياء السيئة، الأشياء الجيدة تصبح بيضاء في القلب، والأشياء السيئة تصبح سوداء في القلب، لذلك فإن التوازن الحقيقي الذي يحتاجه الإنسان، هو أن يملأ قلبه بتلك الأشياء الجيدة فيصبح خيرا.

لذلك نلاحظ الآن أن جميع الأخلاقيات والسلوكيات هي تأتي كي تكون في القلب، لذا لابد على الإنسان أن يراكم السلوكيات الجيدة فيه.

الحكمة واستحكام الفضائل

(له موادّ من الحكمة)، فالحكمة تعني هنا الفضائل، ومعنى (الحكمة وأضداد من خلافها) هي الفضائل في مقابلها الرذائل، أي بماذا يملأ الإنسان قلبه من فضائل أو يملأه من رذائل –لا سمح الله-، فما هو معنى الحكمة؟

الحكمة تعني لغةً ما أحاط بحنكيّ الفرس (يعني اللجام الذي يلجمون به الفرس ويضعونه حول حنكيّها) ليمنعها من الجري الشديد، ويجعل الراكب (أو الخيّال) مسيطرا عليها، حتى يمنع اللجام الفرس من الجماح، ومنه تم اشتقاق الحكمة لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الرذائل.

فالحكمة تعطي الفضائل للإنسان من خلال توازنه وسيطرته على نفسه، بحيث يكون غير جامح بل يكون معتدلا، والإنسان المتطرف يكون جامحا غير متحكم بنفسه، ولا مسيطر على نفسه، لذلك يُقال عن المتطرف بأنه يحتاج إلى الحكمة، و(أحكم الأمر) أي أتقنهُ فاستحكم ومنعه من الفساد أو منعه من الخروج عمّا يريد، وجعله متحكّما ومستحكما بنفسه، وهذا هو معنى التوازن ومعنى الاعتدال.

اضداد الاعتدال

ومن معاني الحكمة الشجاعة، أما أضداد الشجاعة فهناك ضدّان لها هما الجُبن والتهوّر، وهذان الضدان كلاهما رذيلة وأعني الجبن والتهور، الكرم مثلا هو من الفضائل ولكن البخل وهو ضد الكرم يعدّ رذيلة، والإسراف والتبذير والانفاق الزائد عن الحد يكون رذيلة أيضا، في مقابل الانفاق المعتدل، وهو أن يصرف الإنسان أمواله بدقة وبحكمة ويضع الأشياء في مواضعها، أي يصرف الأموال في مواضعها ولا يكون مبذرا ولا يكون مقتّرا أيضا.

لذلك من الحكمة أن يكون الإنسان معتدلا وموزونا ومتوازنا في سلوكياته، ولهذا نلاحظ أن الإنسان المعتدل يكون حكيما ومتوازنا، وبالنتيجة يكون صاحب فضائل في نفسه وسلوكه ومواقفه تجاه الناس.

الطماع ذليل

(فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع) معنى الرجاء هنا، أن الإنسان يرجو رحمة الله سبحانه وتعالى بشكل دائم، لكن الرجاء الذي يجعله مستغرقا في ذنوبه ورذائله، رجاء غير جيد، بل هو سيّئ يجعل الإنسان يرتكب المعاصي ويأمل بعد ذلك بأن الله سبحانه وتعالى يغفر له، فهذا رجاء باطل.

هذا الرجاء هو الذي يقول عنه الإمام علي (عليه السلام): (يجعله طمّاعا) والإنسان عندما يصبح طماعا يصبح ذليلا، وعبدا للمال ورقيقا للمادة وخاضعا لها، فيخرج عن إنسانيته وعن اعتداله وعن توازنه وعن حريته، فيصبح عبدا للدنيا أو للطاغوت أو لأي شيء آخر لا يرتبط بالفضائل، فقد ذلّه الطمع وسلبه حسن اختياره.

على الإنسان أن يستفيد من الرجاء من أجل الاستغفار، فمفردة (سنح) تعني توفَّرت له فرصة، وعليه أن يستفيد منها للتوبة، ولا يصح أن يقوم بتسويف التوبة، ولا يصح أن يكون عنده أمل كبير بأنه سوف يتوب لاحقا أو فيما بعد، أو أنه فيما بعد يصلح نفسه، أو أنه يتنبّه للحساب لاحقا، حيث يفوت عليه الزمن بعد ان أصبح ذليلا.

الصعود التدريجي لسلَّم الطمع

(وإن هاجَ به الطمع، أهلكه الحرص)، فالحرص هو الشدّة التي تستحكم في الإنسان، والطمع يأتي على مراتب، هذه المراتب تأخذ الإنسان تدريجيا، فيصعد سلَّم الطمع بشكل تدريجي، أي يصعد درجة درجة حتى يصل إلى مستوى لا يمكنه الرجوع بعد ذلك، وهنا تحدث المشكلة، لأن أكثر الناس لا يرجعون عندما يقعون في بؤرة وحبائل الرذائل، من الصعب عليهم الرجوع، إلا القليل النادر منهم قد يستطيع العودة عن مستوى الطمع الذي وصل إليه.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إياك واستشعار الطمع، فإنه يشوب القلب شدة الحرص، ويختم على القلوب بطبائع حب الدنيا، وهو مفتاح كل سيئة، ورأس كل خطيئة، وسبب إحباط كل حسنة).

لذلك على الإنسان أن يكون حذرا فينتبه لكي لا يستمر بالسير في طريق الذنوب والمعاصي، ولا يكون مصرا على ارتكاب المحرمات والرذائل، وإلا سوف يصبح حريصا، فيهلكه الحرص، فما هو المقصود بالحرص؟

الحرص هو أن ينال الإنسان الشيء بأية طريقة كانت، وهذا هو منشأ الفساد، وهو كل الفساد الذي تعانه منه البشرية اليوم، نعم هو الحرص على الأموال، على البيوت أو الممتلكات، أو على السلطة، وعلى المتع، وعلى اللذة بأنواعها، إنه الحرص الشديد بأية طريقة كانت، حتى لو أدى ذلك إلى أن يُصاب الآخرون بالأذى والضرر، أو أن يهلك الآخرون.

كما نلاحظ ذلك في قضية تغيّر المناخ الذي أصبح أكبر مشكلة تواجهها البشرية الآن، وسوف يؤدي إلى كوارث وأمراض واوبئة، وإلى الجفاف، بسبب عدم نزول الأمطار وقلّة المياه، كذلك سوف تزداد العواصف، بالنتيجة فإن البشرية بمجملها سوف تتعرض للأذى، وكل هذا يحدث بسبب طمع الشركات والأرباح الهائلة التي تحصل عليها، والحرص على الربح دون أن تفكر بالأضرار الفادحة التي تلحق بالبشرية.

هناك من لا يفكّر بالكيفية التي يحصل بها على الربح، ولا يعنيه ما يتسبب به ذلك من هلاك للآخرين، لذلك فإن هذا النوع من الحرص مشكلة كبيرة، (أهلكه الحرص) كما يقول الإمام علي (عليه السلام).

اليائس تقتله الحسرة

(وإنْ ملكه اليأس قتله الأسف)، هذه هي المشكلة الثانية، فالعالم اليوم ينقسم إلى فئتين:

الفئة الأولى: فئة تمثل الناس الحريصين على الدنيا، حيث يردّد هؤلاء المثل الشعبي المعروف (رجّال اللي يخلي بالسلة عنب)، تعبيرا عن حرصهم الشديد.

الفئة الثانية: فئة تمثل الناس اليائسين من الحياة، بالنتيجة هؤلاء يقولون لا توجد فائدة من هذه الحياة، ولا فائدة من هذه الدنيا، فهي مليئة بالشرّ، لكن هذا نوع من التطرّف أيضا.

لأن الإنسان اليائس يبقى متحسّرا دائما، ليس عنده روح في الحياة، ولا يمتلك طاقة لمواصلة الحياة، طاقته كلها سلبية، فلا يلتذّ في حياته، ولا يعيش حياته، فهو يرى الحياة سوداء مظلمة، وهذا من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الإنسان بسبب خساراته المتكرّرة للفرص الجميلة في الحياة.

فيقتله الأسف، ويخرج بالنتيجة من حياته دون أن يستفيد منها بشيء، لكن الله سبحانه وتعالى أعطى للبشر هذه النِعَم وهذه الخيرات وهذه البركات، لذلك لابد أن تكون عنده طاقة إيجابية، فيعمل ويتحرك بشكل إيجابي ولا يكون سلبيا.

عدم الاستسلام للبؤس واليأس

هناك كلمة جميلة جدا للإمام علي (عليه السلام) حيث يقول: (الزُّهْدُ كُلُّهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى الْمَاضِي وَلَمْ يَفْرَحْ بِالْآتِي فَقَدْ أَخَذَ الزُّهْدَ بِطَرَفَيْهِ).. هذا هو الزهد الذي تنطبق عليه هذه الآية القرآنية، فالزهد هو من الفضائل ومن مفاهيم الاعتدال، أي لا يكون الإنسان مقبلا على الدنيا حريصا عليها، والطرف الآخر أن لا يكون مستسلما للبؤس واليأس والتشاؤم.

فعلى الإنسان أن لا يفرح بما يكسبه من قضايا مادية لأنها تذهب و تأتي، وإنما هي وسائل، فإذا ذهبت من يديه يجب أن لا يأسى عليها، وإن جاءت بين يديه يجب أن لا يفرح بها، فهي مجرد وسائل للعيش الطيب.

القلب وعاء الادراك

(وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعده الرضا، نسيَ التحفظ)، فبعض الناس تكون حياتهم كلها عبارة عن غضب مكبوت، فتراه عصبيا وغاضبا ومتوترا بشكل دائم.

فماذا تضع في القلب؟، فإذا وضعت في هذا القلب الحب والهدوء والتواضع والكرم والسلام والمحبة، سوف تكون حياتك هادئة، محِبّة، لكن إذا وضعت في قلبك الكراهية والسخط وعدم الرضا سوف تكون حياتك مليئة بالغضب، لذلك لابد على الإنسان أن يتحكم بنفسه، ويملأ قلبه بالأشياء الجيدة.

(إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها)، كما يقول الإمام علي (عليه السلام)، فماذا تضع في هذا القلب؟، تضعُ أوعاها، أفضلها، وأكثرها إدراكا وفهما، لابد على الإنسان أن يكون عنده وعي لكي يملأ قلبه بما هو أفضل، لأن القلب الغضبان الذي يمتلئ بالغضب، تراه ينفجر دائما، ويقع في التشاحن والحرب والصراع وسوء الظن بالآخر، والعنف ضد الآخر وهكذا.. هذا الأمر هو من ضمن حرية الإنسان المسؤولة وإرادته واختياره، فلابد أن يضع في قلبه الخير.

في الجهة المقابلة، أو الضد الآخر العكسي، وهو من الرذائل أيضا، لأننا نتناول هنا جانبين متعاكسين ليسا من الفضائل، وإنما كلاهما من الرذائل.

ادراك المخاطر

(وإن أسعده الرضا نسيَ التحفّظ)، معنى التحفّظ أن الإنسان يكون راضيا بحياته دائما، دون أن يكون عنده تحفّظ على ماذا سيحدث، وهذا من الأخطاء الكبيرة في حياة الإنسان، فهو راضٍ بوضعه الموجود دون أن ينظر إلى المستقبل.

ودون أن يكون حذرا، لأن الإنسان الذكي الذي يكون راضيا في حياته، لابد أن يكون راضيا عن وعي وفهم ولا ينسى المخاطر، ولا يسمح للطريق أن يذهب به إلى أن ينسى الله سبحانه وتعالى، ولا ينظر إلى حدود الله سبحانه وتعالى، ولا ينظر إلى الحدود الموضوعة له، على سبيل المثال هناك إنسان عنده أموال كثيرة فيشتري بها بيوتا كثيرة فائضة عن حاجته، أو يشتري سيارات كثيرة زائدة، دون أن يكون لديه تحفّظ، هذا خطأ، لأن هذه الأموال الزائدة لابد أن يصرفها الإنسان في الطريق الصحيح. فينسى التحفظ وأن هناك (مطبّات) في الحياة، وعواقب غير متوقعة.

كلّ إفراطٍ مفسد للإنسان

(وإن غاله الخوف خذله الحذر) لاحظ هذه النقاط كلها مرتبطة مع بعضها، إحداهما مكملة للأخرى للوصول إلى النتيجة، فهي تحذيرات يضعها الإمام علي (عليه السلام) أمامنا، كي نفهم ونعرف كيف نسلك في حياتنا، وكيف نعبّئ قلوبنا بالأشياء الجيدة، وكيف نقتلع الأشياء السيّئة من قلوبنا.

(وإن غاله)، غالَ بمعنى أخذه وسيطر عليه، أي جعله في أغلاله وغال عليه، غاله الخوف يعني أصبح الخوف سجنا له، ومقيّدا لهذا السجن إلى حد أن يكون الخوف مسيطرا عليه، بحيث أصبح أغلالا، فيكون الإنسان ذليلا خاضعا وخانعا للآخرين، خانعا للحاكم الظالم، راضيا بالظلم، راضيا بالحاكم الجائر، راضيا بالفساد الموجود، راضيا بالرذائل المنتشرة دون أن يرفضها، كل هذا بسبب الخوف الذي يسيطر عليه. فيكون الإنسان في حالة حذر دائمة وإفراط إلى أبعد حد.

(كل تقصير به مضِرّ وكل إفراط له مفسد)، فهذان الضدّان اللذان هما من الرذائل على نقيض مع الفضيلة، وفيهما أما تقصير مضر أو افراط فاسد، وهذا الفساد هو نتيجة التطرف والابتعاد عن صناعة التوازن في السلوكيات.

لذلك فإن سلوك الاعتدال هو الذي يخلق الحياة الصالحة للإنسان، ومن هنا نبحث عن المسلم الحقيقي، والمسلم الجوهري الذي يتجه من خلال منهج أهل البيت (عليهم السلام) لبناء الحياة الصالحة، والشخصية السليمة والسلوك المتوازن في حياته.

وللبحث تتمة..

* سلسلة محاضرات تبث على قناة المرجعية تحت عنوان (جواهر الأفكار)

ذات صلة

الإمام علي عليه السلام وتحجيم الجبروت والطغيانعلى حكومة السيد السوداني ان تكون أكثر حذراالمطلوب فهم القرآن بشكل جديد!مَعرَكَةُ بَدر هِيَ يَومُ الفُرقَانِ العَظِيمِ حَقَاًتعلم ثقافة السؤال بداية التعليم