لماذا لا يعي الحكام المستبدّون عاقبتهم؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2020-11-26 08:24
عُرِفتْ الأنظمة السياسية بتعدد أشكالها، واختلفت طبيعة هذه الأنظمة فيما بينها، إلا أن الشائع منها ينقسم إلى نوعين أساسيين هما:
أولا: النظام السياسي الفردي، وهو مقرون في الغالب بمنهج الاستبداد.
ثانيا: النظام السياسي الاستشاري (الديمقراطي: وهو مقرون بمنهج التعددية في إدارة الحكم وشؤون الدولة والمجتمع.
بعضهم فسرَّ أو وصف الاستبداد بأنه "الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وتنفيذه. ومن هنا جاءت عبارة "إنما العاجز من لا يستبد". هذا هو معنى الاستبداد عندما يقرن بـ"العدل" الذي يفقد فعاليته مع العجز عن تطبيقه. أما الاستبداد من دون عدل فهذا هو "الطغيان".
ويعرف معجم لسان العرب "الاستبداد" بالتالي: "استبد بفلان، أي انفرد به دون غيره." أما المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة فيعرف كلمة "استبد": "حكم بأمره، أي تصرَّف بصورة مطلقة، غير قابلة للاعتراض". كما يعرف نفس المعجم كلمة "استبداد":"تعسف، تسلط، تحكم." ويورد المعنى الثاني: "ظلم، فرض الإرادة من دون مبرر".
أما موسوعة السياسة، فتورد تعريف "استبداد": "حكم أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة من الأفراد، دون خضوع لقانون أو قاعدة، ودون النظر إلى رأس المحكومين." وتضيف الموسوعة تعريفا لمحمد عبده لنفس الكلمة:" المستبد عرفا من يفعل ما يشاء غير مسؤول ويحكم بما يقضي به هواه".
السؤال لماذا يصل الحاكم إلى هذه الدرجة من التضخّم والتسلط الذاتي؟ ولماذا لا يتورع عن ظلم الناس، وهل الاستبداد فكر أو فعل أو سلوك وراثي يرثه الحكام من أسلافهم، ويورثونه إلى من يخلفهم في الحكم؟
أسئلة كثيرة تُثار بعد كلمة لماذا؟؟، ولا تقف عند حدود استبداد الحكام، بل حتى الحكومات، تبدو وكأنها ترث السلطات المتعسفة من الحكومات الماضية، أما الدروس التي يمكن أن تجّنب الحكومات الحالية تداعيات الاستبداد وتداعياته، فإنها لا ترد في الحسبان.
لماذا تسود سياسة الاستبداد؟
والسؤال الأهم الذي ظلَّ يتردد على ألسنة العلماء والمثقفين والمصلحين وفي كتاباتهم، ولا يزال يتردد حتى اللحظة، هو: لماذا تستمر الحكومات الحالية على منهج الطغيان والاستبداد، وهي ترى وتلمس وتعي النتائج الكارثية التي آلت إليها الحكومات الاستبدادية الماضية؟؟
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يطرح هذا السؤال الجوهري، في إحدى محاضراته القيّمة، فيقول:
(لماذا يستمرّ أصحاب الحكومات الجديدة على النهج نفسه للحكومات التي سبقتها وحكمت الناس ولسنوات معدودة بالسوء والظلم؟ ألم يروا عاقبتهم السوء، والمصير الأسود؟ فلماذا يستمرّون على نهجهم نفسه؟).
ألا تفهم حكومات وحكام الاستبداد الحالية، الأسباب التي تدفع بهم إلى استخدام نفس أسلوب الحكام الماضين لإدارة الدولة وشؤون الأمة؟، ثم ألم يعرفوا تمام المعرفة نتائج هذه السياسات المدمّرة، وهل الحكومات توصي بعضها بعضا بالظلم والطغيان، وإذا صحّ ذلك كما يؤكد الواقع والتاريخ معا، فإن السؤال الذي يبدأ بكلمة لماذا، سوف يبقى يتردد في أسماء الحكام الجدد دونما انقطاع.
من الغرابة بمكان حقا هذا الإصرار على المنهج الذي أودى بالحكام المستبدين، وحكوماتهم الظالمة إلى مزبلة التاريخ، والأمر المحيّر والسؤال المتفرِّع عن (لماذا)، الذي سيبقى قائما على ألسنة الجميع، علماء، خطباء، مثقفين، مفكرين، وعامة الناس أيضا، هو متى تتخلص الحكومات من منهج الطغيان الموروث، وكيف يمكنها نبذ هذه التركة الثقيلة، والخروج من شرنقة الاستبداد إلى الحكم الرشيد؟؟، فهل وصايا الحكومات والحكام إلى بعضهم هي السبب؟
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هل الحكومات السابقة أوصت الحكومات التالية بأن تسير على نهجها نفسه؟).
هذا السؤال المهم، يحيلنا إلى وصية من نوع آخر، إنها وصية الله تعالى إلى الخلق، وتحديدا إلى الإنسان، فقد أوصت آيات من الذكر الحكيم، الناس بالتزام الحق، والاستعانة بالصبر، لكن الحكومات بشقيّها (الماضية والقادمة)، فعلت ما يناقض هذه الوصية القرآنية، فأوصى الحكام بعضهم بعضا بما يسيء للمحكوم، يسلب حقوقه، ويحاصر حريته، ويصادر رأيه.
وهي أفعال لا تحتاج إلى إثبات، لأنها ظاهرة للعيان، وللحواس كلها، فلماذا هذا الإصرار على مخالفة قول الله تعالى، وعدم أخذ المستبدين بالوصية الواضحة التي وردت في القرآن، وترك الظلم، ونبذ التعسّف، والتخلص من نزعة الطغيان التي توارثوها من الحكومات الميّتة؟
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لقد أوصى القرآن الكريم بالجيّد والحسن، بقوله عزّ من قائل: «وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»، فهل هؤلاء (الحكومات الماضية والقادمة) قد عملوا بالعكس، وأوصوا بعضهم بعضاً بالفساد والإفساد والظلم؟ بل الواقع إنّهم كلّهم من الصنف نفسه، فهم حكومات طاغية، «بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ». وهؤلاء بأجمعهم، قد سلكوا ما يغاير سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله).
كيف يتخلّص الحاكم من طغيانه؟
كيف يمكن أن يتخلص الحكام وحكوماتهم من الاستبداد؟، سؤال واضح وغير قابل للإهمال كوننا كأمة ودول إسلامية نحتاج إلى مثل هذه الأسئلة الصادمة، ونحتاج أكثر إلى إجابات واقعية تُقدَّم للحكام وحكوماتهم، كي يأخذوا بها، وينفضوا عن عقولهم وقراراتهم وباء الاستبداد الذي ورثوه عن سلفهم من المستبدين.
هناك خطوات يمكن للحاكم أن يتخذها كي يتخلص من تركة الاستبداد ويبتعد عن هذا المنهج الظالم منها:
- طالما يمتلك الحاكم القدرة الكبيرة والثروة الهائلة، فإنه يمكن أن يستثمر ذلك في رعاية الناس وتحسين حياتهم.
- يُنجز هذا عبر تطوير الاقتصاد بالأموال، وإيجاد فرص العمل المناسبة، وتأسيس وتطوير المشاريع التي تستوعب البطالة وتدرّ على الدولة موارد كثيرة ووفيرة.
- يمكن للحاكم أن يكون نموذجا لشعبه لأن الناس (على دين ملوكها) كما هو معروف، فإذا عمل الحاكم صالحا صلح الناس، ورشدوا وساروا في طريق الخير والنماء والتطور.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكّد الخطوات في أعلاه قائلا:
(الحكّام بما أنّهم أصحاب قدرات وثروات كثيرة وطائلة، لهم التأثير الأكبر والكثير على الناس الذين يحكمونهم. فيتعلّم الناس منهم بكثير من الأمور، ويقلّدونهم في أعمالهم وتعاملهم. ومن هذا المنطلق، إذا سار الحكّام على نهج الصلاح والفلاح، فسيرشدون الناس وشعوبهم نحو الطيّبات والجيّد وما هو لائق وجدير).
وحين يرى الناس أفعال حكامهم الناجحة، ويسمعون أقوالهم الصالحة، فإنهم لن يتأخروا في الانتقال من التهاون والكسل واليأس، إلى الجدية والنشاط والالتزام، وهي مؤشرات تؤكد تحوّل المجتمع من حالات اللامبالاة والإهمال والتهرب من المسؤولية، إلى العكس تماما، فيكون الحاكم في هذه الحالة نموذجا للناس، وينأى بنفسه عن الاستبداد والظلم، ويصب طاقاته وقدراته كلّها، في مصبّ العدالة، وحماية الحقوق والحريات وعدم محاصرة الرأي أو مصادرته.
وفي هذه الحالة، أي إذا أصبح الحاكم نموذجا صالحا للناس، فإنهم في هذه الحالة سوف يشاركونه الإصلاح، ويأخذون منه الإرشاد، ويتقبلونه كقدوة تصحح هفواتهم وأخطاءهم الكبيرة والصغيرة، ويتحملون مسؤولية تطوير الدولة والمجتمع والنهوض بالدولة مع الحكومة ومؤازرتها بالانتقال من العجز واليأس، إلى العمل والتفاؤل والإنتاج الوفير.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(إنّ الهداية والإرشاد والصلاح لا ينحصر بالحكّام والعلماء، بل يشمل كافّة أصناف الناس. فالكل مسؤول تجاه تعامله وعمله، بعضهم مع بعض).
إذاً بهذه الكيفية، وهذه الخطوات التي يمكن للحاكم اتخاذها والشروع في تطبيقها، يستطيع هو وحكومته الانتقال من سياسة الاستبداد الموروثة، إلى سياسة بديلة ناجحة، تلغي الظلم، وتزيح القهر والحرمان، وتصون الحقوق، وتحمي حرية الرأي، وتطور النظام السياسي نحو الأفضل، ليصبح قائما على التعددية والمشاورة، رافضا للفردية والتعسف والطغيان.