المواكب الحسينية: أفضل الطرق لعمل الصدقة الجارية
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2019-09-26 05:00
في الذكرى السنوية المتجددة لإحياء مراسيم عاشوراء، واستشهاد أبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام، يتم نصب السرادقات على الطرق الخارجية الرئيسة التي تؤدي إلى مدينة كربلاء المقدسة، بالإضافة إلى الأحياء السكنية والشوارع الداخلية، وهذا المشهد يتكرر في عاشوراء سنويا، ويمتد إلى مدن العراق كافة، بل نجده في الدول الإسلامية وفي أماكن ومناطق مختلفة من دول العالم.
مهمة هذه المواكب تقديم كل الخدمات التي يحتاجها الزوار الكرام، من طعام ومشرب ومنام، سواء داخل المدينة المقدسة أو في المدن والطرق الخارجية التي يقطعها الزائرون الكرام مشيا على الأقدام، وهي تمتد أحيانا إلى مئات الكيلومترات أو أكثر في أجواء الحرّ القائظ أو البرد القارس، وهذا يعني أن الزوار المشاة يحتاجون إلى خدمات مهمة وكبيرة على مدار الساعة.
المواكب تقدم أيضا كثيرا من الفعاليات المهمة، مثل إقامة العزاء في هذه المناسبة الفاجعة، وتقديم المحاضرات الدينية والفكرية، وهناك مواكب حسينية أخذت على عاتقها تقديم القصائد الشعرية والأعمال المسرحية واللوحات الفنية التي تصوّر وقائع وأحداث فاجعة الطف، وهذه المهام التي تتصدى لها المواكب تستدعي جهودا كبيرة تتوزع على الجوانب المادية والتنظيمية والخدمية، وتتطلب أناس مؤمنين يقومون بهذه المهام الكبيرة.
وفي حال تُقام المواكب في ظل أنظمة دكتاتورية تناصب العداء للفكر الحسيني وتخشاه، فإن المخاطر الأمنية تكون حاضرة وعلى درجة كبيرة من الأذى الذي قد يصل حد الشهادة كما فعل الإرهابيون في مناسبات سابقة، حيث يتربص جلاوزة الحكومات القمعية بزوّار الإمام الحسين وبالمواكب والقائمين عليها، وهذا يعني مضاعفة المتاعب والمشكلات التي يواجهها أصحاب المواكب ما يتطلّب إيماناً وإصرارا وعزما قاطعا على مواصلة إقامة الشعائر وإحياء عاشوراء.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة: (على قدر أهل العزم تأتي العزائم. وهذا تبادل بين الله عزّ وجلّ وبين عبده. ونحن جميعاً وكلنا عباد لله تعالى، فالرجل عبد لله، والمرأة أمة لله).
ما علاقة عزم الإنسان بنجاحه؟
نشاط الإنسان المؤمن يتنوّع ويتوزع في مجالات واتجاهات مختلفة، وهذه الأنشطة مسيّرة بالعزم والإرادة وبذل الجهد الذي يناسب طبيعة العمل المنجَز، لذلك على الإنسان أن يتنبّه إلى معادلة حساسة، وهي التساوي بين العزم المبذول مع الهدف أو العمل المنجز.
على المرء أن يتنبّه إلى هذه النقطة المهمة، وأن يحرص على أن يكون عزمه مقدَّما لله تعالى، وللإمام الحسين ولأئمة أهل البيت عليهم السلام، وكلما كان مقدر العزم كبيرا، كان الأجر عليه كبيرا أيضا، فخادم الإمام الحسين يجب أن يحرص على أن تكون نسبة العزم لديه هائلة وطاقته وفاعليته كبيرة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) يقول: (ليلاحظ المرء أين يكون عزمه، هل لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم، أم لا. وكم نسبة من عزمه لله تبارك وتعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم، وكم نسبة منه لغير الله وأهل البيت صلوات الله عليهم).
توفيق المرء مقرون بطبيعة الجهود التي يبذلها، وأصحاب المواكب الحسينية وهم يقدّمون خدماتهم الكبيرة، ويبذلون جهودا عظيمة من أجل الزوار الكرام، فإنهم في عملهم هذا إنما يعظّمون الشعائر الحسينية، ويحيون مراسيم عاشوراء وينصرون القيم الحسينية، لذلك فإن التوفيق هو الثواب الذي سيحصدونه في حياتهم وبعد مماتهم كونهم أصرّوا على إقامة وإدامة شعيرة كبيرة من الشعائر الحسينية المقدسة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يخاطب القائمين على المواكب الحسينية قائلا: (أنتم أصحاب المواكب، اعلموا أنّ كل موكب هو شعيرة من شعائر الحسين صلوات الله عليه، وشعيرة من شعائر أهل البيت صلوات الله عليهم، وشعيرة من شعائر الله عزّ وجلّ. وهذا توفيق من الله لكم).
مما هو لافت للنظر، أن ما يبذله المرء من نشاط وجهود فكرية أو عملية أو مادية، إنما هي كنز مضموم له، يدّخر فيه أعماله التي تهدف إلى نشر القيم العاشورائية المستمدة من الفكر الحسيني، وتساعد الناس على انتهاج سواء السبيل في تعاملاتهم المختلفة، فما أحوج العراقيون وجميع المسلمين اليوم إلى معرفة القيم الحسينية والإيمان بها وتطبيقها في حياتهم وتعاملاتهم، فهي الحلّ السريع للمشكلات التي تعصف بحياتهم، وانطلاقا من ذلك فإن أي نشاط يبديه المرء سوف يعود عليه بالفائدة والتوفيق، وهناك تناسب بين حجم المشقة ودرجة أو قيمة الأجر.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه): (الأجر بقدر المشقّة. والمشقّة في سبيل الله عزّ وجلّ وفي سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم، وفي سبيل الحسين صلوات الله عليه، هي فخر وفضيلة).
لا تنهزموا أمام المشقّة
هذا يعني أننا كلّما قدمنا أكثر في طريق الإمام الحسين عليه السلام، فإننا سوف نوفَّق أكثر، صحيح أن العمل قد يكون متعبا، وربما ترافقه مخاطر جمّة، وقد يتوجب على محبي الحسين أن يقدموا الأموال والجهود، أي لا تنحصر الخدمة الحسينية في المواكب على الجهد العضلي، بل تمتد إلى الأموال والتعرض للاعتقال كما حدث في ظل الحكومات المستبدة، إلا أن ذلك يستلزم إصرارا على إحياء الشعائر، فالجزاء عنها كبير من الله تعالى.
لذا ينصح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا: (لا تنهزموا أمام المشقّة ولا تتعبنّكم المشقّة. وكل من كانت مشقّته أكثر، سيكون فضل الله تعالى عليه أكثر، ويكون توجّه الإمام الحسين صلوات الله عليه إليه أكثر).
ولا يتوقف نجاح المؤمنين من القائمين على المواكب الحسينية بالتوفيق الدنيوي الآني، وإنما يتعداه إلى الثواب الأخروي، والحصول على مراتب ودرجات عليا في جنان الله، وهذا ما ورد في النصوص القرآنية المباركة، وفي الأحاديث الشريفة.
ورد في كلمة سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (يقول القرآن الكريم: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ) سورة آل عمران: الآية163. وبقدر المشقّة تكون الدرجة للإنسان في الجنّة. علماً انّه في الحديث الشريف: عدد درج الجنة عدد آي القرآن. أي إنّ درجات وطوابق الجنّة إن صحّ التعبير بعدد آيات القرآن الكريم، وهي (6666) آية. ويمكن نيل درجات الجنة وتحقيقها بالعمل في الدنيا).
العمل من أجل الآخرة مرتبط بأعمالنا في الدنيا، وهذا يعني أن تكون كل الأعمال صالحة، والنيّات تتقدم الأنشطة التي ننجزها، وهذا يعني أننا إذا أحسنّا العمل في الموكب الحسينية وفي إحياء الشعائر، فإننا ملزمون بالثبات على القيم والمبادئ الحسينية التي ترفض ارتكاب المحرمات، كالتجاوز على حقوق الناس أو السرقة المقنَّعة، فمن يقول بأنه حسينيّ الانتماء، فإن هذا الانتماء يجب أن يكونا مشروطا بالعمل الصالح، لأن الشعائر الحسينية المقدسة تحث من يقوم عليها ويديمها ويبذل الغالي والنفيس لإقامتها، على الالتزام بالقيم الأخلاقية التي تنفع المجتمع وتزيد من لحمته وتمتّن نسيجه الاجتماعي المشترك.
يطالبنا سماحة المرجع الشيرازي بأن لا نتعب من العقبات التي تواجهنا في الطريق الحسيني، فمثلما يثبت حب الحسين عليه السلام في قلوبنا إلى الأبد، علينا في نفس الوقت أن نواصل العمل في إحياء الشعائر وإدامتها أيّا كان نوع وحجم المشكلات التي نواجهها، حتى يكون التوفيق لنا ولأجيالنا القادمة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (حاولوا أن لا تتعبكم المتاعب والمشكلات والسلبيات ولا تثنيكم، ولا تجعلوها تقلّل من حرارة قلوبكم بالنسبة للإمام الحسين صلوات الله عليه. فواصلوا العمل حتى يتفضّل الله عليكم، ويكون هذا التوفيق في ذريّتكم بالمستقبل).
في الخلاصة علينا أن نكون على استعداد دائم للمشاركة في إحياء مراسيم عاشوراء، من خلال دعم المواكب الحسينية، وتنويع وتجديد الخدمات التي تقدمها، وأن نسعى كي تكون المواكب نماذج لتطوير السلوك الحضاري للمسلمين، للوصول إلى بناء مجتمعات متطورة تحكمها قيم الإصلاح والعدالة ومكارم الأخلاق بأعلى درجتها.