كيف يتغلَّب الحاكم على السلطة؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2019-08-29 05:00
يعاني المسلمون، حكام ومحكومون، من مشكلة التعامل مع السلطة، والفشل المزمن في إدارة الدولة، لأسباب يمكن بحثها وإيجاد الأسباب التي تقف خلفها، ومن ثم معالجتها، فالسلطة بحسب المفهوم المعروف عنها هي قدرة شخص معين أو منظمة على فرض أنماط سلوكية لدى شخص ما، وتعتبر السلطة أحد أسس المجتمع البشري وهي مناقضة لمبدأ التعاون، كما أنّ تبنّي أنماط العمل نتيجة فرض السلطة يُسمى الانصياع، والسلطة كمصطلح يشمل غالبية حالات القيادة، وتُطبَّق السلطة استنادا إلى قوة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، قد تكون هذه القوة حقيقية كالتهديد بالتسبب بأذى جسماني، أو وهمية. تتحدد القوة من خلال الاستخدام المحتمل للعقوبة، وهي عملية تمس بالشخص الذي لا ينصاع إلى السلطة أو يهددها، بغية ضمان وجود قوة اجتماعية.
وطالما ترتبط السلطة بالإكراه واستخدام القوة، فإنها ربما تتضمن محاذير وتجاوز على الحقوق، كما أنها تتضمن مغريات وامتيازات قد ينحرف الحاكم بسببها، إن القول بفشل الحاكم اليوم يستند إلى أدلة قاطعة، قوامها الواقع المؤلم والمؤسف، حيث يقبع المسلمون اليوم في الجهل والتخلف وضياع الحقوق، مقابل حكومات وحكام لا يهمهم من الدنيا سوى الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم وبطانتهم، فيكنزون المال ويشترون العقارات داخل وخارج بلدانهم تصل قيمتها الى مئات المليارات من الدولارات، في حين يرزح تحت خط الفقر والجهل، مئات الملايين من المسلمين، بسبب استخدام الحاكم للسلطة بطريقة ليست عادلة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله): (كان أمير المؤمنين عليه السلام أكبر حاكم على وجه الأرض، وكان يحكم أكبر دولة على وجه البسيطة في ذلك اليوم، ولكنه لما استشهد عليه السلام كان مَدينا، هل سمعتم بحاكم وزعيم يموت مَدينا؟!).
كم من حكام اليوم مستعد لنبذ امتيازات السلطة؟، وكم منهم ينجح في ترويض السلطة والتغلّب عليها من خلال قراراته وإدارته العادلة، ربما يندر ذلك، أما الإمام علي عليه السلام، فمع أنه يحكم أكبر دوله في العالم في وحينها، فإن هذا الأمر يشكل دليلا قاطعا على عظمة هذا الحاكم، وسموّه وعظمة نفسه وقوة إرادته تجاه مغريات السلطة، فهذه الإرادة وحدها ستقيه من الانحراف، وعلى حكامنا اليوم أن يدرسوا التاريخ المشرق جيدا ويتعلّموا كيفية التعامل مع مغريات السلطة، لأن نجاح الحاكم وفشله يكمن في طريقة تعامله مع هذه المغريات كالأموال الضخمة والجاه والنفوذ، ويمكن للحكام أن يتعلموا كيف يتغلبون على السلطة حين يتمثلون سيرة وتجربة الإمام علي مع السلطة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (إن رئيس اكبر حكومة على وجه الأرض، الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يموت مدينا وليس عنده شيء، ولذلك ظل الإمام الحسن عليه السلام مدة مديدة وهو يسدد ديون أمير المؤمنين عليه السلام).
الخصال التي ينبغي أن يحملها الحكام
على حكامنا الآن أن يعرفوا ويتيقنوا بأنّ هنالك قيما وخصالا عليهم أن يفهموها ويتمسكوا بها لكي يصبحوا فعلا من الحكّام الناجحين ويتحاشون الفشل، من هذه المبادئ عفّة النفس، وإبقاء اليد بيضاء والقلب مؤمن والنفس ومغرياتها مطفأة، ومن خصال الحاكم الناجح قدرته على العفو عن ألد أعدائه، وهي حالة قلما وجدناها لدى حكام اليوم، حيث القتل والبطش والإعدام الذي يطول المعارضين لأتفه الأسباب، فضلا عن استئثارهم بالمال العام، وغياب مبدأ العدالة في التعامل مع أفراد الأمة، وعلى حكام اليوم المنتمين للإسلام، أن يدرسوا سيرة الحكام العظماء، وكيف كانت نفوسهم تربأ عن التدنيس وتترفع عن الصغائر، ومن أروع ما كانوا يتحلون به هو عدم إجبار الناس على شيء يقع خارج المألوف والمتعارف من الشريعة والقانون، فكان مبدأ حرية الاختيار من السمات والخصال العظيمة لقادة الإسلام الأوائل كالرسول الأكرم (ص) والإمام علي (ع)، فليس هناك قسر ولا إجبار، بل هناك فكر ومبادئ وإقناع، وحرية تامة في الخيارات المتاحة.
يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) ذلك بقوله: (كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- يهدي قومه وينصحهم، ويوضح لهم طريق الرشد، ويميزه عن طريق الغي، ثم يترك الاختيار لهم).
توجد حزمة من القيم والمبادئ التي آمن بها الإمام علي عليه السلام، منها مبدأ عدم الإكراه الفكري أو المادي، فنلاحظ بخصوص تعامل الحكام العظماء في أول الإسلام، هو منحهم حرية اختيار الدين او الفكر او المعتقد، فالإنسان حر في ذلك، وليس هناك قسر ولا إجبار مطلقا، فقد تم الابتعاد كليا عن منهج الإكراه، أو فرض الفكر الحزبي أو سواه، وهذا في الواقع درس عظيم لقادة اليوم، سواء من الحكام أو قادة الأحزاب أو غيرهم من المسؤولين، يعلّمهم كيفيه التعامل وفق هذا المبدأ العظيم مع الجميع من دون استثناء.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (لقد ردّ النبي الأكرم - صلى الله عليه وآله وسلم- عشرات الحروب والاعتداءات التي شنها أهل الكتاب، دون أن يجبر أحدا منهم على الإسلام).
شرط مقاومة الحكام الطغاة
كي تنجح الأمة، وتصبح العلاقة بين الحاكم والمحكوم عادلة ومنسجمة، هناك شرطان، الأول أن يتعلم الحاكم كيف يروّض السلطة ويسيطر عليها وليس العكس، والثاني أن يقاوم الناس استخدام السلطة بالطغيان، لذا فإن الدرس الذي سيجده حكامنا وقادتنا السياسيين اليوم في سيرة حكام الإسلام من العظماء، سوف يساعدهم على تجاوز أخطاءهم مع المال وتوفير الخدمات والحاجات الأساسية للناس وغير ذلك مما يتطلب العدل والسمو فوق مآرب النفس الضعيفة، وهذا تحديدا ما تنقله لنا وثائق التاريخ، فإذا كان التعامل مع الآخر يتم بهذه الطريقة المتحضرة، فمن المؤكد أن التعامل نفسه يتم مع الجميع، وهكذا تتوافر خصال العفو والحكمة والرحمة واحترام الحريات في شخص الحاكم الإسلامي المتميز قديما، ترى هل يتمتع حكامنا اليوم بهذه المزايا والصفات؟، على الأمة أن تقاوم الحكام الطغاة وحكوماتهم الغاشمة، بشتى السبل والوسائل المتاحة، وأن لا ييأسوا من صعوبة الطريق ومصاعبه، لأن النصر مكفول لمن يسعى الى إعادة الأمور صوب نصابها، وهذا هو ما ينبغي أن يعمل عليه الجميع، إذا لم يرتدع القادة الفاسدون، ولم تستجب الحكومات الفاسدة لمطالب الشعوب المشروعة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول: (لا ينبغي على المؤمنين والمؤمنات، أن يتزلزل إيمانهم من خلال ما نشاهده هذه الأيام، وعلى مر التاريخ من أحداث توجب إخافة بعض المؤمنين، بل عليهم أن يراجعوا القرآن الكريم ويقرؤوه ويتدبروا آياته ليروا أية مواقف نصر الله تعالى فيها المسلمون وكيف نصرهم؟!).
في الختام لابد أن يعلم الناس جميعا، بأننا مسؤولون أيضا عن مساعدة الحاكم على أن يقاوم مغريات السلطة، كيف تتم هذه المساعدة؟، من خلال إيماننا بعدالة حقوقنا والحفاظ عليها، وعدم السماح للحاكم بالتصرف بالسلطة كما يشاء، أو كما ترغب نفسه، علينا أن نرفض الطغيان بكل الأساليب والأدوات المتاحة، هذا سوف يساعد الحاكم على تحييد مغانم السلطة، ويساعده على التعامل السليم معها، كذلك هناك مسؤولية كبيرة على الحاكم نفسه، يجب أن يقرأ سيرة عظماء الحكام ويتعلم منهم، ويعرف كيف تعاملوا مع السلطة وانتصروا على مغرياتها، الطرفان مسؤولان عن نجاح السلطة، هما الحاكم والمحكوم، كي ننتهي إلى تجنب الظلم والفشل في إدارة الحكم.