القائد النموذج من منظور إسلامي
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2018-03-29 06:32
في ظل الظروف الحالية التي تمر بالمسلمين، وبالأخص منهم العراقيين، ونظرا لتوتر الأوضاع الإقليمية والعالمية وحتى المحلية، فإن الحاجة إلى قائد نموذجي باتت مطلوبة إلى أبعد الحدود، لذلك فإن مآثر القائد السياسي لا تموت قط، بل تبقى مثالا مشعّا للشعب والأمة بالإيجاب، وحسبما تنضح به تلك السيرة من مواقف وأعمال وقرارات، لذا لابد أن يتنبّه قادة اليوم لاسيما في الدول الإسلامية ومن بينها العراق، الى سلوكهم وشخصياتهم، وما تتركه من مآثر في حياة الناس التي ستنعكس في سلوكهم وطبيعة أفكارهم وتوجهاتهم وقدرتهم على المساهمة في البناء النموذجي في الأطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا أن الحكام وحكوماتهم هم السبب الرئيس في تردّي أحوال الناس، لأن مشكلة المسلمين اليوم تكمن في الأنظمة السياسية التي تقودهم، كذلك في طبيعة شخصية القائد، ومدى قدرته على التحكم بأهوائه ورغباته وتحييد مصالحه، لأننا في الغالب لا نمتلك قضاءً قويا وقانونا رادعا لمن تسول له نفسه من الحكام في انتهاك حقوق الشعب او التجاوز على أمواله وثرواته، لذلك يبقى الالتزام الشخصي وطبيعة شخصية القائد لها الدور الأكثر تأثيرا على سلوك وأفكار القائد نفسه فضلا عن الشعب، لذا ينبغي أن يدرس هؤلاء القادة النماذج العظيمة التي سبقتهم في الحكم ويتعلمون منها ما يجعل منهم قادة نموذجيين.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الإسلام): في رواية عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: (ولقد ولي عليٌ عليه السلام خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعة، ولا أورث بيضاء، ولا حمراء).
ولا شك أن الحكام الناجحون يسعون الى العدل والمساواة بين الجميع، ويبدؤون هذا السلوك والتطبيق على أنفسهم أولا، ثم على ذويهم والمقربين منهم، ويكون اول أهدافهم هو إنصاف الفقراء والمعوزين والمعدمين، هكذا يتحدث لنا التاريخ الإسلامي وتاريخ الأمم المتقدمة، حيث القادة العظام يشكلون بشخصياتهم نماذج متفرّدة للحس القيادي الإنساني المائز.
الرأفة بالفقراء وحفظ حقوقهم
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب:
إن (الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام لا ينظر إلى أهل المدينة فحسب، الذين يجدون غالباً اللحم فيأكلونه، ولا ينظر إلى أهل الكوفة فقط التي تتوفر فيها اللحوم من كل الأنواع، من الغنم، والبقر، والإبل، والدجاج، والطيور، والأسماك، وإنما ينظر إلى أقاصي بلاد الإسلام، وأهل الأرياف البعيدة، والفقراء).
وهذا دليل قاطع على أنة الفقراء كانوا يمثلون الهاجس الأهم والأقوى لقائدهم، فلا ينام وشعبه أو جزء منه يعاني الجوع والحرمان، والحقيقة نعجب اليوم من قادة للمسلمين يتبجحون بانتمائهم إلى أمير المؤمنين، لكنهم لا يسيرون بسيرته من قريب أو بعيد، فغالبا ما يسعى القائد السياسي العادل الى تحسين حياة الفقراء، من خلال الحس الإنساني الذي يمتلكه، فضلا عن حسن الادارة والمقدرة التي يدير بها ثروات وأموال الأمة، وهو غاليا ما يتحلى بعزة النفس والكرم، فيجعل من مصلحة الناس والشعب تتقدم على مصالحه وأهله وذويه، على عكس ما يفعله بعض حكام وحكومات المسلمين حين يضعون مصالحهم وذويهم في المرتبة الأولى دائما.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا:
(في الوقت الذي عمت الخيرات بلاد المسلمين وبفضل الإسلام، فكان المسلمون وغير المسلمين يرفلون في نعيم من الطيبات، وكانت الكوفة ـ عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ لا تجد بها إلا المنعَّم من الناس، في مثل هذا الظرف تجد سيد الكوفة، وسيد البلاد الإسلامية، وزعيم الإسلام، أمير المؤمنين عليه السلام لا يأكل حتى ما يأكله أدنى الناس).
وحين نطالع اليوم الموائد الكبرى التي تقام هنا وهناك على شرف المسؤولين من المال العام يأخذنا العجب من الفارق الكبير بين هؤلاء وبين الإمام علي عليه السلام الذي يفترض بهم أن يتخذوه أسوة ونموذجا في السياسة والتعامل مع مصالح الأمة.
هنا يذكّر سماحة المرجع الشيرازي بالنموذج القيادي حين يقول:
(كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يأكل اللحم في السنة إلا مرة واحدة، في يوم عيد الأضحى وذلك لأنّ هذا اليوم هو اليوم الذي يأكل فيه كل المسلمين اللحم، من وفور لحم الأضاحي.. فلكي يواسي إمام الأمة أضعف الأمة، يأكل اللحم في ذلك اليوم فحسب).
الأمة تتشبّه بأقوال القائد وأفعاله
ونتساءل حقا هل اتخذ قادة المسلمون من الإمام علي نموذجا لهم؟، الواقع أن الشواهد على الأرض تقول غير ذلك، فقد يجهل بعض قادة اليوم في البلدان والدول الإسلامية، أهمية شخصية القائد، ومدى قدرتها على التأثير في المواطنين البسطاء او غيرهم، فالقائد وهو يتكلم ويعمل وينشط ويتحرك، غالبا ما يكون محط انظار الجميع، لهذا كلما صحّت أفكاره وأفعاله وقراراته، كلما كان الناس أكثر تعلقا به وتأثرا أيضا، لهذا كان القادة العظماء يحرصون على أفعالهم وأقوالهم، علما أنهم يمتلكون محاسن الأخلاق وفضائل السلوك في طبائعهم وسجاياهم، أي انه لا تصنع العدل او المساواة قولا فحسب، إنما يطبقها في قراراته وأفعاله، لهذا تكون شخصيته مؤثرة في عموم أفراد المجتمع، ويصبحون في حالة متابعة مستدامة لأخلاق القائد وسلوكه وكيفية تعامله وإدارته للحكم.
لذا ثمة وصف لسماحة المرجع الشيرازي عن الشخصية القيادية يقول فيه:
إن (شخصية القائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية على الإيمان والزهد).
لكننا حين نتابع المشهد السياسي في بعض الدول الإسلامية ومن بينها العراق، ونتابع كيفية القيادة والتعامل وإدارة الأموال وما شابه، فإننا نلاحظ تهافتا عجيبا غريبا على المناصب والأموال والامتيازات، وكلها على حساب حقوق الأمة، لكن القائد الناجح هو الذي لا يمكن للسلطة أن تطيح به، ويسيل لعابه لها من أجل المصالح والمنافع الزائلة، ويتأتى هذا من قدرة القائد النموذجي على الزهد بالحياة وبالسلطة وامتيازاتها، على العكس من بعض حكام المسلمين الذين تضعف نفوسهم وإرادتهم إزاء سحر السلطة والنفوذ والقوة، فينتهكون حقوق الفقراء ويعيثون فسادا في ثرواتهم بحجج واهية، فتسقط في هذه الحالة شخصية القائد وتكون محل استهجان وتندّر فضلا عن النقمة الناس وسخطهم عليه، فالقائد أو الحاكم النموذج يحتاج الى روح قوية وإيمان متكامل يجعله يسخر من السلطة ومزاياها، وينظر لها على أنها وظيفة لخدمة الأمة وليس للثراء غير المشروع كما يحدث اليوم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول ما ورد في أعلاه:
(ما كان أهون عند علي بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا وما فيها، فالمال، والحكم، والسلطة، والفرش، واللباس، والقصور، والأكل، والشرب، كلها عند علي عليه السلام لا شيء، إلا بمقدار الحاجة الضرورية).
فهل يمكن أن يتخذ قادة المسلمين وحكامهم من الإمام علي عليه السلام نموذجيا فعليا لهم وليس بالأقوال فقط؟، هذا ما ينبغي أن يكون عليه الحكام الحاليين، لأنهم في منظور الأمة قادة ونماذج لهم، فعليهم أن يتشبّهوا بالقائد النموذجي للمسلمين، الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، ليس بالقول وإطلاق الشعارات وكسب تأييد النس فحسب، وإنما يتشبّهوا بأفعاله وتعامله وطريقة إدارته للسلطة ولأموال المسلمين.