كيف نصنعُ عراق المستقبل؟
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2018-01-18 07:16
صناعة الأوطان ليست بالأمر الهيّن، يعرف هذا كلّ من أفنى عمرهُ كي يضيف لبنة جديدة إلى بناء الوطن، والبناء لا يتم بالمادة وحدها، إنما الثقافة والفكر والابتكار والتنظيم والإدارة الصحيحة، كل هذه العناصر وثمة غيرها تشترك مع بعضها لكي يعلو شأن الوطن، ومعه يعلو شأن الجميع، فعلى مَنْ يا تُرى يقع الهمّ الأكبر والجهد الأوسع في هذا البناء؟، إنهم المثقفون من أصحاب الفكر التنويري، هؤلاء هم من تقع عليهم مسؤولية احتواء الشباب، وتوجيههم وتطويرهم وتوظيف مواهبهم لكي يكونوا بناة الحاضر والمستقبل.
لهذا أكد سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، لدى استقباله مجموعة من طلبة العلوم من مدينة النجف الأشرف قائلا:
(على المثقّفين العراقيين بجذب الشباب ووحدة الكلمة للمدافعين عن العراق).
ولكن هنالك ركائز ينبغي أن ينطلق منها كل ذي همّة ورغبة في البناء، لأن الإنسان يحتاج إلى استعداد دائم يقوم على ثوابت وقواعد ينطلق منها نحو تحسين دوره في الحياة، فيُسهم بقوة وتميّز ومثابرة في عمليات البناء على الأصعدة كافة.
أما المرجع الشيرازي فيقدّم رؤيته الخاصة التي ينبغي أن يتوافر عليها كل ذي هدف في البناء المادي والفكري والعقائدي، حيث يحتاج لها الإنسان كي لا تزل قدمه عن الطريق الصحيح للبناء، فالجميع حسب الطبيعة والتركيبة البشرية، يهدف من أعماله الوصول إلى السعادة في الدار الأولى والإبقاء عليها في الدار الثانية، أما هذه الأمور الثلاثة بحسب الرؤية الفكرية لسماحة المرجع الشيرازي، فهي تكمن في قوله:
(إن أردتم الموفقيّة والسعادة في الدارين، أي الدنيا والآخرة، فعليكم بالأمور الثلاثة التالية: أولاً: عليكم بالإخلاص لله تعالى وأهل البيت صلوات الله عليهم. ثانياً: عليكم بالإكثار من السعي. ثالثاً: تحلّوا بالأخلاق الحسنة).
وكلّما كان الإنسان أكثر تمسكا بهذه الركائز الثلاث، وأصرّ على ضبط إيقاع عمله وفقا له وانطلاقا منها، فإن التفويق سوف يكون ملازماً له في حلّه وترحاله، وسيقطف النتائج العظيمة التي سعى وراءها دونما مللٍ أو كلل.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: إنّ (الموفّق منكم من كان أكثر إخلاصاً وأكثر سعياً وأحسن أخلاقاً. ومفتاح هذه الموفقية بيدكم أنتم، رغم المشاكل الموجودة).
الوصية الكبرى
إذاً فالعراقيون يقفون اليوم إزاء مهمة قد ترقى إلى المستوى المصيري، بمعنى إنهم أمام مفترق طرق، فأما يذهبون في طريق السمو والتقدم والازدهار بمشيئة الله، أو يتدحرجون في طريق الانحدار لا سمح الله، فهي مرحلة خطيرة حقا في تأريخ العراقيين، وعلى العقول الكبيرة أن تعي ذلك جيدا.
وقد قدّم سماحة المرجع الشيرازي وصيته الكبرى في هذا المضمار لجميع العراقيين، كي ينهض الجميع بمهمة الحفاظ على العراق، ويُسهم في ارتقائه وصيانة وجوده ولا يختص هذا الهدف بقائة دون غيرها أو شخصية دون سواها، الجميع يقع عليهم مسؤولية الحفاظ على العراق والسعي لبنائه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (الوصية الكبرى هذا اليوم، وفي العراق بالذات هي: شدّ الحزام كما يقول المثل العراقي، من كل العراقيين، للنهوض الثقافي بشباب العراق، بثقافة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، بنين وبنات، في المدارس والجامعات والحوزات وغيرها).
فالأمر يتعلق بالشباب دائما، وحتمية احتوائهم وتطوير أفكارهم وترميم إراداتهم، وحماية مواهبهم وتنميتها، وصون طاقاتهم، خصوصا في المجال الثقافي العقائدي، فإن تمكن الشباب من البقاء على قيد الوجود الثقافي المستقل، واستطاعوا درء خطر الجهل واختراق الثقافات الوافدة والتشبّه برموز الثقافات الأخرى، فلا مخافة عليهم من أي شيء، ولكن هذا الهدف الصعب لا يمكن أن نحصل عليه ببساطة، أو دون تخطيط وبذل المزيد من الجهد النوعي المنظّم، إذ لابد من الاعتناء الشديد بالشباب، لأنهم سوف يصنعون العراق القادم المتميز من خلال مواهبهم وقدراتهم التي يحصلون عليها اليوم من ذوي العلم والخبرات والثقافة، فالشباب العراقي هم القادة المستقبليون في كل مجالات العلم والعمل.
كما أكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي حين قال: إن (شباب العراق هم صنّاع مستقبل العراق، وهم الذين فيهم المراجع في المستقبل، والأطبّاء، وأساتذة الجامعات، وفيهم التجّار، فاحتووا هؤلاء الشباب).
بالطبع ليس هذا بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلا، فأن يُسهم المفكرون والعلماء والمثقفون في صناعة المواهب القيادية الشبابية منذ الآن، فهو أمر لا يمكن التنصّل منه، فالجميع وخصوصا من يجد في نفسه المقدرة على رفد الشباب بالإمكانيات المختلفة، عليه أن يبادر الى ذلك دون أدنى تردد، حتى لو كان هذا الأمر فيه الكثير من الجهد والتعب، لكننا لا نملك إلا أن نمضي في هذا الطريق الصعب.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي: (بلى إنّ هذا الأمر متعب، ولكن ما في اليد من حيلة ولا مناص منه. فهذا العمل يصنع عراق المستقبل).
ولا تنازعوا فتفشلوا
أما عن الأجواء النموذجية للبناء، وكيف يمكن أن تتوفر للعراقيين حتى يتفرغوا لما هو أهم وأفضل من الثقافة والفكر والابتكارات التي تسهم في صنع حاضر أفضل ومستقبل أمثل، فهنالك ما يقدمه لنا سماحة المرجع الشيرازي لكي نتمكن من مواجهة الملمات وتخطي المصاعب، ومن ثم تطوير القدرة الثقافية الفكرية لنا بما يجعل منا أكثر قدرة على مواجهة التحديات التي تقف في طريقنا، ونحن نسعى لبلورة الجهود والطاقات وصبّها في قالب لصنع العراق الجديد المتقدم.
يقدم سماحة المرجع الشيرازي توجيهات قيمة من أجل تسهيل مهمة البناء، والحصول على مسببات التقدم والتميز والثبات لعراق متميز أمين مستقر منتمٍ إلى روح العصر، فقد قال سماحته بوصايا لمن يسعى لبناء العراق وأكد سماحته قائلا:
(الوصية الأولى: عليهم بإطار أهل البيت صلوات الله عليهم، بلا زيادة ولا نقصان. فالمتقدّم عن أهل البيت صلوات الله عليهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق). فمن يتمسك بفكر أئمة أهل البيت لن يخيب، وسوف يجد ضالته حتما، وما على العراقيين جميعا، لاسيما الشباب بمنهم بأن ينهلوا من هذا الفكر الخالد كي يضمنوا الوصول إلى أهدافهم أجمع.
وفي الوصية الثانية لسماحة المرجع الشيرازي، هناك تركيز كبير على قضية مهمة ينبغي تجنبها في أي حال، إذا ما أراد العراقيون بناء وطن المستقبل الزاهر، وهي قضية التنازع فيما بينهم على أي شيء كان، وكلنا نعرف أن طبيعة الانسان قائمة على التفوق والتقدم على الآخرين، ولكن ينبغي أن يجري ذلك بين العراقيين وفق شرط التنافس الشريف المنصف، وليس على أساس الصراع الذي لا يمكن أن ينصف المتنافسين على تقديم ما هو أفضل وأسمى، ذلك لأن الصراع إذا أصبح بديلا للتنافس فإن الفشل سوف يكون مصير الجميع.
لذلك يحث سماحة المرجع الشيرازي العراقيين على اعتماد النص القرآني المبارك (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ)، إذا ما أرادوا النجاح في مسعاهم لبناء العراق، فكل عملية بناء تحتاج الى التقارب والتعاون والانسجام والتنافس بين الجميع وفق هذه القيم، وليس وفق الصراع والتنازع الذي سيقود الجميع بالنتيجة إلى الفشل الذريع لا سمح الله.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في وصيته الثانية للعراقيين: (هي قوله تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ) سورة الأنفال: الآية46. فعليهم أن يتحمّلوا بعضهم بعضاً، رغم وجود كل المشاكل الكثيرة. مع دعائي وسلامي لهم كافّة).