إحياء مناسبة الأربعين وعالمية الفكر الحسيني
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2017-11-09 06:00
تعد زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، من أكبر الشعائر التي يواظب عليها المسلمون ومؤيدو أئمة أهل البيت (ع)، ويقول المهتمون والمراقبون على المستوى العالمي، أن المسيرات المليونية التي تتوجه سيرا على الأقدام الى مرقد الإمام الحسين (ع) في كربلاء المقدسة، تمثل أكبر تجمع بشري في العالم، حيث يتدفق من الخارج على العراق مئات الآلاف بل الملايين من الزوار الكرام، والملاحَظ أن أعداد الزائرين تزداد عاماً بعد آخر وأن وهج النور الحسيني يتسع ويمتد ليشمل بفكره الخلاق العالم كله.
وهذا بالضبط هو المطلوب، فالثقافة الحسينية ينبغي أن تصل الى أبعد نقطة في العالم، وينبغي أن تصبح الشعائر الحسينية ذات طابع عالمي، وهذا بالطبع يحتاج الى جهود ثقافية فكرية وحملات إعلامية جبارة ومتواصلة، لكن بالنتيجة يصبح هذا الهدف ممكن التحقيق، وحتما سترافق تحقيق هذا المرام مصاعب ومتاعب كبيرة، ولكن بالتخطيط السليم، والمثابرة والإصرار على إحياء الشعائر الحسينية ونشرها على المستوى العالمي، مع توصيل المبادئ التي انطلقت بها الثورة الحسينية، سوف يتحقق هذا الهدف الكبير.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يؤكد إمكانية جعل الشعائر المقدسة ذات طابع عالمي في كلمة توجيهية سنوية قيمة لسماحته وجاء من ضمنها: إن (الشعائر الحسينية يجب أن تصبح عالمية، وهذا الأمر فيه متاعب، ولكنه ممكن).
وطالما أن زيارة الأربعين تعد الحدث الأكبر من حيث التجمع البشري، والوحدة على الفكر والثقافة والهدف، فهذا الأمر يتطلب المواظبة على إحياء هذه الشعائر، والإسهام في نشرها عالميا، عبر الوسائل الإعلامية التي ميزت عصرنا هذه، ومنها الشوسال ميديا، شبكات التواصل الاجتماعي كافة، والفضائيات التي تنقل الأحداث والأفكار الى عموم العالم، بالإضافة الى الإذاعات السمعية، والمواقع الالكترونية الدينية والفكرية والثقافية، حتى الصحف والمجلات والكتب الورقية ينبغي أن يكون لها حضورا قوياً في نشر الفكر الحسيني، وشرح تفاصيل المراسيم المقدسة في الزيارات الدينية السنوية لأئمة أهل البيت، وبهذا يكون من الممكن أن تصل مبادئ الثورة الحسينية الى أبعد نقط في العالم، ويكون المجتمع البشري المقيم في المعمورة كلها، على إطلاع دقيق وواضح ومستمر للمنهج الفكري الحسيني الذي سيجعل من العالم أكثر استقرارا وتقاربا ومحبة بين بني البشرية جمعاء.
لهذا السبب جاء في كلمة سماحة المرجع الشيرازي نفسها: إنّ (مناسبة الأربعين الحسيني، يجب أن تحيى بأفضل وأحسن مما مضى. فالمشي على الأقدام، والسير بأقدام حافية، وأمثالها وغيرها، هي كلّها من شعائر الإمام الحسين صلوات الله عليه، ويجب الحفاظ عليها).
قنوات فضائية باسم الإمام الحسين
ولابد أن نعتاد هذه الشعائر، ونحث أنفسنا على جعلها مستمرة ودائمة، فالشعائر الحسينية المقدسة، ليست مقصورة على شهريّ محرم وصفر، بل أن جميع الأيام والشهور على مدار العام يمكن أن يتم فيها إحياء الشعائر، لاسيما أننا نسعى الى إعطائها طابعا عالميا، لهذا فينبغي أن يكون هناك عمل وتركيز على مضاعفة أعداد القنوات الفضائية العاملة في نشر الفكر الحسيني في عموم العالم حتى لو أصبح عددها الألف قناة، فكلما ازداد العدد ستكون هناك فرصة أكبر لنشر وتوصيل الشعائر الحسينية الى أبعد مكان ممكن من المعمورة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع تحديدا: إن (الشعائر الحسينية المقدّسة لا تختصّ بشهري محرّم وصفر، فحسب، بل هي لطول السنّة كلّها. وحتى لو افتتحت ألف قناة فضائية باسم الإمام الحسين صلوات الله عليه، فهي قليلة).
علما أن جميع النشاطات والفعاليات بمختلف أنماطها ومضامينها التي تدخل في مجال تعظيم وتكريم أبي عبد الله الحسين عليه السلام يمكن أن تدخل ضمن الشعائر الحسينية المقدسة، فالمهم هو إظهار ما قدمه أبو الأحرار من تضحيات عظيمة وجهود جبارة وإيمان منقطع النظير، من أجل إعادة الإسلام الى الجادة الصواب، بعد أن ظهرت في العصر الأموي انحرافات خطيرة في الإسلام، كان هدفها إفراغ هذا الدين من القيم والأخلاقيات والمبادئ التي جاءت بها ونشرتها ورسختها الرسالة المحمدية.
وقد سعى الحاكم الأموي الدنيوي يزيد الى تدمير كل المنجزات العظيمة التي حققها الإسلام، وكان يشجع عمدا كل أنواع الانحراف والظلم والفساد، تنكيلا بالنبي محمد (ص) وآل بيته الذين ساروا على نهج جدّهم، وسعوا الى حفظ الإسلام والمسلمين من الفوضى والشطط الأموي أيا كان نوعه أو حجمه، لذا فإن أي نوع من تكريم الإمام الحسين (ع) سيدخل في إطار الشعائر المقدسة، التي يجب أن نسعى جميعا الى نشرها في عموم العالم.
كما نلاحظ ذلك في كلمة سماحة المرجع الشيرازي: إن (كل ما من شأنه تعظيم وتكريم مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه، فهو من الشعائر الحسينية المقدّسة، ويجب الحفاظ عليه بأفضل ما يمكن).
اسعوا لإقامة الشعائر في العالم كله
وقد اهتم الكثير من الفقهاء بإقامة الشعائر، فوضعوا التعليمات والقواعد الشرعية التي تتعلق بها وتحفظها، وأعلن بعضهم بأن جميع الشعائر المعتادة والمعروفة يجب أن يتم إحياءها، وأن إهمال أحدى الشعائر أو نسيان إحيائها يدخل ضمن الأمور المحرمة التي يعاقَب عليها الإنسان المعني، والحرام هنا يأخذ صفة جمعية، بمعنى أن نسيان إقامة إحدى الشعائر أو التعمد بعدم إحيائها، يستدعي معاقبة الجمع وليس فردا واحدا، لهذا ينبغي أن يحذر المؤمنون من هذه النقطة المهمة ويلتفتوا جيدا الى إقامة الشعائر، ويهتموا بها على مدار العام أو على امتداد الزمن.
ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذه النقطة بالذات فيقول: (لقد قال بعض الفقهاء أنّه إذا لم تقام إحدى الشعائر الحسينية المقدّسة، فهذا يعني انّ الجميع ارتكبوا الحرام).
ولابد أن يكون هنالك سعي مضاعف في هذا المضمار، لدرجة أن الهدف ينبغي أن يشمل نشر الشعائر على مدار الزمن، وأن تكون جميع الشعائر الحسينية ذات طابع عالمي شامل، وهذا يتطلب تضحيات جسيمة ينبغي أن يكون المسلمون على استعداد لتقديمها، وستكون هنالك متاعب ومصاعب وآلام، لكن مع ذلك يجب على الكل أن يكونوا مستعدين لتحمل هذه التضحيات والمصاعب، إكراما لسيد الشهداء عليه السلام ومؤازرته لثورته ونصرة لفكره ومبادئه.
ويوجّه سماحة المرجع الشيرازي بهذا الأمر قائلا: (اسعوا إلى إقامة الشعائر الحسينية المقدّسة في العالم كله، بأقوى ما يمكن، واشتروا المصاعب والآلام في هذا السبيل، ورخّصوا لها أنفسكم).
ومما ينبغي الاعتراف به، أن ما قدمه الإمام الحسين وذويه وصحبه عليهم السلام، هو الذي أسهم في إعادة الإسلام الى الطريق الصحيح، مع ميزة مهمة جدا، وهي الحفاظ على الإسلام الى الأبد، ولولا دماء أبي الأحرار عليه السلام، لما كان هنالك إسلام، هذه هي القيمة الحقيقية لما قام به سيد الشهداء، فالدماء التي سالت في أرض كربلاء، والسبايا التي تم تعذيبها والتجاوز عليها وهي تعود في النسل الى المصطفة محمد (ص) وانتهاك الحرمات والترويع والتعذيب والقتل الذي طال آل محمد (ص)، كل هذا وغيره أسهم بشكل قاطع في تثبيت الإسلام الى الأبد.
وقد نبّه سماحة المرجع الشيرازي بذلك في قوله: (لولا القضية الحسينية المقدّسة، لما كنا، نحن وأنتم، مسلمون، بل لم يك شيئاً اسمه الإسلام أبداً).