صحِّحوا جذور الاعوجاج السياسي
قبسات من فكر المرجع الشيرازي
شبكة النبأ
2017-10-05 06:00
يُطلق توصيف الاعوجاج السياسي على بعض الأنظمة السياسية التي تفشل في القيام بعملها على نحو صحيح، فتخرج بعيدا عن المسار المحدد، وترتكب أخطاء في القرارات والخطوات الفعلية، فيعود ذلك بالضرر على شعوبها، ومما يؤسف أن بعض هذه الحكومات تتخذ من الإسلام دينا لها لكنها تفشل في تطبيق القوانين المستمدة من أفضل نموذجين لإدارة الحكم في التاريخ الإسلامي ألا وهما حكومتيّ الرسول الأكرم (ص) والإمام علي بن ابي طالب (ع).
لذلك ينبّه سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، الى هذه النقطة في إحدى كلماته التوجيهية القيمة، فيقول سماحته: (إنّ جذور الكثير من الاعوجاج والفتن الموجودة في الدول الإسلامية، هو الابتعاد عن القوانين الإسلامية، وقد نبّه الإمام الحسين صلوات الله عليه لهذا الأمر، حيث قال: (أسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب) صلوات الله عليهما وآلهما).
وكان ولا يزال على القادة السياسيين معرفة الأهداف التي سعى إليها الإمام الحسين (ع) وضحى من أجلها بأغلى ما يملك، وطالما أن الأنظمة السياسية في الدول الإسلامية تنتمي بصوت قانوني تشريعي معلَن للإسلام باتخاذه ديناً رسميا لها، فكان ولا يزال حريّا بها أن تتخذ من النماذج السياسية (العملاقة) مثالا لها، تلتزم به وتقتدي بمبادئه وخطواته وطرائق تعامله في إدارة الحكم والدولة.
وحتما أن جميع الساسة يعرفون تلك الأهداف العظمى التي ركزت عليها المبادئ الحسينية، في سعيها لتعديل المسار المنحرف للحاكم الأموي الدنيوي الذي سعى جاهدا لقتل روح الدين، بأفعاله الدنيوية الدنيئة، ومن يقول أنه لم يطلع على أهداف الحسين (ع)، يمكنه أن يحصل على ذلك من خلال الإطلاع على سيرة الرسول (ص) والإمام علي (ع)، ومن خلالهما يمكنه تصحيح الخطأ وبناء النظام المثالي.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: (نعرف لأجل ماذا استشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه؟ ويمكن معرفة الجواب عبر رجوعنا للأحاديث والروايات والزيارات والأدعية الشريفة المروية عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، وبالبحث فيها).
في هاتين الحكومتين خارطة عمل سياسي متقن ودقيق، لقيادة الأمة نحو أهدافها بأمن وسلام.
التهرّب من النموذج
هناك من لا يفكر من القادة بالنموذج، بل بعضهم يصل به الغرور والجهل، الى درجة أنه لا يحتاج الإطلاع على التجارب الناجحة، ومنهم على الرغم من إعلانه الانتماء الديني والمذهبي، إلا أنه حين يصل الأمر الى كيفية إدارة الثروات والأموال والنفوذ والسلطة، فإنه يتهرب من (عدالة) النموذج، لأنها تحاصره بالحفاظ على حقوق الناس، ولا تسمح له بالتطاول على هذه الحقوق المادية والمعنوية، فتحد من جبروته وغروره وسلطته، وتقلص فوائده المادية لتجعلها في حدود ما يستحق، وليس في حدود ما يريد ويرغب، لأن بعض القادة لا يكتفي بحقه، بل لا يكتفي بحد معين من الثروة والجاه والسلطة بسبب شخصيته المريضة.
لذا من أهم ما ينبغي أن يلتزم به القادة، الابتعاد على الاعوجاج السياسي في إدارة الداخل والخارج على حد سواء، ويجب المحافظة (إضافة الى الحقوق) على الحريات المدنية، فقد أكد الإسلام على أن الإنسان خلق حرا، ولا يجوز إخضاعه ومصادرة حريته ورأيه وأملاكه وحقوقه، كما نلاحظ ذلك في حكومة الإمام علي (ع).
وكما نقرأ ذلك في كلمة سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (أكّد الإمام الحسين صلوات الله عليه في قوله، تأكيداً خاصّاً على طريقة وأسلوب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. ففي حكومة الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي امتدت إلى شمال أفريقيا وأعماق أوروبا، لم يك سجيناً سياسياً واحداً. وفي حكومته صلوات الله عليه تم القضاء على الفقر).
ولعل الركن الأهم الذي اعتمده الإمام علي (ع)، في إنشاء نظام سياسي نموذجي هو ركن العدالة، ومعاملة الجميع سواسية، القريب منهم والبعيد، المسلم أو غير المسلم، فكل من يكون مواطنا في دولة المسلمين، فإن الحكومة مسؤولية عن رعايته وحمايته وضمان سلامته وتوفير العيش الملائم له، مع الضمان القطعي لحقوقه وحمايته من الفقر، مع الالتزام بالشرط الأهم وهو حق المعارضة والحرية في الرأي العام أو في السياسة أو شخص الحاكم وما شابه.
هذه الحقوق تم حفظها بتوافر شرط مهم بل عظيم من شروط الحكم الناجح، إنه العدالة، فمن خلالها يتم ضمان أهم شرط من شروط الحياة، ونعني بذلك ضمان الحرية الفردية، والتكافؤ في فرص العمل والمساواة في الثروات، وما شابه، ولعل النجاح الذي حققته حكومة الإمام علي (ع)، يرتكز في ما يرتكز إليه بالدرجة الأولى، الى ركن العدالة التي تضمن حقوق الجميع بمساواة متناهية.
وهكذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (بفضل عدالة الإمام عليّ صلوات الله عليه زمن حكومته الفريدة، زال الفقر وقُضي عليه).
كيف يصل العالَم للسعادة؟
عندما يصرّ الإمام الحسين عليه السلام أن يسير بسيرة أبيه، معلنا ذلك على الملأ، فإنه يعرف ماذا تعني هذه السيرة، وما الذي يتحقق من ذلك على مستوى حماية حقوق الناس وحرياتهم وضمان العيش الكريم لهم، وحريّ بكل حاكم بل وجميع الحكومات أن تلتزم بما أعلنه الإمام الحسين، وأن تسير على خطى هذه السيرة التي حققت العدل التام بين الجميع في الحقوق والحريات والواجبات، فكانت ولا زالت النموذج الأعظم على مر التاريخ، لهذا ثمة مسؤولية قاطعة على الحكومات كافة للالتزام بعدالة ومنهج وسيرة الإمام علي عليه السلام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: لقد (أكّد مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه كثيراً، على سيره بسيرة وطريقة أبيه مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وهذا التأكيد من الإمام الحسين صلوات الله عليه هو في رأس قائمة المسؤوليات الملقاة على الحكومات كافّة ولكل عصور التاريخ).
إذاً لا مجال لبقاء الاعوجاج في حكوماتنا، فكل شيء ممهد وموجود لتصحيح المسار، وأهم شيء وجود النموذج الذي يجب أن تسير الحكومات في هديه وفي ضوء سيرته، ولو أردنا الحق فإن العالم أجمع ينبغي أن يتعرف على أفضل نموذجين للحكم في التاريخ البشري، ومن حق العالم أن يعرف ذلك ومن الواجب علينا القيام بهذه المهمة.
ومن الأفضل أن تبدأ حكوماتنا بنفسها، ويبدأ قادتنا بتطبيق نموذجيّ حكومتيّ النبي محمد (ص)، والإمام علي (ع)، ففي هذين النموذجين يكمن خلاص الأمة، حيث العدالة، والمساواة، والتكافل، والسلام، والأمن، وفرص العمل، والحريات، والخلاصة هي السعادة التي يبحث عنها الإنسان طالما كان على قيد الحياة.
وما أجمل السعادة التي يصنعها العدل المحمدي العلوي، والمبادئ العظيمة التي تستقى من تجربتيهما في إدارة الحكم، لذا فإن حكوماتنا وقادتنا لديهم الفرصة العظيمة التي فيما لو قاموا باستثمارها على النحو الصحيح، فإنهم يحققون للأمة أعظم إنجاز على مر التاريخ، خصوصا أن المسلمين جميعا يتطلعون الى العدل والرحمة والمساواة ويتعطشون الى الحرية بأسمى معانيها، وليس أمتنا وحدها من تتطلع الى ذلك بل العالم بأسره يتمنى أن يتخلص من التفرقة والظلم والأحقاد والدسائس والحروب والضغائن والتطرف بكل أنواعه، ولا شك عندما يعرف العالم كله بهذين النموذجين ويسير في ضوئهما، فإن السعادة سوف تشمل عالما كله بلا استثناء.
ولهذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي: (إذن، أليس من الجدير أن يتعرّف العالم على مثل حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ليصل للسعادة).