قميصا الفتنة والتضليل
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الحادِيةُ عشَرَة (٢٨)
نـــــزار حيدر
2024-04-08 02:19
{قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا}.
قمِيصانِ في التَّاريخ إِستُخدِما للتَّضليلِ والإِبتزارِ حتَّى ذهبا مضرباً للأَمثالِ، الأَوَّل هو [قميصُ يوسُف] والثَّاني هو [قميصُ عُثمان] والقميصانِ وظَّفا [دَمٍ كَذِبٍ]!.
الأَوَّل قال عنهُ الله تعالى {وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ} والثَّاني قالَ عنهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) {وإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوه ودَماً هُمْ سَفَكُوه، فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيه فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْه ولَئِنْ كَانُوا وَلُوه دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلَّا عِنْدَهُمْ وإِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ ويُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ، يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي مَنْ دَعَا وإِلَامَ أُجِيبَ! وإِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّه عَلَيْهِمْ وعِلْمِه فِيهِمْ}.
وفي الحالتَينِ تمَّ فضحِ الخديعةِ، فالأَوَّل فضحها نبيَّ الله يعقُوب (ع) بقولهِ تعالى {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} والثَّاني فضحَها أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {ولَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ ولَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْه إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! والسَّلَامُ}.
وفي الحالتَينِ كذلكَ عندما تمَّ توظيف [قمِيصَ دَمٍ] من قِبَلِ [العصابةِ] للتَّضليلِ والإِبتزازِ، تمَّ تحشيدِ [حميَّةِ الجاهليَّةِ] كما يصفها القرآن الكريم في قولهِ تعالى {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.
العصابةُ الأُولى حشَّدت عصبيَّةَ الحِقدِ والحسَدِ وكونِ أَبوهُم يتعامل معهُم كأَبناءٍ من الدَّرجةِ الثَّانيةِ {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} مِن دونِ الإِشارةِ إِلى الأَسبابِ الغيبيَّةِ والإِنسانيَّةِ والرِّساليَّةِ والواقِعيَّةِ المعرُوفةِ، أَمَّا العصابة الثَّانية فقد وظَّف زعيمُها طاغيةَ الشَّام الطَّليق إِبنُ الطَّليق مُعاوية بن أَبي سُفيان عصبيَّةَ القبيلةِ على حسابِ الدِّينِ والأَخلاقِ والحقِّ والعَدلِ.
يصفُها أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {وزَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثْمَانَ ولَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ فَاطْلُبْه مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالأَثْقَالِ وكَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ والْقَضَاءِ الْوَاقِعِ ومَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إِلَى كِتَابِ اللَّه وهِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ}.
ولقد فضحَ (ع) فتنةَ الطَّاغية عندما كشفَ عن مسعاهُ لابتزازِ الأُمَّة بالقميصِ لمَّا تبيَّنَ أَنَّهُ لا يطلُب الحقَّ بالثَّأرِ وإِنَّما يريدُ الإِبتزازَ فلَو كانَ يطلبُ حقّاً من أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) بتُهمةِ التورُّط بدمِ الخليفةِ كما يدَّعي طاغيةَ الشَّام، لقبِلَ أَن يُنازِلهُ بالسَّيفِ في ساحةِ المعركةِ وجهاً لوَجهٍ ولا يورِّط النَّاسَ بحربٍ لا ناقةَ لهُم فيها ولا جَمل وبالتَّالي يحقِن دماءَ المُسلمينَ ويأَخذَ بالثَّأرِ في آنٍ واحدٍ!.
إِنَّهُ رفضَ دَعوةَ الحقِّ لأَنَّهُ أَرادَ [القميص] فتنةً للتَّضليلِ والإِبتزازِ.
كتبَ إِليهِ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) يقولُ لهُ {وقَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً واخْرُجْ إِلَيَّ وأَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ عَلَى قَلْبِه والْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِه! فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّكَ وأَخِيكَ وخَالِكَ شَدْخاً يَوْمَ بَدْرٍ وذَلِكَ السَّيْفُ مَعِي وبِذَلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي مَا اسْتَبْدَلْتُ دِيناً ولَا اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً وإِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ ودَخَلْتُمْ فِيه مُكْرَهِينَ}.
وقبلَ ذلكَ فقَد عرَّى أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) كُلَّ الذين تاجرُوا قبلهُ بـ [القميصِ] لحاجةٍ في نفوسهِم من خلالِ إِثارةِ الفِتنةِ وابتزازِ الخليفةِ الشَّرعي وإِمام العَدل بحربِ [الجَمَلِ] بقولهِ {قَدْ كُنْتُ ومَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ ولَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ وأَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ، واللَّه مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ إِلَّا خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِه لأَنَّهُ مَظِنَّتُه ولَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْه مِنْه فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيه لِيَلْتَبِسَ الأَمْرُ ويَقَعَ الشَّكُّ، ووَ اللَّه مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ؛ لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً (كَمَا كَانَ يَزْعُمُ) لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَه أَنْ يُوَازِرَ قَاتِلِيه وأَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيه، ولَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَه أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ عَنْه والْمُعَذِّرِينَ فِيه، ولَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَه أَنْ يَعْتَزِلَهُ ويَرْكُدَ جَانِباً ويَدَعَ النَّاسَ مَعَه فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلَاثِ وجَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ ولَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُه}.
أُنظر إِلى الواثقِ كيف يتحدَّث ويُدلي بحججهِ وإِلى صاحبِ الفتنةِ كيفَ يتعاملُ معَ الأُمورِ؟!.
فأَينَ الرَّأي العام مِن كُلِّ ذلكَ؟!.
يصفهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {أَلَا وإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}.
فعندما يكونُ الرَّأي العام مُغفَّلاً ومُضلَّلاً إِستأجرَ الحاكِمُ عقلهُ بثمنٍ بخسٍ ليفكِّرَ ويُخطِّطَ نيابةً عنهُ وهوَ في سِنَةٍ أَو نَومٍ عميقٍ مضرُوبٍ على أُذُنِهِ فلا تتوقَّعَ أَنَّهُ سيفهمَ شيءٌ فينتفِضَ ضدَّ الباطل وينتصرَ للحقِّ، وهو الواقع الذي تعيشهُ الأُمم في ظلِّ سُلطةِ الظُّلمِ والجَورِ والإِستبدادِ.
ولقد لخَّصت الآية الكريمة التي افتتَحنا بها المَقال فلسفة قصَّة الأُمَّة التي تنام على قرعِ طبُولِ السُّلطة الجائرة.
فأَينَ مثلَ هذه الأُمَّة النَّائمة من وصفِ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) {واللَّه لَا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا ويَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا ولَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْه وبِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي، فَوَاللَّه مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي، مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّه نَبِيَّه (ص) حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا}.