القافِلون بنظريَّة المُؤامرة والساكنون في اطلال الماضي
أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ
نـــــزار حيدر
2020-05-21 04:50
(٢٢)
{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
إِذا أَردت أَن تستوعبَ شرُوط التَّمكين، فرداً أَو مُجتمعاً، يلزمكَ أَن تكونَ على استعدادٍ تامٍّ لتقييمِ نقاط القوَّة والضَّعف بشكلٍ دقيقٍ فالمبالغةُ تودي بكَ إِلى التَّهلكُةِ.
إِنَّ الوهمَ سببهُ خِداع الذَّات {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
وفي الآيةِ المُباركة تخفيفٌ من الله تعالى على المُسلمين عندما علِم أَنَّ فيهم ضعفاً، بغضِّ النَّظر عن نوعهِ، ولولا ذلكَ لحمَّلهُم فَوقَ طاقتهِم وهذا خِلافُ الواقع والحِكمة.
فإِذا كانَ تعالى في بادئِ الأَمرِ يتوقَّعَ منهُم إِنجازاً أَكبرَ في ساحةِ المعركةِ لقوَّتهِم وإِرادتهِم، كما في قولهِ تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} فهوَ الآن خفَّف عنهم بسببِ ما ظهرَ فيهِم من ضعفٍ.
هذا يعني أَنَّ [الضَّعف] الذي هوَ مُشكِلةٌ بحدِّ ذاتهِ قد تتضاعف مشاكلهُ إِذا لم يعترفَ بهِ المرءُ ليستعِدَّ لتجاوزِ مخاطرهِ من خلالِ إِيجادِ الحلُولِ والبدائلِ.
لذلكَ يُمكنُ القَول وبضَرسٍ قاطعٍ أَنَّ من أَهم شرُوط التَّمكين، هو الإِعتراف بالضَّعف وتقدير القوَّة بشكلٍ سليمٍ بِلا تهويلٍ أَو تضخيمٍ، والنَّاجحُون فقط همُ الذينَ يتميَّزونَ بذلكَ ولهذا تراهم لا يُفاجأُون بشيءٍ لأَنَّهم حسِبُوا لكلِّ شيءٍ حسابهُ إِلَّا اللَّمم، أَمَّا الفاشلُون ففي كُلِّ يومٍ تواجههُم مُفاجأَة لأَنَّهُم يُهوِّلون ويُضخِّمونَ وقليلاً ما ينجحُونَ في تجاوزِ آثارها السَّلبيَّة ورُبما المُدمِّرة.
إِنَّهم يُضخِّمون القوَّة المُفترضة ويهوِّنونَ من الضَّعف.
وإِنَّ الإِعتراف بالضَّعف دونَ الإِستسلام لهُ، يلزم أَن يعقبهُ طلبُ المُساعدةِ لسدِّ النَّقصِ ولتحقيقِ التَّكامل من دونِ خجلٍ أَو غرورٍ أَو إِعتدادٍ بالنَّفسِ زائداً عن حدِّهِ.
فعندما تعيدُ النَّظر فتكتشفَ خطأً أَو تقصيراً أَو قُصوراً فلا تخجل مِن البَوحِ بهِ عندَ مَن يستحق أَو عندَ المعنيِّ بكَ أَو بمشرُوعِكَ لتطلُبَ المُساعدة والنَّجدة، أَو رُبما ليكُونَ شريككَ، فذلكَ أَمرٌ تصبُّ مصلحتهُ في إِنجازِ الهدف كما أَنَّهُ أَمرٌ يخدمُكَ لأَنَّهُ يقوِّي موقفكَ ويسدُّ الفراغ أَو الحلَقة الضَّعيفة في مسيرتكَ وأَنتَ تتحمَّل المسؤُوليَّة.
وكلُّ هذا لا يُقلِّل من شأنِكَ كما يتصوَّر البعض أَو يُضعف أَو يطعن بشخصيَّتِكَ أَبداً، فلنتعلَّم فن الإِعتراف بالضَّعف أَو القصُور لطلبِ المُساعدةِ من آيات القُرآن الكريم، عندما طلبَ نبيَّ الله موسى (ع) المدَد والمُساعدة من الله تعالى بدعوةِ أَخيهِ هارون ليُشاركهُ في أَمرِ الرِّسالة لتتكامل نُقاط قوَّتهِ مع نُقاط قوَّة أَخيهِ أَو معَ ما يتميَّز بهِ ليسُدَّ بهِ الفراغ.
يقولُ تعالى مُتحدِّثاً عن ذلكَ {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ- قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ- وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ- وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ}.
إِستجابَ الله تعالى لهُ بقولهِ {قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ- فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} و {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}.
يُشيرُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) إِلى هذهِ الحالة الصحيَّة بحثِّهِ على تقديمِ النَّجدة مِنَ القويِّ لِمن بدا منهُ ضعفاً، فيقُولُ {وَأَيُّ امْرِىء مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلاً، فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ}.
فالنَّجدة لسدِّ النَّقص يُساهمُ في اقتناصِ فُرص التَّمكين، أَمَّا الوقُوف حَيراناً أَو مُتفرجاً فينتهي بالإِثَنينِ إِلى الهاوِية.
إِذا تحقَّقَ التَّكامُل بينَ القُوَّة والضَّعف وتضافرت العوامل وسَدَّ بعضهُ فراغ البعض الآخر فسيتجنَّب المُجتمع الحال السيِّئة التي ذكرها (ع) بقولهِ {وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ؛ لاَ تَأْخُذُونَ حَقّاً، وَلاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً. قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ، فَالنَّجَاةُ لَلْمُقْتَحِمِ، وَالْهَلَكَةُ لَلْمُتَلَوِّمِ}.
(٢٣)
{مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}.
لماذا لا ينتبهَ البعضُ لفُرصِ التَّمكين؟! فكلَّما مرَّت عليهِ فرصةٌ لم يشعر بها فيخسر الواحدة تلوَ الأُخرى؟!.
[٣] أَسباب مُهمَّة مِن بينِ أَسبابٍ عدَّةٍ؛
- الإِغترار بما عندهُ والتكبُّر، فيتصور أَنَّهُ اكتفى من العلمِ والخبرةِ والنَّجاحات، فلا حاجةَ لمزيدٍ منها إِذا قرأَ كتاباً ومارسَ إِدارةَ مهنةٍ أَو مسؤُليَّةِ موقعٍ أَيَّاماً وأَسابيع.
والغرورُ هو الذي يُزيِّنُ للمرءِ أَعمالهُ مهما كانت متواضِعةً أَو رُبما حقيرةً، وهو المرضُ الذي يصعب عِلاجهُ إِذا لم يُبادِر صاحبهُ لعلاجهِ بالإِنتباهِ إِليهِ والإِعترافِ بهِ أَوَّلاً كما في قولهِ تعالى {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
والغرورُ هو الذي يدفعُ بصاحبهِ للخَوضِ بكلِّ حديثٍ مِن دونِ أَيِّ استعدادٍ علميٍّ أَو معرفيٍّ أَو حتَّى خِبرويٍّ كما في قَولهِ تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ- ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} وقولهُ تعالى {حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فهو يحكُم على الشَّيء قبلَ أَن يفهم.
وفَوقَ هذا يستعرِضُ عضلاتِهِ [المعرفيَّة] الخاوِية!.
وإِنَّ أَسوءَ من ذلك عندما يتصدَّى لِمَن يُقدِّم لهُ المعرفة والخِبرة والمَشورة بالتُّهمِ والطَّعنِ والدِّعايات المُغرضةِ والتَّسقيطِ وأَحياناً التَّهديدِ كما في قَولهِ تعالى {قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ} على اعتبارِ أَنَّ خبرتهُ فريدة من نوعِها يخشى أَن يذهب بها المُصلح!.
وقولُهُ تعالى {إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ۚ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا}.
أُنظُر كيفَ يُضيِّع على نفسهِ وعلى مُجتمعهِ فُرص التَّمكينِ!.
إِنَّهُ الإِستكبار في النَّفس الذي يحولُ بين المرءِ وفُرص التَّمكينِ {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ۗ لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا}.
والتكبُّر هوَ أَوَّل درُوس إِبليس عندما رفضَ أَن يسجُدَ لأَبينا آدم (ع) عندما خلقهُ الله تعالى وأَمرَ الجميعُ بالسُّجودِ لهُ، يقولُ تعالى {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
أُنظُر كيفَ يُقدِّم لنا أَميرَ المُؤمنينَ الوصفَة كعلاجٍ لهذا المرض، يقُولُ (ع) {عِبَادَ اللهِ، إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ، وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ; وَالْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ، وَالْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمِ لَهُ دِينُهُ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ، وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ}.
وقالَ (ع) لرَجلٍ سأَلهُ أَن يعظهُ {إِنْ أَصَابَهُ بَلاَءٌ دَعَا مُضْطَرّاً، وإِنْ نَالَهُ رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ، وَلاَ يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ، يَخَافُ عَلَى غْيَرِهِ بِأَدْنىَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ، إِنْ اسْتَغْنَى بَطِرَ وَفُتِنَ، فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ، فَإِنَّمَا هَوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ، إِلَى أَجَلٍ مَعْدُود}.
الإِنشغالُ عنِ الفرصةِ، وهذهِ واحدةٌ مِن أَسوأ أَسباب الفشل، يقولُ تعالى {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ}.
إِنَّ الذي لا ينشغِلَ عن فُرص التَّمكينِ هو الذي يعرف قيمتها ويُقدِّر أَهمِّيَّتها كما يقولُ أَميرُ المُؤمنين (ع) {وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لاَ تَشْغَلُهُمْ عنْهَا زِينَةُ مَتَاع، وَلاَ قُرَّةُ عَيْن مِنْ وَلَد وَلاَ مَال، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ؛ (رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)}.
وعكسهُ الذي يصفهُ (ع) بقَولهِ {فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ، وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ، وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّىءَ أَعْمَالِهِ، فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ، وَالنَّارُ غَايَةُ الْمُفَرِّطِينَ}.
- التَّضليلُ، فعندما ينشغلُ بالقيلِ والقالِ تضيعُ عليهِ الفُرصة، وهو المرضُ الذي أُصبنا بهِ بدرجةٍ مهولةٍ ومُخيفةٍ من خلالِ وسائل التَّواصُل الإِجتماعي التي تطمُرنا في كُلِّ لحظةٍ بالأَكاذيبِ والفبركاتِ وبكُلِّ ما يُضلِّل عقولَنا فتضيعُ علينا فُرصُ التَّمكينِ!.
يقولُ تعالى {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}.
بقيَ أَن أُشيرَ إِلى خطأَينِ يرتكبهُما كثيرون يُضيِّعا عليهُم فُرص التَّمكينُ؛
- عندما ينتظرونَ الفُرصة التي تُعجبهُم فقط! والتي تتناغم وأَهواءهُم! ولكن ليست كلَّ الفُرص على ما يُرام، ولذلكَ يطولُ انتظارهُم!.
يقولُ تعالى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ}.
- وعندما ينتظرونَ الفُرصة التي تأتي اليهِم من [الكبارِ] فقط فإِذا جاءتهُم من غيرهِم استصغروها ورفضُوها.
يقولُ تعالى {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} وقولهُ تعالى {قَالُوا أَنُؤْمِنُ
(٢٤)
{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}.
إِثنان لا يمكنُ أَن يستفيدا من التَّمكين أَبداً؛ القافِلون والذُّيول.
والقافلُون هُم الذين لو تأتيهم بكلِّ آيةٍ لما غيَّروا من قناعاتهِم شيئاً كما في قولهِ تعالى {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ} وقولهُ {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ- وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ}.
أَمَّا الذُّيول فهُم الذين تصوِّر حالهُم الآية الكريمة {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ} و {قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ- إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ}.
القافِلون مسكُونونَ بنظريَّة المُؤامرة، أَمَّا الذُّيول فقد سكنَ فيهِم الماضي!.
إِنَّ أَحد أَبرز شرُوط التَّمكين هوَ الإِستقلاليَّة في التَّفكير والتَّخطيط والوَلاء والشِّعار والرَّمزيَّة، وهي الفلسفة التي تُحدِّثنا عنها قصَّة تغيير القِبلة، كما في قولهِ تعالى {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ثمَّ قولهُ {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.
سياسيّاً فإِنَّ عينَ [القافُل] على [سيِّدهِ] أَمَّا [الذَّيلُ] فعينهُ عادةً خلفَ الحُدود ولذلكَ لا يمكنُ لهذَين الصِّنفَين أَن يستفيدا من فُرص التَّمكين وأَدواتهُ وأَسبابهُ أَبداً.
إِنَّ التَّمكينُ يحتاج إِلى عقليَّة مُتفتِّحة تقبل التَّجديد والتَّحديث، كما أَنَّهُ يحتاج إِلى رُؤيةٍ واسعةٍ وبصيرةٍ نافذةٍ تستوعب المُتغيِّرات والمصالح في آنٍ واحدٍ، الأُولى للتَّفاعل والإِنسجام معها بما يخدِم مشروع التَّنمية والثَّانية لتشخيصِها على وجهِ الدقَّة لحمايتِها من عبث [الغُرباء] مهما كانت هويَّتهم أَو قُربهُم وبُعدهُم منها.
والصِّنفان لا يُمكنهما أَن يستوعِبا كلَّ ذلك، ولذلك فالتَّفكيرُ أَو السَّعي لتمكينهِما عبثٌ في عبثٍ.
إِنَّ أَسرى التشبُّث بالماضي والتوقُّف عندَ التَّاريخ، وكذلك أَسرى رأي الآخرين من دونِ السَّعي للتَّفكيرِ بهِ لتطويرهِ مثلاً أَو نقدهِ أَو تعديلهِ أَو حتَّى رفضهِ، وكذلك أَسرى الولاءات [الخارجيَّة] إِنَّ كلَّ هؤُلاء لا يمكنُ بحالٍ من الأَحوالِ أَن يقتنِصُوا فيُوظِّفُوا فُرص التَّمكينِ وشروطهِ وأَدواتهِ لتحقيقِ التَّغييرِ والنَّجاحِ والتَّنميةِ.
ولَو دقَّقنا النَّظر فسنكتشفَ أَنَّ سرَّ كُلَّ ذلكَ هو المطامِع التي تُقيِّد وتُكبِّل القافلين والذُّيول على حدٍّ سَواء، كُلّاً من القواعد التي يستند عليها في صياغةِ أَفكارهِ التي لا يجدها إِلَّا في مصالحهِ الخاصَّة مهما كانت ضيِّقة.
ولذلكَ قالَ أَميرُ المُؤمنينَ(ع) {لاَ يُقِيمُ أَمْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ إلاَّ مَنْ لاَ يُصَانِعُ، وَلاَ يُضَارِعُ، وَلاَ يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ} وكذلكَ قولهُ {أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ}.
ولهذا حذَّر (ع) من استشعارِ الطَّمع بقولهِ {أَزْرَى بِنَفْسِهِ [أَي حقَّرها] مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ}.
وما أَروع قولهُ (ع) {الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ} فالقافِلُ والذَّيلُ مِن صنفِ الرَّقيق يبيعهُم ويشتريهُم [السيِّد] و [الغريب].
أَلا ترَون إِلى عبوديَّة [العِصابة (العِصابات) الحاكِمة] للسُّلطة؟! ورفضهُم للتَّغيير والإِصلاح؟! لأَنَّهم رقيقٌ بالمطامعِ وقليلاً ما يتحرَّرون.
وصدقَ (ع) بقَولهِ {إِنَّ الطَّمَعَ مُورِدٌ غَيْرُ مُصْدِر، وَضَامِنٌ غَيْرُ وَفِيّ. وَرُبَّمَا شَرِقَ شَارِبُ الْمَاءِ قَبْلَ رِيِّهِ،كُلَّمَا عَظُمَ قَدْرُ الشَّيْءِ الْمُتَنَافَسِ فِيهِ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ لِفَقْدِهِ، وَالاْمَانِيُّ تُعْمِي أَعْيُنَ الْبَصَائِرِ، وَالْحَظُّ يَأتِي مَنْ لاَ يَأْتِيهِ}.