سلوكيات ترامب: هشاشة العقل أم خلل في الشخصيّة
د. محمد مسلم الحسيني
2017-02-12 06:52
أطلق الطبيب الأمريكي المختص في الأمراض العقلية والنفسية "جون كارتنر" في السادس عشر من شهر كانون ثاني المنصرم حملة جمع تواقيع لعلماء النفس وأخصائي الأمراض العقلية والنفسية، فحصد على ما يزيد عن 15900 توقيع لهؤلاء تشير وتوعز بأن الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" مصاب بمرض عقلي يمنعه من حكم البلاد. وطبقا للقوانين الأمريكية المختصة بهذا الأمر وعلى الخصوص الفقرة الثالثة من الملحق 25إي من الدستور الأمريكي، فإن على ترامب التنحي عن منصبه كرئيس لأمريكا. هذا العدد الهائل من تواقيع أهل الإختصاص لا يجعل المرء يعتقد بأن رئيس أمريكا الجديد شخصية سوية وطبيعية.
رغم إعتراض بعض الأخصائيين على تشخيص زملائهم وعلى رأسهم البروفيسور البريطاني المختص بعلم النفس "ألين فرانسيس" حيث قال بأن ترامب مصاب بإضطرابات في إطار الشخصيّة وليس بمحور العقل فهو شخصيّة مريضة وليس عقلية مريضة، إلاّ أن الجميع يتفق بأن هذا الرجل يعاني من خلل سواء كان عقلي أو نفسي أو تصرفي إجتماعي. ومهما يكن من أمر فإن أعراض وعلامات غير صحية تعتبر إشارات للعديد من أمراض العقل أو النفس أو الشخصية موجودة وواضحة في هذا الرجل برزت خلال ممارسته للسلطة بل حتى قبل ذلك وعلى الأخص أثناء حملته الإنتخابية. هذه الأعراض كان يتربص لها ويتابعها أهل الإختصاص قبل غيرهم بل صارت واضحة للملأ على وجه العموم وغير خافية على أحد بمرور الزمن.
شخصيّة المرء المتمثلة بمقوماتها الثلاثة "المظهر والجوهر والتصرف" تنعكس من خلال مقوماتها، فترتبك بإرتباك المقومات وتستوي بإستوائها. فالمظهر وهو الغلاف الخارجي للشخصية، وإن كان أثره سطحي، إلاّ أنه يوحي ببعض الإنطباعات العامة التي تشير الى طبيعة الشخصية وعقدها وأمراضها. وهكذا ذهب بعض المختصين بعلم النفس في تحليل شخصية ترامب من خلال مظهره وحركاته وتفاعلاته وإنفعالاته بل ومن خلال نظراته وتراكيب وجهه وتسريحة شعره وأسلوبه بالكلام والمفردات التي يتلفظ بها وحتى شكل توقيعه فلكل موقع معنى في طبيعة الشخصية.
أما العنصر الأهم من عناصر الشخصية فهو الجوهر والذي يضم الإحساس والإدراك عند الإنسان، فإن إختل الجوهر إختلت الشخصية واختل التصرف معها. الخلل في الإدراك أو في الإحساس أو في كلاهما هو عملية معقدة الأسباب والبواعث نحن لسنا في صدد التوسع فيها، إنما ما يهمنا هو الإستنتاج بأن خلل الإحساس أو خلل الإدراك يؤدي الى خلل في التصرف. تماما كما هو الحال في الأمراض الجسدية، فإن أصيب المرء بمرض عضوي تظهر معالم المرض على شكل أعراض يشكو منها المريض كالحمى والألم والتعب وغيرها، وهكذا هو الحال حينما يعتل جوهر الشخصية تظهر تصرفات غير سوية تعتبر أعراضا لمرض الشخصية.
في مقالنا هذا تحليل موجز لتصرفات ترامب وتصنيفها ضمن نوع الخلل والإضطراب في الشخصية وأوجزه بما يلي:
1- جنون العظمة: وهو أن يرى الإنسان نفسه أعلى من مقامها الحقيقي فينزلق في تصرفات لا تتناسب مع قابلياته العقلية والجسدية. من تابع ويتابع تصريحات ترامب ومقالاته يتحسس مدى وهم العظمة الذي يغزو عقليته حيث يكرر التصريح بأنه "سيكون أكبر رئيس لخلق فرص العمل في أمريكا لم يصنع الله مثله من قبل". كما أن إعتقاده بأن كل الذي يعمله صحيح ومن يخالفه مخطىء وغبي كان واضحا من خلال خطاباته وتصرفاته وآخرها حينما نعت الحاكم الذي أوقف العمل بقراره، الذي يمنع دخول مواطني سبع دول ذات أكثرية مسلمة للأراضي الأمريكية، بالغباء وأنه مدعاة للسخرية بل شكك في قابلياته المهنيّة كحاكم، هو دليل واضح على الثقة العمياء بالنفس وتضخيم عظمتها. لا أعتقد أن ترامب يأخذ بنصائح حاشيته أو يستأنس برأي الغير إنما يعمل بالذي يؤمن به ويعتقده دون أن يحتمل الخطأ أو يتوقع الخلل!.
2- النرجسيّة: حينما لا يرى الإنسان الا نفسه ولا يعجب بأحد إلاّ بها فهو نرجسي المزاج، وهكذا تظهر هذه الصفة جليّة في تصرفات ترامب اليومية. أمريكا في نظر ترامب هي الأولى وهي الأهم وهي الأعظم طالما هو رئيسها، ومصالحها فوق كل مصلحة إذ لا يعير أي إهتمام للأواصر والروابط الخارجية التي تربط بلده بالأصدقاء والحلفاء دون المادة، فالمادة أولا وآخرا وصديق أمريكا هو من يفتح صناديق المال لها. سياساته التحفظية والشعوبية برزت من خلال وعوده ببناء حاجز حدودي يفصل أمريكا عن المكسيك ومن خلال منع دخول المسلمين الى أمريكا وتهديده بالتخلي عن الدفاع عن حلفائه دون مردود مادي، كلها إمارات وعلامات تشير الى حب الذات والأنانية والإعتداد بالنفس وحب الظهور والغرور والتعالي وهي إمارات لنرجسية واضحة.
3- السادية وضمور المشاعر. من يقرأ تأريخ حياة ترامب يتوقف على لمسات تدل على حالة العدوانية في شخصيته وأهمها إلحاقه أثناء شبابه، وبإيعاز من والديه، في الخدمة العسكرية من أجل إمتصاص حالة العدوانية التي شكى وتذمر منها أهل ترامب. كما أن فشله مرتين في زواجه وإفتقاره لأصدقاء حميمين والتخلي عن المقربين لأبسط سبب وتبنيه لفكرة إرجاع التعذيب في السجون الأمريكية ونعته للنساء بألفاظ نابية وكراهيته للمسلمين والأجانب وأصحاب البشرة السوداء تدل على طبيعة مشاعره العدوانية وضمور مشاعره الإنسانيّة. أما على الصعيد الخارجي فسلوكه العدواني الإنفعالي لا يختلف، فإغلاقه للهاتف بوجه رئيس وزراء أستراليا وتهديداته المستمرة لبعض الدول سواء كان على نطاق الحرب الإقتصادية كما يفعل مع الصين وإيران أو على نطاق الحرب العسكرية كما يفعل مع كوريا الشمالية، كلها دلالات واضحة على شراسة هذا الرجل وميوله الساديّة.
4- الوهم في الإعتقاد والشعور بالإضطهاد: في الكثير من الأحيان يتوهم ترامب إعتقاديّا بأمور ليس لها حقيقة أو لها حقيقة لكنه يبالغ ويضخم فيها، فيعتقد بأن تدور من حوله مؤامرات وتحفر له مطبات حيث لا يتردد بالتصريح فيها وبالتحري عنها، ومنها: التوهم بأن الـ "أف بي آي" و"سي آي أيه" تتربص له وتحاول الإيقاع به. وأن هناك أكثر من ثلاثة ملايين صوت إنتخابي فضائي راح الى الغريم الإنتخابي إبان عملية التصويت في الإنتخابات زورا وبطلانا. كما يتوهم أيضا بان وسائل الإعلام تعاديه وتريد النيل منه وتوهم مؤخرا بان القضاء يعانده ويعاكس أوامره، وغير ذلك الكثير حتى وصل به الحد أن يطرد من حاشيته كل من يعارض آراءه وأفعاله متوهما بعدم الإخلاص فيه.
5- التناقضية: يظهر التناقض واضح على شخصية ترام وتصرفاته فهو يصف حلف الناتو بالمؤسسة البالية ويهدد بالتنصل عنها من خلال تصريحات سابقة بينما يؤكد وقوفه خلف هذا الحلف مائة في المائة إبان زيارة رئيسة وزراء بريطانيا "تريزا ماي" لأمريكا. كما أنه يبدي صداقته وأعتزازه ومشاريع تعاونه مع الروس من جهة بينما يوعز لممثلته في الأمم المتحدة بالزجر والتهديد لروسيا وبالتصريح بطلبات تعجيزية لا تستطيع روسيا تنفيذها كثمن لرفع الحصار عنها وهو إنسحابها من شبه جزيرة القرم التي تعتبرها جزءا لا يتجزأ منها. تتحدث إدارته عن حل الدولتين لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من جهة بينما يوعد الإسرائيليين بنقل السفارة الأمريكية الى القدس المحتلة!.
هذه التصرفات هي أعراض غير طبيعية إن اجتمعت أو تفرقت فلها دلالات تشخيصيّة لحالات مرضية سواء عقلية كانت أو نفسية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، أن جنون العظمة ووهم الإعتقاد والشعور بالإضطهاد وضمور المشاعر والتناقضية كلها علامات تشخيصيّة تحصل في مرض فصام الشخصية أو ما يسمى بـ "السكيزوفرينيا"، وهذا ما يؤكده فريق جون كارتنر. بينما عشق الذات والإنطواء على النفس ونبذ الآخرين علامات تشخيصية لحالة "النرجسية" وهذا ما يعتقده فريق ألين فرانسيس. التشخيص الدقيق لحالة ترامب تستدعي جلسات خاصة معه من خلالها يستطيع الطبيب المختص أن يستنبط تشخيصه من خلال الحوار وإجراء الإختبارات الموجهة للتشخيص. ومهما يكن من أمر فإن كان رئيس أمريكا معتل عقليّا أو نفسيّا أو إجتماعيّا فهو في كل الأحوال لا يصلح لقيادة دولة عظمى كأمريكا إذ أن مضاعفات تصرفاته على العالم قد لا تحمد عقباها وستكون صدماته اليومية لسكان المعمورة مستمرة حتى إشعار آخر!.