لماذا نخفي عيوبنا؟
عزيز ملا هذال
2025-08-09 04:59
نحن البشر، نحاول بشتى الطرق والإمكانات إخفاء عيوبنا أو فلنسميها نقاط ضعفنا عن أقراننا البشر. وإن خرجت بعض الأمور إلى العلن، فإننا نصاب بالاكتئاب والضيق مما حصل. فماذا لو عرف الآخرون عيوبنا؟ وهل أصبح العالم كله مثاليًا حتى نجاهد نحن في إخفاء عيوبنا ونقاط ضعفنا؟ وما هي أسباب الإخفاء التي تدفعنا لذلك؟
الذي يخفى، أو ربما يجهله الكثير من الناس، هو أن حياة الإنسان في الأصل قائمة على ثنائية الصواب والخطأ. فنصيب تارة في سلوكية أو عدة سلوكيات، ونخطئ في سلوكيات أخرى. فالفهم لهذه الحقيقة يجعل الإنسان أكثر أريحية وأقل حرجًا من سلوكياته الخاطئة أو الأقل صوابية من غيرها من السلوكيات. لكن غياب التصور والمعرفة بهذه الحقيقة يجعلنا نجاهد باستمرار لإخفاء نقطة ضعف أو خلل أو عيب، نبذل جهدًا مستمرًا في كل لحظة وكأن أحدهم يطاردنا ليفشي للكون بما بنا من عيب أو خلل.
الاسباب؟
بكل بساطة، لأنها طبيعة الإنسان. نسعى دائماً إلى إخفاء عيوبنا ونقاط ضعفنا لأن هذا جزء من طبيعتنا، كما نحب أن نظهر بصورة جيدة أمام الآخرين ونخشى أن يحكموا علينا أو ينتقدونا إذا لاحظوا أي ضعف فينا. حتى وإن كنا نعلم أن الكل لديه عيوب، إلا أن الخوف من أن نظهر أقل قدرة أو أقل قيمة يجعلنا نحاول إخفاء تلك الجوانب. كما أننا نسعى دائماً للقبول والتقدير، وهذا يدفعنا لبذل جهد إضافي لنبدو في أفضل صورة ممكنة، حتى إذا كان ذلك يعني إخفاء حقيقتنا أحياناً.
كما أن من الأسباب المحتملة لهذه المحاولات أننا نحاول عبرها حماية أنفسنا من خبثاء النوايا والفعل، حيث يضغطون علينا ويستغلون نقاط الضعف أو العيوب، وهو ما يجعلنا نحاول قدر الإمكان إخفاء عيوبنا لئلا يستغلنا أو يهيننا الآخرون نتيجة معرفة بعض العيوب أو الوقوع في بعض الأخطاء حتى وإن كانت غير مقصودة.
أو قد يكون السبب في الرغبة في إخفاء العيوب هي المواقف الكثيرة التي نتعرض لها جميعاً في مرحلة الطفولة، فأصبح لدينا صدمة من الوَصْم، أن يتم وَصْمُنا بشيء يظل مرتبطًا بنا طالما حيينا. فكبرنا ونحن نحاول أن نخفي ما نظنه عيوباً أو نواقص حتى لا نتعرض لنفس ما تعرضنا له سابقاً.
أخيرًا، قد يكون إخفاء العيوب بسبب الخوف من فقدان القبول الاجتماعي أو التعرض للنقد، ورغبتنا في الظهور بمظهر مثالي أو قوي. حيث يعتقد الكثيرون أن الكشف عن عيوبهم سيؤدي إلى نبذهم أو انتقادهم من قبل الآخرين، مما يدفعنا إلى إخفائها.
ماذا يترتب؟
حين نخفي عيوبنا، فإننا نتعرض إلى ضعف النمو الشخصي للفرد، إذ إن إخفاء العيوب يمنع الفرد من العمل على تحسين نفسه وتطويرها، لكونه لا يحاول الاعتراف بها من الأصل. أما الأفضل فهو الاعتراف بالعيوب والأخطاء السلوكية والعمل على الاستفادة منها وتحويلها إلى نقاط قوة بدلاً من أن تكون نقاط ضعف، عبر التعلم منها والابتعاد عن تكرارها.
كما يؤدي إخفاء العيوب الذاتية للإنسان إلى فقدان الثقة بالنفس والشعور بالدونية، حيث إن تراكم الأخطاء والبقاء على إخفائها سيولد خوفاً داخلياً لدى الإنسان وقد يبقى ملازمًا له، وبالتالي يفقد الثقة بنفسه وبمحيطه. والأفضل هو التصدي واعتبار النقص جزءاً من تركيبه الإنساني، وليس منقصةً ولا عيباً أو عاراً يلحق به، والتعامل معه على أنه حالة طبيعية تتطلب تحسين الأداء لتجاوز الأخطاء.
كما يؤدي إخفاء العيوب إلى بناء علاقات غير حقيقية مبنية على أساس المجاملة والخداع بدلاً من الصدق والشفافية، لكون الإنسان يتحسس من ذكر عيوبه أو الإشارة إليها فيُفضّل بناء علاقات مع من لا يذكر عيوبه. والأفضل هو بناء علاقات مع الحريصين عليه وعلى سمعته، والذين يحاولون تصويب سلوكياته وتعضيد الضعيف منها، فمثل هؤلاء هم المخلصون وليس الآخرين.